الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكائن

عيسى طاهر اسماعيل

2023 / 7 / 8
الادب والفن


في فضاء مثقوب تهيأ لكائن أن يهبط على الأرض، وكأن الثقب كان كوة بدا له النظر من خلالها أمرا يبعث على الدهشة المستدامة. مهبطه لم يكن رأس جبل ولا سفحه ولم يكن صحراء ولا سهلا، وإنما كان شجرة.
أول ما تفحصها كانت رائحتها ثم حدق في اوراقها ومن ثم الأغصان ثم نظر للأسفل فتهيأ له أنه رأى شيئا صغيرا يتجه إليه، ما إن اقترب حتى تلاشى شيئا فشيئا. نزل من على الشجرة فرأى أشجارا أخرى تبعد عن شجرة المهبط أمتارا فأمتارا. آثر أن يبقى، فالمكان آمن والغذاء وفير.
عاش آجالا يلتقط، رأى مثيلا له في أشجار أخرى، تسلق شجرته حتى أعاليها، تأمل السماء، أدرك أنه كان هناك وأن أحدهم قد قذف به. كان يستأنس بمثيله من الكائنات وينفر عن سواه، كان أحيانا يهبط من الشجرة يشرب من نبع ماء قريب. حتى أصبحت أعدادهم أكثر من الشجر والحجر، حتى غدت الأيادي أكثر سرعة في الإلتقاط والأفواه أكثر شرها، لقد ولت أيام الوفرة وتمثلت في أحلام راودتهم، كانت حياة لا تعب فيها ولا مرض، ولا عداوات ولا معارك تنشب، كان الطعام وفيرا يلتقط.
كان فضاءه فضاء جوع، لم يسلم شيء من دائرة رغبته، كل ما تراه العين كان محل رغبة عميقة لأن يأُكل. لكن ساعات وساعات من البحث اللاغب لم يتكلل بأي نجاح يذكر، كان كل ما حوله وكل ما في مدى رؤيته وحواسه، لا يتحرك. الجمود واللاحركة أصاب كل شيء، أشجار لا تحمل ثمارا، ماء لا يحتوي على كائنات وفضاء مسحور بالخواء، لا يحمل في اتساعه ما يؤكل، كل ذلك كان لعنة أصاب ذلك الكائن الذي قام يوما منتصبا يمشي بعدما مل المكوث في أعالي الأشجار وقرر يوما أن ينزل ليلتقط المزيد.
كانت الشمس على وشك المغيب، عندما تراءى للكائن أن هناك نار في لفح شجرة، وكأن النار تومئ له بقدوم خير وافر. قصد النار مسرع الخطى، اقترب من الشجرة المتقدة فرأى كائنا ملقى في النار ورائحة شواء ملأ منخريه، كانت رائحة مقززة، لكنه منظر مغر ولا بد أن يلتقط ما وقع في يديه، سحب جسم الكائن المشوي وأختار شجرة ووضع الكائن أمام عينيه متفحصا، مد يده ونزع شيئا من اللحم المشوي وقرّبه من فمه، شمه، بدا له الرائحة مقززة، لم يألف منخريه يوما رائحة كهذه، قرب من فمه وسد بإصبعين منخريه الاثنين وبدأ بمضغه. لم يكن طعمه مستساغا، لكن الجوع كان قد نال منه ولم يجد بدا من مضغ المزيد. في لحظة ربما بدت طويلة أو قصيرة، توقف عن الأكل، أحس وكأن كائنا يتحرك في رأسه، يحاول أن يخرج منه. ثم وقع مغشيا عليه. انقضى زمن، ربما كان يوما أو بضع يوم، استفاق الكائن، أحس وكأن رأسه قد أصبح رأسين، بل رؤوسا، بدا ثقيلا وكأنه ملأ بأثقال لم يتعود أن يحملها جسمه الرشيق. تحسس رأسه بيديه الاثنتين لاح له وكأن رأسه قد أنتفخ، أحس أن هناك أشياء في حلقه تهم بالخروج، لم يكن له أن يصد شيئا، أطلق صرخة مدوية خرج على إثرها شيء منه، أحس أنه شيء جميل، أحس أن ذلك الشيء لن يعود إليه يوما ما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا