الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشراقات الكلمة..ولمعان الحرف في قصيدة-أعتاب قافيتي-للشاعر التونسي القدير-د-طاهر مشي

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 13
الادب والفن


تصدير : حين أقرأ أشعار الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..ألتزم الصمت في إنتظار اختمار عشب الكلام ..
-في القصائد وحدها نعيد بناء العالم..ألن غسنبرغ

عندما سئل أدونيس عن دور الشّعر في المجتمع المعاصر، قال: «الآن يبدو أنه لم يعد للفلاسفة والعلماء ما يقولونه، ولكنّ الشّعراء نعم»، ويرى كذلك: «أنّ الشعر حتى إن كان لا ينطوي على جانب علمي، وقد لا يكون في مقدوره تغيير العالم، إلاّ أنه ـ مع ذلك ـ يمكنه تغيير رؤية الإنسان حيالَ هذا العالم، ونوعية علاقاته مع الآخرين»، ويرى أدونيس من جانب آخر: «أن الرّوائييّن لم يعد لهم أيّ تأثير كبير في المجتمع المعاصر، حتى إن كان لهم قرّاء أكثر ممّا لدى الشّعراء، فالرّوائيّون يمرّون في عقل أيّ إنسان بطريقة أفقيّة وسطحيّة،وهم يؤثّرون في القرّاء المستهلكين،أمّا الشعراء فإنهم يؤثّرون في القرّاء المبدعين،فسرد العالم يعني نسخه،وإذا كنّا ما نقوم به هو استنساخ الحياة،فإننا لا نقوم بأيِّ شيء حقيقيّ،فالفنّ والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة،والشّعر يتميّز برؤية خاصّة وشاعرية نحو العالم».
وأنا أقول : لا شك في أن للمتخيل الجمالي قيمته المثلى في الكشف عن خصوبة الشعرية،ذلك أن الشعرية في جوهرها الإبداعي خلق،وتوازن،وإبداع،وطاقة تخييل خلاقة،لا يمتلكها إلا الشاعر المبدع،وطريقة تشكيله النصي،وهذا يعني أن درجة وعي الشاعر،ومهارته الإبداعية هي التي تثير الحساسية الشعرية،وتحقق متغيرها التخييلي الجمالي الخلاق،الذي يتأسس على سعة الأفق،وعمق التأمل،وسحر الرؤيا الوهاجة.(الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي نموذجا)
وبتقديرنا:إن قيمة أي عمل فني جمالي مؤثر تزداد أهميته بمقدار الرؤية التخييلية المتوهجة ؛وانميازها إبداعياً حتى حققت منتوجها الإبداعي المؤثر،ودليلنا أن الشاعر المبدع يرتقي بمتخيلاته الشعرية آفاقاً من الحراك الرؤيوي الجمالي الذي يضمن عمق التأثير،وبلاغة الرؤيا، من خلال العوالم المبتكرة التي يرتادها؛والآفاق الجمالية التي يجسدها،وتأسيساً على هذا يمكن القول::"إن عوالم الشاعر الخارجية تفرض عليه أن يواكب العصر،وإذا تمايز عنه في جانب معين،فذلك لإعادة الخلق، والإبداع،وترتيب الوجود حوله؛أما دقة الشاعر في عمق الصورة المدهشة،والتي توافيه من ذاكرة الحزن،أو الفرح،أو الحب؛فلها زمنها التوليدي في التخيل والتخييل، فاقتران" الرؤيا"بالصورة الشعرية يتم بالتخييل مثلاً،لأنه معطىً هيولي يتحقق شعرياً بالصورة المجردة للروح،حيث يخرجها من الكلام الظاهر إلى الكلام الباطن،ومن الزمن الزائل إلى الزمن السائل،أي من الزوال إلى الثبات،والخلود،والإستمرار".
وهي تحمل في طياتها عوالم ممزوجة بصور المحبة والجمال والمعاناة،هذه القصيدة التي كتبها شاعرنا القدير والأديب المرهف الإحساس وحامل هموم الإنسانية والوطن الشاعر التونسي المتميز عربيا وليس محليا فحسب-د طاهر مشي.
هذه القصيدة التي أختار لها عنوانا مناسبا ”أعتاب قافيتي ” غاية في الجمال والروعة من حيث المضمون والمعنى الإنساني حيث الجرأة المميزة التي نادرا ما نراها بأسلوب دقيق وبسيط يلامس شغاف القلب والروح،وحينما تقرأها لا تود أن تنتهي أبدا،هذا حال الشعراء المهرة الذين يلامسون-كما أسلفت-بقصائدهم العذبة نرجس القلب،هذا في الوقت الذي تزدحم فيه الساحة الشعرية وطنيا وعربيا بأنصاف الشعراء ممن يكتبون-تعسفا على ذكاء القارئ-قصائدَ لو سلطنا عليها "المقاييس المدرسية"لقلنا أنها كتابات خارج الموضوع..!!
لنقرأ معا هذه القصيدة العذبة التي-رسمتها-في شكل لوحة فنية في منتهى الروعة والتجلي،أنامل الشاعر القدير د-طاهر مشي..
وسألتزم الصمت في إنتظار اختمار عشب الكلام :
أعتاب قافيتي
صمت على أعتاب..قافيتي
والبوح يلجمني بموهبتي
والليل أضناني به السهر
والحرف مشتاق..بأوردتي
والبدر والأنواء والسحب
قد خيمت والشوق..مقربتي
حيث انتشى نبضي بلا طرب
لا طيف يدنو اليوم..مملكتي
لا طير يشدو في روابينا
حلم الأنا موؤود من شفتي
كنا أنا والبدر في وله
نلهو بدرب العشق..ملهمتي
واليوم فالأشواك تلحفني
والنبض أشتات بها لغتي
أنشودة أنت..الهوى رحل
شهد على الأطلال..ملحمتي
اليوم رحال بها الذكرى
حتى يجيش الشوق..قافلتي
أحنو على الأوتار أسرجها
كي تعزف الألحان من هبتي
إني أنا المشتاق في لهف
أتلو على العشاق..موعظتي
أهذي بذي الأشواق لا أسم
في موطن العشاق..يا أمتي
طاهر مشي
لقد توسل الشاعر لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة ومقصدها مصبغا عليها أسلوبا مرنا وشفافا في بناء متناغم ومتناسق كأنه يستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر " إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجا..فخير له ألا يجيء ".
والشاعر (د-طاهر مشي) هنا كأنه يقدم مشهدًا سينمائيًا قويًا بأجوائه،بحيث تبدو الكلمات وهي تتحول إلى صور شعرية فاتنة،تغري بمتابعة القراءة والغوص فيها.وهو أمر معتاد في تجربة هذا الشاعر التونسي الألمعي،حيث يجعل من الكلمات تتراقص في خفة جمالية مذهلة وهي تلتقي ببعضها البعض كي ترسم للمتلقي عالمًا شعريًا فريدًا.
يغوص الشاعرد-طاهر مشي في ثنايا الحياة واصفًا إياها في شعر صافٍ جميل يكون بعمله هذا قد جعل من الشعر وسيلة تعبير غاية في التصوير الجمالي المبدع،وجعل من التأمل الشعري طريقة فنية غاية في الإبداعية،وفتح بعمله الشعري المتمي هذا آفاقًا جديدة في الكتابة الشعرية العربية الحداثية بامتياز،وهو ما جعل من شعره في مختلف تجلياته وتمظهراته المتنوعة،يمتد في التربة الشعرية العربية الحداثية،بانسيابية كبيرة ويحظى بالتقدير النقدي الجدير به..
على سبيل الخاتمة :
ريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها،فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية،وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة،من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري.. وكذا الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي..
دمتَ-يا شاعرنا الفذ-(د-طاهر مشي) لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام


.. سكرين شوت | صناعة الموسيقى لا تتطلب آلات فقط بل أيضاً إحساس.




.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان


.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان




.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز