الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان معلقة جلجامش على أبواب أوراك شاكر مطلق

رائد الحواري

2023 / 7 / 12
الادب والفن


ديوان معلقة جلجامش على أبواب أوراك
شاكر مطلق
بداية نتوقف عند مقدمه الديوان التي وضعها الشاعر، حيث يعرف نفسه بهذا الشكل: "سوري ـ أردني الأصل والعشيرة (الرمثا ـ درعا) فلسطيني المولد (حيفا) سوري الجنسية" ص6، وهذا التقديم بحد ذاته كافي ليأخذنا إلى الوحدة الجغرافية والسكانية لبلاد الشام، وإلى البعد القومي الذي يتصف به الشاعر.
أما رؤية الشاعر لكتابة القصيدة، فيقول: "أومن وبصدق بضرورة توثيق القصيدة زمنا ومحتوى وشكلا، وإن كنت لا أمانع بإجراء بعض التصحيح الطفيف هنا وهناك، حيث تقتضيه ضرورة لغوية أو عروضية، وبشرط لا يمس ذلك إطلاق جوهر الموضوع" ص10، هذه لرؤية المقدسة للكتابة تحسب للشاعر الذي يؤكد أن حالة الومضة/الاستشراق التي تأتي عند الكتاب لا يجوز المساس بها، إلا بمقادر "طفيف" لا يمس جوهر وشكلا القصيدة، وهذا الأمر يجب التوقف عنده، لأن حالة الومضة التي تأتي لا يمكن أن تعاد، وعلى العاشر/الأديب أن يبدأ مباشرة بإخراج مولوده إلى الحياة، وإلا سيكون مخلوقه مشوها.
وقبل الدخول إلى الدخول ننوه إلى القصائد تمتد إلى ما يقارب الثلاثين عاما: فأول قصيدة "ظننتها هاجرة" مؤرخة في 5/8/1954، ومكان كتابتها حمص، وأخر قصيدة هايكو نشرت في عام 1983 في مجلة الآداب الأجنبية عام 1983، فالزمن الطويل ترك أثرا على نوعية القصائد، إن كان من خلال موضوعها أو طريقة تقديمها، من هنا سنجد تنوع وتعدد في موضوع ولغة وطريقة تقديم القصائد.
من هنا سنحاول التوقف عند زمن القصائد الذي وضعه الشاعر ونبدأ من قصائد المرحلة الأولى حتى 16/10/1958، حيث جاء في أول قصيدة "ظننتها هاجرة":
"في صباح هادئ قمت أجول بين أعطاف الروابي الزاهرة
سرت أشكو للصبا هجر الجميل يا لقلبي، من صدود النافرة" ص19. اللافت في القصيدة فاتحتها البيضاء المتعلقة بالطبيعة، وكأن الشاعر يقول أن البيئة/ الطبيعة لها أثرها في تكوين/ تشكيل الحب، وإذا ما توقفنا عن البيت الثاني سنجد أن الشاعر يخاطب الحبيبة مباشرة، مبدي تعلقه بجملها الفتان، فمن خلال لفظ "النافرة" أوصل لنا أثر الأنثى عليه، وإذا علمنا أن الحبيبة تحدثت بصوتها:
"يا حبيبي إنما الوهم يزول باللقاء حيث تراني ناظرة" ص19.
نعلم حجم الحرية التي أعطاها الشاعر للمرأة، وهذا يعكس ما يحمله العقل الباطن من نظرة إيجابية لها، مما جعلها تنطق بما يجول في صدرها من مشاعر تجاه الحبيب.
هذا على صعيد الحب، لكن هناك أيضا الهم القومي والوطني الذي نجده في قصيدة "قصة إنسان":
"قصي عن جيش الشباب
يرفعون الدم قربانا بساحات المدينة
ضد أحلاف لعينة
وينادون بأن عاش السلام
وبأن الخبز حيق للأنام

