الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العميل الصدّامي الوحيد والمخابرات الامريكيه؟/ 4

عبدالامير الركابي

2023 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


10 ـ على مقربة من علاوي الحلة على الساعة الثالثة فجرا، نزل هو ليقبل الارض، ارض المبتدا والمنتهى، قبل ان يتوجهوا به الى فندق الرشيد حيث كان قد حجز له، ولم ينم بعدها، ظل صاحيا يتطلع على بغداد وهي تستقبل الفجر، الى ان تراءت اولى نذر الصباح فخرج ليمشي قاصدا دجله وجسر الجمهورية حيث الاطلالة على "ابي نؤاس"، قبل ان يعبر وينحدر اليه مصبحا، ونابشا في الصفحات على طرفي الشارع بمحاذاة النهر، ونزولا الى ضفافه، كما على ضفة البارات، عودة الى مقهى "ابراهيم" والاطلالة على السعدون و ساحة التحرير، ثم شارع الرشيد ذهابا الى الميدان.
لم يكن هو الذي يسير، ولا كان في اللحظة او ضمنها، فالتراكبات الزمنيه والاحداثية كانت هي الحاضرة، شرائح وطبقات متداخله، كان هو يرى نفسه احيانا عبر فترات متباعدة واحداث تتداخل، فيسير بلا اتجاه، بينما هو ذاهب وعائد يبحث عن ذات موزعة في المكان وبين الجدران والمقاهي والمحلات، ليغدو متاكدا تماما انه فوق اللحظة، وفوق الاشتراطات والزمن وحضور من يحكم او لايحكم، الى ان يعاوده كما هو دائما، الشعور الاختراقي الذي يواكب حياته مافوق المعاين والملموس، وليعيد قياس نظريته التي حفظها مع الوقت عن التفاعلية المركبة الفعلية، غير تلك الدونية الاحادية البدائية الشائعه بين الناس.
لم يكن بازاء "نظام" كما تكرس المنظورات الاختزالية القريبه من البدائية، فالنظام وقتها كان قد انتهى بصيغته ومرتكزاته التي تاسس عليها، وحكمته كضرورة ضمن توازنات بعينها، وبعد عاصفة الصحراء وانتفاضة شعبان، وقبلها غياب الريع، لم يعد هنالك سوى متبقيات في حال تداع وتدهور، غير قابلة لاعادة الهيكلة التنظيم لتجاوز المعطيات الطاقة المتوفرة لدى قيادة هذا الكيان، ولتسارع المتغيرات وتراكمها، وفي حالة مثل هذه لم يكن متوقعا ان يكون لدى الطرف الحاكم، او المفترض انه الحاكم مايقوله بخصوص مسالة الحريات، او جانبها العملي الاني، ممثلا في عودة بعض القوى المعارضة الى البلاد وممارستها نشاطها السياسي علنا، وهو ماكان ينطبق على موقف الذين في السلطة من مختلف الشؤون الاخرى.
وكان هو قد امضى في العراق فترة تقارب الاربعة اشهر، موزعه على فترتين، الاولى قصيرة استمرت لقرابه خمسة عشر يوما، والثانيه لاكثر من ثلاثة اشهر، كانت كافية لان يقتنع بان اللحظة يمكن ان تبدل وجهة ومصدر التغيير، اذا كانت هنالك مثل هذه الاحتمالية، وان ذلك قد لايكون منوطا تماما بموقف الحكم او رغبته وتجسداتها شبه المنعدمه، بما يمكن او من الجائز الضروري، تحويل اللقاء بمثلي الحكم الى بوابة ضغط منطوية على وجهة ومنظور تغييري، الحكم نفسه بحاجة اليه ومفتقر له، وبين ان ياتي "الوطنيون" في وفود ويعلنون عن عزمهم العودة الى بلادهم، وهكذا صار المطلوب بناء على قراءة الوقائع بالتلمس كما بالتصورات بمثابة حمل مشروع تغييري، وهذا ماكان افصح عنه لاحقا في اول مقابلة اجريت معه من قبل جريدة "القدس العربي"، تحدث فيها عن ذهابه الى بغداد، ومنوها بان النظام "لايحاور" وانه متعصب لنموذجه الذي اعتاده. كان الذي عقد المقابله وقتها، احد الكوادر الفلسطينيه، هو عدلي صادق الذي اصبح فيما بعد سفير فلسطين في الهند، ومن المقربين من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
ولقد احدث نشر المقابلة وقتها المطلوب لدى الجميع، سواء المعارضة الملتحقة بالغزو، او النظام ومتبقياته، فضلا عن الراي العام، فلقد كانت تلخيصا واجابه لاتقبل الشك على منطويات وخلاصة سفرته الى بغداد، بغض النظر عن التفاصيل ، وعما تم خلالها من لقاءات، ودار من احاديث ونقاشات، ليس ثمة شك بان النظام ومتبقياته لم يكن يملك ازاءها تصور سوى الموقف المبدئي المتولد عن مبادرة آتيه من الخارج، كان لابد من اخذ بنية النظام بنظر الاعتبار بخصوصها ضمن الظروف الطارئة، والتوترات الناشئة وقتها( ارسل عزت الدوري مبعوثا عنه بعد سقوط النظام "اليه"، لكي يبلغه بانهم كحزبيين بعثيين كانوا موافقين على وجهة الانتقال الى "الديمقراطية"، وعودة المعارضين الوطنيين للعراق، وان الرئيس نفسه كان موافقا، الا ان جماعة "الثقة"، اي اقارب الرئيس وعشيرته، كانوا يعتبرون ذلك تنازلا ودليل ضعف، من شانه ان يؤدي الى طمع الاخرين، ويشجعهم على اتخاذ خطوات اخرى تزيد في اضعافه) ومن هنا يمكن اعادة التصور للمشهد والحالة الناشئة، وماقد طرا عليها من محركات مستجده، ظلت وماتزال مطوية، يغطي عليها التهريج والشعاراتيه الموكوله لعالم مابعد الواقع والسياسة، ناهيك عن الحكم المبني على اي قراءة او تحليل، ماكان يضع عالم التفاعل مع اللحظة بعناصرها الرئيسية، سواء الامريكيه او العراقية، خارج اي مواكبه، وهو مايعود بنا الى الملاحظة الواجبه عن تهافت مايعرف بالمعارضة، وعموم القوى التي تتشكل منها، واصولها ومصادر تشكلها.
وقد يبدو لازما لهذه الجهه الانتباه الى ان هذة الظاهرة "المعارضة" قد عاشت في حال كساح ولا حيوية، او حتى دلاله على الوجود وضرورته، خلال ثلاثين سنه، فلم يصدر عنها على سبيل المثال كتاب واحد يدلل على وجهة نظر بخصوص العراق ووضعه الحديث بالاجمال، او موقع الحكم الحالي ضمنه بالذات، مع ماواجب التوصل اليه من احتمالية تاريخيه، ماقد دلل ومايزال على امية مايعرف بالقوى السياسية الايديلوجية الحزبيه، او تلك المولودة ضمن الاصطراعية الحزبية ابان الفترة التي طغت فيها الاليات الذاتية، وحددت هي وليس الموقف الحزبي الايديلوجي، اتجاهات الصراع ومسارات الحركة التاريخيه لحظتها، وبالذات في الفترة من العشرينات الى الثورة اللاارضوية الثانيه غير الناطقة في 14 تموز 1958، فالعراق تكوينا، لم يوجد وعيا، ولاذهب العقل العراقي وقتها الى ملاقاته، فضلا عن الكشف عنه، الا بالوسائل الجاهزة المنقولة ببغاويا، مع انه من اكثر الكيانات والمواضع في العالم حاجة للتوقف الخاص والابداعي الاستثنائي، وهو مايضعنا امام معطى اساسي، مفاده عدم وجود "حركة وطنيه عراقية" دالة على الكينونه التاريخيه والبنيوية، وان هذه المهمة بالاحرى مازالت وقتها وابان الفترة الحديثة، لم تنجز في حينه، وقامت مكانها" وطنية ايديلوجية زائفة" اقتضتها شروط العجز، اضافة لضغط الحاجة والحاحها من دون ان تتوفر مقوماتها.
ولن تكون ناحية اساسية فاصلة كهذه واردة باي شكل كان، ضمن اعتبارات احتساب النتائج والتوقعات، بينما تمارس السياسة كما يسمونها تحركات وبيانات لااساس لها ولاسند سوى المحركات الذاتيه الانية غير المدركة، الامر الذي كان وقتها يزكي احتمالت الفوضى الكلية كنتيجه، مع الغلبة التامة لمستهدفات القوة الغازية، ماسوف يكون نافيا وقتها لاي جهد او موقف، او محاولة وضع آلية تغييرية نابعة من اللحظة وتراكماتها ومانشا عنها من انقلاب في التوازنات، فاذا تبين ان ثمة وجهة كهذه، فانها لن تكون مقاربة ولامفهومه باي قدر كان، وسواء من حيث الرغبة، او حدود الادراكية، فان ميل تغييري مناسب للحالة، لايمكن ان يوضع لافي باب الممكنات، ولا بالاخص منها، الوطني على وجه التعيين، فكان عالم التسقيط والاحالة الى معسكر الحكم القائم باعتباره عدوا مطلقا، حتى وان تبدلت اشتراطات وجوده، واحتمالية تغييره.
وكمثال يجوز ربما ايراده للدلالة على نوع ومحركات النظر لاي تحرك من غير نوع المتلائم مع الغزو التدميري، ومستوى السذاجه التي تقف وراءه، فقد كانت الغالبية من حواشي والملتفين حول بعض القوى، والذين كانوا يحاولون ممارسة دور ما، كانفار عملوا باصوات مخنوقة يتساءلون : " كيف يمكن لانسان فرد، ان يكون له مثل هذا الوزن الاعلامي والحضور، والقدرة على التحرك، مايساوي ويتفوق على قدرات وامكانات احزاب عريقة وضخمة ؟" وهو تساؤل كان هؤلاء يجدونه منطقيا بحسب نوع المنطق الخاص بهم وبمن يديرونهم، لكي يذهبوا مباشرة، وبلا اي توقف الى القول بان فلان هو بالاحرى وبما لايقبل الجدل "جاسوس"، ثمة من يقف وراءه، ويحركه ويدعم خطواته، تعبيرا عن عجز وتهافت بنيوي احترافي حزبي، من نوع الوظيفي حتى مقارنه باولئك الرواد الذين تصدوا لمهمة تاسيس الاحزاب، برغم اتباعية فعلهم، ونقص ابداعيتهم، وتبعيتهم المضادة المجافية للموضع الذين هم منه افتراضا.
ولعل مما يحرك هؤلاء بالاضافة لمستواهم العقلي، وغبائهم بوجه العموم، اعتقادهم الصغاري بان من هم بصدد تشويه صورته، "منافس" في المجال ذاته، من دون شرعية، يستثير الحسد، ويثبت بنوعه اللاحزبي، انحطاط الحزبية ومعسكرها، في حين تعيش هي بلادور يخرج عن التقليد والمحاكاة، وضيق الافق الملازم لها وسط احتدامية من نوع تلك التي بلغها العراق، وهو بصدد اثارتها دائما، وهنا بالاحرى نقع على الجانب الاهم الاكثر جلبا للانتباه وضرورة التوقف، بما انه يتعلق بمسالة الذاتية وتجلياتها، والتعبير عنها اي كل مايخص مقاربة الهوية "الوطنيه"، ونوعها، والعناصر الاساس المكونه لها في بلد مثل العراق، لنقف بازاء الفارق الحاسم، بين "الاحادية" و"الازدواج" وعيا في بلاد هي كينونه ازدواجية مجتمعية، نشات على هذه الصيغة والشاكلة، وعاشت تاريخها دورات وانقطاعات على هذه القاعدة، وهي اليوم، وفي حين لم تتسن الظروف، ولا الاسباب الضرورية بعد، حتى تتبلور اسباب اكتمال الوعي الازدواجي الذي مازال ينمو منذ الثورة اللاارضوية الثانيه غير الناطقة ثورة 14 تموز 1958، وبينما تظهر على السطح صيغ من الوعي الادنى الاحادي، فان الافتراق لهذه الجهه، يظل يحضر، وتتعدد اشكاله، الى ان يحدث الانتقال الكبير الحاسم، ويصير العراق عراقي وعيا ذاتيا، لاول مرة في التاريخ، مع مايترتب على مثل هذا الحدث الكبير عراقيا، وعربيا، وعلى مستوى العالم.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا