الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتحام جنين للتغطية على الانقلاب القضائي

يعقوب بن افرات

2023 / 7 / 8
القضية الفلسطينية



اقتحم الجيش الإسرائيلي بقوات كبيرة معززة بوحدات خاصة ومروحيات مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، فجر الإثنين 3 تموز/يوليو الجاري، في عملية عسكرية وصفت بأنها “الأعنف” منذ الانتفاضة الثانية، ويمكن اعتبارها بأنها عمل انتقامي بهدف العقاب الجماعي لجنين ومخيمها بعد أن تحول المخيم في العامين الأخيرين إلى قاعدة عمليات ضد الجيش الإسرائيلي تضم مئات من المسلحين الذين لجأوا إلى المخيم باعتباره مكاناً حصيناً وبعيداً عن أعين السلطة الفلسطينية والاحتلال في آن معاً.

الاقتحام الكبير الذي شارك فيه، بحسب تقارير الجيش الإسرائيلي، 1000 جندي وعشرات الآليات العسكرية المجنزرة والجرافات الثقيلة والطائرات المسيرة، لم يواجه بقتال أو معارضة عسكرية ملموسة من الطرف الفلسطيني. فقد فضّل شبان المخيم المسلحين الانسحاب والاختباء نظراً لحجم القوى الغازية وبالتالي كل ما قام به الجيش المدجج بالسلاح هو تجريف للشوارع وتدميرٌ للممتلكات العامة، كان الهدف من ذلك “تلقين أهالي المخيم درساً لا ينسى عن جبروت الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر”. ولكن لا أحد في إسرائيل يعتبر أن ما قام به الجيش في جنين انتصاراً ولو مؤقتاً. فما حدث هو في واقع الأمر عملية عسكرية مدمرة بحجم كبير ما يدل على فشل وعجز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة موجة العمليات الفلسطينية ضد المستوطنين.

توقيت الاقتحام مرتبط بمأزق حكومة نتنياهو في الكنيست

هذه ليست القصة الكاملة، فما تمر به إسرائيل منذ تشكيل الحكومة الفاشية الحالية، منذ مطلع العام الجاري، هو أشبه بـ “حرب أهلية” بين معسكرين متناقضتين، معسكر يميني بقيادة نتنياهو الذي شكّل ائتلافه الحكومي الحالي من تيارات دينية وتبشيرية لها ميول قومية متطرفة قوامها وقاعدتها الصلبة من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة إضافة إلى اليهود “الحريديم” (الأرثوذكسية اليهودية). وفي الطرف الآخر يقف المعسكر الليبرالي المكوّن من الشرائح الأكثر تثقيفاً وتحرراً بما فيهم الأكاديميون ورجال الأعمال وأصحاب شركات التكنولوجية المتقدمة “الهايتك” يضاف إليهم شريحة كبيرة ومؤثرة من قادة وعناصر الأجهزة الأمنية.

تتهم حركة الاحتجاج ضد “الانقلاب القضائي”، التي خرجت إلى الشارع بقوة جبارة، حكومة نتنياهو بالسعي للانقلاب على النظام وهوية الدولة وتأسيس ما يسمى بـ “نظام ديمقراطي غير ليبرالي” على غرار النظام المجري برئاسة فيكتور أوربان.

وقد أعلن أعضاء الوحدات الخاصة في الاحتياط وهي إحدى مكونات حركة الاحتجاج بأن “التهديد الوجودي الحقيقي والكارثي على إسرائيل هو الانقلاب على النظام وفقدان الديمقراطية”. وفي هذا السياق يرى الصحفي أوري مسغاف في جريدة هآرتس (06.07.2023) أن اليمين يحاول إلهاء الشارع الإسرائيلي باقتحام جنين، وكتب مسغاف أن العملية العسكرية هي استغلال لجنود جيش الدفاع والإعلام لصالح الائتلاف الحاكم. كما يرى أن الحكومة وظفت بذلك المعارضة الضعيفة في الكنيست لصالحها ولكي تصرف الأنظار عن شهادة الملياردر ميلتشن في محاكمة نتنياهو المتهم بقضايا الفساد. شكّل تحرك الجيش بعتاده الكبير ضد الخطر الوجودي الوهمي في جنين غطاءً للهدف الحقيقي للحكومة التي تسعى إلى تمرير “الانقلاب القضائي” وللتغطية على خضوع نتنياهو الكامل لرؤساء الحكومة الحقيقيين (سموتريتش بن غفير ودرعي).

وفي الوقت الذي لم تهدأ فيه أصوات الرصاص والانفجارات في جنين لم يتوقف نواب اليمين عن رفع مشاريع قوانين “الانقلاب القضائي” في الكنيست، مستغلين فرصة انشغال الشارع بالحرب.

نظّم نتنياهو خلال اقتحام المخيم حملة إعلامية واسعة النطاق حيث جُندت الأستوديوهات لصالح عملية “اجتثاث الإرهاب” وتم استدعاء خبراء الحرب والجنرالات الاحتياط والناطق باسم الجيش ليفسروا أهمية العملية في جنين، وفي الوقت نفسه لم تتوقف لجنة القانون والدستور في الكنيست عن مناقشة قوانين الانقلاب، حيث شرع رئيس اللجنة عضو الكنيست سيمحا روتمان من حزب “الصهيونية الدينية” في تسريع الإجراءات لتشريع قانون “تقليص حجة المعقولية” الذي يعتبر خطوة أولى وأساسية في إتمام الانقلاب على الجهاز القضائي والمحكمة العليا الوجه الليبرالي لإسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أن “حجة المعقولية” هي التي تتيح الرقابة القضائية على التعيينات من قبل الحكومة وسائر السلطات في إسرائيل مما يمنع الفساد والتعيينات القائمة على أساس الولاء السياسي مثلما يحدث في الأنظمة العربية المستبدة التي يفقد فيها الجهاز القضائي الحد الأدنى من الاستقلالية.

حركة الاحتجاج ترفض إلغاء المظاهرات

يوم الاثنين (03.07.2023)، خططت قيادات حركة الاحتجاج للتظاهر في مطار اللد بوابة الخروج والدخول الرئيسية لإسرائيل، وهو اليوم الذي بدأت فيه العملية العسكرية في جنين.

كان من المقرر أن تشل مظاهرة المطار عصب المواصلات وتخلق أزمة سير خانقة في مكان مركزي تعبيراً عن الغضب والاستياء الذي يسود الشارع الإسرائيلي من الخطوات أحادية الجانب التي تتخذها الحكومة اليمينية الاستيطانية.

على مدار 26 أسبوع تظاهر المحتجون على “الانقلاب القضائي” في شارع كابلان وسط تل أبيب وسائر المدن الكبرى ولجأوا إلى قطع الطرقات والشوارع الرئيسية والاشتباك مع الشرطة، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى وتعطيل الحياة العادية في البلاد. ونتيجة لقوة وتأثير الاحتجاج تراجع نتنياهو في شهر آذار/مارس الماضي عن خطته بشأن السلطة القضائية وبدأت المفاوضات مع المعارضة في مقر رئيس الدولة. إلا أن الائتلاف الحاكم أجهض، في نهاية الشهر الماضي (حزيران/يونيو)، هذه المفاوضات وشرع من جديد في تشريع قوانين الانقلاب – ولكن هذه المرة بالتقسيط وليس بدفعة واحدة. كان الهدف من هذا التكتيك إفشال الاحتجاجات نظراً لأنه من الصعب حشد الجماهير لمظاهرات ضد خطوة جزئية وغير مفهومة مثل “حجة المعقولية”. إضافة لذلك تم استغلال العملية العسكرية في جنين من أجل خلق جو “إجماع وطني” لتعبئة وحشد الرأي العام وتأليبه ضد الاحتجاجات تحت شماعة أن “جميعنا ملزمون اليوم للوقوف مع الجنود”.

كانت الحكومة تعول على أن يتصرف قادة حركة الاحتجاج مثل كل مرة وتلغي التظاهرات. ولكن ما حدث على ارض الواقع كان معاكسًا تمامً، اذ رفضت حركة الاحتجاج التراجع واصرت على مواصلة الاحتجاج. تنظيم المظاهرة الجبارة في مطار اللد في نفس الوقت الذي قام به الجيش في غزوه في جنين كان مثابة خرقاً غير مسبوق في اسرائيل وخروجاً عن الإجماع الصهيوني الذي صمد على مدار 75 سنة منذ تأسيس الدولة، لاسيما وأن النخب الإسرائيلية أعلنت بشكل واضح أن الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو تشكل “خطر وجودي” وأن التظاهر في المطار هو تعبير عن موقف يرى في “الصهيونية الدينية” والمستوطنين وحزب “الليكود” بقيادة نتنياهو العدو الحقيقي للديمقراطية وللمجتمع الليبرالي. وقد يدعم هذا الموقف الجهاز القضائي برمته، إضافة إلى المؤسسة الأمنية ودوائر النفوذ الاقتصادي وحتى نقابة “الهستدروت” العامة.

هذا فضلاً عن أن حركة الاحتجاج تحظى بدعم من إدارة بايدن التي ترفض استقبال نتنياهو في البيت الأبيض تعبيرا عن قلقها العميق من مخططات اليمين الإسرائيلي ضد استقلالية القضاء. كما ترى إدارة بايدن النضال من أجل الديمقراطية في إسرائيل امتدادا للمعركة من أجل إنقاذ النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة المهدد من قبل صديق نتنياهو الحميم دونالد ترامب. وقد أعلن بايدن من أول يوم لولايته بأن العالم ينقسم بين معسكر الاستبداد ومعسكر الديمقراطية وعلى هذا الأساس قام بدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي ووقف إلى جانب الاحتجاجات في إسرائيل بشكل واضح وصريح. في حين أن حكومة نتنياهو تعمل على إسقاط بايدن وتدعم بوتين وجرائمه ضد الإنسانية في كل من سوريا وأوكرانيا.

الموقف الفلسطيني الغائب

السؤال المطروح هنا، ما هو الموقف الفلسطيني من الحرب الأهلية الإسرائيلية؟ والجواب يتأرجح بين التجاهل واللامبالاة، والاستياء بل والعداوة. أن حجج القيادات السياسية والكتاب الفلسطينيون مختلفة ومتعددة، مثل تداول مقولة “إنها مشكلة اليهود فقط ولا تخص العرب” أو القول بأن” الديمقراطية التي يتحدثون عنها في الاحتجاج هي لليهود فقط” أو بالموقف الذي يتهم حركة الاحتجاج بأنها “لا تريد التطرق للاحتلال”، فضلاً عن انتقادات بخصوص حمل المتظاهرين الأعلام الإسرائيلية في المظاهرات.

في الواقع كافة الحجج المذكورة تعتبر حججاً صحيحة، ولكنها تقول جزء من القصة فقط، وليس كلها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هدف الاحتجاجات الإسرائيلية هو إسقاط، بل ودحر اليمين الفاشي الاستيطاني. كما علينا أن لا نغفل أن قيادة الاحتجاج تدرك بأن جذر الايديولوجية الفاشية يرجع إلى الاستيطان وأن الهدف من الاستيلاء على المحكمة العليا هو تنفيذ لخطة سموتريتش لضم المناطق المحتلة وفرض نظام الفصل العنصري عليها بشكل رسمي. كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن الوحدات الأساسية في الجيش الإسرائيلي وعلى رأسها ضباط سلاح الجو يرفضون الخدمة في الجيش في حالة تطبيق الانقلاب على القضاء.

هنا يجب أن نواجه السؤال التالي: هل من الحكمة أو من المسؤولية من الطرف الفلسطيني تجاهل هذا التطور الخطير، في حين تمر القضية الفلسطينية في حالة صعبة ويجد الشعب الفلسطيني نفسه في عزلة دولية بل وعربية كاملة؟

صحيح أن الديمقراطية الإسرائيلية هي ديمقراطية منقوصة في الأصل لأنها تتعايش مع احتلال يمنع أبسط الحقوق المدنية والإنسانية عن الفلسطينيين، ويمارس التمييز ضد العرب من مواطني إسرائيل، ولكن السؤال المطروح ما هو موقف الفلسطينيين والمواطنين العرب في إسرائيل من الديمقراطية؟ هل هناك اليوم تيار ديمقراطي مؤثر في المجتمع الفلسطيني؟ هل الأجندة القومية والدينية التي تبنت شعار “الأقصى بخطر” تتماشى مع القيم الديمقراطية. هل حركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” أو “فتح” تتبنى مبدأ الديمقراطية بتعاملها مع الجمهور الفلسطيني؟ هل الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والحركة الإسلامية وحتى حزب التجمع المدعوم من دولة قطر هي أحزاب وحركات تتمسك بالديمقراطية؟

من السهل توجيه أسهم الاتهام ضد حركة الاحتجاج الإسرائيلية، ولكن من الصعب طرح برنامج ديمقراطي لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الوضع البائس الذي يعيش فيه. في الحقيقة لا توجد اليوم حركة ديمقراطية فلسطينية من الممكن أن تقود الشعب نحو تحريره من الاحتلال، وإذا في يوم من الأيام تشكلت حركة ديمقراطية حقيقية فسيكون لا بد لها أن تتواصل مع حركة الاحتجاج الإسرائيلية خدمة للشعب الفلسطيني.

من يتجاهل ما يحدث في إسرائيل من صراع سياسي مصيري حول الطبيعة المستقبلية للدولة وهويتها وعلاقتها مع الشعب فلسطيني، يترك الشعب رهينة لبراثن استبداد السلطة الفلسطينية من ناحية وسلطة حماس من ناحية أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -