الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الفيل سيلان.

حسن عطا الرضيع
باحث في الشأن الاقتصادي وكاتب محتوى نقدي ساخر

(Hasan Atta Al Radee)

2023 / 7 / 8
الادارة و الاقتصاد


حوار تخيلي لأحد السياح العرب الأكثر ثراءً (سلام) مع فيل أفريقي (سيلان) في إحدى المحميات الطبيعية بشرق أفريقيا.
لم تمنعه عشرات الملايين من الدولارات في حساباته المصرفية في أعتى دول المركز الرأسمالي المتقدم من أن ينُفق عدة آلاف من الدولارات ليس بغرض الترفيه عن النفس على شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية أو البرازيل أو التمتع بفوائد السفر الخمسة في منتجعات جزر المالديف لكن حب البحث عن ما هو جديد والانحياز لمشكلات البيئة ودور الإنسان في تدميرها والإسراع بتلوثها لتصبح سادس أكبر تحدي يواجه اقتصاد الكوكب، خاض هذا الثري رحلة إلى محميات أفريقيا للتعرف على ما يواجه الأفيال من تهديد حقيقي قد يؤدي مع مرور السنوات إلى انقراض أحد أكبر الحيوانات البرية ، وهذا البحث تطلب أن يتجول في المحميات ليرى بعينه عصابات المافيا وتجار البرية كيف يُهاجمون الفيلة للحصول على أنيابها والمكونة من مادة العاج.
هذه المادة الثمينة سعراً وقيماً ومكانةً، أنه توحش الرأسمالي الذي لا يرى إلا بعين واحدة، لا يهمه سوى الثراء، والثراء بطعم الاستغلال وارتكاب الجرائم، لأجل عدة آلاف من الدولارات يضطر لقتل الفيلة وبوسائل عنيفة تُظهر النفس الشريرة التي تتغول في الإنسان لتسيطر عليه ويتحول مع مرور الوقت إلى وحش كاسر، لا قيم ولا أخلاق ولا ضمير، يُهاجمون فيلة عُزل وقتلها دون أي شفقة أو رحمة لأجل الحصول على كنزها والذي يُسمى بالذهب الأبيض، ذهباً أبيض هكذا تجار الأزمة، لأجل بضع ملايين من الدولارات أصبحت هناك تجارة قذرة تقودها عصابات المافيا استطاعت خلال قرن ونصف من الزمن قتل أكثر من 98 % من الفيلة والخطر لا زال يحوم حول العدد المتبقي والذي لا يتجاوز حاجز الأثنين بالمائة، جريمة متكاملة مُرتكبيها معروفون والجريمة الأكبر ليس من يقوم بقتل الفيلة واستخراج العاج من أنيابها بل من يقوم بالتجارة بها وإنتاج منتجات فنية تُحاكي طبقة مخملية من طبقات المجتمع.
فماذا يُصنع من العاج ؟ يًصنع منتجات لا تٌحقق نفعاً عاماً للبشرية، لا يُصنع منها دواء للربو أو السرطان أو السكري أو لقاحاً لوباء ما يُهدد حياة الإنسان كأكبر ضار للبيئة، لا يًصنع منها غذاءً لإطعام الجوعى أو تكنولوجيا لنشر المعرفة وكبح جماح التخلف.
يًصنع منها منتجات لتلبية الرغبات اللا محدودة للأثرياء، كُرة البلياردو والتحف الفنية والنحت ومفاتيح البيانو الفاخرة، والتماثيل الدينية والهدايا الثمينة.
ماذا سيقول لاعبون البلياردو هل سُيفكرون بأن ساعات فراغهم وتمتعهم بهذه اللعبة الجميلة أن وراء إنتاج هذه الكرة وفاة فيل قتلاً ، وأن عائدات هذه التجارة يتقاسمها تجار ومهربون جماعات متطرفة .
ماذا سيقول رجل الدين في الكنيسة عندما يتقدم ثري من المدينة لإهداء الكنيسة تماثيل دينية ثمينة مصنوعة من العاج، كيف ستسمو روح المتعبد في الكنيسة عندما يعرف أن التماثيل مصنوعة من العاج الذي يُسرق ويُهرب بعد عملية قتل وحشية بحق فيل أعزل لا ناقة له ولا جمل من كار رابع أكبر عمليات التهريب في الوقت الحالي.
ماذا ستقول تلك الفتاة الجميلة الحسناء التي تتراقص أيديها عندما تستخدم مفاتيح البيانو، وبعزفها الجنوني يتراقص من في القاعة، عزف جميل كاد أن يُرقص مجموعة من الدببة إن وُجدت، من يُخبرها أن مفاتيح البيانو مصنوعة من العاج !
كيف ستنام زوجة أحد الأثرياء والتي تمد يديها بسخاء وباستمرار لفعل الخير وإغاثة الفقراء ليلتها عندما تعلم أن هدية زوجها الثمينة في عيد زواجهما العشرين مُصنوعة من العاج.
جريمة متكاملة الأركان، ضحاياها كُثر ، فالخطر لا يقتصر على عدد من الفيلة بقدر ما أن الخطر يواجه الكوكب ككل .
وصل صديقنا الباحث " سلام " إلى أحد المحميات رأى بعينه قيام أحد المُجرمين بقتل الفيل واستخراجها أنيابه بكل عنف، صُدم وانتظر ماذا سيحدث، انتهت عملية القتل واسُتخرجت مادة العاج، انسحب المُجرمين وبحقائبهم تلك المادة الغنية، لحًسن حظ الباحث فلم يمت الفيل واسمه (سيلان) ، أراد الله له مزيداً من العمر لتسجيل حوار من القلب إلى القلب بين باحث عن الحقيقة وبين فيل كاد أن يموت لولا عناية الله .
الباحث سلام : السلام عليكم يا ضحية العصر " سيلان" ، رأيته بعينه كيف هاجمك حفنة من اللصوص والتجار والمُهربين، وبحمد الله أنك لا زلتَ على قيد الحياة لأنني جئت من جزيرة العرب لأتقصى أخبارك وعاهدت الله أن أنفق جزءً من ثروتي لأجل البحث العلمي ولكي أوصل رسالتكم إلى العالم ومنظمات حقوق الحيوان فأنتم بأمس الحاجة للحماية، وحمايتكم هي حماية للكوكب الذي يكسوه السواد .
الفيل سيلان : عليكم السلام، أهلاُ بك صديقي العربي المسلم، لطالما عُشت على أمل أن التقي بأحدكم لأخبره بسعادتنا في عالم الفيلة برسالة الإسلام الخالدة حول حماية الحيوان، فلو قُدر لنا حُرية الاختيار لأخترنا أن نعيش في أية مناطق غنية بالغابات والمحميات في شرقكم الأوسط الجميل لولا الاستعمار الغربي الخبيث الذي سرق منكم ومنا كل ما هو جميل .
الباحث سلام: أعتز برقي روحكم صديقي سيلان، فهذا من علو أخلاقكم، نحن مقصرون وبإذن الله ستكون عدالة قضيتكم تتصدر كل مشهد، شرق أوسطنا كان جميلاً لكن قبحه المستعمر منذ نهايات القرن التاسع عشر والعشرين.
الفيل سيلان: نحن نؤمن بعدالة قضيتنا وبحقنا في العيش فنحن وحذاء غيرنا من الحيوانات والطيور والزواحف وكل كائن غير الإنسان يعيش فوق الأرض فهو لديه حقوق وواجبات، فنحن نُحقق التوازن في البيئة، وقتلنا يعني أن هناك خلل سيصيب الكوكب وها أنت اليوم تعيش في القرن الحادي والعشرين ، ألم تشعر بمشكلة البيئة ، التغير المناخي ، حتى أن هناك في دولة الإمارات العربية المتحدة هناك مشروع بحثي وفكري وتوج على شكل مؤتمر علمي " الطريق إلى كوب 28" سيحاول إبراز مخاطر التغير المناخي على حياة الكوكب ككل ، نحن ممنونون لمثل هذه المؤتمرات العلمية وإن شاء الله بجهد الباحثين ومؤسسات البحث الراقية أن تتناول قضيتنا العادلة.
الباحث سلام: صديقي سيلان، في ديننا الحنيف " الإسلام" هناك رسالة واضحة بأن كل مخلوق على الأرض لا بد منه، فإذا قتل الإنسان في قرية ما القطط فستنتشر الفئران لتأكل الأخضر واليابس، وهذا مثال بسيط، لذلك فقتلكم يا عالم الفيلة سيؤدي لا شك إلى خلل في توازن البيئة، ولهذا السبب أنا هنا لأعرف منكم كيف تحافظون على توازن الكوكب، فتجار الرأسمالية يقولون ما الفائدة من بضع آلاف من الفيلة ، فلتموت وليحيا البشر !
الفيل سيلان: أعرف أن دينكم الإسلام قد بين أهمية التوازن البيئي، وأتفق معك صديقي الباحث العربي الجميل وذو الأخلاق السامية، نحن وبإرادة الله نحقق توازناً مثلنا مثل القطط والفئران والضباع وغيرها من الحيوانات، فنحن الفيلة نقوم بأمرين هامين وهما : نمتص الكربون ونتغذى على الأشجار ذات الكثافة الكربونية المنخفضة فهي ذات فائدة غذائية لنا، وقتلنا يعني زيادة معدلات التلوث البيئي من حيث ارتفاع الكربون لذلك فإذا مِتنا نحن فلن يحيا البشر، سيموت البشر مع ظواهر أنتم سببها كالاحتباس الحراري، من سيحيا من قتلنا ، بضعاً من البشر ذوي الجشع من الأثرياء الذين يبحثون عن مزيداً من استهلاك الكماليات، فكل كمالية أصبحت لديهم سلعة ثانوية، يُريدون مزيداً من التفاخر والتباهي ، لكن على حسابنا نحن عالم الفيلة !

الباحث سلام: نعم سيحيا البعض من الأثرياء وسيموت ملايين البشر بسبب تلوث البيئة وتغير المناخ، صديقي " سيلان" تابعت بشغف محاولة أعداء البيئة لقتلك ولاحظت أن أعدادكم هنا في المحمية قليل، فعندما قررت السفر أعتقدت أن أعداد الأفيال أكبر من ذلك، فبعيداً عن التقديرات والإحصاءات المنشورة من جمعيات حماية الفيل فهل يمكن أن تُعطيني نبذة عن عالمكم " الفيل".
الفيل سيلان: للأسف يا صديقي، أعدادنا تراجعت بشكل كبير وهناك مخاوف حقيقية لعالمنا أن ينقرض، نحن موجودون منذ القدم، والإنسان الطِمع الجشع قد استخدم عاجنا الأبيض وأسماه بالذهب الأبيض في الألفية السادسة قبل الميلاد، يعني نحن أصبحنا مطمعاً للإنسان منذ ثمانية آلاف سنة، لا أخفيكم صديقي بأن الجريمة بحقنا قد تعاظمت وتزايدت بفعل الاستعمار الأوروبي الغربي لأفريقيا، فحتى نهايات القرن التاسع عشر بلغ عالمنا نحو 26 مليون فيل ، وأنت تعرف أن إنجاب الفيلة يعتبر بطيئاً ليس مثلكم عالم الإنسان، فمدة الحمل عندنا تتراوح ما بين 18 إلى 22 شهراً ، جاء الاستعمار الذي لم يقتل الإنسان ويسرق ثرواته وموارده فقط بل أيضا قتلنا لسرقة العاج والإتجار به ، الآن نحن في منتصف العام 2023 هل تعلم أن أعدادنا فقط لا تتجاوز أل 450 ألف فيل في أفريقيا وأسيا، لعنة الاستعمار وجشع الذكر الأبيض كان سبباً في تدمير عالمنا الذي لم يخطئ بحقكم أيه البشر، ماذا فعلنا لكم أيه البشر، نحن نحميكم من الكربون نحمي الكوكب من خلال توازننا ، حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم يا عالم الإنسان.
الباحث سلام : نحن في عالم ظالم يا صديقي، المال وتكدسه أصبح الشغل الشاغل لأغلب رأسماليي الكوكب، فتجارة العاج وشهوة الحصول علي منتجات تًصنع من العاج حذاء قتلكم لأغراض التفاخر يعني أننا يا صديقي أمام جشع للرأسمالي الفج، فمن أجل تلبية رغبة حفنة من الأثرياء لاقتناء العاج وبالتزامن مع لهث المهربين والتجار للثراء فأنني اعتقد أنه في حال عدم تشديد الإجراءات لحمايتكم فأننا أمام انقراض أو على الأقل انخفاض أعدادكم إلى بضع مئات خلال عقد من الزمن، صديقي الجميل " سيلان" سأرفع مطالبكم وأوثق محاولة جريمة قتلكم للعالم لكي تتوقف مجزرة قتلكم .
صديقي في آمان الله .
الفيل سيلان: إلى اللقاء وحفظكم الله من عنده، سلاماتي للإنسان العاقل ولعنة الله على تجار البيئة ومُهربي العاج .
انتهى الحوار وتوفى الفيل " سيلان" ، بكى الباحث " سلام" ذهب إلى المطار وحجز تذكرة وسافر إلى الخليج ، قدم رسالة الفيل " سيلان" لمنظمات حقوق الحيوان .
شكراً للباحث " سلام" وتعازينا الحارة لعالم الفيلة بفقدان الفيل" سيلان"

د. حسن الرضيع
الأوز الطائر للبحوث والاستشارات
للتواصل واتساب: 00972599655695








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟


.. كل الزوايا - شركة -فري زونر- تناقش فرص الاستثمار في دول -الم




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة


.. الرئيس السيسي يوجه تحية لليد المصرية وعمال مصر لجهودهم في تأ




.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني