الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقات هامسة.. فوضى الجنس السري في مجتمع التحريم

عمار السواد

2006 / 11 / 3
العلاقات الجنسية والاسرية


استوقفني استياء لميشيل فوكو، في كتابه الشهير "ارادة المعرفة"، من هيمنة الكبت فيما اسماه بالعصر الفكتوري الممتد بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، بعد ان كانت العلاقات الجنسية في اوربا قبل ذلك معلنة وغير مخجلة، لا ادري الى اي حد اصاب فوكو في المقارنة وماذا قصد بالتحديد لان فهم كلامه يستدعي الوقوف على طبيعة العصور الاوربية وكيفية تعاطيها مع موضوعة الجنس. لكني اعلم ان الفكرة التي اراد ايصالها للقارئ بالهجوم على القوانين دفعت بالجنس ليصبح مقولة هامسة في الحياة الاجتماعية.
استياء فوكو ترك لدي استياء آخر لا علاقة له بالمقارنة بين عصرين غربين بل له صلة بالحديث عن مكانين مختلفين. بين عالم اسلامي تسوده المحرمات ويهمن عليه الكبت الجنسي القبلي والديني والاجتماعي، وعالم غربي تجاوز مع قليل من الاضرار لغة الخطوط الحمراء الضيقة. وحتى ادفع القارئ الى تفهم المقارنة ساذكر نصين من الكتاب يمثلان صورة المقارنة بالشكل الذي دفعني الى ذلك الانطباع او الاستياء "حتى بداية القرن السابع عشر شيئ من الصراحة كان لايزال رائجا على ما يقال، فالممارسات لم تكن تبحث عن السرية والكلمات كانت تقال دون تكتم مفرط ويفصح عن الاشياء دون افراط.. كانت قواعد البذاءة والمجون والفحش لينة اذا ما قارناها بقواعد القرن التاسع عشر. اشارات مباشرة كلمات لا خجل فيها.. اجسام عارية للجنسين تتشابك" ص27. ان الجنس في تلك الفترة من وجهة نظر فوكو كان واضحا وصريحا. كانت العلاقات الجنسية تفرضها الحاجة الى الجنس وليس امورا اخرى. لكن الامر بناء على حفريات الفيلسوف الفرنسي المعاصر تغير بداية القرن التاسع عشر "تبع وضح النهار هذا غسق سريع الى ان خيمت الليالي الرتيبة للبرجوازية الفكتورية. فيحبس الجنس انئذ بعناية. تصادره العائلة. تستوعبه كليا فيما للانجاب وظيفة جادة. فحول الجنس يصمت الناس. والزوجان شرعيان منجبان، وهما يصنعان التاريخ" ص27. هذه الوظيفة التي حددها القرن التاسع عشر وبرجوازيته الرتيبة للجنس، افرغته من محتوى مهم واساسي، اقصد اللذة. انها مقارنة بين زمانين استدعيا نمطين مختلفين من العلاقات.
ولكن الشرخ الهائل الذي تحدث عنه فوكو بين زمنين، لم يكن بالصورة ذات الالوان الاكثر تناشزا التي يمكن رسمها اذا ما تحدثنا عن بقعتين جغرافيتين، او مجتمعين مختلفين. العالم الاسلامي والغرب. انها مقارنة بين مجتمع يؤمن بمنظومة القيم الرتيبة، والجامدة, فيؤسس لذاته الف قيد وقيد، ويبحث بشكل مستمر عن قيود جديدة تحرسه. وبين مجتمع يبحث عن قيم تساعده على الخروج عن المآزق التي يقع بها. مجتمع يجهد نفسه من اجل التقليل من القيود، ويبحث بدلا عن ذلك عن اليات لا تفرض حصارا عليه، وتحفظ له استقراره وسلامته وامنه، ومجتمع يلجأ دوما الى قوانين سهلة الفرض.
في المجتمع الاسلامي يكون الكشف عن الجسد موبقة، وفي مجتمع آخر يعد اللبس والزينة حقا مدنيا، يدافع عنه الجميع. فكم اضر اوربا ان سمحت باجساد بناتها ان تنكشف، وكم انتفعنا عندما اصبح الحجاب مقدسا، والجنس دائرة حمراء يحترق من يتقرب اليها؟. وهل تمكن حراس العقيدة وشيوخ العشيرة من منع تداول الجنس، ولو همسا، بين شباب العالم المسلم؟؟؟.
تحدث الاسلاميون مرارا عن حرمة الجسد، وضرورة عدم "ابتذاله"، وصوروا الغرب للشعوب المسلمة على انهم باذلوا جسد، وبائعوا هوى، قالوا انهم مبتذلون، يريدون تفكيك الاسر، وتحطيم المجتمعات. فهل تمكنت محرماتهم من الحفاظ على وحدة المجتمعات المسلمة؟ ان الجسد الذي تحدثوا عن حرمته، وقالوا ان الغرب هتكه، دفعوا المسلم لان يكون ضحيته. فالمواطن في الشرق عبدا للجسد ومشغوفا به اكثر من اي شي اخر. وبالتالي اصابه مرض نفسي سببه الكبت والحرمان، وليس الكبت وحده ثمرة ذلك السلوك بل كان هناك موت غسلا للعار، وانتحار خوفا من انكشاف حمل او افتضاض بكارة. في حين ان الغرب الذي نسجل عليه الكثير من الاخطاء والسلبيات، نعترف له بانه يبحث دوما عن اليات متجددة لتحقيق حقوق الانسان.
الغرب "الماجن" تمكن من فرض ايقاع مختلف على الحياة الاجتماعية. والفكر الحاكم في الغرب يؤسس للانسان على خلفية مبدأ اول هو ان الانسان خلق في الحياة كي يلتذ بنعمها، حتى لا تتحول الى سجن يدفعه الى الاحتجاج على خالقه كونه خلقه. فلا يوجد اي مانع من لذة الجسد والروح الا ذلك الذي يقيد لذة جسد وروح اخرى. اما الشرق "العفيف" فانه استدعى كل قيود التاريخ والدين والعشيرة لكي يحول دون تفككه وتشرذمه، وحتى يحافظ على الاسرة نواة المجتمع الصغرى. دافع باستمرار عن محرماته بطريقة وكأن هناك بعبعا سيقض عليه امنه وامانه. فالعقيدة المهيمنة تروض الانسان لكي يتنازل عن لذته بشكل مستمر ويقبل بقيد يتلوه اخر، دفاعا عن قيمة تفترض وجودها مسبقا. وفي حال تساؤل الانسان عن جدية هذه القيمة وصحتها، تقفز المركزية الدينية فتؤسس خيوط ربط عديدة بين القيود وبين الله.
لغة الجسد، تهدمت بمر الوقت، وتراكم القيود، فتحولت الى ركام فوضوي سينتج نهاية فوضوية تتحكم بوجود هذا العالم الملئ اصلا بالفوضى. العقل اللا متسامح، والذهنية التحريمية التي حكمت اوربا طيلة عقود الكنيسة المتعففة، دفعت بفوضى عارمة عمت القارة القديمة نحو فوضى الممارسة، وادخلت الجسد في معترك تناثر اللذائذ والشهوات. ولكن هذه الفوضى انتجت، وفسحت المجال امام الفرد لكي ينتج حياة افضل. فاوربا اليوم تجاوزت مرحلة الفوضى الشاذة والغريبة، لتصبح قانونا يفترض ان يبقى حاكما على الاجساد، مادام الانسان بحاجة الى فوضى من هذا القبيل. اما الجسد في العالم المسلم فانه بقي بعيدا عن الصراحة والجرأة، خجولا، مليئا بطاقات يبحث لها عن فوضى تطلقها. ولكن القيود لم تؤت اكلها، بل حولت الامر الى انطلاقة غير معلنة، تمظهرت في علاقات سرية واسعة ان افتضحت كان الثمن غاليا، ولكنها فوضى غير مبدعة، فوضى تتصاحب مع نمو مرض نفسي ينتجه الكبت والخوف. فخوفا من خطورة افتضاح العلاقة بحمل او افتضاض عذرية، بحث شباب هذا العالم عن امرأة تخون همسا زوجها، وبحثت الفتاة عن شاب لا يخدعها، فاذا بها في النهاية ضحية. وظهرت لنا ملامح شاذة داخل مجتمعات محافظة كالبيئة الخليجية فكيف نفسر امتلاء المواقع الجنسية العربية بعشرات القصص من جنس المحارم؟. نحن الان مهددون بخطورة رذيلة العلاقة الاشد قبحا في تاريخ البشرية، انها جنس المحارم. وكيف يتم تفسير اتساع رقعة الشذوذ الجنسي في المجتمعات المكبوتة، ومن ضمنها مجتمعات المؤسسة الدينية؟، فالشذوذ في هذه المجتعات ليس مرضا كما هو الحال في الشذوذ لدى الغرب، انه ملجأ من الافتقار الى الجنس الطبيعي. واذا ما ثارت حاجة مجموعة من الاصدقاء فانه يبحثون عن بائعة هوى يتقاسمون مالديها ويتوزع ثمنها عليهم جميعا. ويتذكر كثير ممن عاش في ايران كيف ان بعض العجائز يقدمن الى الشباب المتدين بالجملة ما يحتاجوه تحت اسم "زواج المتعة".
فالحاجة اسست في الغرب فوضى، تمكنت من تنظيم ذاتها وتحديد اشتراطاتها. من دون سفك دم او قتل انسان. عودته على الصراحة والوضوح، وساعدته في تطوير مجتمع اقل ما يمكن ان نقول عنه اليوم انه افضل حالا من مجتمعاتنا. في حين ان الشرق التاريخي، المليئ بالهة الجمال، وتزاحم الصور الخلابة، واستشراء لغة الجسد، اصبح رتيبا يوسع من فوضويته سرا، والسرية قد تنتج خيبة امل وشعور ذنب يتحول الى شكل من اشكال المرض، وفي النهاية تسفك الدماء وتهتك الاسر لكي يحافظ الشرف عن بقائه.. فما تحقق منعه هو العلاقة العلينة، الصريحة وغير المنافقة فقط، والتي يمكن ان تخضع لشيئ من التنظيم. واستشرى بدلا من ذلك علاقة سرية، خائفة، منافقة لا يمكن تنظيمها او الحد من انتشارها.
المشكلة ليست بنت اللحظة انها قديمة في عالمنا الاسلامي. فقد شاعت في العصر الاسلامي الاول تجارة النخاسين، وتوزعت الجواري والاماء على كل من لديه المال ليشتري، واستمتعت الابدان، بمباركة دينية. وكان قصر الخليفة مزدحما بالعشرات من جميلات الروم والفرس واسيا وافريقيا. انهم شرعنوا لغة الجسد مقابل المال للرجال فقط. يالها من لغة عقيمة، صماء، دون اي شعور واحاسيس، شرعنها رجال الدين. بل ترك الفقهاء بابا كاملا للبحث فيها. انها جارية يشتريها الثري ليتسلى بها، غير سائل عن مدى تلذذها بالعلاقة معه، فهي حقه الذي استراه بعدد من الدنانير. لكن حراس الدين ذاتهم منعوا لغة جسد اخرى اكثر سموا. انها لغة الحب، اشترط فيها عقدا لم يشترطه في شراء الجواري، ناسيا انه يمكن ان يكون الحب امتن من المال الذي يدفع الى النخاسين لقاء انثى رائعة الحسن.
ان الدين، مع الاشارة الى ضرورة التعاطي التاريخي مع مفاهيمه وتعاليمه، لم يكن بالمستوى الكبتي الذي اضحى عليه اللاحقون لعصر النص. فلم نسمع الا في منقولات قليلة الاهمية ان واحدة من الصحابيات كانت تغطي وجهها بالطريقة التي نراها اليوم. ولم نعرف ان القرآن سلب النبي احساسه البشري بالطريقة التي تفرض اليوم على ابسط الناس، والا فكيف نفسر قصة زوجة زيد الواردة في النص الاسلامي الاكثر تقديسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قانون الإجهاض الجديد في ولاية فلوريدا يدخل حيز التنفيذ


.. لهذا قُتلت لاندي جويبورو التي نافست على لقب ملكة جمال الإكوا




.. الدول العربية الأسوأ على مؤشر المرأة والسلام والأمن


.. إحدى الطالبات التي عرفت عن نفسها باسم نانسي س




.. الطالبة التي عرفت عن نفسها باسم سيلين ز