وإذا نحن كبركان يثور
وإذا الصحية تعلو: سنثور
ومشى فينا إلى ساح الكفاح
نحن لم نعبأ بألآم الجراح
...
يا رفاقي
عندما يأتي الربيع
وأنا لا أعرف وقتا للربيع
عندما يفنى الأحبة في العناق
عندما تحلم "هند" بالتلاقي
فخذوا أحلى البنفسج
لفتاتي...
وأخبروها بمماتي...
أنه وقت الرحيل" ص27 و30.
نلاحظ الطرح المباشر والوضوح في هذا المقطع، وهذا يأخذنا إلى الزمن الذي كتبت به القصيدة والظرف الذي تمر به المنطقة، كما نجد تركيز الشاعر على الشباب دورهم في الثورة/ التغيير، وهذا أيضا كان ملازما للشعراء في ذلك الزمن، وتستوقفنا النظر الرومنسية للنضال وكيف أن "الموت" بعيدا عن الحبيبة يعد فضيلة.
ولكن المميز في هذا المقطع أن فاتحته تتحدث عن الشباب ودورهم وخاتمته أيضا أكدت هذا الأمر، وما الوصية التي جاءت في نهاية القصيدة إلا تأكيدا لهذا الدور، فهي تتحدث عن الحب وكيف أن الحبيب يغادر دون علم الحبيبة.
وهنا نتوقف عند ما قاله الشاعر عن حالة الاستراق التي تلازم كتابة القصيدة، وكيف أنه على الشاعر أن لا يغير أو يبدل فيما يكتبه إلا باستثناءات محدودة، فالتكامل بين فاتحة القصيدة وخاتمتها ما كانت لتأتي بهذا الانضباط والتكامل دون اعتماد الشاعر على حالة الاستشراق، وعدم (العبث) بما كتبه، من هنا جاءت القصيدة مكتملة ومتصلة الفكرة.
من جماليات الشعر تعدد الأصوات والإيحاء والصور التي يأتي بها، في قصيدة "عاد يا ليل فتاك" نجد مجموعة الجمالية:
"وجميل في سريري عاريا يأبي الفكاك
كلما قلت، انتهينا قال زدني من هواك
حطم الأضلاع مني وأسقني الإثم وهاك
لا تدع ثغري وحيدا أنه يرجو عطاك" ص39.
نلاحظ أن هناك تعدد للأصوات، وصورة شعرية، وإيحاء باللقاء الجسدي، وهذا ما يجعل المقطع سلس وممتع وسهل التناول، وإذا علمنا أن الحديث المتعلق بالمرأة غالبا ما يكون جاذبا للقارئ، خاصة عندما يكون عن الحب وما فيه من إثارة، نعلم قوة الجاذبية التي استطاع الشاعر إيجادها في هذا المقطع.
ومن قصائد المرحلة الثانية حيث تبدأ من16/9/1958 وتنتهي في 1972، تستوقفنا قصيدة "في المرقص" فنجد الشاعر يتقمص دور المرأة متحدثا بصوتها:
" تروح تحدق لا يعلم أيقبل نحوي ويستسلم؟
أيقيض خصري بكف دفيء ويعصر نهدي ويستعلم؟
تعال فعمري عمر الزهور قبيل القطاف ألا تعلم؟
تعال وخذني إلى حيث شئت فعمق عيونك لا يهزم" ص86.
كلنا يعلم أن قلة من الشعراء استطاعوا النجاح في التكلم بصوت المرأة، وأعتقد أن الشاعر "شاكر مطلق" استطاع أن يقنعنا بهذا الأمر حيث نجد أنثى حقيقة تتحدث وليست متخيلة.
أما قصائد المرحلة الثالثة وتبدأ من تاريخ 1973 وحتى 1983، فنجد تنوع أشكال القصائد عدا تنوع مواضيعها، فمن القصيدة الملحمية إلى الهايكو، فنجد الحزن غالب فيها، يقول في قصيدة فليعبروا الضياء..!":
"أسير في شوارع المدينة
ودروب ذكرياتنا الحزينة
تنوح في المساء
ومطر الخريف في خفاء
يزيدنا شقاء" ص201، فالحزن ضار وبقوة، إن كان من خلال المعنى الذي تحمله القصيدة أو من خلال الألفاظ التي تتشكل منها: "الحزينة، تنوح، الخريف، خفاء، شقاء" وهذا يعكس حالة اليأس التي وصل إليها المواطن العربي، بعد أن استكان النظام الرسمي العربي وسلم بوجود وبقاء دولة الاحتلال، خاصة بعد الخروج من بيروت وفقدان حركة التحرر العربية مفكريها وتشتتها في أمكان متعدد، مما أضعفها وجعلها فاقدة للبوصلة فلا مكان يجمعها.
ومن قصائد الهايكو نأخذ هذه النماذج:
"أراه في البعيد
كالنسر في الغيوم
شهيدنا يحوم" ص252.
"فجر الشوق جفون الغيم
فارتحل المطر
لملاقاة الشجر" ص253.
إذا علمنا أن هذه المقاطع كتبت في عام 1983، نعلم أن الشاعر كان يواكب الحداثة ويحاول قدر المستطاع أن يكون حداثيا فيما يقدمه من شعر، فنجد في المقطع الأول تعريب حقيقي للهايكو، حيث تناول فكرة محلية بقالب ياباني, وفي المقطع الثاني نجد الرمز الذي يتجاوز الطبيعة، وهذا ما يميز طريقة استخدام الشاعر للحداثة/ للهايكو.
الديوان من منشورات دار الإرشاد للنشر، حمص، الطبعة الأولى 1984.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في