الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو الشخص؟

وليد عبدالحسين جبر
محامي امام جميع المحاكم العراقية وكاتب في العديد من الصحف والمواقع ومؤلف لعدد من

(Waleed)

2023 / 7 / 12
دراسات وابحاث قانونية


قرأت منذ سنوات قول للأمام علي بن ابي طالب عليه السلام في نهج البلاغة " كل اناء يضيق بما وُضع فيه الا العقل يتسع " وبقيت افكر في هذا القول العلوي الذي قيل منذ مئات السنين وكم هو دقيق ومفيد ، واذا بي اقرأ رأياً للكاتب الفلسطيني " مصطفى حجاوي " في كتابه المهم "هكذا أكتب " يشبه الى حد كبير ما قاله الامام علي حيث ذكر في صفحة "٦٦" من هذا الكتاب بأن ( اتقان المرء علوما وصنائع شتى يجعله اقرب الى رؤية الصورة الأعم ويجعله اكثر اتقانا لموضوع تخصصه ، وارى هذا شبيها بالسفر فكثرة الاسفار تجعل العاقل المفكر أعمق .. لذا تفرض الجامعات على طلبتها مسافات دراسية لا تتعلق بتخصصهم وهي بهذا تعبر عن يقينها بأن التوسع يخدم العمق أيضاً ، لو اردت ان تحفر في حديقتك حفرة عميقة فلن تستطيع تعميقها كثيرا الا اذا وسعت فوهتها) و تلمست صحة ودقة هذه الحقيقة وانا اقرأ تعليق لأحد السادة القضاة على احد قرارات محكمة التمييز فقد ابتدأ تعليقه بالتعرض لمفردة "الشخص" كون ان القرار تعرض لخصومة الاشخاص في الدعوى ، واذا به يكتب لنا بحثا مصغرا عن الشخص فبين انه يعني في اللغة " سواد الانسان وغيره حينما تراه من بعيد فيقال ثلاثة اشخص وشخوص واشخاص " مما يعني ان الشخص لغة لا يقتصر على الانسان فقد يشمل غيره حينما يُرى من بعيد ، ثم يتطرق الى ماهو الشخص في الفلسفة فينقل رأي الفيلسوف " جون لوك " بأن الشخص " هو الكائن المفكر والعاقل والقادر على التأمل " اما الفيلسوف ايمانويل كانت يراه بأنه هو " الانسان الذي يزاول دوراً داخل الجماعة اما اذا كان مجرد عضو بيولوجي داخل المجتمع فيكون فرد " الى ان يصل الى معنى الشخص في القانون فأنه يعتبر الشخص " كل كائن قادر على اكتساب الحقوق والقيام بالواجبات ، بمعنى هو ليس كل انسان وانما لا بد ان يكون متمتعا بالأهلية القانونية، ثم انه قد يكون شخصا طبيعيا كالإنسان وقد يكون معنويا كالمؤسسات والشركات والوزارات وما شاكل " فها انت ترى ان التوسع المعرفي لهذا القاضي جعل تعليقه على القرار واسعاً وعميقاً تناول فيه اللغة والفلسفة والقانون ، ومن هنا ركّز رجال القانون القدماء على دراسة الفلسفة واللغة وعلم النفس والتاريخ لا فقط فروع القانون ، هذا حينما كان رجال القانون هم النخب المتقدمة الجموع في كل شيء ، اما وقد انكفأ خلفائهم فقد اضاعوا حتى فروع القانون ناهيك عن فروع المعرفة الاخرى ، لذا قد يكون هذا القاضي المعّلق من البقية الباقية من جيل القانون الذهبي الذي مضى زمنه !
والا اغلبنا حينما تمر على ذهنه مفردة الشخص لا يستحضر سوى تعريف مبسط له من قبل شراح القانون ، اما ان يسترسل هكذا استرسال معرفي واسع فهذا من النوادر ، وما جعل ذلك نادراً هو قلة التوسع من قبل اصحاب الاختصاص في معارف خارج اختصاصهم ، فتجد دراسي التاريخ لا يقرأون لغة ، ودارسي اللغة لا يقرأون التاريخ ، وكلاهما لا يقرأ القانون ، وجماعة القانون لا يقرأوا اللغة او التاريخ وهلم جرا ، قطيعة فضيعة انتجت لنا سطحية فضيعة!
ما اجمله من مثال ساقه لنا حجاوي وقد يصل بسرعة لدى الفلاحين وابنائهم اكثر من ابناء الترف والدلال ، بالفعل حينما تمسك " مسحاة " وتريد ان تحفر نقرة لتزرع نخلة او لتضع عمود ما فتحتاج ان توسع فوهتها اذا اردت ان تجعلها عميقة اما ان تريدها عميقة دون ان توسع من فوهتها فهذا مضيعة للوقت ، وهكذا هو عقلك اذن مالم تتوسع في معارفه لا يمكن ان تتعمق في تخصصك ولا تخاف ولا تخشى ان ذاكرته واسعة جدا فكل الاواني والحقائب والناقلات والحاسبات ووو قد تضيق بما تضع فيها الا عقلك فأنه يتسع كما اخبرنا امير المؤمنين عليه السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا


.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟




.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح


.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين




.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع