الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر المغربي عبد الحق بن رحمون في رحلة من منبع الماء إلى سِر الوجود والانكتاب من خلال ديوانه : - وجهي في النّهر يدي في البياض-.

سعيدة الرغيوي

2023 / 7 / 10
الادب والفن


رحلة من منبع الماء إلى سر الوجود والانكتاب في ديوان الشاعر المغربي " عبد الحق بن رحمون": " وجهي في النهر يدي في البياض".
بليلة هي الروح حينما تستعذب الماء وتستجدي البياض لتنكتب وتعبر إلى حيث السّناء ..فترتقي في مدارج الاعتراف والعرفان.

هو الشّعر حينما يباغثُ روحا مُستكينةّ إلى السّلم والصفاء .
الشّاعر والإعلامي المغربي" عبد الحق بن رحمون" من خلال نصوصه المنثورة على بياض ديوانه الموسوم ب: " وجهي في النّهر يدي في البياض"؛ يغتالُ لُغة القُبح ويرصُّ حروفا أنيقة،حريص هو على أن يحفر بيراعهِ في أرض البياضِ ليورق أقحوان الرُّوح ويفوح عبير مشع بقيم النّبل.
يقول :
حُنُّوا عليّ
حُنّوا عليّ إن ركضتُ
إلى أحضانِ شمس
شعاعها قُلوبكم،
إن الشّاعر يلتمسٌ الحُنُوّ من قلوب محبيه؛ لذلك جاءت رسائله مغموسة بمشاعر السّلام.وقد جعل وجهه في النهر ليلثم ماءه الزلل، فهو يستعذب لغة الماء،فتوسل بصيغة الأمر ليكشف عن خبايا ذاته وماتتزنر به من مشاعر وأحاسيس ترواحت بين العشق والجزع والسمو والرغبة في الخلاص ..
يقول في نص " ريشة" :
اُنْفُخْ في ريشةٍ لتطيرَ
في الهواءِ..؟
أوّلُ العُش ريشةٌ
يَدُها تَحْنُو عليكَ،
لكنها غابتْ في الفضاءِ
لوّحَتْها ريحٌ إلهيةٌ.
ص ١٠.
وفي نص : " مرتفعٌ بعيد"
اِجْنَحْ بذاتكَ
إلى مُرتفَعٍ بعيدٍ ،
ليكونَ خلاصَكَ
فالشاعر يخاطبُ ذاتهُ الشفيفة ويتوق إلى الخلاص، الذي يتحقق من خلال السمو والارتقاء ..فالارتفاع هنا إشارة إلى أن الأرض لم تعد مكانا للعدالة والفوز والخلاص. لذلك كانت هجرة ونزوح الذات الشاعرة نحو الأعالي حيث يتحقق العناق بالحروف وتسمو معانيها فتذهب وتخر قوة الأقلام الباطلة في مجابهة حروف جنحت نحو الحق ولم تجزع.
يقول في ذات النص " مرتفع بعيد" :
يا عبد الحق
قُلِ الحق
ولا تخفْ
اُتْرُكْهُم يُلْقونَ أقلامهمْ
فتنجرفً في انْعكاسِ الْمرايا.
هي دعوة لالتزام سبيل الحق وعدم الجزع،لكون الفيصل بينه وبين دعاة الباطل هو الارتقاء والجنوح إلى مرتفع بعيد حيث تستكين الذات وتجد ملاذها.
فالشّاعر في هذا المقطع يبدو كما لو أنه ينصتُ لوصايا أحدهم:
إذا أوْشَكْتَ أنْ تهجرَ..
نفْسكَ في العُبورِ من المنامِ
منْ بينٍ واحدةٍ من المرايا
كسّرها ..بساطور
النّفس الأمارة بالنرجس،
...
فحالة الخُروج والصّحو والعبور من المنام لن تتأتى إلا من خلال التغلب على هوى النّفس النّرجسية ..
إنّ الشّاعر يغترف من قامُوسٍ عرفاني،تُسجيه ذاتٌ وضّاءةٌ سابحةٌ في الزُّرقة والاعتراف والاغتراف من خمرة معتقة بالتّسبيح، مجبولة على الإيمان والإمعان في إشارات إلهية وعشق صوفي ..
تخطفه أنوار إلهية ويقر بخوفه وبالضعف البشري فيتوجه إلى مناجاة رب السّماء :

ياربّ السّماء إننا في الأرضٍ
صرنا خائفين، حائرينَ
لا نلمسُ شيئا
كي لا نصير أطلالاً،ص ١٨.
إيمان الشاعر قوي لذلك يطلب القرب والحلول وهذا ما يتبدى في نص " بقُربكَ لأراكَ" ص ٢١ :

....
ذرْني لأكون غٌصناً،
ممْدوداً،
بِقُرْبِكَ لأراكَ في كلّ الْقلوبِ.
يميل الشاعر لعشق الأزرق ، الذي يعتبرهُ مؤثثا لمسرح الوجود
يقول :
الأزرقُ
فُسحةٌ لتنَفّسِ
مسرحِ وُ جودنا.
الأزرقُ اقْتِباسٌ
لِمحرابِ العشْقِ
هو الْعَابرُ الْمؤمنُ تجدبه أقوال جلال الدين الرّومي الموغلة في برزخ النور المتفجرة من ينابيع الماء ..الموقن بجلال الله وعظمته ..
النُّور
..." والنُّور الذي في العين ليس إلا أثرا من نور القلب،وأما النُّور الذي في القلب فهو من نور اللهِ..".
تحضُرهُ صورة الأم الغائبة الحاضرة؛ يحدثها بكل نبضه (( أتحدث إليك))..
أفردَ لها نصوصا في الديوان:
فنهضت معاني عشقها وفيض محبتها لتزنر روحه وذاته :
يقول في : " اِزدهاني هذا الفيضُ" ،ص ٤٥
وأنت تفتحُ كتابَ الذكريات
اُحضُنْهُ،
اِقْرأْهُ سطراً، وتذكّرْ حِضْنَ الأم .
سُورةُ الأُم تتجلى
عبارةً
وحِبراً.
إلى أن يقول في نص آخر موسوم ب: " الأمُّ"
الأم
هي البلادُ الّتي
أحملُ حقائبي وأعودُ إليها
فقد جعل الأم أندلسه المعشوقة،
الأمُّ هي الأندلس
التي أعشقُها

الأمُّ هي الحنانُ
الّذي يُضاهيه جناح فراشَة، ص ٤٨.
لذلك جعلها متبدأ الحب ومُخْتتمه ..
الأم
أول امرأةٍفي الكونِ،
أوّلُ الحُبِّ وآخرهُ..
هو الشاعر المعترف بآي الرحمان ..المسبح بأسمائه ..المستحضر لملكوته التي في الأرض والسماء : ( الشمس ،الطير شجر الماء ،فراشة،صخور،غزالة،حجر،...الخ).
هو المهاجر دوما إلى الله،المجلّل اسمه،يدعو لانكتابه في الصّدر،الدّاعي للتوكل عليه،مؤمن بأن النسيان سبيله سلطان الحِبر وسلوته البياض ..
لذلك كان نزوحه إلى سلطان الحبر فجعل وجهه في النهر ابتغاء سر الحياة وارتمى بيده في البياض ..وهذا تعبير منه على أنّه يجد ذاته في مساحة البياض؛ التي هي كناية عن فضاء الكتابة التي تمنحه أفقا أرحب ..والمقابلة هنا بين النهر والبياض لم تكن عبثا ..بل جاءت لتكشف عن رؤيا ورؤيوية الشاعر الذي ينهل من معجم عرفاني مفرداته ..فكان النحت والقول مقصودا ..
هي نصوص انكتبت بعزف متفرد يحتضنُ لغة الماء ويشتهي الانكتاب فوق جسد البياض نورا يوصله لأسرار الانكشاف وبياض الوُجود.
هي رائحة الطّين تفُوح من نُصوصه، تغريه بالسفر إلى بداية التّكوين ليقيم في مدينة الله لكي يشرب الحروف والمعاني ليعبر بعدئذ حيث زهرة العشاق، ص ٢٧.
الديوان رحلة شهية تمتد من نبع الماء والحياة (( وجهي في النّهر إلى حيث تحفل اليد بالبياض))..رحلة كتبت بذات وثابة نحو مواطن الجمال والسحر النوراني زادها إيمان وتعلق قوي بالسيدة " سيدتنا ": الأم التي جعلها الشاعر تحضر في الديوان باسم الأم وخاصها بسورة الأم ..فهي ملهمته،وأول من يقرأُ السّماء.
متشبع الشاعر بمعجم قرآني يستحضر منه آيات ومعان ..فيصلي ويبسمل فجرا :
باسم الله في هذا الفجرِ
في هذا الربيع
تنبت الحياةُ
وتعزفُ الموسيقى،
من وراء الجبالِ
ومن أمام المنابعِ
وجوارَالْحصنِ الحصينِ.

هو التّواق للوصل في حلقة الغياب،
يقول في نص " الظّلال" ص ٣٢:

أمّي
جِئتُ أطوفُ حولَ نبعٍ..
لا يراني في الظّلال سواك ،
في ذكراكِ عطْشانُ أشربُ في النّبعِ
أكْثَرَ منْ رُؤى
صوْتٌ الماءِ..
وطَيْفُكِ.خريرٌ صُوفِيٌّ.
وفي الديوان،يبرزُ صوت العودة والانفلات من قبضة الزمن الكوروني*..حيث خبر الناس الإصغاء بعضهم البعض ..بعدما طووا زمنا صعبا. عايشوا فيه الحرمان من كل متعهم وهواياتهم:
ونعودُ

ونعودُ نشربُ الماءَ منْ منابعه، نرى
الجمال الّذي ظلّ مخبوءاً تحْتَ الْْحجر.
...
إلى قوله:
" لا " ، " لا" ، سنصبحُ نُنْصتُ لِبَعضنا
" كُورُونا " علّمتنا الإصغاءَ.

* الزمن الكوروني: " كورونا" فترة كوفيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا