الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الخطرة -بيير كوديرلوس دولاكلو: رواية اسيرة اللحظة التي ولدت فيها

بلال سمير الصدّر

2023 / 7 / 8
الادب والفن


العلاقات الخطرة-بيير كوديرلوس دولاكلو: رواية اسيرة اللحظة التي ولدت فيها
لم نرى في الرواية المذكورة اعلاه سوى انعكاس لفساد الطبقة الارستقراطية في القرن الثامن عشر...
حققت الرواية نجاحا كبيرا،وكانت مقدمة لخلق شخصيات مشابهة خاصة في ميلودراما ستاندال(الاحمر والأسود).
الرواية-من ناحية أدبية-تأخذ شكل رسائل مكتوبة بلغة بسيطة جداوبالكاد تلفت أنتباهك منها جملة تصلح للاقتباس،والرواية ذات هموم جعلت من مسارها باهتا ومتوقعا وهذا بحد ذاته نقطة في صف الرواية وليس ضدها،لن الرواية سارت في المسار المألوف والمتوقع ولم تحلق الى عالم الخبطات او الاصطناع-هو المسار المختلف تماما عن روايات الماركيز دي ساد-بحيث خلق دولاكلو رواية ميلودرامية ذات حبكة ميلودرامية أصيلة،ولكنها خالية من الميلودراما تماما،وهذا يجعلها تتفوق على رواية ستاندال الاحمر والاسود...لايوجد في الرواية أيدي خفية تحرك الشخصيات عن مسار متوقع مع تلقائية شديدة في الطرح جعلت من الرواية سهلة جدا على التوقع....
ما هو المثير فعليا في الرواية:
علاقات يحيط بها الكبرياء والاصطناع وصراع حقيقي بين الرغبة والتمنع،والرغبة والتقنع،وهذا الصراع يدور داخل النفس البشرية الواحدة والتي هي محاطة بشيء ضئيل من خجل فرويد وكبرياء التمنع لدى الطبقة الارستقراطية الفرنسية...التمنع الأنثوي طبعا،بحيث ان الشخصيات الرئيسية-مع وجود استثناءات ملاحظة في الرواية-نجدها تميل صوب الاباحية...
والصراع الآخر هو الصراع الأزلي بين الذكر والانثى...الذكر الذي يرغب بالانثى والانثى التي ترغب بالرجل،والرجل الذي يرغب بالانتقام من المرأة تحقيقا لكبريائه،والانثى التي تطلب من الرجل الانتقام تحقيقا لكبريائها هي الأخرى...تلك السلسلة التي لن تنتهي
عام 1930،كتب أندريه مالرو مقدمة للرواية كانت أفضل من الرواية نفسها-راجع نسخة دار الجمل-وهو الأمر الذي جعلني أعتقد أن اندريه مالرو مارس لعبة التسطيح....
أن تكتب شيئا أسطوريا عن شيء-فكر أوفلسفة أو ادب-لايستحق النظر اليه بأكثر من نظرة مسطحة ولايستحق لمسه سوى من السطح....
هذا شيء قلناه ذات مرة عن فيلم أنغمار بيرغمان الشهير:الختم السابع
ولكن،من الممكن أيضا تناول الرواية من حيث الفضائحية:الانحطاط في الطبقة الارستقراطية الفرنسية قبل الثورة الفرنسية بقليل،وبالتالي تفضح الرواية ما يسمى النظام القديم ومع ذلم فقط تم وصفها بأنها قصة غير أخلاقية...
إذا،هل من الممكن اعتبار علاقات خطرة مقدمة،أو ذريعة لقيام الثورة الفرنسية حيث نشرت الرواية عام 1782،والثورة الفرنسية بدأت عام 1789 مع نظرة عامة للتاريخ والثورة.
من المرجح دوما الفساد في الطبقة الارستقراطية-والطبقات الغنية بشكل عام-ومن النماذج السينمائية البارزة على ذلك فيلم عيون مغلقة باتساع لستانلي كوبريك،بينما كان الأدب يعكس الواقع،وحين بدت العلاقات الخطرة رواية غاية في الانسانية ذات هموم فردية عالية المستوى بحيث قمعت أي هموم اخرى للفرد نفسه.
فاللعبة كانت لعبة جنس وغواية،ولكنها لم تتغافل عن الواقع بل قالت كل شيء من دون حتى التلميح،وتقنعت بحجة انها رواية ذات شخصيات خيالية،بينما هذا التلميح الواقعي لم يخفيه دولاكلو بين السطور،خاصة انه كان يعمل في السلك العسكري ،بل الذي اخفاه عميقا هو ان روايته هذه فعلا قالت ما ارادت ان تقول...؟ّ!
ولكن،هناك من قال ان العلاقات الخطرة هي الأجرأ في التاريخ الفرنسي من قرنين وحتى اليوم...؟ّ!
يبدو لي ان هذا الكلام ينقصه الكثير من الدقة والمنطق،والنظرة الموضوعية للتاريخ الأدبي الفرنسي إذا اسبعدنا الت"أثير اللغوي أو البلاغة أو اي شيء من هذا القبيل،يكون الحدث نفسه هو محور الرواية وهدفها المتشعب بين القول بالخيال والتلميح بالواقع،وهي حققت الهدف لأنها قالت المحظور فعلا،قالت المبتغى قوله فعلا وتماما...فهي لابد بانها حققت المتعة للقارئ الهاوي الذي يبحث عن رواية على شاكلة المغامرات التي تخفي-أو ربما لاتخفي-في طياتها الجنس الصريح هذا أولا....
ثنايا،فهي حققت ما يدعى بالتنفيس لم صدق وآمن أن مايحدث ليس من وضع خيال دولاكلو ولا حتى اصطناعه،بحيث جعلت متنفسا كمقدمة للقيام بالثورة...
ثالثا،فهي حققت الغرض التاريخي التلميحي الذي لايمكن الحديث عنه،بمعنى آخر المسكوت عنه...كانت العين المغلقة باتساع كاقتباس من كوبريك...قالت ما كان متعامى عنه
لكن الرواية لاتمتلك ذلك العمق الفكري التي تمتلكه روايات دي ساد السيئة الصيت والمحتوى أيضا-راجع مقالنا حول دي ساد-وإذا قال أندريه مالرو ان الرواية ساهمت في خلق الشخصيات الرئيسية لرواية ستاندال (الاحمر والأسود)،فهذا من الممكن أن نؤيده فعلا،لأن رواية ستاندال ليست سوى رواية ميلودرامية لشخص يطمح فقط في تحقيق رغباته الجنسية الطبيعية في رواية أقل تشعبا من رواية العلاقات الخطرة،واقل فردية من مجتمع فرنسا الطبقي كما صوره أونوريه دي بلزاك في رواياته الواقعية،ولكن لايوجد فيها أي ابتعاد محوري من الممكن الالتفات اليه عن العلاقات الخطرة...
من ناحية علم النفس،الرواية لم تقدم أي نظرية في علم النفس خارج المتعارف عليه،ولم تجعلنا نلجأ الى علم النفس لغايات التحليل مثلا ولا حتى الاسقاط كما كانت تفعل بنا روايات الماركيز دي ساد أو روايات دوستيوفسكي...
رواية العلاقات الخطرة رواية منحها التاريخ فقط سر خلودها،فهي اسيرة لحظة تاريخية لافكاك منها كتبت فيها،ولو ان العلاقات الخطرة كتبت في اوائل القرن العشرين مثلا...هذه الفترة التي كانت خصبة من حيث عدد الأدباء وظهور المذاهب الأدبية وبالأخص السوريالية وغيرها،فربما لم تجد طريقا لها حتى للظهور،أو حتى لمجرد شن حرب عليها من قبيل الحرب التي شنها السورياليون على اناتول فرانس...بالتأكيد لن يرحم السورياليون هذه الرواية لو كانت وليدة عصرهم
هناك كتب كثيرة كتبت في لحظات معينة وظلت قابعة في تلك اللحظة،واعتقد ان رواية العلاقات الخطرة هي من تلك النوع من الكتب ...الأمر تماما كمن حاول الصعود الى الفضاء في القرن الثامن عشر
لكن...ماذا عن نهاية الرواية ...؟ّ!
النهاية هي النهاية المألوفة لكل الميلودراما وهي انتصار الخير من خلال القدر...هذا النمط الروائي الذي يعمد الى تأليه المثالية حتى لو كانت الرواية واقعية طبيعية أو لاتمت للواقع بأي صلة...
أن ينتصر الخير على شاكلة على الباغي تدور الدوائر،وان هناك قدرة خفية لابد أن تتصدى للشر بالجدري الذي يكسبه البشاعة ويفقد عينا من عيونه تجعلنا نقول،أن القصدية التي بدت تلقائية،هي تلقائية خادعة،لأن ديلاكلو قفز نحو رومانسية القرن التاسع عشر،نحو نهاية شبيهة بنهاية آنا كارنينا ومدام بوفاري وجعل من التلقائية تذوب في رحم المثالية،مما يجعلناة نقول أن ظاهر هذه العلاقات الخطرة بدا محاطا بستائر الواقعية وستائر المثالية...ببساطة أراد ديلاكلو أن ينصر قيم عصره...تلك القيم الاجتماعية التي لايمكن التزحزح عنها واجلاها واوضحها عي القيم المسيحية المتمثلة بالعدالة الالهية واهمال الاهمال وان نصرة القيم قد تكون من رحم الثورة...
هذا بحد ذاته يجعلنا نؤكد ان رواية العلاقات الخطرة هي رواية اسيرة اللحظة التي ولدت فيها ولا تمتلك تلك القدرة العجائبية لروايات دوستيوفسكي المتشعبة الى كل انماط الأدب والفلسفة وعلم النفس.
كان لابد من اعتبار ان مجتمع الرواية هو مجتمع خيالي،لأن التلميح الى المسكوت عنه لم يلاقي قبولا لدى المجتمع،وليس هذا الاعتبار إلا مثالية بصيغة ذات لكنة رومانسية مبالغ فيها: تأليه للمثالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا