الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العشق..والإنعتاق في اللوحة الإبداعية ( بين الضّلع والضّلع لك موقع..لا يفتديه حرف تائه ولا نظر زائغ..) للكاتبة والشاعرة التونسية السامقة نعيمة مديوني

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 5
الادب والفن


قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن الخاطرة القصصية توغل شفيف فى مسارات الذات الخبيئة،أو هي مونولوج رائق يماثل التتابع النغمي في درجاته الرهيفة العلا،فإن للغة أهميتها القصوى في ملء كل هذه المسارات والدروب بألوان الانتباه الناعم الذي يحدثه الشعر التأملي الجاد.
وعندما يكون موضوع الخاطرة من الخطورة بحيث ترتجف النفس لمجرد قراءة عنوان النص (بين الضّلع والضّلع لك موقع..لا يفتديه حرف تائه ولا نظر زائغ..)،فلابد أن يساير المتن هذا الاهتزاز الوجداني ويعضده تأكيدًا ودعمًا لإحداث الأثر الكلي من جماليات الدهشة والتلقي الفائق.
تأملت هذه اللوحة كثيـرا،وفي كل مرة كانت تشدني اليها أكثر وتدفعني الحيرة للتأمل في مضمونها ومساحات الصمت والتجريد فيها.
ولكن..
قد تحمل اللوحة معان كثيرة،وكل واحد منا قد يرى شيئا مختلفا عن الآخر-هذا ما يعطي الفن سموا وقوة في الحضور-
وكما يقال في علم النفس،إن تأويلاتنا للمعاني هي مجرد انعكاس لافكارنا واسقاط لما يشغل بالنا على الاشياء من حولنا..
لغة الكاتبة القديرة/ والشاعرة التونسية الفذة نعيمة مديوني في هذه -اللوحة القصصية-التي هي أشبه بالخاطرة أو "القصيدة"والتي جاءت-كما أشرت-في شكل خاطرة تنزف عشقا،لغة فنية وإبداعية دالة،وهي ما نستطيع ان نطلق عليه السهل الممتنع أو السهل الى حد الصعوبة،حيث البساطة في الأسلوب،وعمق في المشاعر الداخلية التي تتأرجح حينا بين الإنعتاق تارة،وبين العشق-تارة أخرى،تحلق قامات هلامية بين عالمين: الواقع وما يحمله من وَجد واشتياق للحبيب تارة،والتحليق في مدارات الحلم والهيام،تارة أخرى،مستخدمة البعد النفسي والرمزية بألفاظ. قليلة وجمل مختصرة،ولم نلمح عبر لوحتها المذهلة هذه،أي لغة مباشرة أو مسطحة سواء على مستوى المفردة او التركيب مما يؤكد قدرة الكاتبة على امتلاكها لأدوات الكتابة في مختلف تجلياتها الخلاقة بحرفية ومهارة تضيف الى رصيدها الإبداعي ميزة خاصة ونكهة ابداعية فريدة.
وكما تقوم نزعة التشخيص،ولغة الصور بدورها البنائي في تأكيد الأساس النفسي لكتابات الشاعرة والكاتبة التونسية القديرة نعيمة مديوني،،فإن الاعتماد على تداعي الصور والمشاعر والأفكار يأخذ مداه الواسع،بدرجة جعلت من-خاطرتها سلسلة تداعيات ومشاعر متقاطعة،أما الالتماعات الذهنية والشعورية في-هذه اللوحة الإبداعية-فإنها منتشرة بكثرة.غير أننا نشير إلى نوع من التداعي،وطريقة خاصة في استخدامه،تميزت به هذه "اللوحة الفنية"،ويمكن أن نطلق عليه: "التداعي اللغوي"، فالكلمة تأتي متخمة بالإشتياق،بعدها فاصل،لتبدأ محنة الشوق من جديد،تتصدرها تلك الكلمة ذاتها،مثقلة بمعناها العشقي،أو مكتسبة لمعنى مختلف.
إنها حالات من الجنون الفني،الجنون العاقل -إن صح اجتماع النقيضين -الذي دبرته كاتبة -هذه الخاطرة-عن عمد وإصرار ولكأني بها تريد استدعاء الحبيب إلى مربع الشوق والإشتياق..هذا نوع من الجنون الخاص أو المحدود باللحظة،أو الموقف،يعرفه النقد الأدبي-في بعض أوجهه-بمصطلح "الرومانسية"،لقد اختارت الكاتبة/الشاعرة نعيمة مديوني -حبيبها بشكل عادي في مواقف غير عادية،وهذا أقدم شروط فن القصة القصيرة جدا منذ تشيكوف وموباسان،غير أنها لا تستوفي نسيج -لوحتها-الإبداعية بأن ترى الحياة وهي تعمل،فتعيش معه متعة الحب،الشوق والحنين،وإنما تتجاوز هذه الجوانب المحكومة بقوانين الواقع،والقدرة الإنسانية،لتضعَ تحت المجهر الانفعالات الوجدانية،وردود الأفعال المتوترة،والمشاعر الصاخبة أو المذعورة،لتثمرَ في النهاية عملا جادا،متجاوزا.فاختزال الشخصية الإنسانية في شعور واحد،والبلوغ بهذا الشعور مستوى التضحية بأي شيء،والاستهانة بكل ما عداه،هو ضرب من المرض النفسي،وهو-من الوجهة الفنية -أحد مسالك الرومانسية للغوص في باطن الشخصية،وتمييز الذات الفردية،وتأكيد المشاركة الوجدانية من جانب المتلقي،بتضخيم الانفعالات،وتراجع هيمنة التفكير وقوانين "ضبط النفس" وأعرافها على الشخصية-العاشقة-،التي تبدو متألمة ومكتواة في ذات الآن بنيران الحب في حلته النبيلة.
واسمحوا لي أن أدعوكم إلى قراءة -هذه الخاطرة-المفعمة بعطر الحب والإشتياق إلى-حبيب-يبدو لي أنه حاضر بالغياب..!!
بين الضّلع والضّلع لك موقع..لا يفتديه حرف تائه..ولا نظر زائغ..
أراك فتتبعثر فيّ الحواس وتغدو مذهلة.. أراك فأنساني وأنسى زماني ومكاني..أراك فلا يظلّ في المكان غيرك..غير أنفاس منسحبة منّي تسير إليك معصوبة الفؤاد وجلة.. غير خفق مضطرب يصفّق بين يديك يرنو وصلا وهمسا..أراك فلا أعرفني وأعرفك..إن تاه منّي الكلام فآعلم أن الهوى كبّل الثّغر والحرف وجمعهما في زاوية حالمة..أنّه مارس طقوسه السّاحرة وكان دليلا شاهدا على ما جرى بيني وبينك فما درى أنك قابع هنا..بين الضّلع والضّلع لك موقع.. لا يفتديه حرف تائه ولا نظر زائغ..أنت هنا وهناك..في كلّ مكان أراك شامخا..فإن تاه الحرف مني فلأنّك الحرف..ولأنّك القصيد ولأنّك العمر الذي راح والذي لا يزال قائما..
نعيمة المديوني
هذا النص للكاتبة والشاعرة السامقة نعيمة مديوني،يعتبر-في تقديري-قصة قصيرة جدا ناجحة من حيث الفكرة و العنوان المشوق والموحي ومن حيث التكثيف وبساطة السرد والايحاء والمفارقة القوية والخاتمة المدهشة.
علما أن اللغة الابداعية لجنس القصة القصيرة جداً،كما اتفق عليه كل النقاد،لا يحتمل التفصيلات والشروح والحوارات كما هو الحال في الرواية أو القصة القصيرة أو المقالة أو ما إلى ذلك من الأجناس الأدبية الأخرى..
فالقصة القصيرة جداً لغة إيجاز،وترميز،وإيحاء،تكثيف حاد،وحذف إبداعي،وإيقاعات متعددة في عبارات محددة..
وهنا أضيف: نعيمة مديوني قاصة وشاعرة مختلفة،وحرفها له عطر مميّز. تضطلع برسالة الخطاب السردي الحداثي على أحسن وجه فبوّأها مكانة لافتة ويُشهدُ لكتاباتها بطابع القدرة الفائقة على التبليغ بأجمل الأساليب التي أثثتها بالتشويق ورصعتها بأجمل الصور.
لغتها مشفرة تستفز المتلقي وتدعوه إلى تجميع ما تفرّق وإعادة تركيب صورة ساهم في بنائها وتذوق ما التمع من آيات الجمال بين سطر وسطر وفكّ رموز ما دسته من شيفرات بين مقصد وإيماءة أو تلميح حتى لا يكون القارئ مجرد وعاء يفرغ فيه الباث ما لديه من بوح بل إن المبدعة نعيمة مديوني تؤمن بما للمتلقي من قدرات على الاستيعاب ومشاركة قلمها التحليق في فضاء سردىٍّ رصّعته بشعريّة لغويّة عالية الجودة.
هذا ما تبينته من خلال اطلاعي على بعض إبداعاتها المختلفة ولكأني هنا حاولت جاهدا استنطاق لوحتها الإبداعية” بين الضّلع والضّلع لك موقع..لا يفتديه حرف تائه ولا نظر زائغ.. ” لعلها تجود بكنوزها المخبوءة.
وإذن؟
لقد تفننت إذا،الكاتبة والشاعرة التونسية القديرة نعيمة مديوني في إيجاد الهدف وفي تحريك الإسلوب على مستويات مختلفة مفعمة بعطرها الشعري الفواح .
وللقارئ -لهذه اللوحة الفنية-أختم وأقول : أحيانًا لا تحتاج إلى مساحة كبيرة من الوصف لتضع يدك على الجرح،يكفي أن يصل إليك كومضة تقف طويلًا على نافذة إدراكك دون أن تغادر! وهذا مافعلته نعيمة مديوني ببراعة واقتدار.
وتمنياتنا لها بالتوفيق والسداد بالقادم من أعمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكرين شوت | الذكاء الاصطناعي يهدد التراث الموسيقي في مصر


.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ




.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-