الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكانة المؤامراتية من المستقبليات [الجزءالخامس]

محمد رؤوف حامد

2023 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يخمتص هذا الجزء بأهم الإستنتاجات.

رابعا- إستنتاجات:
1) حتى لايكون العالم الذى نعيشه عالم مجنون مجنون مجنون جدا:
لو أن مؤامرة واحدة من المؤامرات التى جرت الإشارة إليها أعلاه (فى البند ثالثا) لم تكن لتحدث، سواء لعدم بزوغها، أو بسبب النجاح فى إنجاز التصدى لها بقوة منذ بدايتها؛ فإن سلاسل من المتغيرات السلبية التى حدثت بالفعل من جراءها لم تكن ليكون لها وجود. هذا الإعتبار ينطبق على وعد بلفور، بمنح فلسطين للصهاينة، وعلى اتفاقية سايكس بيكو، بتقاسم تبعية البلدان العربية لإنجلترا وفرنسا، تماما كما ينطبق على تآمرية حملة الإنتخابات للمرشح الرئاسى ريجن مع الإدارة الإيرانية ضد الرئيس الأمريكى كارتر. إنه ينطبق، وبالمثل، على كافة (أو معظم) الإنقلابات السياسية التى عرفتها بلدان العالم (وبلدان الجنوب على وجه الخصوص)، سواء كانت إنقلابات "عسكراتية" المنشأ ضد أنظمة الحكم ، أو إنقلابات من الأنظمة الحاكمة ضد الدستور والدستوريات. أيضا ينطبق هذا الإعتبار على أحداث سياسية محلية مثل قيام إدارة الرئيس السادات بدعم الممارسات الإرهابية لمجموعات الإسلام السياسى ضد أنشطة شباب اليسار والناصريين، ومثل عدم امتثال البرلمان (أثناء دورة رئاسة الدكتور على عبدالعال) لحكم محكمة النقض بمنح عضوية البرلمان لأحد المرشحين بعد ثبوت نجاحه فى الإنتخابات، حيث ثبت قضائيا أن العضوية كانت قد مُنحت بالخطأ لشخص آخر ( ).

وبالتوازى مع ماسبق ذكره يمكن القول أنه، وبالمثل، يشهد الزمن الحالى نشأة ممارسات مؤامراتية دولية ومحلية فى العديد من مناطق العالم، وربما يعتبر من أبرزها تلك السياقات التى سببت إندلاع المعارك الروسية الأوكرانية، والتى يأتى من أهمها نقوص الإدارة الأمريكية عن تعهدات كان قد جرى التوافق بشأنها مع رئاسة الإتحاد السوفيتى فى مرحلة تفكيكه.

من هكذا إعتبار، بشأن إنحراف الأوضاع الدولية والمحلية نتيجة لمؤامراتيات (على غرار ما ورد أعلاه فى البند ثالثا)، ونتيجة لمؤامراتيات أخرى حديثة محتملة، تحت الإعداد أو قد بزغت بالفعل، فإنه يمكن الإنتباه الى قدر عنف وعمق الممارسات المؤامراتية فى تحريف أوضاع العالم، وكذلك ضراوة فاعاليتها كآلية شائعة الإستخدام - خاصة- فى الشأن السياسى (عالميا ومحليا). لقد أدت المؤامراتيات الى حد جعل الإنفجارات الحياتية متغلغلة وجودا وتواصلا على كافة المستويات، بحيث صارت الإنفجارات تمثل "لونا رئيسيا" للشأن العام فى حياة البشر.

وإذا كان هكذا حال يشير الى عدم موضوعية التقليل من شأن المؤامراتية، فضلا عن عدم صحة تجاهل احتماليات وجودها، فإن البعض قد يرى أن انتشار المؤامراتية هو أمر طبيعى لأننا نعيش فى الدنيا (بخيرها وشرها)، باعتبارنا على الأرض ولسنا لسنا فى الجنة.

بمعنى آخر، وعلى غرار عنوان أحد الأفلام المشهورة فإن العالم الذى نعيش فيه هو "عالم مجنون مجنون مجنون مجنون" (طبقا لعنوان فيلم أمريكى للمخرج ستانلى كرامر - 1963).

من هنا، يكمن الأمل فى الإستعانة بالفكر والمنظوماتية لتغليب العقلانية وسيادة القانون (على المستويات الدولية والمحلية)، ولجعل العالم أقل جنونا.

وعليه يبزغ التساؤل: كيف للشؤن الحياتية، العالمية والمحلية، أن تكون فى حماية من (أو أقل خضوعا ل) الأفعال والمسارات المؤامراتية؟

2) الحاجة للإنتباه إلى (والتعرف على) المنصات المُنشئة للمؤامراتية:

بالأخذ فى الإعتبار لما ذكر أعلاه عن طبيعة المؤامراتية، وما جرى من تطرق لبعض نماذجاها، يمكن الإنتباه إلى أن تغلغل المؤامراتية فى حياتنا، كحاجة، وكتوجه، وكممارسة، إنما يرتبط ب (و/أو ينطلق من) ثلاث منصات رئيسية، شديدة الإعتماد على بعضها بعضا، وهى:

أ- منصة الممارسات السياسية (عالميا ومحليا ومؤسساتيا): باعتبار أن هذه المنصة تتعلق بصياغة الأهداف، ورسم المسارات، والتحكم فى كليهما (الأهداف والمسارات)، فإن جنوح الممارسات السياسية الى استخدام المؤامراتية يكون واردا من أجل تحجيم ومنع توجهات مختلفة أو منافسة. يحدث ذلك من خلال التلاعب بالإنضباط، وتقليل الجهود اللازمة لتحقيق الأهداف، وإتاحة ترويج النجاح. هكذا حيود فى الإتجاه يخرج بالممارسات السياسة عن ماينبغى أن تخضع له من التزامات، وعلانية، وتقييمات، وتقويمات، .. ومن ثم تتوالد المؤامراتية.

ب- منصة الفساد: للفساد آلياته وعائداته وقوانينه، والتى تستهدف النفع الخاص على حساب النفع العام وأدواته (الرقص مع الفساد 2010 ( )). إنه (أى الفساد) بطبيعته مؤامرة، أو هو - شبكة - من المؤامرات. وكلما حقق الفساد نجاحا كلما اجتهد أصحابه والمستفيدون منه فى ممارسة المزيد والمزيد من الفساد (أى تعظيم المؤامراتية)، ليس فقط طمعا فى قدر أكبر وأكبر من الإستفادات الخاصة، وإنما أيضا، وهذا هو الأهم، لإمتلاك المزيد والمزيد من القدرات المتعلقة بإنجاز التغطية على مؤامراتهم.

ج- منصة الإدارة: تحتاج السياسات( كأهداف وكصناعة) الى إدارة. هذه الإدارة (ومعها مستشاريها) تكون، فى أحيان عديدة إتباعية للسياسات ولواضعيها. وعليه، قد يحدث أن تكون الإدارة مسايرة للحيود المحتمل فى السياسات، بحيث يكون من أدوارها تدعيم تصنيع (وحبكة) الحيودات، بشكل منظومى (بقدر الإمكان)، فى الجوانب القانونية والمالية ..الخ. عندها تتحول الإدارة عن مهام التسيير ودعم مسارات الإبداع المجتمعى، وتنشط فى تنظيم الإلتفاف حول الوضوح والشفافية والعلانية، بل وحول التشريعات والقانونيات. وبالتوازى مع هذه الإنحرافات يسوء الإعلام.

وهكذا، يحدث أن تنخرط المنصات الثلاث فى التضافر المؤامراتى، وتنحرف الأوضاع، وتنشأ رؤى نظرية تفترض وجود مؤامرة Conspiracy theory . قد تكون المؤامرة ضبابية وليست واضحة (بالنسبة للبعض)، وأيضا قد تثبت صحتها بعد زمن، طال أوقصر، وذلك كما فى مؤامرة "ريجن وإيران" من جانب، تجاه كارتر من جانب آخر، والتى جرى إثباتها بعد عقود من وقوعها، كما جرت الإشارة أعلاه (24).

3) إعادة تقييم دور المعرفة بخصوص استشعار المؤامراتية وتجنبها:

ربما يكون من المفيد هنا الإشارة الى "برتراند راسل"، باعتباره عالما وفيلسوفا وناشطا سياسيا ارتكزت ممارساته طوال حياته على السعى فى بذل الجهد من أجل التوصل الى أقرب مايمكن من الحقيقة، وعلى إعادة تقييم رؤاه وممارساته اعتمادا على قدر تعرفه عليها (أى على الحقيقة).

فى هذا الصدد، يشهد التاريخ لبرتراند راسل بعديد من المواقف الجريئة فى الولوج الى (أو الإقتراب من) الحقيقة، مهما أدى ذلك الى تغيير تصحيحى عميق فى رؤاه، أو الى تحمله لأية تبعات. ولعل من أبرز هذه المواقف إعلانه، قبل وفاته بأيام، عام 1970، التحول عن تأييده للإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، ووقوفه الى جانب حق الفسطينيين فى بلدهم، بعد أن كان قد أعرب عام 1943 عن تعضيده للصهيونية. حدث ذلك التحول المعرفى لهذا الفيلسوف العالمى، والمناضل السياسى الكبير، بعد أكثر من عقدين من إعلان قيام الكيان الإسرائيلى ( ). وإذا كان من الثابت مؤخرا تزايد ظهور رؤى وتوجهات، من شخصيات وكيانات أجنبية معلنة لتأييدها للحق الفلسطينى، ورافضة لوجودية الكيان الإسرائيلى باعتبارها مؤامرة، فإن كافة هكذا رؤى مضادة للمؤامرة، والتى بزغت فى بدايات القرن العشرين، بوعد بلفور (بمنح فلسطين للصهيونية)، قد أخذت وقتا طويلا فى البزوغ، سواء بالنسبة لفيلسوف وناشط سياسى عالمى (برتراند راسل)، أو بالنسبة لنشطاء آخرين فى مختلف بقاع العالم. هذا الإعتبار يقود الى الإنتباه للحاجة الى "التعمق المعرفى" المناسب، فى الوقت المناسب، بخصوص أية توجهات أو أحداث قد تنطوى على "مؤامرتية".

من هذا المنظور تظهر الحاجة الى توجهات على غرار مايلى:
أ- المزيد من التنشيط والدعم لحرية الإعلام وحرية الإستقصاءات الصحفية، عالميا ومحليا.
ب- الإنتباه للحاجة الى جهود متشابكة من أجل بناء مواجهات دولية، فكرية وقانونية، ضد العنف المؤامراتى الخاص بممارسات عنصرية على غرار إدعاءات معاداة السامية.
ج- تعظيم الدور العملى للأنظمة المدنية، الدولية والمحلية، التى يمكن أن تتضمن مهامها الدعم والمتابعة "الدورية" لإعادة التقييم بخصوص الممارسات الحياتية التى تقوم بها الكيانات المؤسسية والشخصيات القيادية التى تختص بالتعامل مع الآخر، وذلك من منظور تجنب مايمكن أن يوجد من حيودات قد تفضى الى مؤامرات.

يتبع/ الجزء السادس، والذى يختص بالحاجة الى نشأة علم يختص بالدراسات المنهجية للمؤامراتيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا


.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق




.. حزب الله وإسرائيل.. تصعيد مستمر وتحذيرات من حرب مفتوحة| #غرف


.. أهالي جباليا في غزة يصلون العيد بين الركام




.. البيان الختامي لمؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا يدعو الجميع لإح