الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهد التهجير/ 29

حسام جاسم

2023 / 7 / 10
الادب والفن


يتأمل الوجوه ويركز في البؤبؤ لأنه النافذة لدواخل الإنسان أو ربما هكذا يُعتقد.
يسير ويسير وتتعب قدماه ولا يشتكي يستمر في المسير
يقطع كيلومترات عديدة لا يحسبها ولا تهمه في شيء، يبلغ ما يبلغ، يجتمع مع أصدقائه في إحدى المقاهي العتيقة تكاد لا ترى من الشارع العام لكثرة الركام المحيط بها وبقايا الطابوق المتأكل الذي ينحني على الرصيف كأنه يحتضن القاع ويرتمي على الاسفلت تعبًا.
تتشابك فيها الاسلاك الكهربائية فلا تعد تميز ألوانها بعد التشابك، تصبح نفايات طائرة تزين سماء المقهى.
وهناك في أحد أركانها صورٌ، تتجمع كأنها الذباب، محفوظةً كالدهر تدعوك لحنين الماضي وقباحته وفقره وتذكرك بنفس الحال فهو لم يتغير منذ الحاكم القديم قبل ستين سنة والى الان ذاته .....هو....هو!!!

كأن السنوات لم تمر عليه، لماذا بقي ظهره منتصبًا وعوده فارع؟ ما الذي يؤجج فيه روح الحماس والانغماس والسير؟!!
من عاصرهم.....ذهبوا ....رحلوا.
منهم من اصبح كسيح الفراش ومنهم من اصابه الخرف والبقية افترشوا القبور بجسدهم الميت.

شهدت هذه المقهى كل الأحداث حتى تصدعت جدرانها وربما تنتهي ويبقى هو شاهدًا على ذكرياتها.

يشعر الاب بالإنتماء إليها، ترافق دماغه وتفرغ المكبوت منه، ينقله التبغ إلى عالم آخر، أنفاس قديمة ردت إليه الروح والجسد أنه يوم ميلاده او بعثه، دخان يحيط الحياة فيزين الآلامها بالبهجة والسرور!!!.
ما هذه القناعة البسيطة وكيف يرتضها إنسان؟!!!
قد تكون القناعة سببًا آخر من أسباب فشل الإنسان وضياع ألوهيته من بين يديه ليسرقها الضباب.
قنوع يعني خانع ومقهور ومنتظر في الطابور.

- يقال ان صوتك جميل كالبلبل الصادح في حديقة النجوان.

- لا استطيع الغناء الا بعد احتساء الخمر وشفطه في البلعوم.

- لك ما تريد.

يغرد الاب لساعات الصباح الأولى ناسيًا عائلته في مكب النفايات، يشدو بصوته العذب يطربهم يذكرهم بنشوة الحب والألم والقهر ويخرج مكبوتاتهم، يضحكون تارةً ويبكون وينتحبون تارةً أخرى.
صوته يدخل إلى الداخل ويخرج مع الخارج، يجعل المكان دافئًا رغم الطين والفيضان بعد هطول المطر.
يجعل يومهم سعيد فينتظرونه كل ليلة مع زجاجة الخمر.

نسيان المقاومة أولى خطوات الاستلاب.
تنعزل الكيانات المعارضة في الظلام او خارج البلد تخطط للنقد عبر المنشورات اللاصقة دون أن تتحول إلى ردة فعل ثورية على أرض الواقع.

تبتعد الأرض عنه بأحافيرها واخاديدها وهو يتموج عليها في طريق العودة، تلطشه المياه القذرة وتدخل صدره،
يميل حيثما يميل الهواء، فهذا الشتاء ولا شيء يمنعه من الفيضان.
تشتد الأذن لصوت الرصاص، ينير الظلام ترتفع الطلقات ليطير معها الخمر ويختفي، يشتد العقل في لحظة صراع البقاء.
تتقاتل الجموع أمامه، تتمدد الجثث وتنطرح اسفل اقدامه المهزوزة يرفعها ويعبر غير مبالٍ لها.
يختلط الدم مع المياه القذرة يلونها يعطيها بريق من الفن الجديد يجعلها تبدد الملل وتكسر الوحشة.
تُطبع حذائه فوق الحفريات وتتلون!!!
يسرع بخطاه ليصل ويغلق باب بيته بالمفتاح ويضعه في سلة البصل.
تفتح الأم نصف عين وتغلق الثانية، مستلقة بجانب الجدار، ترقبه وهو يترنح، يخرج عضوه الذكري ويسقي الغرفة والجدران.
لم تعد الام تشعر بلذة لأي شيء، أصبحت باردة جامدة، لا تظهر ملامحها اي انفعال او حركة!!!!
تقوم بواجباتها المنزلية وتنام وتصحو وتنام!!!!!

البلادة مع الإيمان متلازمتان يفزعان معًا ويفرغان حمولتهما معًا.
الفزع مهم جدا لوضع كل شيء بموضعه المناسب، إنه يفعل القرارات ويهرول نحو القضية كما المحامي ولهفته لقبض الأموال بعد الإفراج عن المتهم.

(عبسهن) ابنة صهوهو، خرجت بعد دخول الحمام عارية تدلك صدرها وسط الدار وتفتح بابه الموصد عليها منذ ولادتها، تختلس النظر خلفها وتطلق العنان لأقدامها بالهروب. واين تهرب والمجتمع أصبح هو الجلاد، والدولة أصبحت السجن الذي يبتلع الملايين من البشر دون محاكمة؟!!
تتلقفها الأجساد المغطاة بالخوف والقلق من الجسد العاري تهرب منها الجموع، تفتح فرجها تدنيه منهم فيهربون منها، ترفع نهديها وتدب عليهما فيهربون منها!!!
أدرك الجميع جنونها وتم تسليمها إلى الحكومة لتتصرف ازاءها، تقترب الشرطة شوقًا لملامسة اي جسد عاري وان كانت صاحبته مجنونة او جثة هامدة ما دام بها شيء طري قابل للإدخال!!!!
ولأن المجنونة الهاربة لا قيمة لها داخل مجتمع التهميش والعدم تصبح ملكية عامة فتقوم الشرطة باللعب معها، النساء في جميع مراكز التحقيق في الحكومة الرشيدة ذات شريعة النور منتهكة الجسد، ملكية عامة، مباحة.

تستلقي عبسهن على الأرض الخشنة ذات النتوءات، يقف ثلاثة من الشرطة أحدهم يمسك اليد والآخر يضع قدمه على بطنها ويقوم الثالث بفتح ساقيها ويفرك ذاك العضو الشاغل لفكر الحكومة لتجد مجرمًا لا جرم له!!!
تعبث الاصابع بفرج المجنونة، انها تحتك بسرعة وأقصى سرعة ...... يضحك الجميع ويلتقطون الصور التذكارية!!!!

- ضاعت ......ضاعت.

- انتِ السبب، القسوة تجلب الضربة.

- اريد ان أراها قبل أن اموت.

- ستعود، فالدولة مصيدة فئران وحتمًا ستقع فيها كما وقعنا كلنا.

وفعلاً، رجعت عبسهن لامها لكنها متصالحة مع ذاتها الجديدة مستقرة مع اوهامها ومعجبة بهلاوسها.
ما أجمل الكذب في لحظة جنون، والأجمل منه هو التصالح معه. أصبحت حرة بجنونها، لا أحد يملي عليها الاختيارات او الرغبات.

تسحب السكين وتحدو بها نحو العائلة ترهبهم، تخيفهم وتشوقهم لانتظار المزيد. تبتسم لنظرة الرعب عندما تعتري وجوههم. تهجم ليلاً فلا راحة بعد الآن، كأنها تقول لهم القيت عليكم جنوني الذي وضعتموه داخلي.

يداهم المرض لتذكيرنا جميعا بتفاهة الحاضر والماضي والمستقبل وبأننا صبغة عشوائية في غبار الكون ولا قيمة لوجودنا كأننا اجبرنا في دخول لعبة أحدهم ولا ننتهي الا بانتهاء متعته وملله لإنهاء تلك اللعبة!!!!!
لحظات فجائية تنهي وجودنا وكل ما بنيناه لأجل ........!!

شعور التملك وعدم تحقيق الذات بشيء، يجعلها تبحث في اشياء غيرها، تراقبه تتفحص اوراقه وتنبش ملابسة لإيجاد ما يعكر صفوه ويجعلها تستمر في هذه الحياة لهذا السبب وغيره لتستمر الصراعات.
فالصراعات والتخريب مهمة للمضي قدمًا في الحياة العشوائية المتخبطة التي لا شأن لها فيها ولم تكن يومًا ذات أهمية في وجودها لذا تحاول التخريب عما حولها وخلق الصراعات لتصرخ في وجوهنا....انا هنا ....انا موجودة وبالغصب .....اجبركم على سماع صوت الخراب.....لا اسمح لكم مجددًا ادارة ظهوركم وتجاهلي!!!!!

تخطف الابن الاكبر سيارة مسرعة تحطم أشلاء تلك العائلة، تدمر عظامه ولم يبقى سوى رأسه يتحرك، تسحله الايادي لجوانب الرصيف وتغدقه بالمياه لعلها تمحو الدماء، ويستفيق الا انه لا يستجيب، تنظر العيون لبعضها ويصرخون من فعل ذلك؟ .......لا يرد المجرم المسرع يتخبى خلف الأجساد المحيطة بالدماء، يفضحه أحدهم ويقول لهم .....هذا .....هذا.
تدفعه الايادي نحو أقدام الابن الدامية المسلوخة يرفعها ويدخله لسيارة الجريمة ويسأل عن بيت اهله....يدور في طرقات تلك المدينة الغابرة المتربة المزعجة بصراخ أطفالها وكبارها واجرامهم واحلامهم وتدهور أوضاعهم المالية والجنسية.
لا أحد يعرف العائلة، كأنها وهم ....كيف ذلك فهنا الكل يعرف الكل ولا يمكن أن تكون هناك عائلة لا أحد يعلم عنها شيئًا وهي تتواجد بينهم.....كيف ذلك؟!!!
تصبح الدماء بركة في مقعد السيارة الخلفي، تنبض العيون وترمش للنهوض لكن هناك جبلاً وضع فوق الجسد ......ماذا حدث لي ......لا أشعر بجسدي........سوى رأس يتحرك لا يقوى على رفع الجسد!!!!!
يستجوبه المعتدي وهو يجوب الطرقات، اين بيت العائلة؟ اين أنتم؟ لماذا لا أحد يعرفكم؟
لا أحد يمكنه التعرف عليك......اين البيت؟
يرفع رأسه لرؤية الزجاج، يثبته من شعره ليترك له الايماء بلسانه ان اخرج لسانه فهذا يعني أنه البيت.
واخيرًا يخرج اللسان لرؤية الجار.....فيتم التعرف عليه فيتركه لديه ويهرب بعيدًا.
تصمت الام كأنها لا تعرف ابنها، تدعوه بدمائه لحمام ساخن تغسل جسده بالصابون وهي صامتة، يُذهل الجميع حولها وهو يصارع في حضنها، ترفعه يد (عسفان بن حبان) ويضعه في المشفى ليتغطى جسده بالكامل في الرداء الأبيض الا رأسه فما زال يصارع الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح