الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تحليلية حول تحفظ الجيش السودانى على الوساطة الكينية و عدم مشاركته في اجتماعات الوساطة الرباعية بأديس ابابا.

عبير سويكت

2023 / 7 / 11
دراسات وابحاث قانونية


قراءة تحليلية حول تحفظ الجيش السودانى على الوساطة الكينية و عدم مشاركته في اجتماعات الوساطة الرباعية بأديس ابابا.

عبير المجمر(سويكت)

لجنة إيغاد الرباعية لبحث الأزمة السودانية كانت قد بدأت نشاطها اليوم الإثنين الموافق 10 يوليو 2023، و فى ظل تواجد ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج والسويد إلا انه تغيب عن هذا الاجتماع رؤساء جيبوتي ورئيس إيغاد ورئيس جنوب السودان، فى الوقت الذى كان فيه وفد الجيش السودانى متواجد فى اديس ابابا بعد تلبيته الدعوة إلا انه قاطع الاجتماع بعد ان تبين إصرار كينيا على رئاسة وساطة الايغاد لحل الأزمة السودانية.

و كان الوفد السودانى قد وضح مرارًا و تكرارًا أسباب تحفظ السودان على الوساطة الكينية واصفًا مبرراته بالموضوعية متمثلة فى خلفية العلاقات الاقتصادية و السياسة التي تربط كينيا بمليشيا الدعم السريع المتمردة ، إضافةً الى مواقف رسمية مسجلة لكينية كان فيها انتقاصًا من سيادة السودان، علاوة على أن قمة 17 أبريل كانت قد نصت على إختيار رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت لرئاسة اللجنة بإعتباره الأنسب و نسبةً لتوصله إلى إتفاقية جوبا للسلام فى السودان.

و المعلوم ان الجيش السودانى كان قد أبدى موافقته على مبدأ الوساطة متحملاً المخاطرة بوضع نفسه فى محك ضيق مع الشعب السودانى الذي سانده و دعمه للقيام بدوره الدستورى فى حماية الوطن و المواطن من انتهاكات مليشيا الدعم السريع المتمردة التى إرتكبت فى الشعب السودانى أبشع و أفظع أنواع جرائم الحرب، و أنتهكت المواطن السودانى فى عرضه و نفسه و ماله و ممتلكاته، منتهكةً بذلك جميع الأعراف والقوانين الانسانية و الاتفاقيات الدولية، و قد أبدى الشارع السودانى دعمه للجيش السودانى لردع التمرد ملبيًا دعوات الاستنفار التى أطلقها بعض السودانيين لحماية أنفسهم و عرضهم والالتحاق بالجيش، كما سبق و فعلت أوكرانيا و أطلقت نداء التجنيد فى حربها مع روسيا، فى الوقت الذى يرى فيه السودانيون انهم يتعرضون لمحاولة إحتلال من مليشيا أجنبية بنسبة 60٪, و بما ان أهل مكة ادرى بشعابها فمن أوائل من أشاروا الى ذلك كان حاكم إقليم دارفور الحالي منى اركو مناوى فى حوار له فى باريس كشف فيه عن ان مليشيا الدعم السريع مكونة من أجانب بنسبة تفوق 60٪، و بذلك يكون قرار الجيش السودانى قبول وساطة مع مليشيا أجنبية متمردة متهمة بجرائم حرب ضد المواطنين السودانين و منتهكة للقانون الدولي الانساني يجعل قرار الجيش محفوف بالمخاطر ، و قد يفقده القاعدة الشعبية التى اكتسبها و الالتفاف الجماهيري حوله، و قد يؤدى ذلك لفقدان الثقة.

من جانب أخرى من حيث المتابعة لمواقف الجيش السودانى يتضح ان قراره القبول بالوساطة كان نسبةً لاستشعاره لأهمية الوصول لحل للأزمة الإنسانية لذلك لم يلتفت للمكاسب التى حققها خاصةً جماهيريًا و شعبيًا، و فضل تقديم التنازلات و التضحيات بقبول الوساطة مع مليشيا متمردة مرتكبة لجرائم حرب تقديمًا للمصلحة الوطنية و للحد من معاناة المواطنين دون التنازل عن حقوقهم و مطالبهم المتمثلة فى "ما فى مليشيا بتحكم دولة"، و " الجنجويد ينحل"، "و قحت لا تمثلنا"، و من المعلوم ان اى وساطة لا تلتزم بخيارات الشعب الاصيلة و لا تصطحب الإرادة الشعبية يكون مصيرها الفشل، و تعمل على تعميق الأزمة بدلًا من المساهمة فى حلها.

كما ان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان كان قد أخطر رسميًا رئيس الدورة الحالية لإيغاد بموقف السودان، مؤكداً دعم مبادرتها الرامية لإيجاد الحلول الممكنة من أجل السلام في السودان مع التحفظ كذلك على الدور الكيني.

علمًا بان الوساطة عادةً حسب المفهوم الدولي المُتعارف عليه تستند على عدة مبادئ أساسية أهمها مبدأ الحيادية فى أن يظل الوسيط محايدًا و ان لا ينحاز إلى أحد أطراف النزاع، ويعمل لصالح جميع الأطراف،ان لا يحابي أحد الأطراف على حساب الآخرين، و هذا المبدأ لا ينطبق على كينيا التى تربطها مصالح اقتصادية و سياسية مع مليشيا الدعم السريع المتمردة،
و عليه انعدام الحياد فى رئاسة الوساطة قد يتسبب فى نتائج سلبية، بما في ذلك فقدان الثقة إذا تم إدراك أن الوسيط متحيز لصالح طرف واحد ، فقد تفقد الأطراف الأخرى الثقة في عملية الوساطة، الآمر الذى قد يضر باستعداد الأطراف للمشاركة النشطة والانخراط في البحث عن حل مقبول للطرفين و هذا هو حال الجيش السودانى الذى يعانى حالة من فقدان الثقة فى الوسيط الكيني الذى يريد فرض نفسه على المشهد السودانى.

كما ان عدم الحياد فى الوساطة لا يؤثر فقط على جانب عدم الثقة ، بل قد ينتج عنه مستقبلًا عند التقدم في العملية تحيز في المقترحات والحلول لان غياب الحياد يمكن أن يؤدي بالوسيط إلى تفضيل مصالح أحد الطرفين على حساب الآخرين، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مقترحات أو حلول غير عادلة أو متوازنة ولا تلبي احتياجات ومخاوف جميع الأطراف.

‏‎و إذا أدرك أحد الأطراف أن الوسيط ليس محايدًا كما هو الحال الآن ، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز الانقسامات والتوترات القائمة بين مختلف الأطراف، مما يجعل مهمة حل النزاع أكثر صعوبة ، إن لم يكن مستحيلًا ، من خلال تأجيج العداوات ودفع الأطراف بعيدًا عن الاتفاق المتبادل.

و قد ‎يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك و يؤدي الافتقار إلى الحياد إلى فشل عملية الوساطة ، و يتسبب فى انسحاب الأطراف من العملية إذا اعتقدوا أنهم لا يُعاملون بإنصاف و حيادية و هناك نماذج معروفة و تجارب حية تؤكد ذلك، و ما حدث اليوم كان امرا متوقعًا بعد إصرار الايغاد فرض رئاسة كينيا للجنة حل الأزمة السودانية .
وهذا التعنت خاصةً بعد ان اخطرت السودان الاطراف المعنية بتحفظها على دور كينيا يمكن أن يطيل أمد الصراع ويجعل البحث عن حل سلمي أكثر تعقيدًا.

كما أن من أدبيات الوساطة أيضا الالتزام بالشمولية بحيث أن تكون الوساطة مفتوحة لجميع الأطراف المشاركة في النزاع او المتأثرة، بما في ذلك الفئات المهمشة أو المستبعدة، يجب سماع جميع الأصوات وأخذها في الاعتبار إلا ان الوساطة الحالية تختزل هذا المبدأ ، فالشخصيات المتواجدة حاليًا فى إثيوبيا من نشطاء سياسيين هم لا يمثلون حتى احزابهم السياسية و منهم من لا حاضنة سياسية له من الإساس ، و منهم من هم مطرودين من جميع الكيانات التى حاولوا تسلقها و المتاجرة بقضاياها، و اغلبهم هم عبارة عن فلول مشاركين سابقين فى حكومة البشير البائدة، و بصفة عامة فلول قحت لا يمثلون الا أنفسهم و مصالحهم الشخصية و الذاتيه و طموحاتهم فى الرجوع للسلطة، لا شعبية جماهيرية لهم و لا قاعدة يستندون عليها ، بل هم مجربون و يصفهم الشعب السودانى بالنفايات التى تعمل دوائر اقليمية و اجنبية على تدويرها و فرضها من جديد على المجتمع السودانى بعد فشلهم فى حكومتين، و بعد ان لفظهم الشارع السودانى و بالتحديد الشباب الثورى، و أغلبية الشعب السودانى يتساءلون من أين اتى هؤلاء ؟ و من يمثلون؟ و باى حق و شرعية يتفاوضون؟ اصالةً و نيابة ً عن من بالتحديد ؟ . و عليه تفتقر هذه الوساطة أيضًا لمبدأ الشمولية.

إضافة الى ان تصريح رئيس الوزراء الأثيوبي الذى يدعو فيه لإجراءات فورية في السودان تشمل فرض منطقة حظر طيران ونزع المدفعية الثقيلة من الجيش السودانى بعد قراره عدم المشاركة في اجتماع اللجنة الرباعية يعقد الآمر و يصعبه ، لآن من مبادئ الوساطة كذلك المشاركة الطوعية بحيث تكون المشاركة في الوساطة طوعية لجميع الأطراف المعنية لا يمكن إجبار أحد على المشاركة في الوساطة بالتهديد و الوعيد او اى أسلوب اخر، و بالإضافة لمبدأ أهمية المشاركة الطوعية لابد من توافر الموافقة المستنيرة بحيث أن تكون الأطراف على علم تام بعواقب الوساطة وأن تمنح موافقتها المستنيرة على المشاركة، و مما لا شك فيه ان الجيش يعلم تمام العلم عواقب المشاركة فى وساطة غير محايدة و تفتقر للعديد من اساسيات الوساطة الراشدة العادلة المتوازنة.

و قد يكون موقف الرئيس الأثيوبي المتمثل فى سياسة التهديد و الوعيد امر متوقع لان اثيوبيا الاخرى ينظر لها أيضًا على انها طرف غير حيادى فمن المعروف انحياز رئيسها لحكومة حمدوك البائدة و العلاقة الوثيقة التى تربطه به، بالاضافة الى تضارب المصالح حول ملف سد النهضة ، و منطقة الفشقة السودانية التى تحتلها اثيوبيا بطريقة غير مباشرة، و كانت الإمارات قد حاولت سابقًا ممارسة عنف مع السودان لإجباره على الموافقة على اتفاقية يتم فيها تقسيم اراضي الفشقة السودانية بين الإمارات و أثيوبيا و السودان و يتراجع فيها الجيش السودانى عن حدوده على ارض الفشقة السودانية ، و عليه عدم حياد أثيوبيا و تضارب مصالحها سيؤثران على حيادية الوساطة و مصداقيتها و ينعكس ذلك على عدم قدرتها على اتخاذ قرارات موضوعية وتعزيز اتفاق عادل بين الأطراف.
و تضارب المصالح هذا يؤثر فى عامل الثقة وفي عملية الوساطة نفسها. فقد اصبح واضحًا أن أثيوبيا غير قادرة على الفصل بين مصالحها الخاصة و المشاركة فى إدارة الوساطة بشكل عادل و قد تنحاز لطرف معين ، مما قد يجعل الجيش السودانى أقل ميلًا للتعاون والمشاركة بنشاط في عملية الوساطة نسبةً لافتقار عوامل أساسية فى مبادىء الوساطة و عليه فانه لا ضمان لوساطة عادلة ومنصفة ، و لا امل فى تعزيز الحل السلمي والدائم للنزاعات عبر حوار عادل و متوازن بين جميع الأطراف.

نواصل للحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