الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المخزنية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا تعني كلمة المخزن ؟ ماذا يعني المخزن ؟
" البوليس السياسي – La police politique ، و ( صديق ومستشار) الملك ، ورئيس " البنية السرية " يقطعان الكونكسيون عن منزلي ، لعرقلة تحرير وإرسال هذه الدراسة التي تحلل وتفكك النظام المخزني على حقيقته " .
دراسة تفكيكية وتحليلية للدولة المخزنية الفريدة في العالم ، والعدوة للديمقراطية .
هل حقا انّ كلمة المخزن ، تعني تخزين محاصل الفلاحين حين يستولي عليها المخزن ، في المطامير ( مطمورة ) ، وتخزين الثروة ، والحال انّ المخزن في سبيل الحصول على المحاصيل المختلفة ، ومن اجل فرض تأذية الضرائب المجحفة ، لا يتردد من تنظيم الاغارات على القبائل البربرية ، التي رفضت تأذية الضرائب القهرية ، ورفضت سلوك ونمط المخزن الطقوسي ، المتعارض مع الأعراف القبائلية البربرية ، ولا يتردد في قطع الرؤوس من اجل حصوله على ثروة القبائل الرافضة لكل المخزن ، وليس فقط امتناعها عن تأدية الضرائب المجحفة والظالمة ؟ ، لان القبائل الثائرة ، كانت تنظر في المخزن نظام احتلال ، ادخل احتلالا اخرا لمحاربة القبائل البربرية ، هو الاستعمار الفرنسي الذي كان نظام حماية ، طبعا حماية للمخزن من الثورات التي اندلعت ، فاصبح المخزن ودولة الحماية في كفة ، وظلت الانتفاضات القبائلية في جهة أخرى .
فهل نتفق مع الوصف الذي يعتبر المخزن ، خزانا للثروة وللمحاصيل الذي يستولي عليها قهرا من عند الفلاحين ؟ .
بل هناك من ذهب بعيدا في تعريفه ووصفه للمخزن ، حين اعتبر انه لا يكتفي بتخزين الثروة والمحاصيل ، بل يقوم بتخزين السكان الأصليين الذين يعتبرهم مجرد رعايا من رعاياه ، ويتنكر الاعتراف بهم كمواطنين ، فأحرى ان يعترف بهم كشعب . لذا يجمع هؤلاء على اعتبار المخزن مجرد نمط حياة ، لا يرقى ابدا الى درجة الدولة ذات الخصائص ، وذات المسؤوليات الجسيمة .
لقد تناول بالمعالجة لظاهرة او لنظام المخزن ، العديد من الأساتذة المغاربة ، لكنهم في تحليلاتهم وفي طرق معالجتهم لنظام المخزن ، ظلوا دون مستوى تحليل الفرنسيين لنظام المخزن ، الذي استدعى فرنسا للدخول الى المغرب بمقتضى اتفاقية الحماية ، لنجدته من الثورات البربرية التي رفضت النظام المخزني ، ورفضت اجراءاته الجبرية في تحصيل الثروة ، وتحصيل الضرائب التي كانت تذهب لجيوب المخزن ، يصرفها في ملذاته ونزواته الحيوانية ، التي لا تزال الى اليوم .. فمن أراد معرفة تاريخ الدولة العلوية ، وتاريخ المخزن ،عليه باللجوء الى المكتبة الوطنية الفرنسية La bibliothèque nationale في باريس ، ليجد آلاف كتابات الفرنسيين الذي حللوا النظام المخزني ، ووضعوه في صورته الحقيقية .. ومن أمثال هؤلاء الفرنسيين ، أساتذة ، ومفكرين ، وعسكريين ، نذكر Robert Montagne : les berbères et le makhzen dans le sud du Maroc ..وهناك المئات من الكتابات الفرنسية عن تاريخ المخزن ، وتاريخ الدولة العلوية بالمكتبة الوطنية الفرنسية La bibliothèque nationale à Paris .
ان نظام المخزن ، هو نظام دولة تستند على الطقوس .
ولنا كمثقفين ومحللين ان نتساءل . ماذا يعني وصف المخزن او مصطلح المخزن ؟ . هل حقا المعنى هو التخزين ، ام ان المعنى هو شيء اخر ، وليس التخزين الذي مشى فيه الأساتذة المغاربة ، إمّا لجهلهم بحقيقة المخزن ، وإمّا لممارسة التعتيم ، واخفاء الحقيقة عن جمهور الرعايا المنغرسين في نظام المخزن كمخزنيين ، غير مبالين بسلطاته القهرية المفروضة عليهم ، بل ومن خلال الممارسات اليومية المخزنية في المجتمع المخزني ، اضحى الرعايا عنصرا أساسيا لفهم معنى المخزن ، حتى اصبحوا هم مخزنيين اكثر من المخزن الذي يتكلف بترويضهم ، وتوجيههم لخدمته بكل السبل المتاحة .
وبغض النظر عن الطابع التقليدي لتعريف المخزن ، نطرح بدورنا بعض التساؤلات المحرجة ، قبل وصولنا الى تفكيك وتحليل بنية المخزن التي سماها البعض ب " البنية السرية " المتحكمة في الدولة ، وتعرية الغطاء عن النظام المخزني ، الذي يتقمص شكل دولة يطلقون عليها الدولة المخزنية .
فهل المخزن هو مجموع أجهزة الدولة القائمة ؟ . أم ان المخزن يعني أولئك الذين يسوسون ويديرون الأجهزة المخزنية للحفاظ على الدولة المخزنية ؟ . ام ان مصطلح المخزن ، يعني نوع العقليات الطقوسية التي توجد فقط في بلاد المخزن ؟ . ام يعني العقليات اللاّمرئية المتحكمة في الدولة والمجتمع بما يتلاءم ومآربها الخاصة ؟ ام انّ لفظ المخزن ، يعني الأسلوب والآليات التي تتصرف عبرها السلطة ، من قمة الهرم الى قاعدته ؟ . ام ان ّالمعنى يعني ، ترسخات الفهم المخزني في الذهنية والنفسية الشعبية ، لارتعابها ( الرعب ) مما قد توقعه عليها السلطة ، اذا ما تجرأت العين على الحاجب ؟ ( المغاربة يخافون ثلاثة ظواهر . المخزن والنار والبحر ) . ثم الا تخدم هذه الترسبات ، السلطة المخزنية بعينها ، إذ تهدئ من حدة الخوف المستبطن داخل دواليبها ، حيال التمرد الشعبي الجماهيري المستبطن ، كما نلاحظ اليوم مع محمد السادس ؟ ...
أسئلة كثيرة أُثيرت وتثار حول نظام المخزن وحقيقته ، مع توالي الأبحاث الأجنبية حوله ، بالرغم من تعدد المقاربات والمقاربين لمحتوى المخزن ، إلاّ ان المصطلح لا يزال عائما وفضفاضا ، وسريع التجديد ، نظرا لديناميكيتة في تجديد ذاته ، وقدرته على التكيف جنب مؤسسات مُعقلنة ، ضمن جدلية المد والجزر ، من القطيعة والاستمرارية ، حتى وهي توحي دوما بالركود والتراثية ، فقد ظل في جوهره كما هو . ولو اتسع مضمار وظائفه ، لكن المفهوم الذي يحتويه ، هو الذي ما فتئ يتعدل باعتباره نتائج تصور ذهني ، خاضع بالتالي لتطور الانسان نفسه . ولعل ما يزيد في عرقلة المشكل ، كوننا قد نتحدث عن نفس الموضوع ، دون ان يكون لدينا نفس الدلالات .
فالباحثون وبما فيهم بعض المغاربة كعبد اللطيف اگنوش " السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الامس واليوم " ، لم يتفقوا في تفسيرهم للمخزن ، الاّ على اصله اللغوي ، أي " التخزين " ، " جمع الضرائب " . فالمخزن بداية يشير الى المكان الذي كانت تجمع فيه الضرائب ( الشرعية ) ، والموجهة الى بيت السلطان الذي سيصبح ملكا ، ومحاصيل الفلاحين المنزوعة منهم بقوة السيف والقتل . فبعيدا عن دائرة اللغة ، تتبدى التغييرات والاختلافات على صعيد زمن ولادة المخزن ، ثم كيفية انتقاله من المعنى اللغوي الأصيل ، قطيعة المغرب مع المشرق ، وغدوه مع الأسر الحاكمة ، " مجموع الحكومة المغربية " .
في نهاية القرن التاسع عشر ، اصبح المخزن يعني السلطان ، وحكومته ، وادارته ، ويعني نظام الرعايا في الدولة الرعوية ، ويختلفون أيضا حول طبيعته ، وحقيقة وظائفه ، لتتضارب بذلك التعاريف ورؤيا النظر ، ويظل المخزن بذلك منفلتا من اية محاسبة ولا مراقبة ، ولو بتحديد وضعه القانوني الذي وحده يشهد بدولة المخزن ..
لقد نسجت عدة نظريات حول هذه المؤسسة ، وهذا النظام الاجتماعي والسياسي . فالفرنسي " كوتييه " في كتابه " ماضي افريقيا الشمالية ، القرون المظلمة " مع المؤرخ " هانري طيراس " ، قالا بنظرية المخزن / القبيلة ، وقد استقياها من المؤرخ ابن خلدون الذي يربط السلطة السياسية وممارساتها ، بالمجتمع القبلي ، ومفاد هذه النظرية ، ان المقابلة او التناقض المستمر بين سكان البوادي الرحل المستقرين ، هو الذي يؤدي الى قيام السلطة السياسية ، وبالتالي الى خلق المخزن . ومادام ان هذه السلطة قبيلة في قيامها وترسيخها ، فان المخزن يكون حتما قبليا في بنياته . فالمخزن بهذا المفهوم ، هو مخزن القبيلة ، او الاتحاد القبلي المهيمن في حقبة تاريخية معينة .
والى جانب هذه النظرية ، نجد ما يمكن ان نطلق عليه اسم " المخزن الفيودالي " . ونستنتج من كتابات " روبير مونتاي " Robert Montagne " في كتابه " البربر والمخزن " ... فرغم اقراره بوجود فوارق كبيرة بين النظام الاجتماعي السياسي المغربي ، والنظام الفيودالي ، فان الباحث قال بتواجد شَبه كبير بين النظامين .
اما الأمريكي " كليفورد كيرتز " ، فقد هاله عدد ، وتشعب ، واهمية الزوايا في المغرب ، فاطلق استخلاصه مقابلا بين " المخزن / الزاوية " ، إذ يقول ان المخزن المرابطي او الموحدي ، انطلقا من " رباطات " دينية ، او زوايا تطلعت للسلطة السياسية ، فأنشأن بنيات إدارية واجتماعية ، كونت مخزنا ، كالزاوية الدلائية في القرن السابع عشر ، إذ كانت تتوفر على مخزن بإداراته المتعددة ، بسلطانه ، بإقليمه ، بأعيانه ، وولاته ، وبجيشه ، وبرعاياه ..
ويشير " عبد الله العروي " في مجمل تاريخه ، الى ارتباط ظهور أجهزة المخزن ، ببذور الدولة بمفهومها العصري . إذ كانت تطلق الكلمة في مجموع ارض المغرب ، على هيئة إدارية ، وتراتيب اجتماعية ، وعلى سلوك ومراسيم . أي ان المخزن كان سيفا وقلما في آن ، نَمَا وتطور في كل دولة وامارة ، حتى في الدولة الزيانية التي كانت اقل اتساعا وغنى . وقد أورد العروي تقسيما ثلاثيا ، ذا طابع اجتماعي اكثر من قانوني ، موضحا من خلاله مكونات المخزن ، المؤلف من ثلاثة مجموعات متباينة ، من حيث حجمها ، وقوة نفودها : فالجماعة الأولى ضيقة جدا ، تنحصر أحيانا في شخصين او ثلاثة اشخاص " الوزير او الحاجب " ، الذي يُسيّر فعلا سياسة الدولة داخليا وخارجيا . والجماعة الثانية ، هي التي تُعْرب عن السياسة المرسومة ، وتذيعها بين صفوف الناس ، وذلك بترجمتها الى لغة رسمية مضبوطة ، يقوم بها الكتاب الموزعون على الدواوين . امّا المجموعة الثالثة ، فهي التي كانت مكلفة بتنفيذ الأوامر ، واعداد الوسائل المالية والعسكرية ، وتكونت أساسا من أصحاب الاعمال والاشغال .
ويعلق " العروي " على هذا التقسيم بقوله " ان السلطة في كل الأحوال ، لا تمارس الاّ بتواجد ثلاث وظائف : الوزارة التي تخطط الكتابة التي تبين وتعلن ، والاشغال التي تنفذ . هذه الوظائف هي مضمون المخزن من وراء تنوع الاشكال والمظاهر " ..
والمخزن كمصطلح شائع في مغرب القرن 19 ، له عدة دلالات ، تتخذ عند " العروي " شكلين ، الأول ضيق ، والثاني واسع .
فالضيق إحالة الى البيروقراطية والجيش ، وكل من يتقاضى اجرا من الخزينة السلطانية ، وليس من الاحباس كأعضاء الإدارة الحضرية ، الهيئة المكلفة بالحفاظ على الامن في المدن ، والى حد ما في القرى . اما المدلول الواسع ، فينكب على مجموع الجماعات المشكلة لأعضاء المخزن الضيق ، الخاصة ، قبائل الگيش / الشرفاء / الصلحاء . ف " العروي " اذن بهذا التعريف ، يؤكد على الطابع الأساسي للمخزن . انه مؤسلم ، وعربي ، ومعرب ، ويستند الى القوى المحلية لمقاومة البلاد التي تقاومه . وهو بذلك يدحض مقولة ان المخزن قبيلة في الحكم ، او انه اقطاعية ، او نموذج للاستبداد الشرقي ، لأنه من الخطأ في نظره " تعميم بعض عناصر هذا النظام او ذاك ، للقول بوجود كلية واهمال للخصوصيات المغربية .... " . وينحو ذات المنحى عبداللطيف اگنوش بقوله ، ان المخزن لا يرتبط بهيكلة ونظام حقوق فيودالي ، ولا بزاوية قائمة بذاتها . فعوض الدعوة والعصبية التي تطبع " المخزن والقبيلة " يلتجئ " المخزن الشريف " الى انتاج " سياسة دينية " . وعوض الجهاد الهجومي الذي كان في الماضي يخدم الأغراض المادية للقبائل المغربية ، يلتجأ هذا المخزن الجهادي ، للجهاد الدفاعي الذي من شأنه جمع كل القبائل المغربية ، وخلق شروط الدولة القومية . وعوض السلطة السياسية القبلية ، يلتجأ الى سلطة الاشراف ، التي تبحث باستمرار على تركيع كل القبائل ، ونزعتها الطبيعية في الاستقلال الذاتي ، وذلك قصد بناء دولة ممركزة وقوية " قائدها " ويقودها " المخزن الشريف " . وما يزال يتحكم في دواليبها حتى اليوم ، بشكل فريد مع محمد السادس ، رغم اختفاءه عن المغرب منذ ان اصبح ملكا ببيعة " قصر تْوارگة " الشهيرة ..
