الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أصبح المصريون “فقرا أوي”؟

ماجي صباغ

2023 / 7 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


10 سنوات من حكم الثورة المضادة
كيف أصبح المصريون “فقرا أوي”؟


حين انقلب الجنرال عبدالفتاح السيسي على حكم الإخوان المسلمين عام 2013 قدم نفسه كمنقذ للوطن من السقوط، مستدعيا الشعب لمنحه صلاحيات كاملة لمواجهة ما أسماه ب”الإرهاب المحتمل”، وهو ما استقبلته قطاعات واسعة من رجال الأعمال والطبقة الوسطى بترحيب شديد، كما استقبلته الطبقات الأفقر بنفس القدر من الترحيب، خوفا من حدوث فوضى، في ظل حالة الانقسام والاستقطاب الحادة بين الشعب، والتي ساهم في تأجيجها المجلس العسكري منذ اندلاع ثورة يناير، وعلى أمل أن يصدقهم الجنرال ويحقق لهم الاستقرار والرخاء.

ومنذ ذلك الحين، تبنى السيسي سياسة اقتصادية تعتمد اعتمادا أساسيا في توفير الموارد على التوسع في الاستدانة، ولم يرجع عنها رغم التبعات الاقتصادية شديدة القسوة على ملايين المصريين، الذين دفعوا، وبالأخص الطبقات الأشد فقراً، تكلفتها وفوائدها الباهظة.

ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وانخفضت القيمة الحقيقية للأجور، بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري، ولم يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وأسعار الخدمات من كهرباء ومياه ومواصلات عامة وغاز وغيرهم، بل ارتفعت أيضا الضرائب على الاستهلاك، وزادت الرسوم الحكومية، وانخفض الدعم على السلع التموينية، إضافة إلى انخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم والرعاية الصحية، مما ضاعف من معاناة الغالبية العظمى من الشعب.

الديون

منذ أن أحكم السيسي قبضته على السلطة، تضاعف الدين الخارجي 3 مرات، ليرتفع من حوالي 43 مليار دولار أمريكي عام 2013، ليصل الى 162.9 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2022، بالاضافة الى القروض التي تحصل عليها الحكومة من البنوك والمؤسسات المالية في الداخل (الدين الداخلي)، ليتجاوز إجمالي الدين الداخلي والخارجي مبلغ 370 مليار دولار أمريكي، وبذلك تعد الحكومة المصرية أكبر مقترض في السوق المحلي، وثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي على مستوى العالم. وإذا أخذنا في الاعتبار أن 54% فقط من الدين الخارجي منسوب للحكومة المصرية، والباقي تدرجه الحكومة ضمن ديون البنك المركزي المصري وهيئات أخرى نجد أن إجمالي الدين الخارجي الحقيقي هو ضعف الرقم المعلن.

ديون الرئيس يسددها الفقراء

تمثل أقساط هذه القروض وفوائدها ما يقرب من 56% من النفقات المدرجة في الموازنة العامة للدولة، وذلك طبقا لمشروع الموازنة للعام المالي 2023/2024، حيث بلغ إجمالي الأقساط والفوائد المستحقة مبلغ 2 تريليون و435 مليار جنيه مصري، مع العلم أن 49% من موارد الموازنة عبارة عن قروض، أي أننا انتقلنا من دائرة الإقتراض لإنشاء مشاريع، كما تزعم السلطة، إلى دائرة الاقتراض من أجل سداد أقساط وفوائد القروض الأولى، التي اقترضناها من قبل.

في المقابل يمثل بندي الأجور والدعم مجتمعين حوالي 23% من إجمالي النفقات، مما يعني أن تكلفة الدين تلتهم موارد الموازنة، وتتطلب ضغط بنود النفقات الأخرى من خفض الدعم وتقليص الإنفاق على الخدمات وتجميد الأجور، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على ملايين الفقراء.

ومن ناحية أخرى يعمل النظام على زيادة حصيلة الضرائب، من خلال زيادة الضرائب على الاستهلاك، والتي زادت القسوة قسوة على الفقراء، في حين ظلت الضرائب على أرباح الشركات كما هي دون تغيير، بل تمتع صندوق “تحيا مصر”، الذي يمول مشاريع السيسي بالإعفاءات الضريبية، التي تقدمها له، واستمر عدم خضوع شركات الجيش لأي رقابة مالية، وبالتالي عدم دفع ضرائب على أرباحها، ولم يقدم النظام إعفاءات ضريبية على عوائد أذون الخزانة، التي تشتريها المحافظ الاستثمارية الأجنبية، والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.

أزمة الواردات

منذ عقود يعاني الاقتصاد المصري من خلل في الميزان التجاري، بسبب ارتفاع فاتورة الواردات مقارنة بالصادرات.

وقد أدى غياب خطة اقتصادية لتطوير قاعدة للتصنيع من أجل التصدير أو تحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى اتساع تلك الفجوة، ومن ثم الحاجة باستمرار إلى الاستدانة لسد ذلك العجز.

منذ يوليو ،2013 ارتفع العجز في الميزان التجاري من 28 مليار دولار، ليصل إلى 44 مليار دولار، وتمثل مستلزمات الإنتاج اللازمة للتصنيع من مواد خام ومنتجات وسيطة نسبة 50% من فاتورة الواردات، بالإضافة إلى واردات الغذاء، التي تمثل 2/3 من احتياجات الغذاء الأساسية من قمح وأعلاف وغيره.

ومع تجلي الأثر الفادح للقرارات الاقتصادية للسيسي في بدايات عام 2022، ومع صدور قرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة، والذي ترتب عليه خروج 20 مليار دولار أمريكي من احتياطي النقد الأجنبي، للبحث عن فرص استثمارية أفضل وأكثر أمانا، أصيب النظام بصدمة، وأثر ذلك بشكل كبير على سياسة إدارة الديون التي اتبعها السيسي، والتي بموجبها يتم سداد المستحق من أقساط الديون المتوسطة بالقروض قصيرة الأجل (الأموال الساخنة)، وأصبحت مصر مهددة بإعلان عجزها عن سداد ديونها (الافلاس).

كما أدى خروج هذه الأموال الى شح العملة الصعبة، وعدم قدرة الحكومة على تدبير الأموال اللازمة لسداد قيمة الواردات المحتجزة في الموانئ، فانحفض المعروض من السلع، وتوقفت بعض خطوط الإنتاج في المصانع الكبرى، كما أغلقت آلاف الشركات الصغيرة، وبالتالي ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ومن ذلك زادت أسعار الأعلاف بنسبة 220 %، مما تسبب في ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، وما من شيء في بر مصر إلى وناله من الزيادة في الأسعار ما لا يطيقه الشعب، لذا يعتبر قرار السيسي بخفض الواردات، وتوجيه المتاح من النقد الأجنبي لسداد ديونه، أحد أهم الأسباب المباشرة في رفع الأسعار بهذا الشكل غير المسبوق.

أين ذهبت الأموال؟

في ظل مناخ سياسي تديره آلة قمع وحشية، أنفق السيسي، ببذخ، على تنفيذ مشروعات عملاقة، بدون إعداد دراسات مسبقة لتحديد الجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات، وهو ما اعترف به السيسي بنفسه، متفاخرا بإنجازات ليست لها دراسات جدوى، معتبرا أن الدراسات كانت ستحول دون تنفيذ المشاريع بهذه السرعة.

وبالفعل وجه السيسي مليارات الدولارات، التي اقترضها، إلى قطاع البناء والتشييد، فأمر ببناء عاصمة جديدة في الصحراء، بها أطول برج في أفريقيا، وأكبر كنيسة في الشرق الأوسط، ومسجد يتسع لحوالي 200 ألف مصلي، وأحياء سكنية فاخرة، وبلغت تكلفة ما تم تنفيذه من المرحلة الأولى حوالي 45 مليار دولار أمريكي، تم تمويلها من الموارد العامة للدولة، أوعن طريق الديون.

كذلك قرر السيسي إنشاء محطة نووية تتكون من 4 مفاعلات لتوليد الطاقة، بتكلفة إجمالية حوالي 25 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى صفقة شراء أسلحة من إيطاليا، تعتبر أكبر صفقة شراء أسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تراوحت تكلفتها بين 9 و 11 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى طائرات الرافال الفرنسية وغواصات من ألمانيا، مما وضع مصر ضمن أعلى 5 دول على مستوى العالم في شراء الأسلحة.

أما القصور الرئاسية، ومدينة العلمين الجديدة، ومشروع توسعة قناة السويس، والتي تكلفت 8 مليار دولار، ومشروع القطار السريع، الذي تكلف 23 مليار دولار، والإنفاق على الاحتفالات والمؤتمرات. كل تلك المشروعات التي أهدر فيها السيسي مئات المليارات من الدولارات لم تحقق أي عائد يذكر.

كذبة السيسي في فرنسا

منذ أيام ألقى السيسي كلمة في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”، والتي عقدت في باريس حمل خلالها الأزمات العالمية المتتالية خلال السنوات الأخيرة مسئولية تراجع معدلات النمو والأزمة الاقتصادية المحلية الحالية التي يمر بها الاقتصاد المصري!.

وأكد السيسي على أن الأمور كانت تسير بشكل جيد منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016، ولكن “لسوء الحظ! ” توالت الأزمات العالمية، منذ انتشار وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، والتي جعلت اقتصاد مصر في مهب الريح!.

والحقيقة أن السيسي لم يكن لدية برنامجا اقتصاديا إصلاحيا ناجحا، كما زعم، بل كان برنامجه قائم على الرهان الدائم على المساعدات، فقد راهن على استمرار تدفق الأموال من دول الخليج، التي دعمت الثورة المضادة، ومولت انقلابه العسكري، خوفا من امتداد نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين بشكل خاص، وكذلك القضاء على المد الثوري، الذي كاد يهدد عروش هذه الدول، في أعقاب سقوط مبارك.

منحت السعودية والإمارات السيسي في السنوات الأولى مساعدات مالية بحوالي 100 مليار دولار، لتثبيت حكمه، وعندما استقر له الأمر تحول موقف هذه الدول من منح عشرات المليارات التي لا ترد إلى موقف يحكمه المنطق الاستثماري بالأساس، وكانت بداية تلك المرحلة صفقة بيع جزيرتي تيران وصنافير، ومن بعدها شراء أصول أو في أفضل الأحوال تقديم أموال في صورة ودائع دولارية، كما حدث عقب خروج الأموال الساخنة في بداية عام 2022.

كما راهن السيسي أيضا على استمرار إقبال الدائنين الأجانب على شراء أذون الخزانة المصرية “الأموال الساخنة “، والتي يعتمد عليها السيسي في سداد جزء من أقساط ديونه، دون الأخذ في الاعتبار التغيرات السياسية في العالم وتأثيرها على حركة رؤوس الأموال والتغير في أسعار الفائدة، وهو ما أحدث صدمة للسيسي، حين خرجت المليارات من الأموال الساخنة في مارس 2022.

كما راهن السيسي على قوة آلته القمعية في إرغام الشعب على دفع التكاليف الباهظة لسياساته الاقتصادية، وسداد أقساط وفوائد ديونه، التي لا تنتهي، إلا أنه من الواضح أن التقارير التي ترفع إليه حذرته من تنامي السخط الشعبي ضده، مما جعله يؤجل قرار تخفيض الجنيه، ويعتبر ذلك مسألة تهدد أمن واستقرار مصر.

الحل سياسي

أن الحديث عن حلول اقتصادية لهذه الأزمة هو حديث غير مجدي، وذلك لأن حل الأزمة الاقتصادية في مصر هو حل سياسي بالأساس، فالقرارات الاقتصادية التي فرضها السيسي طوال السنوات الماضية ما هي إلا قرارات تخدم مصالحه السياسية، فمثلا قرار توجيه المليارات من الموازنة العامة للدولة والقروض للاستثمار في قطاع غير انتاجي وغير قابل للتصدير هو قرار يخدم اقتصاد المؤسسة العسكرية الداعمة للسيسي وشريكته في الحكم.

وقرار شراء مفاعل نووي لتوليد الطاقة بقرض روسي في بلد لا يعاني من نقص مصادر الطاقة أيضا قرار سياسي هدفه التقارب مع روسيا، وكذلك الإصرار على تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة رغم تراجع دولة الإمارات عن تمويله هو قرار سياسي بعيد كل البعد عن الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، كذلك المليارات التي أهدرت في شراء الأسلحة من إيطاليا وفرنسا وألمانيا كان الهدف الأساسي منها هو شراء تغاضي هذه الدول عن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى وإن طال هذا الانتهاك مواطن إيطالي!.

والآن يعول السيسي على بيع حصص مملوكة للحكومة في شركات لمستثمرين من دول الخليج، كوسيلة للحصول على تدفقات دولارية لسد الفجوة، التى بلغت 25 مليار دولار سنويا، بسبب أقساط الديون والفوائد المرتفعة، ومن أجل ذلك وضع خطة تستهدف بيع أصول بمبلغ 4 مليار دولار خلال 4 سنوات، ابتداء من عام 2022 لم تفلح هذه الخطة سوى في بيع 3.3 مليار دولار في السنة الأولى، مما يضع السيسي في مأزق أكبر.

وكما ذكرنا فقد استدعى السيسي الشعب في يوليو 2013 لمنحه صلاحيات كاملة، وآن الأوان لكي يتحمل السيسي وحده مسؤولية التسبب في حدوث أعنف أزمة اقتصادية مرت على مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية