الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طبيعة المشروع السياسي الراهن، و أسباب ما يحمله من مخاطر !

نزار فجر بعريني

2023 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يُلاحظ المتابع لوسائل صناعة الرأي العام السوري تجاهل جميع القوى في قراءتها لأحداث هذه المرحلة من الصراع توضيح طبيعة " المشروع السياسية" الذي أطلقت صيرورته جهود أمريكية روسية خلال الربع الاوّل من ٢٠٢٠ ، بعد توقيع اتفاقيات ٥ آذار بين الرئيسين التركي والروسي ؛ رغم ما سينتج عن نجاح خطوات وإجراءات تحقيق اهدافه من عواقب خطيرة على مقوّمات الدولة السورية، وعلى مصالح السوريين المشتركة!
التساؤل الرئيسي الذي احاول تقديم مقاربات موضوعيه لأهم جوانبه:
ما هي طبيعة المشروع السياسي الراهن الذي يتجاهلون عوامل سياقه واهدافه، وأين تكمن مخاطرة ؟
أولا ،
إذا كان من الطبيعي أن تنتهي الحروب بتسويات سياسية ، تسعى قواها لشرعنة ما صنعته موازين قوى الحرب من وقائع جديدة، فقد انتهت معارك تقاسم الحصص في حروب ٢٠١٥ ٢٠٢٠ بين قوى "الخَيار العسكري الخارجية وأذرعها السورية " إلى مرحلة " التسوية السياسية " التي تعمل قواها على شرعنة الوقائع السورية الجديدة التي اعترفت بها الخارطة الجيوسياسية لاتفاق ٥ آذار ؛ وهي القضية الابرز التي ينبغي توضيح سماتها في إطار محاولة توصيف المشهد السياسي السوري المتواصلة خطواته منذ ربيع ٢٠٢٠ .
من نافل القول أنّ ما يحدّد أهداف التسوية السياسية ، وما تُنتجه (١)- في سياق صفقات سياسية بين قوى الحرب، يستخدم فيها الجميع كلّ أوراق قوّته- يعكس بالدرجة الأولى موازين القوى العسكرية والسياسية ، و ما صنعته من حقائق جديدة خلال مرحلتي الحرب الثانية والثالثة ؛ وهي العوامل ذاتها التي قوّضت شروط قيام" حل سياسي" ، وما بات ممكنا هو حصول " تسوية سياسية " تتناقض مع سياق وأهداف ومآلات الحل السياسي الذي مازال البعض يعتقد بإمكانية إطلاق صيرورته !!
فهل مازالت تتوفّر شروط تحقيق " حل سياسي " يلبّي ما يتوقّعه البعض من انتقال سياسي ، ويقوّض شروط التسوية السياسية الأمريكية المطروحة!
القراءة العيانية التفصيلية للمشهد السياسي السوري تُظهر تواصل أحداث وخطوات " مشروع "تسوية سياسية"، تختلف نوعيا عن حيثيات وسياق خَيار " حل سياسي " و "مرحلة انتقالية"، كانت ممكنة فقط بين ربيع ٢٠١١ ٢٠١٢، قبل ذهاب الصراع السياسي بشكل نهائي على مسار الخَيار العسكري الطائفي في أواسط ٢٠١٢ ! (٢)
في هذه المرحلة الرابعة من "الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي(٣) "، التي تشكّلها التسوية السياسية، يستحيل توفّر شروط حل سياسي ، و إطلاق" مرحلة انتقالية "، تشكّل خارطة طريق انتقال سياسي كما يأمل الذين مازالوا يراهنون على مسار جنيف والقرار ٢٢٥٤ ؛ وكلّ ما تُتيحه الظروف الموضوعية والذاتية هو الوصول إلى تفاهمات صفقات " تسوية سياسية" بين قوى الخَيار العسكري الطائفي الخارجية و أدواتها السوريّة ، تعمل الولايات المتّحدة وروسيا على تحقيق خطواتها وإجراءاتها التطبيعيّة والتأهيليّة منذ نهاية ٢٠١٩، استكمالا لما أنجزته مرحلة حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠ ؟
ثانيا ،
التساؤل الذي يطرح نفسه، ويساعدنا على فهم مختلف جوانب المشهد السياسي الراهن :
ما هي سيناريوهات وخيارات "التسوية السياسية" المطروحة في هذه المرحلة من الصراع، وما هي طبيعة العلاقات بين قواها ؟
طبيعة مصالح وسياسات الولايات المتّحدة وشركائها في مشروع التسوية ، المرتبطة بخطوات وإجراءات تحقيق أهدافها ، على صعيد التطبيع الإقليمي وتأهيل سلطات الأمر الواقع ، ترجّح أن يأخذ مسار صراع العلاقات السياسي في سياق الوصول إلى تسوية سياسية ناجزة ، بين قوى الخيار العسكري الخارجية ( الولايات المتّحدة وروسيا وتركيا وإيران و " إسرائيل ") وأذرعهم السوريّة – سلطات الأمر الواقع- سيناريوهات متعدّدة ؛ تواجه جميعها عقبات رئيسيّة ، وتخلق صراعات بينيّة جديدة : السيناريو الأمريكي/ الإيراني ، الرئيسي ، الذي يشكّل خارطة طريق التسوية السياسية الأمريكية الشاملة ، وما تتضمّنه خطواتها وإجراءاتها من اعتراف متبادل بالحصص القائمة وسلطاتها ،كما فرضتها موازين قوى الحرب في نهاية ٢٠١٩ ، ورسمت حدودها الاتفاقيات التركية الروسية ، خاصّة في ٥ آذار ٢٠٢٠ .
وفقا لهذا السيناريو، تعمل الجهود الأمريكية من أجل الوصول إلى تهدئة مستدامة ، واعتراف متبادل بين سلطات الأمرالواقع ، وبالتالي شرعنة الحصص ومناطق النفوذ في سياق مسارين متوازيين ، تتكامل فيهما خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي، وإعادة التأهيل السوري :
في سياق تحقيق خطوات التسوية السياسية الأمريكية على الصعيد السوري ، تسعى واشنطن بالدرجة الأولى لوصول النظام و قسد إلى تفاهمات اعتراف متبادل وتنسيق أدوات السيطرة التشاركية ، إضافة إلى تفاهمات شاملة وتطبيع للعلاقات بين سلطات الأمر الواقع ، بما يضمن للولايات المتّحدة والنظام الايراني حالة تهدئة مستدامة ، توفّر أفضل شروط تأبيد سيطرتهما المشتركة على سوريا والإقليم، وتستخدم جميع أوراق الضغط عليهما لإنجاح اهدافها، كما تستخدم ضغوطا مشابهة على تركيا وروسيا، اللتين تعملان على مواجهة السياسات الأمريكية بأوراق وخيارات بديلة !
في هدفه الأمريكي الرئيسي ، يضمن هذا الخَيار تحقيق هدف المشروع الأمريكي المركزي لبناء قاعدة عسكرية و لوجستية دائمة في مناطق سيطرة قسد ، كما يضمن استمرار الهيمنة الإيرانية على مواقع سيطرتها القائمة؛ داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية ، وخارجها، المتداخلة مع سيطرة قسد ؛بما يعزّز استراتيجيّا علاقات السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني، التي ترسّخت في أفغانستان وإيران والعراق ولبنان ، وتتبع نفس الخطوات في اليمن ، وتأخذ أشكالاً مختلفة في السيطرة على السعودية !! !
في سياق تحقيق شروط التسوية السياسية على الصعيد الإقليمي، تتمحوّر الجهود الأمريكية على إقامة علاقات طبيعية بين الأنظمة العربية والنظامين الإيراني والسوري ، بما يشكّل قاعدة لقيام محور إقليمي جديد ، ينسّق جهود أنظمته لمواجهة سياسات روسيا وتركيا و"إسرائيل" ، المرتبطة برفض شروط التسوية السياسية الأمريكية الشاملة ، والمتعلّقة أيضا بسياسات إضعاف قدرات روسيا على استمرار الحرب في أوكرانيا.
أعتقد انّه يشكّل السيناريو الواقعي للتسوية السياسية الأمريكية الشاملة، سوريّا وعلى الصعيد الإقليمي؛ التي تسارعت خطواتها بشكل كبير بعد كارثة الزلزال الطبيعي، وقد شكّلت محطّتي " تطبيع العلاقات الدبلوماسية " الإيرانية السعودية، وقمّة جدّة ، إنجازات استراتيجية على مسار تطبيع إقليمي إيراني، وإقليمي سوري ، وبالتكامل مع إجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع، التي تقودها واشنطن ، خاصة على صعيد مناطق " شمال شرق سوريا "!!
هذا لايعني انّه لا يواجه تحدّيات كبيرة ، وخَيارات بديلة ، تعمل عليها القوى المنافسة، التي لا يحقّق السيناريو الأمريكي/ الإيراني كامل مصالحها ؛ وهو ما يخلق أشكالاً جديدة من الصراع البيني، يحاول كلّ طرف استخدام أوراق الضغط التي يمتلكها ؛التي قد لا تخلو من بعض المناوشات العسكرية، لكنّها لن تتجاوز سقف سياق التسوية السياسية الشاملة!!
ثالثا ،
كيف نفهم التحدّيات؟
١ تتعارض مآلات هذا السيناريو الرئيسي لمشروع التسوية السياسية الأمريكية مع مصالح ورؤية النظام السوري وروسيا ، اللتين تسعيان لفرض سيطرتهما على كامل الجغرافيا السورية ، عبر صفقة تفاهمات سياسية مع قسد وتركيا .
٢ تتعارض نتائج هذا السيناريو- الحفاظ على الهيمنة الإيرانية والسيطرة القسدية- مع مصالح تركيا ، التي ترى في كانتون قسد خطراً على أمنها القومي، وفي الوجود الإيراني منافسا خطيرا لأهداف مشروع سيطرتها الإقليمية والسورية !!
٣ تتعارض نتائج وخطوات التسوية السياسية الأمريكية الشاملة مع مصالح " إسرائيل " التي باتت أذرع المشروع الإيراني تُحكم الطوق على عنق" جيش الدفاع الإسرائيلي" ؛ وهو ما يفسّر استمرار الهجمات العدوانية "الإسرائيلية" و يجعل من سياسات" القوّة الرادعة الإسرائيلية" أكبر التحدّيات التي تواجه خطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية !
٤ تواجه أيضا سياسات الولايات المتحدّة لتأهيل قسد في مناطق" الإدارة الذاتية " جهودا إيرانية وسورية وروسية وتركية منافسة ، لا تخلو من بعض المناوشات العسكرية !
رابعا ؟
ما هي طبيعة الخَيارات البديلة ،
١ الخَيار التركي و الروسي السوري ، في مواجهة المشروع الأمريكي/ الإيراني ، حيث تحاول تركيا وروسيا والنظام التوصّل إلى صفقة تسوية ، في مواجهة الشروط الأمريكية ، وعلى حساب " قسد " أو عبر الوصول إلى صفقة تفاهمات معها.
يكشف هذا الخيار طبيعة التحدّي الذي تواجهه قسد ، في علاقاتها تجاه جميع أطراف التسوية ؛ الولايات المتحدّة وتركيا وروسيا وسوريا ؛ ناهيكم عن تعقيدات علاقاتها مع فصائل " الجيش الوطني" و " الهيئة "، كما يؤشّر إلى طبيعة أوراق الضغط التي تستخدمها واشنطن ضدّ أطراف هذا الخَيار، والتي برز منها أوراق العقوبات والتهديد بعصا المحاكمات ، التحكّم بتسارع خطوات التطبيع الإقليمي مع النظام السوري ، كما برزت جهود إقليمية أمريكيّة لإقامة تحالف إقليمي يقوم على قاعدة علاقات تنسيق وتعاون بين النظامين الإيراني والسعودي، يسعى لإضعاف شبكة العلاقات التركية الروسية ، والروسية / التركية الإقليمية !
حصول صفقة روسية سورية مع تركيا، قد يدفع قسد إلى " التطبيع " مع النظام السوري والتوصل إلى صيغة لدمج الهياكل الأمنية والعسكرية التي تحكم منطقة السيطرة الأمريكية بإطار المؤسسات السورية، مقابل اعتراف دمشق "بحزب الاتحاد الديمقراطي" حزباً شرعياً في سورية، وربط مؤسسات مسد بهياكل مؤسسات النظام؛ وهو ما يهدّد مرتكزات السيطرة الأمريكية ، ويبيّن طبيعة ما يواجه خَيارات قسد من عقبات !!
٢ الخَيار الروسي/ الإيراني ، التركي الذي تسعى من خلاله روسيا وإيران وتركيا إلى الوصول إلى صفقة شاملة مع الولايات المتّحدة وقسد ، تضمن على المدى المتوسط إعادة سيطرة النظام الشرعية على كامل الجغرافيا السوريّة، عبر مفاوضات ، وتسويات مع سلطات الأمر الواقع الأخرى ،"الجيش الوطني" و " الهيئة "، و مفاوضات تسوية تأخذ بعين الإعتبار الضمانات المطلوبة لحماية مصالح الولايات المتّحدة وتركيا . ليس لهذا الطرح حظوظ كبيرة، نظرا لتعارضه مع هدف المشروع الأمريكي المركزي في إقامة قاعدة ارتكاز في مناطق الإدارة الذاتية ، ومطامح قيادة قسد السلطوية !!
خامسا ،
في أبرز الاستنتاجات !
بناء على ما سبق ، يمكن الوصول إلى استنتاجات مهمّة :
١ على غرار ما حصل في المرحلة الثانية من الخَيار العسكري بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠ ، من المرجّح والطبيعي، في منطق تنافس سياسات الشركاء وتصارعها على الحصص ، دخول العلاقات بين قوى التسوية السياسية في مرحلة تسخين جديدة ، يحاول فيها الجميع استخدام جميع أوراق القوّة التي امتلكها لدفع الأطراف الأخرى لقبول شروط تسويته؛ لكن على مستويات أدني ، لاتخرج عن سقف التسوية السياسية .
ضمن هذا السياق العام يصبح من الطبيعي أن يتعرّض النظام أوّلا وقسد ثانيا ، لحملة ضغوط مؤثّرة من قبل روسيا والولايات المتّحدة .
٢من المؤسف أن يتجاهل الوعي السياسي النخبوي المعارض أهداف وسياق أوراق الضغوط التي تستخدمها واشنطن وشركائها ،والتي لاتتجاوز سياق تحقيق شروط التسوية السياسية المطلوبة أمريكيّا ، وجهود الخصوم المضادة لتحسين شروط حصصهم، وتكرّس مواقعه واقلامه جهدها لترويج مزاعم الولايات المتّحدة وشركائها الأوروبيين، الذين يزرفون دموع التماسيح على المعتقلين ، والعدالة المستباحة ، ولا يخجلون من التأكيد على حرصهم على الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية ؛ رغم كلّ ما تعرّض له السوريين من انتهاكات؛ والشرعية الدولية من ابتذال ، ومتاجرة !!
ضمن هذا السياق ، من الطبيعي أن لا تكون إجراءات الكونغرس الجديدة، وعصا المحاكمات الأوربية أو قرارات مشابهة ، او ما يبرز من نشاط سياسي معارض سوى أوراق ضغط بيد الولايات المتّحدة أو شركاء التسوية الآخرين ، في مسعى كلّ طرف لفرض شروطه الخاصة في إطار التسوية، التي تتناقض بأهدافها ومآلاتها مع مصالح السوريين المشتركة!
في غمار معارك الإدارة الأمريكية المتعدّدة الجبهات ، لا ضير في أن تجيّر النشاط النخبوي المعارض المتجدّد، كما أوراق الضغط الأخرى التي تشكّلها مواقف الحكومات الأوروبية والكونغرس، في معركة تحقيق أهداف مشروعها السياسي والعسكري بإقامة قاعدة ارتكاز في شمال وشرق سورية ، بالتكامل مع أدوات المشروع الإيراني، وقد استخدمت طيلة سنوات صراع آلام ملايين السوريين وآمالهم دون أدنى أشكال تأنيب الضمير الديمقراطي/ الإنساني .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
(١)- في الأهداف السوريّة والإقليمية لهذه المرحلة النهائية من التسوية السياسية:
على الصعيد السوري ،
الهدف الأساسي للتسوية السياسية التي باتت ذات طابع أمريكي أحادي واضح خلال ٢٠٢٣ هو إضفاء الشرعية السورية والإقليمية والدولية على الحصص التي أفرزتها موازين قوى الحرب التي استمرّت بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠،بما يحافظ بالدرجة الأولى على حصّة الولايات المتّحدة ووظيفة وكيلها ، وعلى حصّة شريكها الإيراني ووظيفة وكيله؛ في سياق صيرورة شاملة، تشرعن وجود سلطات الأمر الواقع الأخرى ، المتشابهة في البنية و الوظيفة ، وتخلق مرتكزات وآليات" نظام سوري تشاركي "،( فدرالي ،وفقا للتوصيف الأمريكي/ القسدي !!)،جديد، تشكّل سلطة النظام عرّابه وممثّله الشرعي ،بينما تشكّل قاعدته شبكة أدوات" حكم ذاتي " لسلطات الأمر الواقع الجديدة؛ وبما يثبّت وقائع الحرب، التي حوّلت سورية جغرافيا وبشريا إلى كانتونات هشّة، تقودها سلطات أمر واقع ، متنافسة على الثروة والسلطة والإرتزاق للأجنبي، تشكّل عقبات أمام جهود إعادة توحيد سوريا سياسيا وجغرافيا واجتماعيا ، وتجهض جهود السوريين وآمالهم للعمل معا لمواجهة جميع عواقب الصراع على السلطة في ظل معادلة قوى مصالح محليّة وإقليمية و إمبريالية تميل دائما لصالح تحالف استراتيجي تتناقض سياسات أطرافه مع خَيار الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي .
على الصعيد الإقليمي،
تسعى التسوية السياسية الأمريكية الشاملة إلى إعادة صياغة علاقات تشاركية جديدة بين القوى الإقليمية التي تصارعت على الحصص ومناطق النفوذ في سياق الخَيار العسكري الطائفي ،تخلّلها مواجهات عسكرية وسياسية كبيرة غير مباشرة و بدرجات متفاوتة بين سياسات الولايات المتحدّة من جهة، وسياسات شركائها التاريخيين ، من جهة ثانية، (خصوم أدوات وأهداف مشروع السيطرة الإقليمية الإيرانية- أنظمة تركيا والسعودية و " إسرائيل " والإمارات والأردن - وكانت المواجهات نتيجة مباشرة لواقع تقاطع أدوات وسياسات المشروعين الايراني والأمريكي عند هدف قطع صيرورة الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي ،بما يؤدّي في المرحلة الأولى والثانية من خَيار الحرب ( ٢٠١١ ٢٠١٤ ) إلى إضعاف النظام السوري لصالح تعزيز آليات السيطرة الإيرانية، دون السماح بتغيير سلطته لصالح الميليشيات المدعومة مِن قِبل خصوم النظام الإيراني )، كما شهدت صراعات بينيّة مباشرة بين أصحاب المشاريع الإقليمية المتنافسة ، التركي والسعودي والإيراني والإماراتي والمصري و"الإسرائيلي "؛ شكّلت بمجموعها أخطر عوامل صيرورة الخيار العسكري الطائفي، ورسمت ملامح خارطة الصراع في سوريا والإقليم، وحدّدت طبيعة التسوية السياسية.
تسعى الولايات المتّحدة بشكل أساسي ، ( بناءً على معطيات ما حقّقه جميع الشركاء من انتصار تاريخي على صيرورات التغيير الديمقراطي خلال ٢٠١١ ٢٠١٤ أوّلا ، وفي ضوء ما فرضته موازين قوى الصراع من حصص و مناطق نفوذ خلال المرحلة الثانية بين ٢٠١٥، ٢٠٢٠، وشكّل أبرزها الحصتين الإيرانية والامريكية، ثانيا) ، لتوفير شروط قيام حالة " تهدئة مستدامة" ، تُعيد صياغة العلاقات الإقليمية بما يتوافق المنظور العالمي للصراع ضدّ روسيا ، ويؤدّي إلى تشكيل تحالف إقليمي أوكراني، لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، وإضعاف شبكة العلاقات والمصالح الإقليمية التي تساعد النظام الروسي على استمرار الحرب . يرتكز المحور الجديد على تنسيق وتوافق سعودي إيران ، في إطار تطبيع العلاقات الإقليمية مع النظام الايراني،وسياق "تطبيع "العلاقات الأمريكية الإيرانية!!
(٢)-
في الوعي السياسي الرائج عملت رؤى وقراءات الجميع على الخلط بين مفهومي" الحل السياسي" و " التسوية السياسية "، وتجاهل الفارق النوعي بين قوى وأهداف وسياق ومآلات كلٌّ منهما؛ وهو فعل متعمّد ، يتكامل مع أهداف إفكار دعايات عديدة، ساهمت في تضليل الرأي العام السوري ، وفصل الوعي السياسي العام والنخبوي عن وقائع الصراع وإبعاد السوريين عن مواقع التأثير و الفعل الوطني!
بداية لابدّ من التأكيد على حقيقة أنّ نجاح جهود إطلاق "الحل السياسي" يقطع مسار وصيرورة " الحل العسكري " ولا يأتيان في سياق صيرورة واحدة، تماما كما يقطع مسار الخَيار العسكري طريق الحل السياسي ، بينما
تتكامل جهود وأهداف " التسوية السياسية "مع " الحل العسكري "، وتتساوقان في صيرورة واحدة ، تمثّلت في سوريا ربيع /٢٠١١ - ٢٠١٢ في إطلاق صيرورة الخَيارالعسكري الطائفي في موازاة وسياق مساري " جنيف " وآستنة " التسووين ، بما يتكامل مع جهود الخَيار العسكري، ويساهم في وصوله إلى مرحلة التسوية السياسية الشاملة .
أمّا التساوق بين جهود وأدوات وأهداف وقوى " حل سياسي وعسكري " غير ممكن واقعيا ، ولا يحصل إلّا في دعايات التضليل !!
في تلبية لإستحقاقات ديمقراطية وطنية سوريّة خلال ٢٠١١ جعل منها حراك السوريين وتضحياتهم إمكانية ، كان يمكن أن ينطلق مسار حل سياسي، قبل نجاح جهود التطييف والعنف، و عبر مفاوضات واتفاقيات بين قوى وطنية داخل قيادة النظام من جهة ، وبين قوى وشخصيات ديمقراطية ، ثمثّل حراك السوريين السلمي، وتعبّر عن تطلعات الشعب السوري في حصول انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي ، وتكون أداته " هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومفوّضة " تضم شخصيات قيادية من النظام والمعارضة ، تهيئ الشروط الوطنية لقيام انتخابات ديمقراطية، وتطلق صيرورة الانتقال السياسي و التحوّل الديمقراطي من خلال بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية.
خلال ٢٠١١، و تمّوز ٢٠١٢، تمّ تفشيل جميع توافقات وخطط قيام حل سياسي، وكانت "خطّة السلام العربية ٢ " ، التي طرحتها الجامعة العربية في خريف ٢٠١١، بدعم تركيا ، وتكامل مع جهود " لجنة المراقبين العرب، المحاولة الأكثر جدّية لدفع الصراع السياسي في نهاية ٢٠١١ومطلع ٢٠١٢ على مسار الحل السياسي ، لكنّها لم تجد دعماً فعّالاً أو " تبنّياً " من قبل الولايات المتحدة ؛ التي كانت إدارتها مشغولة بعقد "مؤتمرات الصداقة" مع الشعب السوري ، وإطلاق التصريحات النارية ، لتأجيج الصراع ، وكان سفيرها في دمشق " روبرت فورد " منهمكا في ضمان عدم وصول الحراك النخبوي الديمقراطي المعارض إلى تشكيل جسم سياسي، قد يُمثّل الخيار البديل ، ومشغولا بترتيب صفقات وتفاهم مع أبرز شخصيات المعارضة، وتسهيل سفر بعضهم إلى الخارج، بالتنسيق مع نظرائه الأوربيين .. فكان من الطبيعي أن يتم إسقاط الخطة عند طرحها للتصويت في جلسة مجلس الأمن ، بتاريخ ٤ شباط ، بفيتو روسي / صيني ؛ ولم تجد السيدة كلينتون ما تفعله سوى إطلاق التصريحات النارية ضد روسيا ، وتحميلها المسؤولية، وإغلاق باب الحل السياسي نهائيا ، عبر بوابة " جنيف ، ونقاط كوفي أنان وبيانات جنيف ، وبنود القرار ٢٢٥٤ ؛ التي لم تُضمّن ، توافقا مع مصالح وسياسات الولايات المتّحدة وروسيا ، آليات تنفيذ فعّالة...وكانت مسيرة التسويف والمماطلة وتناقضات التفسير وبيانات متناقضة لاتملك آليات تنفيذ فعّالة، تدعوا تارة إلى " تأسيس هيئة حكم انتقالي، بسلطات تنفيذية كاملة ، تتضمّن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة ....، واطوارا إلى حوار غير متكافئ بين حكومة النظام الشرعية ومعارضات رسمية، لاتملك أيّة أوراق ضغط سورية ولقاءات سلام ، ونقاش عقيم حول انتقال مفترض للسلطة، في موازاة تقدّم خطوات ومعارك قوى الثورة المضادة على طريق الخيارالعسكري ، وقد بات في وصوله إلى نهايته مطلع ٢٠٢٠ شبه استحالة في تحقيق حل سياس، بعد ما حصل من تغيّرت في طبيعة الصراع ، وادواته ، قوّضت شروط الحل السياسي ؛ وقد تمّ هزيمة الحراك ، وقواه وجمهوره ، ونجاح جهد سوري إقليمي في تحويل "الحراك السلمي" ونخبه وجمهوره إلى ثورة مضادة ، طائفية ، وارتباط أدوار المعارضات السوريّة التقليدية بأجندات قوى الحل العسكري "؛ وهي الشروط التي تجعل من المستحيل حصول حل سياسي ، هذا لو افترضنا انّ للولايات المتّحدة مصلحة في تحقيقه ؛ ناهيكم عن حقيقة أنّ القرار ٢٢٥٤ ، الذي مازال البعض يطالب بتنفيذه، والذي دبّجت بنوده الولايات المتّحدة بالتنسيق مع روسيا ، لم يتضمّن ايّة آليات فعّآلة للتنفيذ ، واقتصر على بعض التوصيات ، وحصر دور الأمم المتحدة بالوسيط " الميسّر " واشترط الموافقة المسبقة للنظام على ايّة تفاهمات مستقبلية ، وهو ما يجعل منه مسار " تسوية سياسية " وليس " حل سياسي"!!
في مواجهة خطّة السلام العربية الثانية ووثائق تفاهمات" المعارضة " في مؤتمر القاهرة ، ٧ىتموز ، التي تضمّت آليات واضحة لخارطة طريق انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي، وتحت يافطة مسار جنيف للحل السياسي، والشرعية الدولية ، بدأت أولى خطوات" التسوية السياسية " ،في موازاة وتكامل مع جهود إطلاق مسار الخَيارالعسكري الطائفي " وقد استُبدلت في "نقاط كوفي انان" و"بيان جنيف١ " آليات مسار الحل السياسي العربي، (التي أكّدت على انتقال السلطة إلى نائب الرئيس ،وما تضمّنته خطّة السلام العربية الثانية من "خطوات خارطة طريق " هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومفوّضة "؛ والتي اسقطها فيتو " روسي / صيني " بتنسيق مع واشنطن في ٤ شباط )، بعبارات عامّة ، فضفاضة، لاتملك أيّة آليات تنفيذ، تتحدث عن وجوب قيام حوار" بين السوريين" ، بتيسير من " كوفي أنان "بصفته الوظيفيّة كوسيط ، ومندوب مشترك ، عن الجامعة العربية ومجلس الأمن،و تمّ تكريسها، كنهج وغياب آليات فعّالة في القرار ٢٢٥٤ ، لعام ٢٠١٥، وكان اهمّ إنجازاتها التأكيد على شرعية سلطة النظام، وضرورة الحوار معها ، واشتراط موافقتها على أيّة مخرجات قد تصل إليها " المفاوضات " !
(٣)- الأولى ، بين ربيع ٢٠١١ ومنتصف ٢٠١٢ المواجهات الأمنية وخطوات وجهود التطييف والميلشة والعسكرة ، وتفشيل قيام حل سياسي و تشكيل قيادة/ جسم سياسي وطني ديمقراطي معارض ، خاصّة من خلال دق اسفين في وحدة الصف الوطني، العربي / الكردي ، وما نتج عنها تغيير في طبيعة الحراك ، وتحويل جمهوره الى " مجاهدين " لقد شكّلت المرحلة الأخطر في تفشيل جهود الحل السياسي، الذي يعني قطع مسار الخيار العسكري، ودفع الصراع على مسار خارطة طريق انتقال سياسي ، بين شباط وتموز ٢٠١٢ ، ( إسقاط " خطّة السلام العربية الثانية في مجلس الأمن ٤ شباط ، و " اغتيال ضباط خليّة الأزمة في ١٨ تموز )، وشكّلت أخطر مقدّمات دفع الصراع على مسار الخيار العسكري ، الذي استمّر بمراحله الحربية حتى آذار ٢٠٢٠ ، وما بات مطروحا منذ حزيران ٢٠١٢ بدءا بنقاط كوفي أنان الست، لم يكن سوى في إطار " تسوية سياسية " بين النظام و " المعارضة " .
والثانية ، بين منتصف ٢٠١٢/ ٢٠١٤ – وانتهت عند تدخّل جيوش الولايات المتّحدة وتحالفها الدولي ؛ وقد نتج عنها سيطرة ميليشيات قوى الثورة المضادة على كامل مساحة سوريا، وقد شكّل أبرز نتائجها " الحفاظ على سلطة النظام " واستمرار شرعيتها الدولية ، وحصول ميليشيات " حماية الشعب " على سيطرة واسعة في محافظات الحسكة وحلب ؛
المرحلة الثالثة، بين منتصف ٢٠١٥ - وربيع ٢٠٢٠ - مرحلة حروب إعادة توزيع الجغرافيا السوريّة إلى حصص ومناطق نفوذ بين قوى الثورة المضادة الرئيسية ، وقد كان أبرز نتائجها تبلور سلطات الأمر الواقع ، خاصّة سلطات النظام ، و قسد و " الهيئة " ، ومناطق السيطرة التركية المباشرة ، التي فرضها عسكريا الجيش التركي وأذرعه السورية من ميليشيات قوى الثورة المضادة، في مواجهة حروب روسيا والولايات المتّحدة وإيران لتقاسم الحصص؛ المرحلة الرابعة ، والاخيرة- انطلقت صيرورتها بعد توقيع اتفاقيات ٥ آذار بين الرئيسين التركي والروسي، وهي مرحلة "التسوية السياسية الشاملة" ، وتتمحوّر حول هدف وإجراءات الوصول الى إعتراف متبادل و تهدئة مستدامة بين سلطات الأمرالواقع، تشرعن واقع الحصص ، وتسمح بإعادة التأهيل على الصعيد السوري، والتطبيع ، إقليميّا وعالميا.
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز