الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حساب الأجيال

ناجح شاهين

2003 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية




رام الله
نجحت الولايات المتحدة في إزاحة الأنظمة الشمولية من خريطة الوجود. كما أنها نجحت في إزاحة القيادة الفلسطينية التاريخية، وكذلك سوريا ولبنان من خريطة الطريق. وبسبب من هذه الأوضاع العجيبة بدأنا نتعاطى التفكير القدري بأشد معانيه صرامة. وإذا كنا في غابر الأيام وسالف العصر والأوان قد ظننا أن كل ما يحصل فإن له أسباباً كافية هي التي أنتجته وقادت إليه، فإننا اليوم نفكر أن كل ما كان وما يكون وما هو كائن قد خط منذ الأزل إلى الأبد في دفاتر البيت الأبيض. وفي مقدور الرجل الذي يجلس في ذلك البيت أن يرسم خرائط الطرق والأقدار. فهو ولاشك من عناه الشاعر العربي ابن هانئ الأندلسي في قوله 
               ما شئت  لا ما شاءت الأقدار   فاحكم فأنت الواحد القهار
لقد تمكن سيد البيت الأبيض من مطاردة الأشرار العراقيين وطرد قائدهم المتمرد على النظام العالمي. ووضع بلاده تحت السيطرة والاحتلال التامين معيداً إلى الذهن والواقع الاحتلال المباشر الذي ظن بعض طيبو القلوب أنه ولى إلى الأبد بفضل النضالات والعذابات الطويلة ليس لليهود على مدار التاريخ، وإنما بسبب من موت الناس بالآلاف على مذبح الحرية.
ليس في وسعنا على الرغم مما قلناه من كلام حول القدر وتحكم جهات كلية الشر والقدرة في مصائرنا، ليس في وسعنا أن نزعم أن الستارة قد أنزلت على المشهد الأخير من الفصل الأخير في أحداث ووقائع المسرحية الكونية. ونظن لأسباب تتجاوز الأماني والرغبات أن الحرب سجال وأن فجر الإنسانية الحقة لا بد له أن يبزغ مهما طال الظلام. لا نقصد أن نغرق في الأحلام الرومانسية وبمعنى من المعاني فإننا ننظر إلى هذا اللون من التفكير باعتباره تفكيراً رغائبياً تغريبياً لا يختلف عن التفكير الديني في شيء. لكننا مع ذلك نزعم أن فرص المقاومة ما زالت متوافرة بالفعل. وأن التاريخ لم ينته على الرغم من التفوق الساحق للقوة الرأسمالية المركزية رقم واحد والذي يجعلها في حل حتى من مجاملة مشاعر منافسيها الذين لم تعد الولايات المتحدة تخشاهم في المستوى التكتيكي، وإن كانت تخشى دون شك نهوضهم الذي قد يأتي بسبب من وحدتهم الاقتصادية والتي قد تتلوها وحدتهم السياسية. ومن هنا ربما علينا أن ندرك أن هامش المناورة الفعلية وليس الحالمة ما يزال قائماً بالفعل. ربما علينا أن نستعيد كيف أن ياسر عرفات بعد كل الذي جرى وصار ما زال يتمتع بالرعاية الأوروبية. بل إن الغزل الأوروبي تصاعد نحوه منذ أن أعلنته الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل مارقاً وشاقاً عصا الطاعة على البرامج والخطط الأمريكية الإسرائيلية. ولا نميل في هذا السياق وضمن رؤيتنا لما يجري إلى تبني بعض الأطروحات اليسارية أو القومية التي تضع جميع القوى " الإمبريالية " في سلة واحدة. ونزعم أن هناك ألواناً في الطيف تتباين وتتموج بشكل يعني أن هناك اختلافات جدية تتحول تدريجياً من كونها تمايزات-اختلافات إلى كونها خلافات-نزاعات. التحليل الذي يزعم أن الإمبريالية كل موحد في المركز يرغب في نهب الأطراف مستشهداً بما يمكن وصفه بالتواطؤ الأوروبي فيما يخص قضية العراق هو طرح تبسيطي يضع الواقع في القالب المعدني النظري فيتشكل الواقع على مقاسات القالب. نستطيع بالطبع أن نلاحظ كيف أن الصينيين من جانبهم وهم لا يمكن أن يصنفوا في المركز حتى وإن تكمن البعض من تصنيفهم قوة رأسمالية صاعدة نقول أن الصينيين كانوا وراء أوروبا في موضوع العراق الذي أخذ فيه قلب أوروبا الكلاسيكية ونعني فرنسا وألمانيا دور المحور المناهض للعالم الأنجلوسكسوني.  نحن لا نميل إلى التهوين من شأن الاختلافات التي كشفتها للعيان فترة التصعيد التي سبقت احتلال العراق. ونميل إلى القول بأن صموداً عربياً أو حتى عراقياً كان سيسهم في منح أوروبا الفرصة لتعميق موقفها المعادي للحرب والداعم للقضية العربية من موقع المصلحة لا الإعجاب العاطفي بالطبع، كي لا يتهمنا البعض بالرومانسية أو يظن فينا الظنون بحيث يفهم موقفنا وكأنه يتساوق مع المواقف التي تزعم أن أوروبا أخلاقية بحكم تراثها الإنسانوي العظيم، وهو كلام طيب وسخيف في نفس الوقت. كان من الممكن دون أدنى شك أن تتشكل جبهة عالمية معادية للاستفراد والهيمنة الأمريكية المطلقة. وغني عن البيان أن أوروبا كانت أكبر المنادين بذلك، أما روسيا فقد كانت تراوح في الما بين، في الوقت الذي بدا فيه العملاق الصيني غير راغب في الخروج من حدوده ويمارس الاستمتاع بعالمه دونما رغبة في فتح صفحة جديدة من الهموم الدولية التي تبدو بعيدةً عنه حتى اللحظة. ليس العملاق الصيني جاهزاً للانطلاق بعد وربما أن ذلك قد تسبب في تأخر ردة فعله على ما جرى واكتفائه بمعالجة المشكلة داخليا عبر إجراء عمليات تكيف تبدأ بتنويع مصادر الطاقة بما في ذلك مشروع النهر الهائل ولكنها بالطبع لا تنتهي بذلك بل تشمل من بين أمور أخرى محاولات ضبط استهلاك الطاقة.. الخ
في الساحة العربية ليس صعباً ملاحظة التداعيات القاسية لما جرى. وليس هنا محل مناقشة مجدبة لفكرة تكررت إلى درجة الإعياء ونعني بذلك توزيع العلامات والمسؤوليات. من جانبنا نقول باختصار " إن الذي في القدر قد استخرجته المغرفة" ولم يكن فيه ما يدعو إلى الدهشة. وفي غمرة غياب عربي في المستويات الثلاثة الشعبي والرسمي ومستوى المعارضة السياسية عن أداء أدوارها المتوقعة وقع حادث سير جديد كحوادث السير التي اعتدناها في هذه البلاد منذ نكبة 48 وحتى الساعة. لا يهمنا الآن مراجعة ملف العراق الرسمي منذ أيام الملكية وحتى آخر أيام صدام حسين. كما ولا يهمنا هنا مراجعة ملف الدول العربية الأخرى. وليس هذا منا في باب الاستهانة بما جرى في الماضي القريب بوصفه الحاضنة التي ولدت كل الكائنات المشوهة التي تحيط بنا من جانب . ولكن بغرض محاولة التوقف عن لعبة توزيع العلامات والابتسامات وتوجيه اللوم أو ما أشبه. نحس أن الواجب لملمة الجراح مع عدم التوقف عن ممارسة فعل النقد الجاد والعميق لكل ما يعتور حياتنا خصوصاً السياسية من عيوب ونقاط ضعف. لا بد من التفكير ملياً في كيفية وضع حد لمسلسل الهزائم والخسارات المستحقة وغير المستحقة. وإذا لم ننجح في ذلك فإننا نقدر دون ولولة لا داعي لها أن الوجود العربي في طريقه إلى الزوال مادياً أو حضارياً كلياً _ على الأرجح _ أو جزئياً وهو الاحتمال الأضعف.
نتوهم أن مناطحة الصخور الإمبريالية لن يفضي إلا إلى تكسر رؤوسنا العروبية رأساً وراء الأخرى. ومن هنا نظن أن الرفض العدمي لكل شيء ليس هو الحل السحري للمشاكل التي نعاني والتي تصل بجدية فعلية إلى مستوى القضايا الوجودية حتى بالمعنى البيولوجي للكلمة مثلما ألمحنا منذ قليل. لا بد من فعل عربي مشترك. ليس بالإمكان تقديم وصفات جاهزة لأي شيء، ولكن في خضم الفعل الحي يمكن توليد أنماط جديدة تتلاءم مع حالة الشرذمة العجيبة التي تفوقت على أوضاع ملوك الطوائف في حدة التفكك وصراحة التناقضات.
ربما عبر الإصرار على وصفة الديمقراطية بمعنى جدي لا يتقاطع مع وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين كما أنه بالطبع يتجاوز الوصفات القديمة للديمقراطية المتكيفة مع احتياجات عبادة الفرد الذي لا يخطئ في اليسار والاتجاه القومي على السواء. ومع رغبة فعلية للانخراط في مواجهة ثقافية مع مشروع المنظمات الممولة ( نفضل هذه التسمية على تسمية المنظمات غير الحكومية التي نظنها لا تنطبق على بلادنا بأي حال من الأحوال بسبب كونها في كثير من الأحوال ممولة لا أكثر) في مستوى إعادة تربية الجماهير وتثقيفها وإعدادها لزمن قادم ليس حضوره رهناً بقوى الغيب وحدها وإن كان لها كالعادة نصيب خصوصاً في بنيتنا المعتادة عليه.
يجب والحال هذه أن لا نظن بأن علينا قبول ما يمكن تحقيقه اليوم مهما كان ضحلا أو تافها تخوفا من أن تسير الأمور باتجاه الأسوأ. وسواء أكان المقصود بذلك فلسطين أم غيرها من القضايا فإن سير الأمور في المدى الإستراتيجي باتجاه الأسوأ معناه نهاية العرب أو على حد تعبير ابن خلدون " أن الحضارة إلى زوال" ولذلك نزعم أنه لا يجوز لأحد وإن بحسن نية أن يعظنا بضرورة الاستسلام تخوفاً من حوادث سير أخرى. فالحق أن حوادث السير السياسية تتكاثر بسبب من حالة عدم المبالاة والميل إلى تحسس الرأس ووضعها بين الرؤوس بدلاً من إرهاقها في تفكير وطني جاد يسعى إلى اجتراح الحلول. ونريد أن نقول أن اليد التي لا نستطيع قطعها _ ولا أقول عضها _ يجب أن لا ُتباس بل يفضل أن تترك إلى زمن يمكن فيه أن ُتقطع. باختصار هناك حسبة يجب أن تترك للأجيال. وقضايا مثل فلسطين _ بصفتها على طاولة البحث الأمريكوعربية هذه الأيام- يجب دون تردد تركها كقضية استراتيجية لحساب الأجيال فهو الكفيل بحلها سلباً أم إيجاباً. ونتمنى بالطبع أن يكون في مكنة أبنائنا وأحفادنا حسمها لصالحنا عبر استنهاض جهد جماعي عربي قومي شعبي وديمقراطي. أما عدم نجاحهم فيما فشلنا في إنجازه فهو ببساطة نهاية التاريخ، على الأقل فيما يخص العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو