الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموسوعي حنا عبود

فهد المضحكي

2023 / 7 / 8
سيرة ذاتية


يشكل الناقد والمترجم والشاعر السورى حنا عبود، المولود في محافظة حمص في العام 1937، ظاهرة ثقافية تستحق الدراسة وتسليط الضوء عليها، لما قدمه من مؤلفات متنوعة رفدت المكتبة العربية بترجمات ودراسات شملت مناحي متعددة من الأدب والفكر. درس الأدب العربي في جامعة دمشق، مارس مهنة التدريس، عمل في تحرير مجلة «الآداب الأجنبية» ومجلة «الموقف الأدبي» الصادرتين عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، حائز على أكثر من مائة جائزة تقديرية. وله عشرات المؤلفات في نقد الفكر الفلسفي والسياسي والاقتصاد الأدبي وترجمة النقد ونظرية الأدب والمسرح وآداب الشعوب واساطيرها. يعتبر حنا عبود من أهم نقاد الشعر في «سورية» خلال النصف الثاني من القرن العشرين، له العديد من الدراسات من نقد الشعر إلى نقد النقد، ومن النقد إلى نظرية الأدب وعلم الجمال، ومن هذين إلى دراسة في الفكر الإنساني والميثولوجيا. مسيرته أدبية طويلة نتائجها تسعون كتابا بين مؤلف ودراسة وترجمة. تحدث بعض النقاد، ومن بينهم الناقد السور يسعد الدين كليب عن الوعي النقدي عند عبود الذي حدّده بعدد من السمات منها الموسوعي، والكلي، والمنهجي والجمالي، خصائص أربع مغلفة بالسمة الجدلية، فهو يمتلك إحاطة شاملة لمادة البحث، والموثوقية العلمية والوضوح المنهجي المتنوع.إن أهم ما يميز مؤلفاته كتاب (فصول في علم الاقتصاد الأدبي) الذي عرض فيه نظرية معاكسة تماما للاقتصاد السياسي. في حوار أجرته معه مجلة «نزوى» يقول فيه: إن الاقتصاد السياسي يعتمد على الوسائل المادية لتحقيق هدفه في الكسب والهيمنة، فهو في طبيعته عدواني من حيث النشأة، وجشع إلى أبعد حدّ، فهو لا يقف عند حدّ سد الحاجات، بل هناك عمليات كثيرة يجريها الاقتصاد السياسي. ويعتقد أن سبب الاستعمار الجديد هو نفسه الاقتصاد السياسي. في مقابل ذلك، يرى أن الاقتصاد الأدبي يعتمد على الوسائل المعنوية التي تتمتع بحرية شبه كاملة، الإ إذا كان مأجورًا، عندها يصبح ملحقًا بالسلطة السياسية. والفرق كبير بين دافع الحرية، بغية الحصول على الكرامة والسعادة، ودافع الربح المادي والاكتناز والسيطرة والتغلغل والانتشار الواسع.

وبعبارة أخرى، لقد صاغ حنا عبود منذ سنوات ما سمّاه نظرية الاقتصاد الأدبي في مواجهة الاقتصاد السياسي لإعادة الاعتبار للإبداع والأدب. يقول الكاتب محمد علاء الدين عبدالمولى، ها هو في كتابه (من حديث الفاجعة: دراسة في مسرح جنون الثروة) يواصل التنقيب في طبقات هذه النظرية التي مازالت تتفتّح عن مفاهيم مهمّة،وتعطي مفاتيح جوهرية تفضّ كثيرًا من مغاليق الأسئلة، وتطرح كذلك أسئلتها الخاصة بها. ويزداد القارئ قناعة بأن هذا الناقد يتضمن في أعماقه مبدعًا حقيقيًا يصنع له بوصلة شعرية جمالية تشير دائمًا باتجاه تركيز البحث في قيم الأدب العليا، وتشير كذلك إلى ضرورة اعتبار الأدب وما يتصل به خلاصًا حقيقيًا للإنسان في العالم الذي تتحكم به فئات لا أصول لها ولا مطامع خارج مطامع تجميع الثروة والإصابة بما يسمى بجنون الثروة المنتشر في أوساط فئات مُحدثي النعمة. ينقلنا هذا إلى ما قاله عبود في هذا الشأن: في خطابنا نعاني من الأزمة الخالدة: تفسخ القيم الجمالية العالية، وهجوم الدخلاء مجانين الثروة والسلطة على معبد الأدب لتدنيسه وإفراغه من محتواه. إن مُحدثي النعمة ليس لهم تقاليد تنظم علاقاتهم مع الأدب والمبدعين، وينظرون إلى هؤلاء على اعتبار أنهم من مخلفات التاريخ، في الوقت الذي نرى إلا تاريخًا خارج سيادة هؤلاء وقيمهم ومفاهيمهم وآمالهم، فهم الذين يقومون بالمحافظة على روح أمةٍ من الأمم. وهم لايستطيعون القيام بمهمتهم في ظلّ أخلاق السّوق والانتهازية والمصالح الراهنة، إنهم يبحثون دائمًا عن النبُّل المفقود يستمدون منه أكبر محرّضٍ على الأبداع.

كيف يمكن أن يصبح صاحب الموهبة ناقدًا متميزًا؟ للإجابة عن هذا السؤال، يعطى حنا عبود اهتمامًا بقراءة الفلسفة قبل كل شيء. النظريات الأدبية ظهرت من الفلاسفة: ماركس سارتر فرويد يونغ أدلر... إلى آخر ما هنالك من أسماء وراء النظريات الأدبية. ومن دون هذه القراءة يصبح الكاتب جمّاعا وصدى لغيره. وبرأيه، من المفروغ منه أن يكون مطلعا على التراث العربي، وهذا ليس بالأمر السهل، كما يجب أن يكون مطلعا على التراث العالمي، قديمه وحديثه، وأن يتمكن من القواعد الأدبية: كقواعد فنون الشعر وقواعد اللغة وقوانين كل لون من الألوان الأدبية. على أن أهم شيء يجب أن يتحلى به الناقد ألا يغتر بثقافته. إن ما يحتاجه الناقد يعتبر أكبر ثقافة على الأطلاق، ولكن يمكن لبذرة غرور صغيرة أن تحطم تلك الثقافة. أما إذا أراد أن يكون صاحب نظرية، فما عليه سوى أن يجعل النظريات الأدبية تتضارب فيما بينها، ويطرح عليها التساؤلات الكبرى والصغرى، حتى إذا تبين له ما فيها من مناقب ومثالب أمكنه أن يخط لنفسه نظرة ينطلق منها، فإذا توسع في تطبيقه، فليحاول في كل مرة أن يعيد النظر في نظرته ويعدلها حتى تشمل أكثر من مجال. وحين تتسع هذه النظرة ويتثبت من صحتها يتركها تشمل المجالات الاجتماعية والسياسية إلى جانب المجالات الأدبية والفنية. ولايخفى أن العصر هو عصر ثورة المعلومات، الزمن فيه ضيق ومختصر، فيمكن للناقد اليوم الحصول على أي كتاب من الشبكة العنكبوتية، ولا يحتاج إلى البحث عنه في البلدان الأجنبية، وينتظره شهورًا، بل سنوات في بعض الأحيان. ومما ينبغي أن نتوقف عنده في مسألة النقد الأيديولوجي لاعتباره أخطر أنواع النقد ما أشار إليه في أحد اللقاءات وهو، عندما تكون الأيديولوجيا نبراس هداية يكون النقد بخير، ولكن عندما تتحول إلى دين يرفض أفكار الآخرين تصبح زنزانة للعبادة المتقوقعة. فالتعصب الحزبي مثل التعصب الديني الطائفي. في أوروبا وبعد أن تخلصوا من العصبية الدينية فتحوا أبوابهم لكل الديانات، فالتعصب والإنسانية لا يلتقيان أبدًا. لأن العقيدة عمودية بينما الإنسانية أفقية. ولا تقوم الدولة أو تكون بجلد الذات بل بالفرح، والفرح حياة.

في بحث تناول فيه مفهوم النهضة، أشار إلى أن أهم شعار طرحته النهضة هو «الدين لله والوطن للجميع» وأخطر انحراف حدث في مسيرة النهضة هو خرق هذا الشعار. وأن موضع الخلل يكمن في أن السلطات مارست دورها السلبي في دفع الناس إلى الانحراف عن هذا الشعار، ولكن من جهة أخرى، يشير إلى أن الناس أنفسهم مسؤولون عن هذا الانحراف الذي يسقط النزعة الوطنية، وأن الدول العربية كانت غارقة في الأمية الثقافية، ولم يكن بينها التفاعل الثقافي المرغوب والمطلوب، فكم من الكتب المفيدة والنبيلة منعت من دخول هذا البلد أوذاك؟ ويذكر هنا، على سبيل المثال، أنناكنا نبحث عن كتاب طه حسين المحظور في مصر «في الشعر الجاهلي» فما حصلنا عليه إلا في ثمانينيات القرن الماضي. وفي عام 1962 استطعنا الحصول على كتاب «رأس المال» ترجمة الدكتور راشد البراوي... وهكذا. لم تستطع الجامعة العربية أن تفرض العلاقة الثقافية السليمة بين أعضائها. في حين أن بعض البلدان العربية تولّد الأزمات باستمرار ثم تعمل على حلها فتخلق أزمات جديدة وهكذا. إن لم تقم بنية تحتية متينة، إن لم يقم مجتمع مدني، إن لم توضع نواظم وطنية وديموقراطية، فإن الأزمات سوف تستمر ونقع في «الدوائر المغلقة». فإدا ما أردنا التوقف عند بعض أفكاره السياسية، فإن من الأهمية أن نشير إلى رأيه القائل: في العالم الثالث تبسط الأنظمة التوتاليتارية سلطتها على كل شيء: من الرغيف حتى النزهة على ضفاف بحيرة. كل شيء بيد السلطة. يتوجه البشر إلى تأمين حاجاتهم المادية، وتتغيّر نفسياتهم، وتتفشى فيهم الانتهازية والوصولية، وتصبح آمالهم مشكوكا فيها فكم من مدّعٍ أنه تقدمي تكشف عن رجعي مقيت، وكم من ثوري ادّعى العلمانية فإذا هو طائفي... وهكذا في العالم عندما تنتهك أبسط الحريات لا تموت الآمال بل تتحول إلى مطامع فيها الكثير من رائحة العفونة البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل