الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يحتاج القاموس الشعري للشاعر التونسي القدير جلال باباي..إلى كد ذهني..وبحث في تقاعير اللغة..؟!

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 9
الادب والفن


لمسة وفاء لشاعر فذ..قاوم المواجع والإنكسارات بصبر الأنبياء..ولم ينهزم


هل يحتاج القاموس الشعري للشاعر التونسي القدير جلال باباي..إلى كد ذهني..وبحث في تقاعير اللغة..؟!

لا شك أن الشعر هو رأس الفنون الأدبية عند العرب وهو ديوانهم العريق،وقد جعل أرسطو من الفن محاكاة لانفعالات الذات البشرية وأفعالها التي بلورت توجهه الفلسفي والفكري وامتزجت مع هذه القيم الفنية التي سارت في نفق واحد مع الفن الذي أضحى جوهرًا محوريًّا يرسم حياة الإنسان كوجودٍ ثابت انغمس في المحاكاة، على أن هذه المحاكاة موضوعية في سياقها،وبالتالي ذات طابع كلي،تجعل الشعر صورة للحقيقة وتضفي عليه نور الحق.
وإذن..؟
الفن إذا،فلسفة لا تقتصر على تصوير الأحوال الباطنة أو الفضيلة أو الرذائل،بل تمتد إلى محاكاة الأفعال نفسها،وبمعاونة بعض الوسائل الخارجية المظهرية،وأعنى وسائل الإخراج والتمثيل والمنتاج (1)؛
ولكن هذا ما يراه أرسطو بالنسبة للفن في ذاته،أما فن الشعر في غير حاجة إلى معونة خارجية لتحقيق المحاكاة.
وقد نظر أرسطو إلى التناسق والانسجام والوضوح على أنهم من أهم خصائص الشيء الجميل (2)؛ فالجمال إذن موجود على نحو موضوعي ونسبي في الأشياء والموجودات،وهكذا فإن هناك جمالًا حقيقيًّا في هذا العالم،ولكن عليك أنت أنْ تكون جميلًا كي ترى جمال الوجود من حولك فكلٌّ يرى بعين طبعه،والذي عيناه بغير جمال لا يرى في الكون شيئًا جميلًا.
لكن الشاعر التونسي الفذ جلال باباي يرى الجمال بعين مفعمة بالبهاء والتجلي..فهو شاعر مدرك،بارع في صياغة الواقع بشكل مجازي غير معتم أو غير ملغز،إذ يرى يرى أنَّ التجربة الإبداعية يجب أنْ تختزل تلك العبقرية الواعية التي تجعل من الشعر فنًا جماليًّا مؤسسا لتلك الأحداث والانفعالات التي تجاوزت المظهر إلى الجوهر لكونه النواة الرئيسة في جمال كل فن.
وهنا تتجلى الإبداعات الشعرية لشاعرنا السامق جلال باباي.
اللغة الشعرية :
نعني باللغة الشعرية ما تعارف عليه النقاد من استخدام الشاعر لمكونات القصيدة اللفظية ذات التداعيات والدلالات الإيحائية،وهو ما اتفقوا عليه بالمدلولات الانفعالية للكلمة،ولا يعنينا في هذا المقام ما قال به بعض النقاد من مفهوم للغة الشعرية بأنها الإطار العام الشعري للقصيدة،والتي يقصد بها مكونات العمل الشعري من ألفاظ وصور وخيال وعاطفة وموسيقى ومواقف بشرية .
وعليه،فقد تميزت لغة شاعرنا التونسي الفذ جلال باباي بالشفافية والوضوح،فهي بعيدة عن لغة التعتيم والتهويم في سرف الوهم واللاوعي،تلك اللغة التي تلفها الضبابية القائمة والرمزية المبهمة،فلغته ناصعة واضحة لا غموض فيها،وتعبر عن مضامينه بأسلوب أقرب فيه إلى التصريح المليح منه إلى التلميح..
وهذا يعني أن الشاعر-جلال باباي ذو منهج تعبيري سلس،وقاموسه الشعري لا يحتاج إلى كد ذهني وبحث في تقاعير اللغة..
وأنا إذ أصرح بهذا،إنما أغبط شاعرنا على الرؤى الواضحة والألفاظ المعبرة بذاتها..

الجميلة
شفيفُة مثل الشمس هذه الجميلة
تستعير من قفص مظلتها عطر وردة ذابلة
ذا خَفيفُ المزاج يجادل ماضيه
به رغبةٍ في الرحيل
كان الوقتَ يومها ساخنا وخجولا
أمٌا الجميلة فتوزع على نهديها ماء ورملا
تتزيٌن تحت شمسيتها غير آبهة باللصوص
يسترقون النظرات من فوق أسرٌة الشاطئ
سوف تجيء الطيور المهاجرة مع حلول الخريف
تنتفض الجميلة من مكانها بعد ظهيرة أغسطس
يبقى العشاق فرادى يلفهم الغبار .
جلال باباي (ذات إشراقة صبح بمدينة أكودة الساحلية)
هو ذا الشاعر التونسي الفذ جلال باباي الذي يصور الحبيبة على كل شيء جميل ومع كل التعابير مرهفة الأثر.
هو الذي يتفنن بتقديم الحبّ،يُشكِّله على صور شتى،ويتفاعل معه بطرق متنوعة،لم ينفصل عن الحبّ في عدد من قصائده،هذا الإتصال مع الحبّ هو اتصال مع مصدر غني بالجمال،وبكل ما يغني الذوق ويسمو بالإنسان نحو الوعي الراقي والإدراك المميز لجماليات الحياة والوجود.
وسنظل نهوّم مع شاعرنا-جلال-يحدونا بأغنياته،فيبهج قلوبنا،وترقص معه أفئدتنا طربا لما في هذه القصائد من ومضات مشرقة تأسر القلوب في أفكارها وصورها ولغتها،وثورة لأنه يفجر في دواخلنا كوامن الجراح التي ما تلبث أن تلتئم حتى تتفتق من جديد..
ودائماً سيبقى من يحفظ للشعر حقّهُ.وبما أنّ الشّعر كائن حيّ،فهو يحتاجُ لمزيدٍ من الاهتمام، ومزيدٍ من الإنفتاح به على الجهات،وكسر للقوالب التي تخنقه،ليفرد جناحيه محلقاً متنفّساً ما يشتهي..هكذا نضمن لهُ حقّهُ في الحرية.
على سبيل الخاتمة :
تعد الشعرية قيمة جمالية متغيرة بإيحاءاتها وتشكيلاتها النصية،والقارئ الجمالي هو الذي يباغت المتلقي بأسلوبه الشعري،من خلال التشكيلات النصية المراوغة،وحراك الدلالات الشعرية التي تباغت المتلقي بأسلوبها التشكيلي الانزياحي الخلاق بمؤثرات الدلالة ومثيراتها النصية،وهذا يعني إن أي ارتقاء جمالي في قصيدة من القصائد يظهر من خلال بناها النصية المفتوحة ورؤاها العميقة.
وبتقديرنا : إن الوعي الجمالي في اختيار النسق الشعري المؤثر والكلمة المؤثرة في بنية القصيدة هي التي تحدد الإمكانية الجمالية التي يمتلكها المبدع في خلق الجمالية النصية،وما من شاعر موهوب إلا ويملك الخصوصية الإبداعية،تبعاً لمحفزاته الشعرية،وطريقة الاختيار، وبراعته في اختيار النسق المناسب جمالياً،ومن هنا تختلف شعرية المحفزات النصية من قصيدة لقصيدة،ومن سياق شعري إلى آخر،تبعاً لحساسية المبدع الجمالية ودرجة شعرية النسق..
ولهذا نلحظ اختلاف درجة شعرية المحفزات في قصائد جلال باباي تبعاً لحساسية الشاعر وبراعته في الانتقال من نسق تصويري إلى آخر،ومدى الوعي في الاختيار النسق الجمالي المؤثر في إيقاعه الشعري،ومن هنا يختلف الشاعر المبدع عما سواه وفقاً لحساسيته الرؤيوية،وبراعته النسقية في التشكيل والخبرة المعرفية في الانتقال من نسق شعري إلى آخر،وهذا دليل الحنكة الجمالية في التشكيل والوعي الجمالي في تفعيل المحفزات الجمالية تبعاً لحساسية الرؤية وفنية اللغة في التعبير عن الفكرة الشعرية.
ختاما أقول : إن الشعرية عند-جلال باباي-شعرية فواعل لغوية نصية تحقق قيمتها الجمالية من بلاغة المؤثرات الشعرية النصية التي تجعل النص كتلة متفاعلة شعورياً من أول كلمة في تشكيل القصيدة إلى آخر كلمة في تكوينها،وهذا يدلنا على أن الشعرية كتلة فواعل نصية استثارية تباغت القارئ في تلقي النص جمالياً وفق متغيرات جمالية غاية في الفاعلية والتأثير.
إن النص الشعري عند -جلال-يشكل مجموعة قيم جمالية استثارية تحقق قيمتها الجمالية في حراكها النصي التي تباغت القارئ،وتحقق أقصى درجات فاعليتها،أي إن اللغة العاطفية مشحونة بالدلالات الشعرية لتحقق أقصى درجات الفاعلية في تلقيها الشاعري المؤثر.
وهنا أختم : إن احتفاء الشاعر بالصور هو احتفاء في تأسيس اللغة الشعرية على مثيرات درامية مفتوحة في تشكيل القصيدة،وهذا ما يجعل الرؤيا الشعرية متغيرة في تجلياتها الإبداعية تبعاً لفاعلية الصورة الشعرية عند جلال باباي وغناها بالمؤثرات التشكيلية التي تحقق إيقاعها الجمالي بأقصر الألفاظ وأرقى الصور الشعرية في الإحاطة بالموقف والحدث الشعري في آن معاً.
ومن هذا المنطلق تغتني الشعرية في جل قصائده بدلالات شتى لأنها نابعة من روح شاعرية مفعمة بالرؤى،الجمال والدلالات الشعرية الجديدة.
دمت يا جلال سامقا..لامع الحرف وذائقا لمعانيه العميقة..



هوامش :
1- راجع: أرسطو طاليس : فن الشعر،ترجمة: عبد الرحمن بدوي: مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة،ص 15 .
2-راجع: مصطفى عبده : المدخل إلى فلسفة الجمال-محاور نقدية تحليلية وتأصيلية-، د.ط، مكتبة مديولي القاهرة ،ط2 ،1999،ص 55.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت