الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظومة الأمنية بعد 10 أعوام من الانقلاب

حسام الحملاوي

2023 / 7 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



يسود الاعتقاد في صفوف الثوار حول العالم وفي الأدبيات السياسية أن الثورة المضادة تعيد للحياة النظام القديم الذي ثارت الجماهير عليه، لكن هذه الفكرة يجانبها الصواب في حقيقة الأمر ومن واقع تجربتنا في مصر والبلدان الأخرى التي شهدت ثورات جذرية. إذ لا تعيد الثورات المضادة النظام القديم للسلطة، لأن النظام القديم ببساطة قد فشل. والفشل هنا من وجهة نظر أعدائنا، لا يتمثل في قدرة النظام على تلبية مطالب الجماهير، بل الفشل في إحكام السيطرة على مقاليد الأمور، والفشل في كفاءة ماكينة القمع والاستيعاب، وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة في المقام الأول. وهنا تعمد الطبقة الحاكمة (أو جزء منها) على تأسيس نظام جديد يتدارك أخطاء الماضي التي “سمحت” للجماهير بالثورة.

بعد انقلاب يوليو 2013، سارع البعض آنذاك إلى التحذير من عودة فلول نظام مبارك إلى الحكم وتصدُّر المشهد، ولكن بعد 10 أعوام من الثورة المضادة، لا يوجد شك بأننا نواجه نظامًا مختلفًا عن ذلك الذي رأسه المخلوع الراحل. هناك العديد من الاختلافات، منها تكوين الطبقة الحاكمة الجديدة التي أصبحت تتشكل بالكامل من لواءات الجيش والأجهزة الأمنية، مع تراجع دور الرأسماليين التقليديين الذين أحاطوا بجمال مبارك وشكلُّوا رافد الدعم الرئيسي لنظام مبارك، وبزوغ الرأسمالية المعسكرة التي تختلف عن رأسمالية السوق التي تبناها مبارك أو رأسمالية الدولة التي تبناها جمال عبد الناصر.

وقد تكون أخطر التغيرات في بنية نظام الجديد هي إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية (الجيش، والداخلية والمخابرات العامة) التي أسستها دولة يوليو 1952، حيث نشأت تلك المنظومة الأمنية مجزأة، دون تنسيق أو قنوات اتصال فعالة بينهم. حدث ذلك عن عمد، وهو أسلوب متبع في بلدان كثيرة حول العالم حينما يخشى الحاكم خطر الانقلاب العسكري، وبالتالي يلجأ إلى تفتيت المنظومة الأمنية، وتتعدد الأجهزة التي تقوم بنفس المهام، وتدفع للتنافس لا التعاون، وتتجسس كل منهما على الآخر. ويجري عسكرة جزء من الشرطة “المدنية” تحت مسميات وذرائع مختلفة، ولكن في الحقيقة لتكون قوة موازية للجيش تستطيع إحباط أي انقلاب عسكري، وهو عادةً ما يقوم به فئة محدودة من الضباط. ورغم وجود “مجالس” وكيانات مهمتها الرسمية التنسيق بين أجهزة الأمن، نادرًا ما تجتمع وتظل خاملة معظم الوقت. بل أن حتى كيان مثل “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” في الجيش ذاته، لم يكن ينعقد قبل 2011 إلا بطلب من رئيس الجمهورية، وانحصر دوره في مهمات شرفية.

لم يأخذ حكام مصر الشارع بجدية قبل 2011، ولم يتصوروا أبدًا إمكانية حدوث ثورة شعبية. نعم قد تحدث “قلاقل” هنا وهناك، وقد تحدث “أعمال شغب” يمكن السيطرة عليها، ولكن ثورة جماهيرية مثلما حدث في يناير 2011، فلم تكن في مخيلة مبارك أو أي من قيادات النظام.

وسمح انهيار الشرطة بعد جمعة الغضب 28 يناير 2011 للجيش بالسيطرة على وزارة الداخلية، ولكن ظلت المخابرات العامة بعيدة عن يديه، بل وفي حالة صدام مع المؤسسة العسكرية في بعض المواقف. فور وقوع الانقلاب، وللدقة يوم 5 يوليو 2013، سارع السيسي بالإطاحة باللواء محمد رأفت شحاتة مدير المخابرات العامة آنذاك وتعيين اللواء محمد فريد التهامي، المدير السابق للمخابرات الحربية والرئيس السابق للرقابة الإدارية وهو من المقربين للسيسي، والذي كان يعتبره أبوه الروحي ومعلمه.

ثم شكَّل السيسي “خلية أزمة” أو “مجموعة عمل” غير رسمية تضم رؤساء الأجهزة الأمنية للتنسيق وتبادل المعلومات، بالإضافة إلى إنشاء (أو إعادة إحياء) مجالس رسمية تضم ممثلين من الأمن الوطني والمخابرات العامة والجيش، ومعهم الرقابة الإدارية، لإدارة ملفات بعينها، مع تنوع طبيعة عملها من الإشراف على السياحة إلى الاستثمار مثلًا، بالإضافة إلى ملفات عملياتية دقيقة مثل الإشراف على كاميرات المراقبة.

وارتكزت إستراتيجية السيسي للسيطرة على مفاصل الدولة وعسكرتها على: أولًا سياسة “العصا والجزرة”، فمثلًا لو نظرنا إلى المخابرات العامة، تولى التهامي مهمة تطهير الجهاز من العناصر المشكوك في ولائها للنظام الجديد، وترقية آخرين أبدوا حماسة وولاء. ثانيًا: استخدم السيسي أفراد أسرته وأقاربه في إدارة الملفات الحساسة، فمثلًا ابنه مصطفى في الرقابة الإدارية، ومحمود في المخابرات العامة، أما حسن وهو خريج لغات وترجمة من جامعة الأزهر، فنقله من وظيفة بشركة بترول إلى المخابرات العامة في 2016 لتعزيز سيطرته على الجهاز.

لم تكن السيطرة على تلك الأجهزة بالأمر اليسير، ويتمثل أحد مظاهر الاحتكاك والصراعات الداخلية في سيل التسريبات التي ضمت قادة الجيش والسيسي نفسه خلال السنوات 2014 إلى 2018، والتي تسببت في الإطاحة بالتهامي في نهاية 2014 ثم خلفه خالد فوزي. لم يكن ذلك الصراع حول الديمقراطية أو الحريات، بل كان- وأعلم إني أبسط الأمور هنا وأختزلها- بين توجهين أحدهما يريد العودة إلى أسلوب الحكم القديم المتبع تحت قيادة حسني مبارك، وفريق آخر يرى أن ذلك الأسلوب القديم قد فشل وتسبب في ثورة 2011، وبالتالي يجب قمع أي بوادر للمعارضة بدلًا من “إدارة” المشهد السياسي. ويمكن تفسير محاولة ترشح أحمد شفيق وسامي عنان في مواجهة السيسي في 2018 في هذا السياق، فإلى جانب طموحهما الشخصي، لم يكونا ليتخذا هذا القرار إلا لو كانا مراهنين على كتلة بداخل مؤسسات الدولة تريد العودة لقواعد اللعبة السياسية القديمة.

سحق السيسي منافسيه بلا هوادة في 2018، فخطف شفيق من الإمارات واعتقل عنان وألقاه في السجن مع مساعديه. واستمر على نهجه الجديد المعتمد على توحيد أجهزة الدولة وبالذات مؤسسات الأمن والحكم العسكري المباشر، دون الاعتماد على مؤسسات سياسية مثل حزب حاكم أو غيره.

منذ ذلك الحين شهدت المنظومة الأمنية بعض القلاقل في سبتمبر 2019 و2020، التي عرفت بمظاهرات “محمد علي”، ورغم سيطرة قوى الأمن سريعًا عليها، إلا أن ذلك تبعه إعادة ترتيب للمنظومة الأمنية وصعود سطوة جهاز الأمن الوطني مرة أخرى بعد أن كان دوره أقل أهمية من نظرائه. ولكن مرة أخرى يجب التأكيد على أن ذلك يحدث في إطار منظومة تعاون لا تنافس ترى الشعب في النهاية كعدو أول.

قد لا تستمر طويلا هذه المعادلة التعاونية، فالأزمات السياسية والاقتصادية الخانقة التي يمر بها النظام منذ عامين ستخلق بالضرورة حالة من الارتباك والتخبط- نراها جليًا الآن. وبدأ أحد توابع هذا الارتباك بتواجد هامش- لا يزال ضيقًا- لعودة العمل السياسي العام، مثلما رأينا في نقابة المحامين في نهاية ديسمبر الماضي، أو نقابة الصحفيين في مارس من هذا العام، أو نقابة المهندسين في مايو الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد