الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صولتان لإعصار ضواحي باريس

رضي السماك

2023 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


هل فاجأ إعصار ضواحي باريس خلال الاسبوع الماضي الاحتجاجي الحكومة والنخب السياسية؟ وهو الإعصار الذي هب إثر مقتل الفتى نائل في نقطة تدقيق مرورية على يد ضابط شرطة، ولم تكن المفاجأة في توقيت الإعصار فحسب، وقد عرفت فرنسا عشرات الحوادث المشابهة والتي راح ضحيتها ابناء من الضوحي على خلفية مخالفات مرورية، بل وفي عنف الهيجان الكاسر الذي عبّر عنه الإعصار السياسي حيث لم يترك شيئاً يصادفه لم يقتلعه في شوارع العاصمة الفرنسية والمدن الاخرى الشوارع، بما في ذلك نهب أو تحطيم البنوك والمحلات التجارية والمصارف الآلية والمصالح الحكومية وسواها، كما لم يكن متوقعاً أن يكون حجمه بهذا الأتساع ليشمل المدن الكبرى، ولا أن يصمد طوال أسبوع كامل، رغم وحشية القمع الوحشي التي تلقاها المحتجون وأعتقال الآلاف منهم على أيدي الشرطة.
والحق ما كان ينبغي أن يفاجأ هذا الإعصار الذي ضرب "مدينة الأنوار" وهز هيبتها ولمعانها أمام العالم، نقول ما كان ينبغي أن يفاجأ الرئيس الرئيس ماكرون وحكومته، ولا النخبة السياسية، فكل الأوضاع المأساوية التي يحياها سكان ضواحي العاصمة الفرنسية وأخذت تتراكم لعقود ، إنما كانت تنذر بالأنفجار في أي وقت في وجوه متسببيها الطبقيين. وكان جرس الأنذار الأقوى أنفجار 2005 الذي لم تتعظ منه البتة الطبقة السياسية الرأسمالية الحاكمة، ثم تبعته أنفجارات متقطعة على نحو أقل شدة، وصولاً إلى الأعصار الأخير الأكثر هيجاناً. وحدهم المتغابون أو المتعامون عن تلك الأوضاع المزمنة هم الذين بوسعهم أن يتظاهروا بالمباغتة. على أن الأعصار الكاسح لا يخلو أيضاً من دلالة تاريخية، فقد جاء متزامنا مع الذكرى الخامسة والخمسين للأنتفاضة الطلابية الشهيرة 1968والتي أجبرت تبعاتها السياسية الرئيس شارل ديجول على الإستقالة، هو الذي نعت المتظاهرين ب "يسار متطرف" أو " مسخرة"، طبقاً لما ذكرته فلورنس جوتييه إحدى القياديات في الإنتفاضة الطلابية والتي أضحت لاحقاً أستاذة زائرة في جامعة باريس السابعة.وهذا أقصى ما تفوه به حينذاك أعلى مسؤول في الدولة. وكانت صولات الطلبة المتظاهرين قد قادتهم لاكتشاف "عالم الضواحي" ، أو كما أسمتها جوتييه "المدينة الضخمة" المهمشة الفقيرة الفقيرة(داخل باريس الكبرى) وسكانها يتكون من المهاجرين والنساء و" أشباه البروليتاريا" على حد تعبيرها، فحين جاءت أوصاف أركان حكومة الرئيس ماكرون، بل وأعضاء في البرلمان وأحزاب اليمين المتطرف، بحق أطفال وصبية وشباب الضواحي فهي تنضح بأحط وأقذر النعوت العنصرية بلا خجل ولا مواربة!
ولعل الرئيس شيراك كان الأكثر واقعية في تعليقه على أزمة الضواحي المستديمة بين نظرائه الرؤساء المتعاقبين منذ 1968 : " المهاجرون لم يأتوا بمفردهم، إنما تم جلبهم بالشاحنات والقوارب؛ لأن فرنسا بحاجة للعمالة في المناجم وصناعة السيارات، وجميع الصناعات الملوثة التي يرفضها الفرنسيون" . وصحيح صُرفت بضعة مليارات من اليوروهات على الضواحي لتحقيق بعض الإصلاحات الشكلية، لكن الشعار الذي رفعته الحكومة بأن حددت الأحياء الأكثر أولوية للإعمار والتنمية والبرامج الاجتماعية، إنما سرعان ما تبخر، مثله مثل وعود ما كرون للضواحي في حملته الانتخابية الذي رُجحت كفة فوزه بفضل أصوات الضواحي. عدا ذلك فإن الإصلاحات التي تمت لم تعالج جذور الأزمة العميقة التي يتجدد أنفجارها بين حين وآخر . الأخطر من هذا وذاك فإن أسلوب تعامل حكومة ماكرون مع الأنفجار الأخير جاء ليصب الزيت على النار ودخان الحرائق لم ينقشع بعد، دون توخي ولو تهدئة مؤقتة، بل تمهيد التربة لأنفجار جديد أكثر خطورة سيكون بمثابة بركان مزلزل. ولنتأمل في ردود فعل وتصريحات اليمين المتطرف التصعيدية التي أتخذت منها الحكومة ليس موقف المتفرج فقط، بل المبارك والمشارك !
فقد وصفت سكان الضواحي واحدة من أكبر نقابات الشرطة Alliance de pooice francaise المتعاطفة مع قوى اليمين الفرنسي المتطرف بزعامة مارين لوبان، سكان الضواحي ب " الفيالق المتوحشة" ما يُذكّر بما وصفه إيّاهم الرئيس السابق ساركوزي ب " اللصوص" الذي أستعاره من الرئيس المصري الراحل السادات لإنتفاضة 1977 الشعبية . وعلى هذا النحو رفض يرونو لومير، وزير الاقتصاد والمال، دون أن يرف له جفن، تخصيص أي مبالغ طارئة لتمويل برامج اجتماعية وسكنية وثقافية لأكثر الأحياء منكوبية في "عالم الضواحي" . أما إريك سيوتي ( رئيس حزب الجمهوريين التقليدي) فقد كان أكثر فظاظة، بحيث طالب بفرض غرامات مالية على العائلات التي خرّب ونهب أطفالها وصبيانها الممتلكات العامة والخاصة، وهو التصريح الذي يتناغم مع تصريح ماتيو فاليه المسؤول النقابي في قطاع الشرطة الذي أضاف إليه بوجوب تشغيلهم في أعمال بالسخرة، إذا ما عجزوا عن دفع الغرامات المطلوبة! وأخيراً بادر اليميني المتطرف جان مسيحة، ذو الأصل المصري للأسف، بإنشاء صندوق تبرعات للشرطي المتهم بقتل نائل المرزوقي ، وهو ما يزال قيد التحقيق،وتم جمع أكثر من مليون يورو، وجاءت هذه المبادرة رداً على صندوق التبرعات لعائلة نائل الذي لم يجمع سوى أقل من نصف هذا المبلغ.
نُسب للإمام علي قوله: "أحذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع" ولعل ما حدث خلال الإسبوع الماضي في فرنسا من أعمال عنف وتخريب قام بها أطفال وفتيان ومراهقو الضواحي من جهة، والقمع الوحشي للشرطة بحق أولئك القُصر وردود فعل الحكومة وقوى اليمين المتطرف التصعيدية من جهة اخرى هي بالضبط ما تُعبّر عن صولة الجائع في مواجهة صولة الشبعان في آن واحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال