الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي السياسي النخبوي السوري المعارض ، بين الواقع والمسؤولية الوطنية !

نزار فجر بعريني

2023 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


كتب الصديق المحترم الأستاذ " معن ابو لطيف " على صفحته يقول :
" ‏محكمة العدل الدولية حدّدت يوم 19حزيران الحالي للنظر في دعاوى تعذيب النظام السوري لمواطنيه المرفوعة من قبل كندا وهولندا ، وهذا تطور هام جداً في المسارين السياسي والقانوني للقضية السورية."
أوّلا،
في التساؤلات!
مجموعة تساؤلات يطرحها تعقيب الصديق العزيز حول قرار محكمة العدل الدولية ؛ وهي ذات وجهين :
أ-هل يمكن لإجراءات محكمة العدل الدولية،( وما يواكبها من أوراق ضغط أخرى، كقرار الجمعية العامّة حول المغيبين وجرائم التعذيب وتشريعات الكونغرس الأمريكي الجديدة حول " إعاقة " مسار التطبيع ....)، أن تشكّل تطوّرا هامّا في المسار السياسي ؟ وما هي طبيعة هذا التطوّر السياسي او القانوني لكي يمكن اعتباره هامّا ؟ هل يرتبط مباشرة بقضية الصراع الرئيسية التي تجسّدها خطوة " الانتقال السياسي "، أم انّه سيصطاد في هذه المحاكمة شخصية " رفيعة المستوى " ؟
ب- ما هي حقيقة الأهداف التي تسعى إليها تلك الحزمة من " الإجراءات التصعيديّة " الأورو أمريكية " ضدّ سلطة النظام ، وهل تصبّ في إطار تحقيق آمال السوريين ومصالحهم المشتركة؟
ثانيا ،
في التوقيت والسياق!
أعتقد أنّ مقاربة إجابات موضوعية لطبيعة الأهداف التي تعمل حكومات كندا وهولندا " الديمقراطيتين" على تحقيقها من تحريك" قضايا جنائية"، (بالتساوق مع إجراءات أمريكية مشابهة لإعاقة مسار التطبيع ) ،في هذا التوقيت والسياق المحدّدين ، والقدرة على التمييز بين "القول الحق" وما يراد به في واقع السياسات والعلاقات الدولية ، يتطلّب معرفة طبيعة التوقيت وعوامل السياق في هذه المرحلة من الصراع التي تشكّلها " التسوية السياسية "؛ وهي التي تكشف حقيقة الأهداف في سياسات" الكومنولث الأمريكي"!!
١في إشكالية التوقيت ، تُثير استغربنا هذه المفارقة في سياسات الدول المعنية!!
إذ كانت تعود تُهَم النخب للنظام بأنّه يمارس" تعذيب مواطنيه " إلى مطلع ثمانينات القرن الماضي ، وقد " تحدّثت عنها بالتفصيل " هيئات حقوق الإنسان " العالمية بتقارير دوريّة مفصّلة وموثّقة ، كما وحصلت خلال مراحل الحرب الأولى جميع حكومات الاتحاد الأوروبي الموقّرة على شهادات عيانية من قبل صحفيين " غربيين " أبطال، ضحّوا بحياتهم وحريتهم في محاولة لكشف الحقائق ؛ علاوة على شهادات ضحايا التعذيب من السوريين والفلسطينيين خلال عمليات استقبال عشرات ألوف " الفارّين" من جحيم القمع السلطوي والميليشياوي منذ ربيع ٢٠١١ ، ولم يتجاوز حراك الضمير الديمقراطي والإنساني والحقوقي عند حكومات أوروبا الحالة الدعائية ، فما هو سر التوقيت في أن " يتذكّروا " في هذه المرحلة من الصراع على سوريا بعد " فوات الأوان " ، أنّ "النظام يمارس التعذيب"، وتوجّب العدالة الدولية " محاكمته ؟ هل يُعقل أن يكون صدى الخلاف في أساليب الضغط بين الكونغرس والإدارة الأمريكيتين قد وصل بهذه الدرجة من القوّة إلى أروقة الحكومات الأوروبية، ومؤسسات محكمة العدل الدولية؟!
هل نحن أمام تغيّر نوعي في سياسات حكومات النظام الرأسمالي العالمي الديمقراطية تجاه أنظمة المنطقة بشكل عام ، والنظام السوري ، على وجه الخصوص ، يضع الأولوية للقيم والمبادئ التي تجاهلتها طيلة عقود حكومات الأنظمة الديمقراطية على مذبح مصالحها الخاصّة ؛ وكانت النتائج الأخطر لذاك " التجاهل" المريب في مواجهة استحقاقات الربيع السوري عام ٢٠١١ منع حدوث انتقال سياسي، كان يمكن لحصوله أن يقطع مسار الخَيار العسكري، ويجنّب سوريا والسوريين كلّ ما حصل منذ مطلع ٢٠١٢ ؟
هل نحن أمام نفس النهج ، ولا جديد في سياسات أولويّة المصالح ،ويُطرح اليوم الملفّ الإنساني والحقوقي في بازار المساومات السياسية ،و في سياق تحقيق مصالح خاصّة ؟ ! أليس في هذا التوقيت تجييرا لمعاناة وآلام الضحايا ، لايقلّ تأخيره، منذ ٢٠١١ على الأقل في سياسات الدول المعنية لدوافع سياسية خاصّة، جرما عن فعل التعذيب نفسه ، ويتناقض مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تحرص عليها الحكومات الديمقراطية داخل بلدانها ، وتتحوّل إلى" ورقة ضغط او مساومة" عندما تتعلّق القضية بحقوق شعوب أخرى ، خاصّة السوريين ؟
٢في عوامل السياق التاريخي الذي تشكّله صيرورة الخَيار الامني العسكري في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية ،يبدو لي أنّ الوقائع أكثر مراره !!
إذا أخذ السوريون تجربتهم الطويلة المخيّبة للآمال مع قرارات " المجتمع الدولي" ، في الجمعية العامة ومجلس الأمن ، من الموضوعي التعامل بحذر ويقظة مع قرارات جديدة ، والعمل على كشف حقيقة أهدافها في سياسات الدول العظمى، التي تقف مصالحها خلف جميع نشاطات "المؤسسات الدولية" !
تجربتنا السابقة - بدءا من "نقاط كوفي أنان ٢٠١٢، و " الملف الكيماوي " ٢٠١٣ ، (١)ومرورا بعشرات القرارات الخاصة والعامّة التي استهدفت من حيث الشكل معاقبة النظام السوري، وليس انتهاء بقرارات " ملفّ المحاكمات " الأوروبية والكندية ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير (٢)- تدلّل استحالة أن يشّكّل قرار" محكمة العدل الدولية" أو غيره من قوانين العقوبات والمحاكمات " "الطويلة الأجل " تطورا هاما جداً في المسارين السياسي والقانوني للقضية السورية" ، بغضّ النظر عن طبيعة الشخصيات الحكومية التي يطالها الإتهام ؛ كما يعتقد الصديق المحترم، ومعظم النخب السياسية والثقافيّة المعارضة!!
لقد أظهرت تجاربنا المريرة ذاتها أنّ تلك القرارات والمواقف المُعلنة، التي مُنع عليها استخدام آليات تنفيذ فعّالة توافقا مع مصالح الدول التي تقف خلفها ، لم تكن في أفضل الأحوال أكثر من " أدوات ضغط" وعصا تهديد وابتزاز بيد الولايات المتّحدة وشركائها الأوروبيين؛ تُستخدم في هذه المرحلة من التسوية السياسية التي أطلقتها الولايات المتّحدة ، في نهاية ٢٠١٩ بعد انتهاء معارك تحديد حصّتها ، لدفع النظام على التوافق مع "قسد" - اللذين يختلفان على أحقّية وحصص التوكيل الأمريكي - بما يُلبّي استحقاقات، ويحقق شروط" تسوية سياسية" ؛ لا ترتبط أبدا بقضيّة السوريين المركزية في تحقيق هدف الانتقال السياسي، ولا بالحرص على قيم النظام الديمقراطي ، ولا بمصالح السوريين الوطنية والإنسانية المشروعة ، بقدر ارتباطها بمواقع خلاف بين الشركاء حول متطلّبات التسوية السياسية التي تعمل واشنطن على توفير شروطها؛ وهي التي تؤدّي إجراءاتها وخطواتها كما هو واضح للعيان إلى التطبيع الخارجي مع النظامين الإيراني والسوري ، وإلى" تأهيل " متزامن لجميع سلطات الأمرالواقع على الصعيد السوري ، وفي مقدمتها ، وعلى رأسها، " سلطتي قسد" و " سوريا المفيدة" ؛ وتحت مظلّتها الشرعية الحكومية ، التي يعمل "المجتمع الدولي" بقيادة أمريكية على ترقيعها ، عبر بوابة " جنيف "اوّلا ، منذ مطلع ٢٠١٢ ، وعلى مسار حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية، منذ تدخّل جيوش الولايات المتّحدة وروسيا - ٢٠١٤ ٢٠١٥ !!
ثالثا ،
في أبرز الاستنتاجات!
١ في ضوء رؤيتنا لعوامل السياق ، يبدو جليّا أنّ ما يتُخذون من إجراءات ضدّ النظام ليست سوى" أوراق ضغط" من أجل توفير شروط التسوية السياسية الأمريكية المرتبطة بكانتون " الإدارة الذاتية" ، التي تتناقض شروط ديمومتها" القسدية والامريكية "مع مصالح سلطة النظام بإعادة بسط سيطرتها على كامل الجغرافية السوريّة ، وبالتالي فإنّ نجاح أهداف حرب أوراق الضغط في سياسات الولايات المتّحدة لن يؤدّي إلى " تحسين سلوك" النظام تجاه حقوق السوريين الوطنية الديمقراطية ،أو الحفاظ على "وحدة سوريا وسيادتها "، ناهيكم عن تغييرها ، بقدر ما يؤدّي إلى تعزيز شروط بقاء الولايات المتحدّة المرتبطة بالسيطرة على مناطق " الإدارة الذاتية "، كما وشرعنة وجود قوى الاحتلال الخارجية الأخرى ، المرتبط بسيطرتها على مناطق سلطات الأمرالواقع ، في تساوق مع إجراءات إعادة تأهيل النظام، والتطبيع معه ؛ بما يؤدّي في السياق والصيرورة الأمريكيتين إلى ديمومة وإعادة تأهيل "سلطة وطنية سوريّة" هشّة في دمشق في إطار سيطرة سلطات أمر واقع ، تتشارك معها وسائل النهب والسيطرة ؛ وهي سياسات تفشيلية ، لا تتناقض فقط مع حقوق الإنسان السوري في توفير أبسط أشكال الحياة ومتطلّباتها الأساسية ، بل وتتناقض مع روح وشكل قيام حل وانتقال سياسي ، ومع مبادئ القانون الدولي ، التي تؤكّد على احترام سيادة الدول ، وحقوق مواطنيها وخيارات شعوبها السياسية!!!
في أوراق الضغط، تجيّر الولايات المتّحدة بدرجة أولى ، وشركاؤها الأوروبيون بدرجات تالية ، حقوق وآلام السوريين لمصلحتها ، و قد استخدمت " الملف الكيماوي " قبل ذلك ، كما تستغلّ ملفّات أخرى اليوم !!
٢ في ما نصل إليه من استنتاج آخر يرتبط بدور العامل النخبوي المعارض، السياسي والثقافي ، فإنّ
التساؤل المشروع الذي يطرح نفسه ، في مواجهة ما يبدو من فشل نخبوي في قراءة معطيات الواقع :
إذا كانت" النّخب المثقّفة" والسياسية ، وتياراتها ومنصّاتها المعارضة ، خاصّة التي تنشط في الفضائين الأوروبي والأمريكي، تغفل تلك "الإزدواجية" في سلوك وسياسات الحكومات الديمقراطية،( التي تحرص طغمها المهيمنة على حماية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدانها ، و تتجاهلها ، بل وتمارس ما يتناقض معها ، في علاقاتها "التشاركية" مع النظام السوري ، وجميع أنظمة الإقليم ، عندما تتعارض مع مصالحها ، وسياسات تعزيز أدوات سيطرتها ؛ وهو ما يحصل طيلة القرن الماضي، ولم يقتصر على مأساتنا الحالية !)، كما وتتجاهل طبيعة أوراق الضغط في سياق المرحلة الراهنة من التسوية السياسية وما تتضمّنه من صراعات بين قواها ، خاصة الولايات المتّحدة وقسد وسلطة النظام ، ويقتصر دورها على ترويج روايات الحكومات "الديمقراطية الأوروبية" دون تمحيص ، فكيف تستطيع القيام بدورها الوطني التاريخي في تمثيل حقوق السوريين ، والدفاع عنها، وقيادة نضالهم الوطني الديمقراطي على طرق ومآلات بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية؛ ناهيكم عن مواجهة التحدّيات المضاعفة التي نتجت عن سنوات الصراع المستمر منذ ٢٠١١، و التي لم تعد تقتصر على أدوات ونهج سلطة النظام، ولا " شركائه" في "سلطات الأمر الواقع" ، بل باتت ترتبط بمشغليهم من قوى الإحتلالات الخارجية؟!
إنّ غياب ، أو تغييب، الدور النخبوي الطليعي( الذي عملت عليه الولايات المتّحدة وشركاؤها في الخَيارالعسكري منذ ربيع ٢٠١١ ، استكمالا لما صنعته ماكينة الاستبداد طيلة عقود!)، في نضال السوريين الوطني الديمقراطي ، يعني تغييب ضمير "الامّة "، وفقدان بوصلة حركتها التاريخية !!
أيّة مأساة وطنية وديمقراطية هذه ؟
في خلاصة الكلام ،
لسان حال السوري " الضحية " يقول للجميع :
نعرف مَن قتل ، ويقتل ، مَن سَرق وعذّب ، ودمّر ...وباع الوطن "بقضّه وقضيضه" ونعرف هوية الشاري ، وطبيعة مصالح التي تقدّم مظلّة الحماية ، فكفّوا عن خداعنا، وتضليلنا؛ وقد بات بالنسبة لنا ، "القاضي والضحية " في نفس الموقع !!
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
(١)- في أحدث تصريح" ناري" للرئيس "بايدن" ( الديمقراطي )، يُذكّر النظامين السوري والروسي بعدم تطبيق شروط "صفقة الكيماوي" ٢٠١٣ ، ويحثّهما على " وجوب " فعل ذلك !! أليست هي مفردات " ديماغوجيا" ، تذرّ الرماد" في عيون مَن يحاول من السوريين رؤية حقائق الواقع !!
(٢)-
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس ، ٢٩ حزيران الماضي عن إنشائها "مؤسسة مستقلة"، من أجل "جلاء" مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاما، " تحت رعاية الأمم المتحدة " وكلّفت الأمين العام تطوير "إطارها المرجعي" في غضون ٨٠ يوما بالتعاون مع" المفوض السامي لحقوق الإنسان" !!.
إذا كان قد فشل مجلس الأمن نفسه ، وأمينه العام الموقّر لوضع آليات تنفيذ فعّالة لجميع قراراته السابقة المرتبطة بقضايا السوريين العادلة والمشروعة ، خاصّة ٢٢٥٤، واكتفى بتقديم دعوات ، ونصائح للنظام بضرورة التنفيذ ، فما هو الجديد في قرار الجمعية العمومية خارج نطاق الدعاية ، والحرب اللوجستيّة ؟ هل بهكذا وسائل "ينتزع" السوريون حقوقهم المشروعة ؟
للعلم !
لقد ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة حالة حقوق الإنسان في سوريا، في العديد من جلساتها وقد أصدرت ١٧ قراراً عن سوريا منذ بداية الحراك الشعبي حتى الآن، أدانت في معظمها انتهاكات النظام السوري، ووصفت بعضها بأنها جرائم ضد الإنسانية، ووقفت إلى جانب حقوق الشعب السوري، كما اصدرت ١٢ قراراً عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، وحتّى عندما تبنّت الجمعية العامة القرار رقم 71/ ٢٤٨ في 21/ كانون الأول/ 2016، وأنشأت بموجبه "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ آذار/ " فماذا كانت النتيجة ؟
هل نخوض حربا ضدّ النظام بأوراق الضغوط، وعلى صعيد الدعاية، وفي إطار أجندات القوى الدولية التي كان لها " الفضل" في بقاء سلطة النظام ..وتأهيل شرعيته !
◆●◆●◆●◆●◆








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة