الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام في الليبرالية العربية

عبد الحسين شعبان

2023 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يوم غادرنا حسين جميل، الذي يُعدّ من الرعيل الأول للشخصيات الليبرالية الوطنية الديمقراطية العربية، استعدتُ عددًا من الأسئلة التي ظلّت تراودني على مدى أربعة عقود من الزمن: هل انقطع نسل الليبرالية العربية؟ وهل ثمة تيّار ديمقراطي عربي جديد؟ وهل هناك علاقة رحم بين الليبرالية الجديدة والتيار الليبرالي القديم (الكلاسيكي)؟
وبمعاينة تجارب جيل الروّاد التي اختفت من الخريطة السياسية العربية، بفعل الانقلابات العسكرية وهيمنة الأحزاب الشمولية على المشهد السياسي، وزحف الريف على المدينة الذي شهده العالم العربي، وتراجع التوجّه المدني في الدولة والمجتمع، يمكن القول أن الكشف عن فكر المدرسة الليبرالية العربية المعاصرة في العراق ومصر وسوريا ولبنان وبعض البلدان العربية، يصبح "فرض عين وليس فرض كفاية" بالنسبة للجيل الجديد، خصوصًا بتسليط الضوء على مرحلة ازدهارها في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى خمسينياته.
لقد اختلطت مفاهيم الليبرالية اليوم لدرجة أصبحت بعيدة عن أصولها الفكرية وأساساتها النظرية التي قامت عليها، لاسيّما بعد سبات دام عقودًا من الزمن دخلته الفكرة الليبرالية، حيث سيطر فيها الفكر الواحدي الإطلاقي والنزعات العسكرية والعنفية، وتهميش الطبقة الوسطى وإضعافها، وانحسار تيار الحداثة المدني.
وأصبح الحديث عن الليبرالية أقرب إلى عمل مرذول، لاسيّما بهجران أوغياب أنصارها المخلصين، وغدت أقرب إلى التأثيم والتحريم والتجريم بسيادة نهج الإقصاء والإلغاء، وهيمنة التعصّب ووليده التطرّف والغلو، ونتاجهما العنف والإرهاب، على حساب ثقافة الحوار، والتعايش والاعتراف بالآخر والإقرار بالتنوّع والتعدّدية.
يتفرّع السؤال عن علاقة الليبرالية بالوطنية من سؤال الليبرالية العربية وتراثها، فهل يمكن أن يكون المرء ليبراليًا دون أن يكون وطنيًا، خصوصًا في ظلّ انسياق بعض دعاة الليبرالية العربية الجدد ضدّ بلدانهم، بما فيها تأييد حصارها وفرض العقوبات عليها؟ ثم ما هي علاقة الليبرالية الكلاسيكية بالليبرالية الجديدة؟
هنا نستذكر حسين جميل نموذجًا، لأنه ترك إرثًا قانونيًا وفكريًا وسياسيًا ونقابيًا غنيًا، وكان أحد أبرز رموز ومنظّري الفكر الليبرالي الديمقراطي في العراق مع كامل الجادرجي ومحمد حديد وآخرين، وهو من حاول السير بالتعاليم النظرية والأكاديمية بربطها بالدولة العصرية بموازاة وتماس مع الواقع عبر فهمه والسعي لتغييره، فقد جمع في شخصه اختصاصات كثيرة، فهو أمين عام اتحاد المحامين العرب والباحث السياسي والدبلوماسي والوزير والمفكر الذي ربط السياسة على نحو عضوي ببُعدها الأخلاقي.
وقد تميّز حسين جميل بالوطنية الصميمية والاعتدال والوسطية والتسامح في مرحلة كان الولاء الأيديولوجي لقوى دولية وإقليمية قائمًا، مثلما كان التعصّب والتطرّف سمتين تطبعان سلوك الفرقاء والمتخاصمين بمن فيهم "الأخوة الأعداء" حسب كازنتزاكس.
ما يدفعنا للكلام عن الليبرالية اليوم، هو التباس مفهومها وتعويل البعض عليها بعد فشل المشاريع الشمولية، القومية الاشتراكية والاشتراكية الماركسية والإسلامية الإسلاموية، وانهيار أنظمة أوروبا الشرقية، حيث ارتفع شعار "الليبرالية هي الحل"، بعد أن كان الحل بالقومية تارة والاشتراكية تارة أخرى وبالدين في مرّة ثالثة.
لكن الكلام الجديد في الليبرالية صاحبه إشكالية أساسية، خصوصًا بالتعويل على العامل الخارجي لإنجاز مهمة التغيير المنشود، تلك التي لا تخلو من تداخلات وإملاء إرادة واستتباع، في ظلّ عجز وعدم ثقة ويأس من إنضاج العامل الداخلي، في حين قامت الليبرالية الكلاسيكية على قاعدة سياسية أساسها الحريّات المدنية والسياسية، خصوصًا حريّة التعبير والاعتقاد والتنظيم والشراكة والمشاركة، وقاعدة اقتصادية أساسها الحريّات الاقتصادية، وفقًا للقاعدة الشهيرة التي راجت بعد الثورة الفرنسية (1789) "دعه يعمل.. دعه يمرّ"، أي حريّة العمل وحريّة الأسواق وحريّة انتقال البضائع.
وتمكّنت الليبرالية من تحقيق منجزات تاريخية مهمة وبالتدرّج والتراكم، أبرزها إقامة أنظمة ديمقراطية وبرلمانات، واعتماد مبادئ المساواة، الأمر الذي شجّع الإنتاج العلمي والفني والأدبي، خصوصًا بوجه سطوة الفكر الخرافي والشعوذات التي امتازت بها القرون الوسطى، بتأكيد قيم العقلانية والعلم وأولوية الفرد.
باختصار فإن الليبرالية تعتبر الحريّة والفردانية الباعث في حياة الإنسان، وهدفها تحقيق سعادته ورفاهه في حاضره ومستقبله. فهل ثمة رابط بين هذه الليبرالية والليبرالية الجديدة التي اتّسمت بسيادة العولمة، تلك التي أظهرت وجهها المتوحّش والسافر في بلداننا ومنطقتنا، التي عرفت احتلالات ومحاولات فرض مشاريع لا تنسجم مع قيمها وتقاليدها وتراثها، ناهيك عن تشبّث بعض دعاتها بالطائفية، فضلًا عن الولاءات الإقليمية والدولية؟
وبالعودة إلى سؤال الليبرالية الجديدة، فإن الكثير من أطروحاتها لا يربطها أية علاقة صميمية بفلسفة الليبرالية الكلاسيكية وطابعها الأخلاقي، باستثناء تركيزها على بعض الجوانب السياسية.
أستطيع القول لا يستقيم الكلام في الليبرالية دون أن يكون شاملًا دستوريًا وقانونيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وتربويًا. فكيف يمكن التوفيق بين الليبرالية والعنف وبين الليبرالية والخرافة وبين الليبرالية والتمييز وبين الليبرالية والطائفية؟ فذلك ليس سوى قطيعة مع جوهر القيم الليبرالية، بل مواجهة لها، فما بالك بضعف المجتمع المدني وانتشار السلاح خارج القانون وضعف دور القضاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل فات الاوان للتحول للحداثة والليبرالية
منير كريم ( 2023 / 7 / 6 - 21:12 )
الاستاذ عبد الحسين شعبان المحترم
تشكر على اهتمامك بموضوع الليبرالية
اقول للتحول للحداثة والليبرالية لابد من
التنوير (اشاعة العقلانية) وصولا للعلمانية
توفر طبقة مثقفة متحررة قوية راسخة
سلطة مستنيرة

ولكن هل هذه قابلة للتحقيق في مجتمعاتنا التي حطمها الجهل والتخلف الديني

لا اعلم , ربما فات الاوان
شكرا


2 - دور ألليبرالية تنويرية و ثقافية وليس ماتنسبوه
د.لبيب سلطان ( 2023 / 7 / 6 - 23:35 )
الاخ عبد الحسين شعبان
ان طروحات الليبرالية زمن الجادرجي وحسين جميل وحديد كانت طروحات الطبقة المثقفة العراقية بالامس وهي نفسها اليوم
وماتكتبونه ان هناك ليبرالية قديمة وجديدة هو خلطا للاوراق فعند مثقفينا القدماء والجدد هي واحدة في افكارها ومنطلقاتها ، والخلط للقارئ بين مذهب اقتصادي - اليبرالية الجديدة - ، وبين الليبرالين العرب الجدد الذينن سرعان مانسبت اليهم -فكيف يمكن التوفيق بين الليبرالية والعنف وبين الليبرالية والخرافة وبين الليبرالية والتمييز وبين الليبرالية والطائفية؟ - وكأن الليبرالين دعاة لها ، وهذه كانت دوما اساليب النؤدلجين الماركسيين العرب في خلط الاوراق ربما انتقاما من نقد الليبرالينلاالموضوعي لدورهم في خراب اليوم باضافة الليبراليين العرب الى الخبطة ،فهم كما ليسوا الا نخبا للتوعية والتنوير وليسوا احزابا ولا تيارات لليوم ..واتحدى ان تثبتوا للقارئ من دعا للطائفية والتمييز والخرافة بين الليبراليين العراقيين او العرب ..انها افتراءات مؤدلجين كما ارى لدرء التهمة واشراك بما فيها وعليها بما حصدت شعوبنا من تخلف على ايديهم


3 - بين الليبرالية الكلاسيكية وليبراليتنا
حميد فكري ( 2023 / 7 / 7 - 19:48 )
تمة فارق أساسي بين الليبرالية الكلاسيكية في البلدان الرأسمالية ،والليبرالية الجديدة في بلدان الرأسماليات التبعية .
فنجاح الأولى ،اعتمد على ظروف تاريخية ،ملائمة .
بروز طبقة بورجوازية صاعدة تقدمية،لم تصطدم بعائق خارجي يقوض نزعتها نحو بناء دولة وطنية مستقلة ذات سيادة .
إستفادتها من المرحلة الكولونيالية ، ثم فيما بعد الإمبريالية ،وهو ما وفر لها قاعدة إقتصادية قوية ،ساعدتها من جهة في ترسيخ دولتها(مؤسساتها)،كما ساعدتها من جهة ثانية في تخفيف حدة الصراعات الطبقية في مجتمعاتها.
لكن لماذا فشلت وستفشل ليبراليتنا نحن في المجتمعات (المتخلفة)؟
الجواب ،طالما دعاة الليبرالية عندنا ،يجهلون هذه الحقائق ، وطالما هم يعتقدون أن الليبرالية هي مجرد أفكار تنويرية يلقي بها بعض النخب وليست هي ذاتها نتاج صراع إجتماعي أو طبقي فالنتيجة ستكون لا محالة الفشل الذريع .
أما الأسباب المذكورة في المقال ،فهي ليست سوى تحصيل حاصل ،لاغير .


4 - سخافة الطرح لفكري
د.لبيب سلطان ( 2023 / 7 / 8 - 00:23 )
السيد حميد
انا لا انوي ولا ارغب الحوار معك واعتذرت لك عن ذلك ولكنك تمعن في تجهيز ملاحظات سخيفة كالتي اعلاه ولا تحترم ان الاخر لايود الحوار معك ، وسبب اعتذاري عن الحوار اني وجدت انك تتلاعب بالكلمات والتعابير وتؤلها كيفما شئت ، واللف والدوران على طريقة التعامل في البيع والشراء في السويقة كما رأيتها في زياراتي لاخي المقيم في المغرب، وانا لا احترم هذا الاسلوب وبالتالي اعتذرت، ولكن كتادة السويقة نفسها، عندماريعتذر الشخص عن الشراء، تراهم لايكفون
ويبقون يلحون ويسيرون مع الزبون ، وهنا ايضا اجدها معك ، طلب منك ان لادخول في حوار معك وتبقى تلح، يجب ان تعلم ان كرامة اي امرئ هي اعلى مقاما حتى من افكاره وارجوك لاتجبرني على طردك مرة ثانية
تعليقك اعلاه يدل على جهل بتاريخ اوربا ، حيث معارك العلمانية والحريات استمرت مئتي عام وساهم بها كل المجتمع ولم تكن هناك دولا ديمبراطية جاهزة لليبراليين بل هم ونضال شعوبهم من اقامها
وفي العالم العربي..من قضى على الليبرالية عندنا هي النظم الديكتاتورية الانقلابيية اما مصطلحات نيوكولونيالية وغيرها فهذه مالقنه لكم السوفيت ولاعلاقة لها بةاقع تاريخنا
رجاء للمرة التالية

اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في