ان هذا التاريخ الطويل ، سمح للمخزن بان يراكم طريقة ومعرفة معينة ، حول المجال الاجتماعي ( ونضيف من جانبنا السياسي ، والديني ، والاقتصادي .. ) ، الامر الذي يمكنه من الاحراز على فعالية كبيرة في الحياة السياسية . فممارسة المخزن لسلطات واسعة منذ قرون ، تجعل منه من دون شك نداً للدولة ، إلاّ انها لا تسعفنا في سبر ما تختزنه عقليات القائمين عليه ، بشكل جلي . يقول محمد الطوزي مضيفا ، انه يفضل استعمال لفظ " دار المخزن " ، كمفهوم يحيل على المجال المادي الذي تمارس فيه السلطة السياسية فعليا .. لكن " الطوزي " لا يؤيد التعاريف التي تخلط بين أجهزة الدولة ، ونظام المخزن ، او بينه وبين " دار السلطان " . فالمخزن في نظره ( مفهوم دنيوي من دون شحنة دينية ومفتقدة لأية اخلاق سامية . فالمخزن موضع الاسقاطات السلبية والايجابية على السواء . همه الوحيد هو الحفاظ على الامن والاستقرار ، وجعل " مصلحة الدولة " قيمة فوق كل اعتبار ، وهي مهمات تستوجب استعمال القوة بشكل مستمر ، وترك الاخلاق والعواطف جنبا . كما يمتلك المخزن قدرة كبيرة على الاختراق والانتشار على جميع التراب الوطني ، وفي جميع الأماكن التي تمارس فيها السلطة ، سواء كانت إدارية ، او عسكرية ، او مالية ) .
اما القاموس المخزني ، فيحيل على الهيبة والصرامة ، ورفعة الانتماء ، والخدمة ، والاستعداد الكامل للتنفيذ والانحناء الكامل للذات ، او الأنا . فهو بذلك أداة لممارسة السلطة ، لكن شرعيته لا تتداخل مع شرعية الملك ، فهذا الأخير وان كان رئيسا للمخزن ، الاّ انه غير متورط في نشاطاته .. وهذا ليس له من فهم على ضوء الاستنتاج ، ان المخزن يتأسس على الاستبداد واللاشرعية ، كما تشكل احدى السمات البنيوية للمغرب ، بالرغم من انه لا يمثل عنده المجتمع المغربي ، مؤكدا ان المخزن " يرعى الفوضى الاجتماعية ، ويستغلها لصالحه ، كما يقوم بتأجيج العداءات ، والحروب ، والنزاعات بين القبائل ، ليعزز وظيفته كحَكَم بينها .
للمخزن من زاوية ، انه سلطة مضمرة في المجتمع ، تتموقع فوقه كي تتحكم فيه بقوة وتسلط ، وتمنحها قدرتها على التواجد فوق المجتمع كقوة خاصة . انها تعرف كل فرد من حيث مكانته في الجماعة ، في القبيلة ، بل بإمكانها استدعاء أي شخص قصد تكريمه ، او اذلاله . انها تقيس بمعرفة ، وثقة علاقات القوة المحلية ، وتقوم بإحكام قسط ، وطبيعة الموارد التي تعود لكل فرد ، سواء كانت شرعية تاريخية ، او ثروة ونفود وجاه ، او مرتبة دينية ، او خطوة موروثة ، او مكتسبة ، او طاقة كامنة يستقي المخزن قوته من معرفة عميقة للأفراد ، والجماعات ، والقبائل ، والتمردات ، والاضطهادات ، والمساومات ، والتحالفات ..
انه نفس الاستنتاج والخلاصة التي خرج بها الأستاذ " جون واثر بوري " " امير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية في المغرب " ..في اطروحته ( امير المؤمنين ) ، القائلة بالعنف الدائم للمخزن على الاسر ، وبعدم تغيره على مر الأزمنة والعصور ، وبتشكيله تحالف للمصالح دون مذهب واضح ، هدفه استمرار منطق التحالف المصلحي ، ولا يعكس أي تيار فكري بنّاء ، او إرادة جماعية إيجابية . ويتلخص همّه في البقاء لخدمة مصالح الافراد والجماعات التي يُشكل منها ، اذ يعاني من انانية اعضاءه . فذوي المصالح يتصارعون بصفة مستمرة وعنيفة ، بالرغم من مظاهر اللياقة ، لان عدم اليقين من الغد ، كان يجعل الطموحات محتدة ، واكثر حماسا للاشباعات الحالية ، مرتكزا في تحليله القائل بان المخزن لم يشكل سوى ائتلاف مصالح . فهو يمثل فكرا بناء ، او إرادة إيجابية موحدة . بل كان هدفه الاسمى ، هو البقاء لفائدة الجماعات ، والأشخاص الذين يكونونه .
يلاحظ ان أطروحة " الأمريكي جون وثربوري " ، ستقابل بأطروحات وطنية ، تبرهن على وحدة السلطة المخزنية ، وانسجام المجتمع المغربي ما قبل الاستعمار ، كما بيّنا عند عبد الله العروي ، مضيفين طرح ،
" جرمان عياش " الذي يؤكد ان المخزن لا يلجأ الى العنف ، الاّ بعد استنفاد التفاوض ، وبذلك لا تكمن الوظيفة الأساسية للمخزن من منظور " عياش "، في طرح وزرع شقاق القبائل كي يسود ، مستدلا في ذلك ، باستدعائه لأمثلة تاريخية ملموسة ، عن نزاعات قبلية تدخل فيها السلطان ، وقام فيها بدور تحكيمي قبلته القبائل المتناحرة ، نظرا للدور الديني والزمني للسلطان .
وانْ تباينت المقاربات ، والتعاريف ، وزوايا النظر ، لتحديد او محاولة تحديد معنى واضح للمخزن ، فان لا احد ينكر تجدره او ترسخه التاريخي . وفي هذا الصدد يقول الاقتصادي المغربي " ادريس بنعلي " ، رغم انتماءه السياسي ، فان ما يميز المخزن ، انه ليس وليد الاستقلال السياسي ، أي انه ليس النتاج المتناقض للاستعمار ، والكفاح الذي ولده ، كما الشأن بالنسبة لعدة بلدان من العالم الثالث . بل له على العكس ، تاريخ يشمل جزءا كبيرا من تجدره في واقع البلاد ، لكونه خرج من احشاء المجتمع المغربي ، وفي لحظة من تاريخه ، اصبح المخزن يحظى بمشروعية مسجلة عبر التاريخ ، وراسخة في مخيلة الجماهير الشعبية المغربية ، التي تعترف له بقدرته على تجسيد وحدة الجماعة الوطنية ، وعلى استعمال بعض الرموز الدينية ..
اما حرزني في بعض المداخلات ، قبل ان يبوئه محمد السادس الصدارة ، أي اثناء بحث النظام عن الأشخاص التي قد تساعد بطريقة ما في الحفاظ على الملكية المخزنية ، وهو هنا يدافع عن الدولة المخزنية ، فهو ينتقد مسألة نعت نظام المخزن بالتفرد بقوله " ان نعت المخزن الذي هو كلمة وليس مفهوما ، بالتفرد ، ولا يمكن اجراء مقارنة بينه وبين نظام اخر ، يعتبر إساءة للبحث العلمي ، وهنا تتكون حواجز نفسية ، تجعل الباحث لا يمتلك مفاتيح للاحتراق . وعلينا اثبات العكس ، فهو نظام كباقي الأنظمة السياسية التسلطية ، ويمكن هنا تطبيق تحليل السوسيولوجي الألماني " ماكس فيبر " للأنظمة ، عليه ، خاصة النموذجين التقليدي والكاريزمي . اما العقلاني فهو في خدمة النموذجين الاولين عندنا ، كما في باقي الأنظمة المختلفة . وهناك سؤال لم يهتم به الباحثون : ألا يمكن اعتبار استمرار المصطلح ، كَسَلاً من لدن الباحثين . فهل هو عصي عن المعالجة العلمية كمطمح سياسي . وبناء عليه ، يمكن ان نخلص الى ان المخزن كسياسة ، تجد جذورها في الموروث التقليدي للمجتمع المغربي ، وفي السياسة المونوليانية التي دعمته ، وفي الحيوية التي امدته بها الملكية والدستور في المغرب المستقل . وهذا ما جعله يتمتع بالقدرة على الاستمرارية والسيطرة ، واستغلال النزاعات ، واذكاء روح الفرقة والتفرقة ، وإقناع الفصائل ، بان في موالاته نصيب من الكعكة ، ولا يعنيه تفاهم الفصائل فيما بينها . بل انه يلعب في الكواليس على تلك الخيوط الرفيعة ، والاوثار الحساسة والمهترئة ، وباعتماد منطق رعاية الفوضى ومأسستها ، وسريان الذهنية المؤمنة بالسطوة ، والكولسة ، والرشوة ، والفساد ، والعنف المادي ، وآليات من قبيل الامتيازات ، والتعيينات ، والزبونية ، والقرابة ، والعمامة الدينية .... فهذه الشبكات التي هي بمثابة عيون المخزن ،واذانه في كل مكان وفي كل لحظة ، اكسبته القدرة على الاستشراف ، وبذلك يسبق الفكرة ، او يختزن الطريق ( يختصر ) الى الفكرة ، التي يمكن ان تشكل حقلا مضادا ، او ندا منافسا بنفسها ، او يحتويها فيفرغها من محتواها ، ليدرأ عن نفسه خطر الجهة المنافسة ، او المضادة ، او بالإغراق ، او بإغداق العطايا ، او اللجوء الى الوسائل القسرية حين يلزم الامر ، او يخلق حقلا مضادا لمن يريد التضاد معه . وبذلك يصبح الحقل المضاد ، ذا وظيفة صورية ، يخدم في حقيقتها النظام كنواته او اجهزته ، ويحافظ عليه اكثر حتى من الموالين . فالذهنية المخزنية لا تقبل نفسها ، الاّ محتكرة لكل المجالات ، بدء من الديني صاحب كل المبادرات ، ولا تقبلك الاّ مواليا لشروط اللعبة ، مسلما لسلاحك ، وإلاّ تبقيك محاصرا في حالة عدم القضاء عليك معنويا او ماديا ، هذا ان كنت فعلا فاعلا ، او كنت من عامة الناس . فالسياسة المخزنية تبقيك في غياهب الجهل ممسكا على الهامش ، مقادا منقادا ، ولعل هذا السلوك ما يفسر رسوخ الارتعاد والارتعاب ( الرعب ) من المخزن في ذهنية ونفسية الجماهير العريضة ، وبذلك تتغذى استمرارية المخزن من هذا الشعور اللصيق بأفراد المجتمع ، مجتمع ممخزن ومأذلج ، لا يملك أي شعور ممتلئ بمضمون ، كما يقول " هيگل " Hegel ..
ان مجرد القول بالمخزن ، يعني اننا امام دولة من نوع خاص ، وصنف خاص . والقول بدولة المخزن ، لا يمكن تصوره او انتظاره ، دون سيادة الطقوس المخزنية ، التي تحيل الى اعراف ، وتقاليد ، وعادات غريبة ، توجد في دولة المخزن لوحده ، دون ان تتعدى ذلك الى الدول الديمقراطية التي تبني مؤسساتها بالإجراءات الديمقراطية ، التي تحيل في أي شيء الى الشعب ، الذي يعتبر ولوحده مصدر السلطات .. طبعا يبقى دور الشعب هنا ، المشاركة المكثفة من خلال الاستفتاءات ، والانتخابات ، والاستحقاقات المتوالية والمتعاقبة ..
وعليه فالاستنتاج الأول من دولة المخزن ، انها دولة لا ديمقراطية ، تعادي الديمقراطية ، بل تعتبر دولة المخزن ان اعتماد الديمقراطية الكونية ، فيه اجحاف ومساس بالحق في الاختلاف وفي التمييز ، لانه لا يعقل تسيير الشأن العام بنفس الأساليب ، والإجراءات ، والاليات المستعملة في دول أخرى ، لان هذا فيه مساس بالخصوصية ، التي وحدها تضفي مسحة عن طبيعة النظام ، وطبيعة الدولة المسماة مخزنية .
وبما ان الدولة المخزنية معادية لكل ديمقراطية ، فالمعروف بالنسبة لسكان الدولة المخزنية ، انهم يفتقرون الى وصف المواطن ، فأحرى ان يوصفون بالشعب .. لان عنوان سكان الدولة المخزنية هم مجرد رعايا في خدمة السلطان ، وفي خدمة الدولة السلطانية . وانطلاقا من هذه الحقيقة الساطعة ، فلا يمكن تصور دولة مخزنية ، من دون سلطة السلطنة التي على رأسها سلطان ، هو الآمر والناهي ، وكل ( المؤسسات ) التي تشتغل ، هي في ملكية السلطان المخزني ، الذي يتولاها بمقتضى الدستور الذي هو دستور السلطان ، شرّع فيه ، وعلى طريقته الخاصة ، السلطات التي تعتبر منه واليه ، وينتهي هذا الامر بكون الانتخابات التي تنظم ، وكذا الاستفتاءات ، تكون من صنع الحاكم السلطان ، فيكون البرلمانيون ، وما يسمى بالوزراء ، مجرد موظفين سامين تابعين للديوان الملكي ، يسهرون على تنزيل مشروع الملك ، رغم ان البرنامج الملكي الذي سيشرف هؤلاء للعمل على ضوئه ، لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد . وتكون النتيجة انّ إدارات الملك ، تحل محل الملك في تنفيذ برنامج الملك ، ورمي البرامج الانتخابية التي دخلت على أساسها الأحزاب الى الانتخابات ، في المزبلة . بحيث هنا سنجد ان كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات ، وتخليها عن برنامجها الانتخابي الذي صوت عليه الناخبون ، وتنافسها ، وهرولتها لتنزيل برنامج الملك ، تكون قد خانت ثقة الناخبين الذين صوتوا على البرنامج الحزبي لهذه الأحزاب ، رغم ان المنظم للانتخابات يبقى الملك من خلال دراعه وزارة الداخلية ..
وبالرجوع الى الدستور الذي خضع لتعديل محتشم في 2011 ، سنجده دستور الملك ، لان من خلال تصحفه ، ستجد فقط الملك دون غيره .
وحتى يزيد في تقوية سلطة القرار ، سواء كرئيس للجهاز التنفيذي ، او السلطات التشريعية ، او ( السلطة ) القضائية ، فهو لم يتجاهل أهم مشروعية تعطيه السلطات الاستثنائية ، الذي هو عقد البيعة ، واعتباره اميرا للمؤمنين ، وإمام معظم ، رغم انه لا يؤم الناس في الصلاة ، وراعي يرعى الرعية التي اعتبرها الحسن الثاني أسدا ، لكنه مربوط بخيط . فهل يعقل ان يربط الأسد بالخيط ؟ . لان الدلالة التي يستعملها الحسن الثاني ، ترمز الى الرعية التي تعيش في دولة رعوية ، بطرركية ، بتريمونيالية ، ثيوقراطية ، كمبرادورية ... ومفترسة لثروات الرعايا ، ومفقرة لهم في كل شيء ، حتى تَحوَّل العديد منهم الى متسولين يقتاتون من الحاويات ، بعد ان كان المغربي تضرب به الامثال كشعب الجبارين .
اذن . هل يمكن تصور نظام مخزني ، دون وجود دولة سلطانية في الماضي ، وبقيت نفسها الدولة السلطانية التي عصرن دواليبها الحسن الثاني ، ليضمن لها البقاء ؟ .
طبعا لا يمكن تصور دولة مخزنية من دون دولة سلطانية . ونظرا لان الدولة السلطانية تتجسد في شخص السلطان ، وحاشيته الضيقة ، والباقي مجرد رعايا ، وحتى يتملص الحسن الثاني من مطالب الدول الديمقراطية ، التي سجلت مواقف خاصة من النظام السياسي السلطاني ، الفريد من نوعه في العالم ، بما يمارسه من طقوس ، تجسد العبودية المرفوضة من الدول الديمقراطية .. بادر الحسن الثاني الى التشطيب على لقب السلطان ، واستبدله بالملك ، وتجاوز الدولة السلطانية لينشئ النظام الملكي .
فهل عند انشاء ملكية دستورية التي تطالب بها المعارضة الملكية ، يعني ان النظام المخزني ليس له دستور ، والحال ان دساتير النظام المخزني منذ ستينات القرن الماضي واضحة للعيان ؟
وهنا نتساءل . هل المقصود بالملكية الدستورية ، يعني الملكية الديمقراطية ، المختفية في جبة السلطنة ، التي تجعل من السلطان وحده رمزا ، ومحورا للحكم ؟
ان النظام المخزني هو نظام سلطاني ، لان هذا النظام ، نظام المخزن ، هو الدلالة على الغياب الكلي للديمقراطية ، التي تصبح ديمقراطية الحاكم المخزني ، تسمى الديمقراطية باسمه ك ( الديمقراطية الحسنية ) و ( الديمقراطية المحمدية ) . فقبل استبدال الطابع العام للدولة المخزنية ، من دولة سلطانية وحدها تستجيب للنظام المخزني ، الى دولة ملكية دستورية ، هي استمرارية للدولة السلطانية المخزنية ، حيث رغم الاختلاف في الاسم والتسمية ، ظل الطابع المخزني السلطاني وحده ، يحدد شكل الدولة القائمة ، التي حاول الحسن الثاني عندما غير التسمية الى الملكية ، وغير لقب الحاكم الفعلي من سلطان مخزني الى ملك ، هو المخزن .. انْ يقنع بهذا التغيير ، الغرب الديمقراطي ، بالملكية المغربية التي أصبحت ملكية ديمقراطية ، لأنها تتوفر على دستور.. والحال ان ليس الدستور هو من يقر بالدولة الديمقراطية . بل يقر بها طريقة اعداد الدستور ، ومواده من الخام الى الصافي ، الذي جعله يذيب في خضم الملكية العصرية ، مطالب المعارضة الملكية ، الى مطالب ضمن الدولة المخزنية والسلطانية ، حتى أصبحت اليوم جزءا من نظام المخزن لا خارجه .. فما الفارق بين مخزن الدولة السلطانية التقليدية ، وبين مخزن الدولة السلطانية في جبتها الملكية ، اذا كان الملك هو وحده الدولة ، والدولة لن تكون الا بوجود الملك المخزني .
ان اصل مشروعية النظام المخزني ، بالإضافة الى الدستور الذي هو دستور الملك ، ركز بين ايديه كل الدولة ، يبقى نظام البيعة الغير مكتوب ، الذي يعطي لرئيس الدولة هالة ومهابة ربانية ، تجعله يتصرف حتى ضد دستوره الذي شرعن فيه سلطاته ..
وان التركيز على سلطة اقطاعية الحق الالاهي ، تعطي لعقد البيعة الاسبقية والاولوية في التطبيق ، عندما يكون هناك تعارض مع الدستور . فالدولة المخزنية بالإضافة الى طابعها الاستبدادي المتعارض مع الديمقراطية ، تتستر وراء الذين ، ووراء الانتساب ( الشريف ) ، لتثبيت استبدادها الشرقي ، حتى تستمر ولوحدها تسيطر على الثروة ، والجاه والنفوذ .. وان الباقي من السكان ، هم مجرد رعايا عند الراعي الأول ، الذي يحكمهم بعقد البيعة المنزل ، حيث تنتفي الحقوق ، إضافة الى الطقوس الفريدة كشكليات او مراسيم تقديم ( البيعة ) بشكل مهين ، وعند افتتاح رئيس الدولة دورة الخريف التشريعية ، باللباس المخزني ، فيلقي وسط البرلمانيين الذين هم موظفون سامون كالوزراء بإدارة الملك ، خطابا مخزنيا كأمر يومي يرشدهم في المجالات التي يجب الاشتغال على أساسها ، وهي مجالات الملك الذي وجه خطابه ، وعند انتهاءه من الخطاب ، يشرع خدامه بالبرلمان في ترديد التصفيق ، والوقوف خشوعا لرئيس الدولة كأمير للمؤمنين ، وإمام ، وراعي كبير ، يحكم دولة رعوية .. دون ان يستتبع الخطاب بنقاش ، لأن من هو في مستوى ادنى ، لا يمكنه مناقشة خطاب رئيسه الاسمى والاعلى ، الذي هو أمر يومي ، وواجب ديني ( اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) ، فما بالك عندما يتعلق الامر ببرلماني الأمير ، والراعي ، والامام ، الموظفون السامون بإدارة الملك .
ان القول بنظام المخزن ، هو قول بالقوة ، وقول بنظام حكم . وهنا لنتساءل ؟ . من هو رئيس المخزن ؟ . هل الدولة المسمات مخزنية هي من يحكم الدولة المخزنية ، ام ان هناك قوة ، وانْ كانت مخزنية أصلا ، هي من تحكم المخزن ، ومنه تحكم الدولة المخزنية ؟
ان تحديد العلاقة بين الجهات ، والقوى النافدة في دولة المخزن ، تتوقف بالأساس بشخصية الملك الذي يأتي على رأس الدولة المخزنية مرة ، فيكون بذلك هو وحده الآمر والناهي ، كرئيس فعلي لدولة المخزن ، ام ان الملك وفي حالات مخالفة ، هو ملزم بالانضباط للمخزن ، وعدم الخروج عن طاعته ، تحت طائلة ان المخزن يملك آليات فرملة الملك ، ويملك آليات اسقاطه ، كلما اتضح له ذلك جديا .. فما معنى " البنية السرية " المكونة من اشخاص قريبين من القصر ، وقريبين من الملك ، لكن الرافضين لمخزن محمد السادس ، والطامحين الى التشدد بما يبقي الدولة تحت سلطتهم .. وهنا نتساءل . اين دور الجيش الذي يرتبط بالملك شخصيا .. هل الجيش مبارك ل " البنية او الخلية السرية " ، ام ان له رأي آخر ، يتوجب التريث ، حتى لا يحصل السقوط في الفخاخ التي تنصب لنظام المخزن ، ولكل دولة المخزن ، ولجغرافية المغرب المهددة على اكثر من صعيد .. بل ان ارتسامات نشوب حرب بالمنطقة ، تهدد في كل يوم ، وفي كل ثانية ودقيقة الاستقرار العام لجغرافية المنطقة ؟
ان قوة المخزن ك " البنية او الخلية السرية " ، تتوقف على شخص الملك ضمن دائرة المخزن . فعندما يكون الملك مثقفا ، وملما بكل صغيرة وكبيرة ، يكون المخزن تحت سلطة الملك القوي . وهنا فالمخزن " البنية السرية " ، او " الاشباح والتماسيح " ، لا يمكنه القيام بشيء خارج تعليمات الملك كمخزني اول .. فالحسن الثاني ، رغم انه كان لصيق الدولة المخزنية ، فانه كان يستمع لشروحات جهابذة المخزن ، دون الاخذ بها ، لأنها كانت للاستئناس ، قبل اتخاده القرارات ، خاصة القرارات التي تهم القضايا الجيواستراتيجية ، والقضايا الجيوبوليتيكة .
لكن مع محمد السادس ، ونظرا لضعفه البين ، عندما استلم الدولة ، وجد نفسه امام وحش كبير يستحيل هزمه بالأساليب المعتادة . فكان للخروج من النفق ، ان سلم الدولة الى اصدقاءه واقاربه ، وظل هو بعيدا على الخوض في قضايا تكبره واكبر منه . لكن الأصدقاء الذي سلمهم مصير المغرب ومصير المغاربة ، كانوا ينظرون في الدولة بمعيار الكسب الغير مشروع ، وفي اقل واقرب وقت .. فكانت العلاقة بين محمد السادس وبين المخزن ، علاقة أستاذ ( المخزن ) بتلميذه ( محمد السادس ) . وقد تسبب هذا التعيين الزبوني في افلاس نزاع الصحراء الغربية ، فأصبحت مهددة بالاستقلال ، بخرائط من صنع مجلس الامن ، ومن الجمعية العامة ، والاتحاد الأوربي .. بل حتى إسرائيل تملصت من التزاماتها بالاعتراف بمغربية الصحراء بمجرد التوقيع على اتفاق " ابراها " ، وبدأت تمارس الابتزاز كدولة قوية ربحت جميع المعارك والحروب ، ومنها معركة اخراج النظام المغربي اعترافه بالدولة العبرية ، دون ان تقدم الدولة العبرية على الاعتراف ، الذي مرة ربطته بموقف إسرائيل ضمن الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الامريكية ، ومرة أخيرة حين قايضت اعتراف تل ابيب بمغربية الصحراء ، باستقبال النظام المغربي للقاء النقب ، بين الدول الموقعة على اتفاق " ابراها " .. ولو نفذ النظام المغربي المطلب الصهيوني بعقد اجتماع النقب ، فان إسرائيل ، وبعد سلسلة تهربات ومماطلات ، ستنحو الى ضرورة الربط بين الموقف الإسرائيلي ، وموقف الاتحاد الأوربي وواشنطن من الصحراء ، بدعوى انها تشتغل ضمن حلفاء ، ولا تشتغل لوحدها ومن تلقاء نفسها ..
فشخصية الملك ، هي التي تحدد من يحكم فعلا في المغرب ، ومن يحكم المغرب . وتحدد منِ الأقوى . هل الملك المفروض انه على رأس المخزن ، ام ان الذي يحكم هو المخزن ، الذي يتخذ قرارات باسم الملك ، ومن دون علمه ، اضرت اكثر بالملك رئيس الدولة ، وخدمت الاجندات الخاصة للمخزن القوي ، حتى على الملك .. والسؤال . من يقف وراء فضيحة " نور زينو " من Malaga ، الذي رغم سبه لشخص محمد السادس ، ادخله مدير البوليس السياسي عبداللطيف الحموشي ، ورئيس " البنية السرية " ( صديق ) و ( مستشار ) الملك الى المغرب فؤاد الهمة ، ونظموا له ندوة صحافية بقصد الإساءة الى الناس ، والنيل من شخصيتهم ، ثم العودة مسرعا الى Malaga ؟ . ولو كان لمحمد السادس من وضعية ، هل كان له ان يلزم الصمت في فضيحة ( نور زينو ) ؟ . وهل كان ان يتعرض صديقه " ابوزعيتر " ، لهجمة البوليس السياسي ، ونحن لا نزال مشدوهين ، كيف تحرك البوليس السياسي في العثور على كلب " أوزعيتر " في رمشة عين .. عندما كان محمد السادس لم يأخذ منه المرض مأخذه ..
فالنظام المخزني زمن الحسن الثاني ، ليس هو النظام المخزني في زمن محمد السادس ، الذي تغيب عن المغرب بمجرد نيله " البيعة " ، بيعة قصر " تْوارگة " الشهيرة ..
فهل اليوم اصبح النظام المخزني يتجسد في " البنية السرية " ، الرافضة لشخص الملك ؟ . وهل من علاقة بين " البنية السرية " ، وبين " التماسيح والديناصورات " ، وبين " البنية السرية " ، والمخزن الحقيقي الذي تعتبر " البنية السرية " قائدته ؟
--- غياب الديمقراطية ، والتشبث بالطقوس ، وبالتقاليد المرعية ، هو سبب ظهور " البنية السرية " :
عندما نتناول التقاليد في صنع الأنظمة السياسية ، وكما هو الشأن في كل بحث سوسيولوجي ، نجد انفسنا امام واقع عنيد . ذلك ان الناس المعنيين بهذا الامر ، لا يفكرون ، ولا يتحركون صراحة وفق المصطلحات التي نشتغل بها .
فالباحثون الاوربيون والامريكان ، هم الذين يصِفون أنواعا من السلوك ب " التقليدية " ، وليس أصحاب السلوك انفسهم . وينتج عن هذا ، اننا غير قادرين على الادعاء بمعرفة الأسباب الحقيقية ، لأنماط من السلوك الاجتماعي والسياسي .
اذن . فبعد هذا التوضيح ، يجب دراسة الأفكار السائدة ، حول مسألة التقاليد في المغرب المخزني السلطاني ..
في الادبيات المكتوبة باللغة الإنجليزية . فكثيرا ما يوصف النظام المخزني المغربي بالباتريمونيالية ، او في السنوات الأخيرة بالنيوبتريمونيال ، كالنيوبتريركي ، والدولة المخزنية النيورعوية . طبعا يرجع الفضل في إيجاد هذه المصطلحات السياسية – الاجتماعية – ، والسوسيولجية ، الى السوسيولوجي الألماني " ماكس فيبر " على الخصوص ، والذي يرى في النيوبتريمونيالية ، توسعا ، وامتدادا عسكريا ، واداريا للسلطة العشائرية التي تمثلها القبيلة العلوية ، بكل طقوسها المخزنية ، والمخزنولوجية . وحسب السوسيولوجي " ليدن " و" بيل " ، يمكن تمييز النظام العشائري خاصة في جانب الطقوس المخزنية كما يلي :
1 ) تواجد المقربين ( المخلصين ) من رئيس النظام المخزني الذي هو الملك ، مثل انقلابيو " البنية السرية " ، وبعض ضباط الجيش الكبار ، الذين قد يكونون نسجوا علاقات خاصة مع جهابذة " البنية السرية " ، او المخزن الحقيقي ، او حكومة الظل ، او الحكومة العميقة . فسكوت الجيش على ما يجري ، يمكن فهمه فهما خاصا ، وقراءته قراءة خاصة. فالهرولة والتسابق نحو رئيس المخزن ، او المخزني الأول والحقيقي ، تخفي عدة سيناريوهات محتملة ، عند فقدان محمد السادس الصحراء ، او اذا فارق الحياة بسبب المرض الذي يحمله . فالتحضير والاستعداد لأي طارئ ، او تحول قادم ، طبعا يدفع بجميع المعنيين والمهتمين ، الى تدارك الخطوات الناقصة ، للحيلولة دون الاخطار القادمة .. فالجميع مهدد في وجوده ، والكل يفكر في طرق الإفلات من العقاب الذي سيكون مزلزلا . فمجيء الحسن الثالث ، هو عودة ميمونة لامه سلمى بناني، وطبعا يجب انتظار أي شيء ، لان منطق الانتقام في اطار القوانين ، يبقى منتظرا . وهذا الجديد المرتقب ، تربع الحسن الثالث على العرش ، وعودة امه الى الساحة ، سيكون له ما له ، وعليه ما عليه .. والله يمهل ولا يهمل ..
ان الحلقة الداخلية لحاشية الملك ، مكونة من عناصر مقربة ، وحميمية ، ونزواتية ، وحيوانية ، ولصّة للمال العام . لقد تم استقطابها على أساس مدى ( اخلاصها ) و ( وفائها ) ، لا على أساس كفاءتها ومؤهلاتها ، وهؤلاء المتظاهرين بالارتباط بشخص محمد السادس ، هم سبب الفشل العام الذي أصابه ، وكأنهم ينتقمون من شخص الملك لأسباب ، وينتقمون من المغرب الذي يكرهون لأسباب أخرى .. فهم عملاء خبيثون ، ومؤامراتهم تكشفت ، لأنه حين يعرضون انفسهم كبديل عن شخص محمد السادس ، وهم مثل الملك بدون مستوى ، غارقين في الجهل وفي الامية .. فكيف سيتم استبدال محمد السادس بهم ، وهم جميعا من نفس " الدّون " مستوى .
2 ) التشخيص ، وذلك بإعطاء العلاقات الشخصية ، بين الملك رئيس الدولة المخزنية ، والحاشية الحرباء جماعة " البنية السرية " ، قيمة عالية ومبالغة ، بحيث للنفخ في الملك رئيس الدولة المخزنية التقليدية ، وليس رئيسا للمخزن الجديد الذي تمثله " البنية السرية " التي تكشّف أعضاءها كانقلابيين محتملين ، وخاصة وكما يروج ، يشعرون بالغبن من سرقة " ابوزعيتر " لمكانتهم عند محمد السادس .. فالتشخيص " أصحاب سْميَّتْ سيدي " ، " زملاء الكوليج الملكي " .. لم تنفعهم في الانتصار والتغلب على " ابوزعيتر " ، واقناع ربما بعض ضباط الجيش بمشروع " البنية السرية " ، الذي عند نجاحه سيكون الاغداق الكبير ، مع الاحتفاظ بنفس الضباط في نفس المسؤولية .. هذا يبقى مجرد تخمين ، زاد فيه التزام الجيش الصمت من فضيحة " نور زينو " ، ومن قضية البيدوفيل " دنيال گلفان " ..
وامام مرض محمد السادس . هل يخضع الجيش لرئيس " البنية السرية " ، كقيادة سياسية مدنية ، ملئت الفراغ الذي تركه فشل محمد السادس ، الذي انهزم امام مستعمليه ، الذين راكموا الثروات ، باسم العلاقة ودرجة التقرب من شخص الملك ؟ . ان سياسة التشخيص دليل على الدولة البطريركية والبتريمونيالية ، " الاب الروحي " " امير المؤمنين " " القائد الأعلى " ..
3 ) صيرورة متكاملة ومستمرة ، يتم فيها تهميش المؤسسات ، وتعويم المسؤوليات ، حتى تبقى دون تحديد . وخلق جو من الحذر المتبادل بين افراد الحاشية ( أصدقاء ) الملك ، وتعميق الحيطة بينهم الى اقصى درجة .. فؤاد الهمة ( صديق ومستشار ) الملك ، ضد مدير الديوان الملكي السابق " رشدي شرايبي " ، فؤاد الهمة ضد الناطق الرسمي السابق للقصر الملكي " حسن اريد " ، وفؤاد الهمة ضد الشعب ، وضد من رماهم في السجون بمحاضر بوليسية مزورة... الخ .
4 ) النزاعات السياسية والتنافسات تبقى محصورة وقائمة ، على توازن ضعيف ومهتز ، ولكن يسمح بخلق أوضاع قارة وجامدة .
5 ) استعراض القوة العسكرية ، والتباهي بها كضرورة لتدعيم السلطة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والثيوقراطية .. رشوة ضباط الجيش بالترقيات ، والمزايا ، والكسب المادي الغير محدود ..
6 ) توسيع ونشر الديانة الرسمية ، وتأثيرها على الرعايا المفقرة والجاهلة . ( امير المؤمنين ) ( سبط النبي ) .
فالنظام المخزني النيوتريمونالي الغارق في التقليدانة ، وفي الطقوس الأزلية ، او على الاصح السلالة العلوية ، تتوافق مع مقاييس الباتريمونيالية ، والتقليدانية في نفس الوقت .
ان ملك المغرب ، ومن دون " البنية السرية " ، يرى في ماضي عائلته ، وحده تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام ، او يجعل ماضي عائلته ، هو تاريخ المغرب ، وتاريخ الإسلام . فهو يقدم نفسه ( كأب ) و ( مرشد ) للشعب المغربي ، فوق كل ما هو سياسي ، وكعنصر ضامن للاستمرارية ، في صيرورة يجتهد هو نفسه على تصويرها ، كصيرورة متقطعة ومهتزة .
فهو يجسد بالتالي المؤسسة المخزنية الحقيقية ، الوحيدة في الدولة المخزنية بالمغرب المخزني ( وبالتأكيد ، فان إشاعة مثل هذا التصور ، يتضمن المخاطرة بالطعن في النظام نفسه من حيث انه عجز بعد ستة وستين سنة 66 سنة من الاستقلال ، عن خلق مؤسسات أخرى ) .
ان الملك رئيس الدولة المخزنية ، بالمعنى الذي يقدم به نفسه ، يستمد سلطته من الشعب ، لأنها من الله ، لكنه ليس مسؤولا الاّ امام الله ، ولا احد غيره . فهو المخزني الأول ، لا يملك حزبا ، ولا نقابة ، ولا الجماهير الثورية الجزائرية ، كمصدر للمشروعية . ذلك انه هو نفسه المشرع الأعلى . لكن من الذي يوفر المشروعية للمشرع نفسه في الحقيقة ؟
ان النظام المخزني البوليسي " البنية السرية " ، يستعمل جملة من الرموز التاريخية الدينية ، سواء تعلق الامر بالبيعة ، او بركوع الوزراء ، وكبار الموظفين امام الملك المخزني ، وهو على صهوة جواد ، او سيارة Limousine مكشوفة ، وتحت المظلة ، او بفرض لباس الجلباب الأبيض المخزني ، على خدامه وموظفيه البرلمانيين ، لدى افتتاح دورة الخريف التشريعية ، واستعمال لغة القرآن في خطاب البرلمان الذي هو خطاب الامة الموجه لها ( الشورى ) ( الجماعة ) .... الخ ..
يبقى ان نعرف . الى أي حد تتمتع هذه الرموز ، والاستشهادات ، بثقة ومصداقية الجماهير المغربية ؟ . لكن هذا بالضبط ما لا يمكن معرفته ، ولا يمكن بالتالي ، الاّ اللجوء الى التأويلات . فنظرة البعض تقوده الى الافتراض ، بان النظام رغم ضعف محمد السادس ، ثابت في الدولة المخزنية ، لان هذه الرموز التقليدية مقبولة من غالبية ( الشعب ) الرعايا ، كمسألة مشروعة ، كما هو الحال بالنسبة لمصدرها . وهناك آخرون يضعون مقابل " البركة " الملكية ، مفهوما تعاقديا اكثر ، لا ينسجم مع البيعة التي تتم فيها الصفقة بين الملك المخزني الأول ، والرعايا الكثر ، والمواطنين القليلي العدد ، بشكل يمكن تلخيصه كالتالي : " ما دمنا لا نرى إختيارا أفضل ، فإننا نقبلكم " .
ويمكن القول بان الملكية المغربية ، توجد حاليا في وضع انتقالي ، من الباتريمونيالية مبني على أساس التقاليد والمشروعية ، الى النيوبتريمونيالية تعاقدية مع الحسن الثالث ، حيث تتمحور عملية المساومة لضمان بقاء النظام المخزني ، على مستوى النخب المحلية الموجودة في جهاز الدولة . وهناك نوع ثان من البتريمونيالية ، هو السيطرة الشخصية على أساس الإخلاص والوفاء ، لا يستلزمان ايمانا بالمميزات الخاصة بالملك ، ولكنهما مرتبطان كلية بالتشجيعات ، والمكافئات المادية .
وعلى اعتبار ان الملكية المغربية تعتمد في استمراريتها ، على هذا النوع من الإخلاص، يمكننا ان نميز لعبة مزدوجة بالنسبة لهذه الملكية المخزنية : فمن جهة هناك ضرورة التحكم في كل قطاعات نخبة الدولة ، والشرائح السياسية ، ومن جهة أخرى هناك ضرورة تحييد الجماهير، انْ لم يكن التحكم فيها من جانب الطبقة السياسية .
ان موقع التقاليد التي يبني عليها المخزن ثقله القمعي ، او على الاصح ، موقع النزعة التقليدانية من هذه اللعبة المزدوجة ، موقع جوهري . وهناك من يميز في هذا الصدد بين التقاليد ، وبين النزعة التقليدانية ، وذلك على افتراض ان الثانية ليست " طبيعية " ، بل هي نزعة مخططة ، دفاعية ، قمعية ، ورجعية .
ففي سياق هذه النزعة التقليدية المخططة ، والمقصودة من جانب النخبة ، فان التقليد المطروح ، لا يعبر عن الذين ينعتون بانهم تقليديون ، ولا يمكن ان يحظى باي دعم منهم . بل ان قوته ناجمة عن انعدام البديل الملموس في نظر النخبة ، التي تحاول من هذا المنطلق الاستمرار في لعب دورها التاريخي .
وخلاصة القول ، انه يبدو لنا ، ان حكم الملكية مع الحسن الثالث ، سيكون مرتبطا بالعلاقات التعاقدية مع النخبة ، هذه العلاقات المطروحة على بساط التفاوض ، ولو بشكل محدود وغير مباشر ، وهي تخلو من أي ارتكاز على مشروعية تقليدية او باتريمونيالية ( سبق لمفاوضات ان جرت مرتين أيام الحسن الثاني مع جزء من النخبة العسكرية لكنها فشلت ) . وبالمقابل ، تسمح النزعة التقليدية لكل المشاركين في هذه اللعبة ، بصياغة مواجهتهم الدفاعية ، إزاء الجماهير التي تبقى مبعدة على هامش المتاجرة الجارية في القمة ، او تستغل هذه النزعة ، كما ظهر في المسيرة الخضراء ، لتعبئة " الرأي العام " ، لصالح قطاع من النخبة ، ولكن بالخصوص لصالح الحكم على حساب الاخرين .
يتوجب علينا الآن ان نهتم بدور التخطيط والمؤسسات في هذه اللعبة ، ذلك انه سيكون من الخطأ الاعتقاد ، بان كل شيء مرتجل وضبابي . لكن هناك مفارقة بالنسبة للتحليل على الأقل . فالملكية مع الحسن الثالث مضطرة للحذر من رفاق " الكوليج روايال " Le collège royal ، ومن المؤسسات بمعناها السائد في الغرب الرأسمالي . فلكي تبقى الملكية ضرورة أساسية لاستمرارية النظام ، يجب في عهد الحسن الثالث ، ان توحي مظهريا بانها هي المؤسسة القارة الوحيدة والمستمرة . في حين انّ الباقي ، كالأحزاب ، والنقابات ، والجمعيات ، والقوات المسلحة ، والإدارة ، والمجالس البلدية ، والبرلمان ، والصحافة ... الخ .. يجب ان تبقى كلها مؤسسات احتياط ، مع اخضاعها للتغيير الكلي ، ومرتبطة بالإرادة الملكية ، ومحدودة الاستقلالية . ولكي تحافظ هذه المؤسسات على وجودها ومشروعيتها ، فأنها مجبرة على تأكيد وتثبيت مشروعية العرش ، والاّ ضعفت ، وتكون قد وضعت نفسها على الهامش . ان هذه الآلية كصيرورة ، هي نفسها التي تشكل عنصر التسيير الرئيسي للنظام السياسي المغربي ، دون حاجة المخزن الذي يجب الانهاء منه ، بعد نضج المجتمع ثقافيا وسياسيا . ان ما ينتظر الحسن الثالث ، ليس بالإمر الهين او السهل ، لان المغرب ليس معزولا عما يختمر من مؤامرات ودسائس لتقسيم المغرب ، وتحويله من الدولة الواحدية القوية بشعبها ، وبجيشها ، ومؤسساتها ، وارثها ، وديمقراطيتها التي يجب ان تتخلق عما ساد التجارب السابقة من تشوهات ، الى كانتونات ودويلات قزمية باسم مبادئ الأمم المتحدة مجزرة حقوق الشعوب ..
اما المنادون بنظام الجمهورية وهي منهم براء ، فهم يرقصون في حلبة مكشوفة وعارية .. فكم عدد الذين ينادون بالجمهورية ، واخص بالذكر ( الجمهوريون ) في اوربة وفي أمريكا . فهل أربعة اشخاص كافية لقلب نظام دولة متجدر في التربة ، وحوله الرعايا ينادون ( عاش الملك ) ( عاش سيدنا ) ، بسبب او بغير سبب ..والسؤال هنا امام هذه الحقيقة ، وما يسود خمسة جمهوريين فقط ، لغة السب والشتم في بعضهم ، كيف تنتظرون من الرعايا الخروج للثورة على راعيها ، وقلب الدولة الرعوية بتقاليدها واعرافها المخزنية ، لصالح كمشة أناس يفرقهم كل شيء ولا يجمعهم أي شيئ .. فعن أي نوع من الجمهورية يتحدث هؤلاء ..؟ وأين الحزب الثوري ، او الكتلة التاريخية ، او الجبهة الوطنية الديمقراطية التي ستتكفل بإسقاط الدولة العلوية ، والتأسيس مكانها لدولة الجمهورية ، وكأن النظام الجمهوري هو الخلاص من الازمة العامة التي تضرب المغرب ..
ان سلوك المنادون بالجمهورية ، يكون قد ابان عن نوع الجمهورية التي ينشدون ، والتي لن تكون غير جمهورية عربية ، او جزائرية ، او قذافية ، او يمنية ، او سورية ، او عراقية .... الخ تعيش اليوم احلك فترات الدكتاتورية والاستبداد والطغيان ..
ونظرا لان إقامة النظام الجمهوري لا يضمن الدولة الديمقراطية ، فالمنتظر جمهوريات على شاكلة اوربة الشرقية ، او على شاكلة الجمهورية العربية . وبما ان العقلية عربية التي تدعو الى النظام الجمهوري ، هي عقلية انقلابية ، فإعدامات صدام حسين لخيرة الأطر البعثية ، وامام تلفزة العالم ، يعطينا فكرة رئيسية على ما ينتظر المعارضة الرصينة والنقية من تصفيات ، لا تختلف عن تصفية صدام حسين للمعارضة اليسارية داخل حزب البعث العراقي ، التي كانت تنادي بالوحدة التنظيمية والجغرافية بين القطرين السوري والعراقي . فمنذ متى كان العقل العربي ، يدين الانقلابية والدكتاتورية ، ويعشق الديمقراطية ؟
يجب التفكير في اسقاط المخزن ، لأنه لم يعد ضرورة ، ويجب التفكير في الديمقراطية النسبية التي وحدها مؤهلة للحفاظ على للدولة الواحدية والموحدة ، ومواجهة كل المؤامرات التي تدبر حول وحدة الشعب ، ووحدة الأرض ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في