الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالثالث]

محمد رؤوف حامد

2023 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بعد التمهيد (فى الجزء الأول)، وبداية المقدمة التعريفية (فى الجزء الثانى)، يأتى هذا الجزء (الثالث)، والذى يتناول مصطلح "المؤامراتية" ، استكمالا للبند أولا، والخاص بالتعريفات، ثم يتطرق الى البند ثانيا، والذى يختص ب "طبيعة المؤامراتية كإشكالية"، من حيث ثلاث زوايا رئيسية، الوجودية، والدور السياسى، والحركيات.

د) المؤامراتية:
بدأ مصطلح التآمر Conspiracism فى الإنتشار فى ثمانينيات القرن العشرين، خاصة فى تناول بواسطة مينتز Mintz ، فى معرِض جذب الإنتباه الى "أهمية تتبع المؤامرات (وكشفها) لما لذلك من فائدة بشأن مسألة كشف التاريخ" ( ).

وطبقا ل باركون Michal Barkun (2013) فإن الإهتمام بالتمعن فى مسألة التآمر يرجع الى أسباب عديدة يأتى من أبرزها أن نظريات المؤامرة تشرح مالاتستطيع التحليلات المؤسسية شرحه ( ). ذلك بمعنى أنها تعمل من خلال حس يبزغ نتيجة أوضاع مربكة (أو مبهمة).

هذا، ويجدر الإنتباه الى وجود فارق، يستحق الإعتبار والتقصى والتقييم، بين البحث فى مسألة التآمر، من منطلق تتبع المؤامرات، فى إطار كشف التاريخ من جانب، كما الحال فى مؤامرات جرت الإشارة إليها أعلاه، وما يمكن اعتباره نقداُ منطقياُ Rational criticism من جانب آخر، وذلك على غرار ماقدمه استيجليتز (الإقتصادى الحاصل على جائزة نوبل) من نقد لمنظمة صندوق النقد الدولى IMF ( ).

هنا، ربما يستحق الأمر الإشارة الى أنه بالأخذ فى الإعتبار للمعانى المقصودة من المصطلحات التقليدية السائدة (المؤامرة – نظرية المؤامرة – التآمر)، فإن هذه المعانى تتعلق بالمؤامرة كإجراء (و/أو توجها) شريرا يجرى الترتيب له فى الخفاء، أو بشكل غير شفاف لآخرين، وتتعلق بمصطلح التآمر باعتباره إسما (أو وصفا) لممارسة المؤامرة، ثم بمصطلح نظرية المؤامرة باعتباره يعنى وجود فرض (أو افتراض) Hypothesis بحدوث (أو بوجود) مؤامرة.

وعليه، يمكن الإدراك بأن الإشكاليات الخاصة بالمؤامرة و/أو المرتبطة بها تتطلب أن يكون التعامل معها من خلال عناصر منهجية عديدة تحتاج الى الإنتباه وقد لاتندرج ضمن المعانى التى تشير إليها المصطلحات الثلاث السابق ذكرها (المؤامرة – نظرية المؤامرة – التآمر) .

من هذه العناصر "المنهجية" يمكن الإشارة: على سبيل المثال، الى مايلى:
- الدوافع والمصالح المرتبطة بعملية التآمر.
- الظروف (والسياقات) التى تساهم فى الولوج الى ممارسة المؤامرة.
- التآمر كتوجه (وكفكر) له أبعاد مختلفة، تاريخية ونفسية واجتماعية وقانونية ...الخ.
- قدر الإرتباط ، بين وجودية التآمر من جانب، وأوضاع وسمات الحياة السياسية (مثل الديكتاتورية والديمقراطية ...الخ) من جانب آخر.
- العلاقة مابين ممارسة التآمر، من جانب، وإشكالية الفساد بتنوعاته المختلفة (سياسى /إدارى / مالى ...الخ)، من جانب آخر.
- قدر العلاقة بين طبيعة (أو ملامح) التآمر، ونوعيات مختلفة من الأعمال و/أو الحرف.
- إمكانية التعامل مع المؤامرة من خلال أبعاد علمية يمكن الرجوع إليها فى التنقيب والتفسير والتقييم والإستشراف (والتنبؤ)، وليس بمجرد افتراض (أو الإكتفاء بافتراض) وجود مؤامرة فيما يختص بحدث ما.

وهكذا، يكون فى الكشف للعناصر المنهجية المتعلقة ببزوغ ومصير عمليات التآمر (أو القيام بمؤامرات) مقاربة مساعدة، ومدعمة، لجعل المنهجيات المعرفية هى الإطار الرئيسى للتعامل مع المؤامرات. ذلك بحيث يُشَكِل هذا الإطار (المنهجى) مرجعية نظرية لأية تناولات تتعلق بالمؤامرة، سواء كفعل (يتعارض مع القوانين المعمول بها)، أو كتقصى إعلامى يمكن الإعتداد به، أو كتحدى (فردى أو مجتمعى أو دولى) بخصوص شأن ما، أو كمستقبليات.

من هذا المنظور يمكن اعتبار "المؤامراتية"، كمصطلح، تعبيرا مناسبا (أو مظلة مصطلحية مناسبة) للتعامل مع المؤامرة، أو المؤامرات، أو الشأن المؤامراتى فى ملابساته (وسياقاته) المختلفة، حدوثا، وافتراضا، واستشرافا، ووصفا، وتحليلا، وسردا ...الخ.


ثانيا- طبيعة "المؤامراتية" كإشكالية:

المقاربة الإستيعابية للمؤامراتية، تستدعى التعرف على طبيعتها كإشكالية. فى هذا الإطار يمكن الإشارة المبدأية لها من خلال ثلاث جوانب رئيسية تتعلق بوجوديتها، وأبعادها السياسية، وحركياتها.
أ) وجودية المؤامراتية:
أ-1) قد يحدث إنتباه لفعل التآمر أثناء حدوثه، وهذا أمر نادر. من أبرز الأمثلة هنا تأتى فضيحة ووترجيت (1974).
أ-2) قد يوجد اتفاق بين بعض المراقبين، أو بعض عموم الناس، بأن وقوع حدث ما يكون(أو كان) نتيجة لمؤامرة، وذلك برغم عدم التوصل بشكل كامل، أى من منظور معرفى و/أو قانونى، بوجود تآمر. من أمثلة ذلك يمكن الإشارة الى حادثة إنفجار برجي التجارة فى نيويورك (11 سبتمبر 2001)، وكذلك حادث إغتيال كنيدى (1963).

أ-3) قد لاتظهر حقيقة أحداث واقعة المؤامرة قبل زمن طويل. فى هذا الصدد يمكن الإشارة، كمثال "مؤامراتى"، الى ادعاء الإدارة الأمريكية، فى 2003، بوجود أسلحة دمار شامل فى العراق، كسبب لإستباحة إعلان الحرب عليه واحتلاله عسكريا. هنا يشهد التاريخ إقدام الولايات المتحدة وحلفائها على ضرب العراق واحتلاله، برغم تشككات دولية متعددة، وبرغم تظاهرات شعبية عالمية (فى كافة العواصم) لمناهضة التدخل العسكرى فى العراق. لكن، فوجىء العالم بعدها بسنوات، أى بعد أن استباحت الإدارة الأمكريكية تخطى الرأى العام العالمى والمضى فى تدمير العراق، وطناً وبشراً، باعتذار من بوش الصغير، الرئيس الأمريكى الذى كان قد أصدر الأوامر باحتلال العراق، بعد أن كان قد سبقه اعتذار مماثل من باول (وزير الدفاع الأمريكى أثناء غزو العراق)، وذلك لإدراك (أو لإعتراف) كلاهما (الوزير والرئيس)، بعد أن تركا منصبيهما، أن لم يكن لدى العراق أى أسلحة دمار شامل ( ).
أ-4) قد تنشأ المؤامرة كنظرية (أى كإفتراض)، باعتبارها مقاربة معرفية (من خلال البرهنة أو التخمين) لتفسير حدث (أو أمر) ما، سواء كان خفيا أو معلنا.
أ-5) أيضا قد تنشأ المؤامراتية نتيجة وجود حالة من الشمولية فى المجتمع(كما فى العديد من بلدان الجنوب)، أو كنتاج لنقص مجتمعى فى الإنضباط والتحكم (حالة الكورونا نموذجا).
ب) الدور السياسى للمؤامراتية:
يُقصد بالدور السياسى هنا صناعة التوجهات أوالأهداف، الأمر الذى يمكن أن يتضح من خلال التنوعات التالية:
ب-1) زرع اعتبارات مؤامراتية لتحجيم الرؤى والسلوكيات المخالفة أو التى يمكن أن تكشف الحقيقة، وذلك مثل العداء للسامية، كمفهوم وممارسة.
ب-2) دعم الشعبوية، خاصة من خلال تحريف (أو خلط) المعلومات.
ب-3) إقدام كيانات كبرى، خارجية أو دولية، باتخاذ اجراءات تشويهية ضد الآخر، وكما جرى فيما يسمى بوعد بلفور، وفيما عُرف باتفاقية سايكس بيكو 1 ، وأيضا كما يجرى حاليا فيما يُدعى بسايكس بيكو 2.
ب-4) وضع تشويهى محلى، أى داخل الدولة أو الحكومة، مثل عدم إنفاذ أحكام قانونية، كما فى نموذج عدم تنفيذ حكم محكمة النقض بأحقية أحد المرشحين لعضوية البرلمان بدلا من آخر ثبت قانونيا عدم استحقاقه ( ). وأيضا كما فى إلغاء إحدى المؤسسات العلمية القومية الرائدة، محليا ودوليا، فى مجال رقابة وبحوث الدواء، الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية ( ).
ب-5) إتجاه كيانات دولية (صندوق النقد الدولى IMF نموذجا) لممارسة ترتيبات متكررة -إلى حد كبير- عبر دول مختلفة، برغم ثبوت قدر كبير من عدم جودتها.
ب-6) إستخدام القوى الإدارية والمعلوماتية (بالإضافة للنفوذ الدولى) لتوجيه السياسات الخارجية فى الترتيب والممارسات لتوجهات وسيناريوهات غير حميدة تجاه كيانات وشعوب. من أمثلة ذلك إستخدام حادث تفجير برجي التجارة فى واشنطن كذريعة للحرب على أفغانستان، وكذلك إهمال التصدى الدولى لحوادث قتل جماعية ( )، من أبرزها مقتل750000 شخص فى رواندا، وكذلك قتل 8000 شخص فى سيبرنيتسا (البلقان).

ج) حركيات المؤامراتية:
- أحيانا تتشكل الممارسات المؤامراتية من اعتبارات نفسية و/أو أيديولوجية. الإعتبارات النفسية تقوم أساسا على أسباب تراثية أو دينية. أما تلك الأيديولوجية فمن أبرز أمثلتها التاريخية ماعُرف فى الولايات المتحدة بالمكارثية، والتى تجلت فى ممارسات تشدد واضطهاد ضد كل من يُعتقد بأنه ماركسى أو يسارى، ومما يذكر أن تقارير أمنية من هذا النوع قد طالت كل من أينشتاين وشارلى شابلن.
- تتحرك المؤامراتية على مستوى الدول والمؤسسات -عادة- من المستويات الأعلى الى الأدنى.
- أحيانا تبزغ المؤامراتية كجزء من علاقات القوة.
- يسهل انتشار المؤامراتية فى الأنظمة المغلقة (والشمولية) عنه فى الأنظمة المفتوحة.
- للمعلوماتية، والأوضاع الإعلامية، وعمليات نقل التكنولوجيا، تأثيرات وانعكاسات، سلبية وأخرى إيجابية، على المؤامراتية كحالة.
قد تنشأ المؤامراتية نتيجة التداخل بين الإعتبارات المصلحية الخاصة لبعض الكيانات، من جانب، مع السياسات ورسالاتها من جانب آخر. هنا، وكمثال، يرى بعض الخبراء الدوليين فى الأزمة الروسية / الأوكرانية نموذجا لتآمر دولى متعدد الأهداف، سواء بالنسبة لمصالح كيانات صناعة السلاح، أو بالنسبة لسعى بعض الكيانات الغربية لإستمرارية هيمنتها على النظام الدولى، أو بالنسبة لمحاولة روسيا العودة لما كان لها (وللإتحاد السوفيتى) من تشارك فى صياغة معايير الأوضاع الدولية.

يتبع/ الجزء الرابع "مؤامراتيات عالمية تستدعى الإنتباه وإعادة التقييم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال