الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العميل الصدّامي الوحيد والمخابرات الامريكيه؟/5

عبدالامير الركابي

2023 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


هل كانت مبادرته الحالية لفتح ابواب الاتصال بالحكم، هي الاولى كمبادرة فردية غير عادية التي اقدم عليها في حياته، و بالاحرى ابان حكم البعث وصدام حسين؟. لنعد الى عام 1974 بعد عام على قيام "الجبهة الوطنيه والقومية التقدمية"، وفي ذكراها السنوية الاولى، على اثر الخطاب الذي القاه رئيس الجمهورية وقتها احمد حسن البكر بمناسبة مرور عام على عقدها. حين اقدم هو على نشر مقال تحول على يد مجلة "الثقافة" التي يصدرها الدكتور صلاح خالص، الى "مشروع مقدم باسم المستقلين"، صدرته المجله بمقدمه بهذه الصيغه، وقد جاء فيه: ان القوتين الرئيسيتين البعث والشيوعي على اهمية مايمثلانه، الا انهما ليسا لوحدهما حصرا من يعبر بالفعل عن زخم الحركة الوطنيه وحجمها، والقوى الحية التي من هذا المعسكر، وان هنالك قوى "مستقلة" موجودة في كل مكان من العراق، مدنا واريافا، وفي كل زاوية من البلاد، وعليه فان الجبهة الوطنيه لاتكتمل قواما بالفعل، الا يتوسيعها كي تشمل هذا القطاع الحيوي الواسع والفعال. وقد اورد في حديثة جملة من خطاب البكر فيها اشاره تؤيد مثل هذا المنحى.
وكما هو متوقع فان المبادرة او المشروع كما قدم في المجله قد اثار دهشة واسعه لدى مختلف الاوساط، ومنها حزب البعث نفسه، لدرجة ان الامر نوقش في احد اجتماعات القيادة القطرية، كما ان صدام حسين استدعى "صلاح خالص" واستقبله في مكتبه، وهو مالم يكن قد حدث من قبل، وتحادث معه حول "المشروع" حصرا، وفي نهاية اللقاء قال له بان "الجماعة" في مكتب الاعلام يقولون ان مقال فلان كان يفترض ان يعرض عليهم اولا، قبل النشر، وانهم يطلبون من الدكتور عدم نشر اي مقال للشخص المذكور، الا بعد ان يمر عليهم.
هل ثمة من يتذكر هذا الحدث الفريد ؟ كان الحزب الشيوعي عبر رئيس تحرير جريدة "طريق الشعب" عبدالرزاق الصافي قد ناقش معه ماقد نشره، واخذ عليه تكبيره لظاهرة المستقلين ومطالبته باصدار جريدة تنطق باسمهم، وقد ظهر عليه وقتها انه منزعح، وان المسالة قد دخلت لديهم باب المنافسه غير المحسوبه، من شخص كان الى ماقبل بضعة اشهر يعمل في جريدتهم كمحرر اول، وعمل قبلها وقبل صدور الجريدة اليومية الناطقة باسمهم "طريق الشعب"، في جريدتهم الاسبوعبه "الفكر الجديد"، وكانت له من قبل مساهمات في مجلتهم الشهرية "الثقافة الجديده"، ومايذكر عن نشاطه الصحفي بحد ذاته كان المفترض ان لايؤخذ كمجرد حدث عادي من شخص خارج من السجن عام 1969، بسبب اشتراكه في انتفاضة الاهوار المسلحة في جنوب العراق، ضمن اجواء الانشقاق الكبير داخل الحزب الشيوعي في حينه.
فكيف ياترى، ولماذا حصل مثل هذا الاختراق الذي وصل حد اضطلاع المذكور بمهمه الاشراف المباشر على صدور الجريدة، وسهره على اصدارها، في المطبعة وحيدا، وصولا الى الكتابه احيانا في اللحظة الاخيرة، لما يجده لازما وضروريا بدون العودة الى رئيس التحرير، علما بان جهده وعمله ترافق مع ازدهار للجريده مثالي، واستوجب دائما الاشادة والتقدير غير العادي، وساهم في زيادة نسبه مبيعات الجريدة بصورة ملموسة، هذا بينما لم يحدث ان احدا من تيار الانشقاق امثاله قد تمكن من العودة الى الحزب الرسمي، فضلا عن احتلال موقع حساس وغير عادي كالذي اضطله هو به، ماكان يستدعي الالتفات لمظهر اقل مايمكن ان يقال فيه انه "مختلف" مع كل ماكان يثيره من تقولات وعمليات دس، اضطلع بها الكثيرون في حينه، رافضين مثل هذه الظاهرة غير المفهومه لهم على حسب قدراتهم الاستيعابية.
غير ان الاهم لابل مايمكن ان يعد بمثابة الانفجار او القنبله، هو ماحدث وقتها وفي اللحظة التي كان هو فيها يوشك على ترك العمل في الجريدة عام 1974 ، من مفاجاة المشروع المطروح في مجلة "الثقافة"، عندها صار من المفروغ منه ارتباط المذكور بالاجهزة التابعة للحكم، والا فكيف يمكن الاقتناع بان شخصا كان من المشاركين في انتفاضة الاهوار المسلحة عام 1967/1968 وهو عامل من عام 1970 باشكال مختلفة بعد خروجه من السجن عام 1969 حتى وقت قريب في اعلام الحزب، يمكن ان يتجرا فيقدم " مشروعا" سياسيا هو بالاحرى، وعلى فردية القائل به، احتمالية سياسية لاتقل حجما عن "الجبهة الوطنيه" نفسها بعد كل مابذل لاجل بلورتها من جهد جماعي للحزبين لتضع سنوات، الا ان المفاجاه لهذه الجهه يفترض ان لا تقع على الشيوعيين لوحدهم من دون صدام حسين نفسه، وقد وجد نفسه امام وبمواجهة عميل له اكبر من ان يستوعب حجما واحتمالية حضور سياسي، بينما هو مجرد من اية امكانات لم يتعد بعد السابعه والعشرين من العمر. وكرجل حاكم ضمن اشتراطات كانت ماتزال وقتها مهتزه، فانه كان لابد ان يضع بحسبانه، ان من يستطيع ان يحتل مثل هذا الموقع من لاشيء، هو مصدر خطر اكيد، وانه ولابد سيكون منطويا على احتمالات لايمكن التفكير بها، او توقعها، وكل هذا يعني ببساطه ان هذا الشخص ماكان واردا باية حال ان يكون على علاقة، او هو مدار من "اجهزة" متهالكة غبية وجاهلة، لاتعرف كم هو ثلث الثلاثة، من نوع اجهزة الامن المركبه في حينه.
مهما يكن، ومهما قلنا عن مستوى الادراك العقلي، ومنه بالطبع مايعرف بالسياسي الغالب ساعتها، فان اللحظة مدار البحث، كانت واقعا ابعد من ان تشمل ادراكا من قبل الجهات والافراد او الاحزاب المتخلفة التي وضعت لحظته بموقع ادارة الاوضاع، وسنجد انفسنا لهذه الجهة معنيين بالايضاح الضروري للحظة ودينامياتها، خارج المتعارف عليه والمبعد عن الوعي لصالح الشعاراتيه الميته، واجمالي الحديث عن التقدمية والنظام الوطني، ابتداء ثم "الكتاتوري" الموصوف، والعنوانين خارجين عن اي توصيف تحليلي للحاصل، ولما اصبح وقتها وفي سياقات الثورة اللاارضوية الثانيه، غير الناطقة، والمجهضة على يد الحزبية الايديلوجية، اي "الوطنية الزائفة" مع متبقياتها الاستبدالية، وسعيها لتكريس موروثها على هذا الصعيد، عدا عن الاطار الجاهز الدولي، وقوة مفعول القطبيه الدولية وانعكاساتها، وكأن اللاارضوية ليس لها مجالها، وشكل حضورها وفعلها غير الظاهر للعيان، ولا المكشوف عنه النقاب كما هوالتقليدي المعتاد.
12 ـ باعتماد السردية الازدواجية المطابقة للكينونه "الوطنيه" التاريخيه، فان ماكان حدث بعد 17 تموز1968 هو بالاحرى انتهاء لتاريخ اسنمر لسبعة قرون بالتمام والكمال، هو تاريخ البرانيه الذي يبدا مع دخول هولاكو بغداد 1258 وينتهي عند ثورة تموز 1958 ، حين ماعاد ممكنا استمرار حضور البرانيه ووطاتها كحالة مستندة الى قوة برانيه، اخر تمثلاتها الاحتلال الانكليزي الذي جرى سحقه بالثورة اللاارضوية الثانيه غير الناطقة، لتحل محله برانيه الريع النفطي والايديلوجيا الحزبية، او "الوطنيه الزائفه"، وهو ماقد اقتضى واقعا انتهاء فترة " الاستبدال" التي واكبت فترة الاحتلال ودولته التي ركبها من خارج النصاب المجتمعي، ماقد استوجب وقتها من الاطار الاسفل اللاارضوي، موضع التشكلية الحديثة، مصادرة وسائل الغرب لاستعمالها بظل اللانطقية، وقبل توفر الاسباب واللاشتراطات التحققية، لاستعمالها كتعبيرية متناسبه مع الحالة الغالبة السائدة توهميا على يد الغرب ومفهومه ونموذجيته، في الكيانيه والدولة وهو ماشمل في حينه الحزب الشيوعي بالدرجة الاولى، والبعث، وهما الحزبان الايديلوجيان الاكبر، والاكثر فعالية، فاستقدما الى المنتفكك عاصمة الانبعاث السومري الحديث الثالث، بعد محاولات باءت بالفشل لتاسيسهما في عاصمة البرانيه، عاصمة الامبراطورية والدورة الثانيه المنهارة..
ويستمر واقع "الاستبدال" من العشرينات الى ثورة تموز، تذهب ابانها وبعد التصادمية الحاصلة بفعل انفكاك الاستبدالية في حماة التفاعلية التموزية، وتعبير اللاارضوية غير الناطق، مقابل النطقية الايديلوجية الاكراهية الاسقاطية النموذجيه، التي مارسها الحزبان كل من موقعه ضد الثورة بوجهها اللاارضوي، ماقد انتهى للانفصال بين العالمين، وذهب بالحزبين نحو خيار البرانيه الجديده المستنده لعامل من خارج التوازن المجتمعي التاريخي، قاعدته الاساس الريع النفطي، بينما جرت عملية تصفية متبقيات الشيوعية المستبدله اللاارضوية، ومن ثم الاجهاز على بعثوية اللاارضوية بتحوير حزبها، ونقله مع الحزب الشيوعي الى خارج ارض السواد، حيث تراث البرانيه واشكال تحورها المناسب التوهمي، المتناغم مع ظاهرة "النهضة العربية" المصرية الشامية الزائفة.
وليس مايذكر من تبدل في قواعد الاصطراع الازدواجي كما منوه عنها، بالمتغير العادي او القابل للتحقق بمجرد اللجوء اليه من لدن القوى التي وجدت نفسها ماخوذه باتباعه، مع التداخليه الحاسمة غير العادية التي يتسبب بها الانقلاب في معطيات واليات الاصطراع، بدخول عنصر من خارج التوازن المجتمعي التاريخي على الصراع المجتمعي، هذا علما بان العامل الجديد ليس قابلا للتحقيق واعطاء النتائج المرجوه منه، بمجرد الاقدام عليه او توفر مثل هذه النية، اخذا بالاعتبار اجمالي سياقات تحقق عناصره والاجراءات الواجبة لاجل ذلك، من قبيل " تاميم النفط"، و"الجبهة الوطنيه"، هذا ولايجب في مثل هذه الحالة الغفلة عن الانعكسات والاثار المتوقعه لخيار كهذا على المستوى الاقليمي، وتحديدا بمايخص دائرة التفاعلية التاريحيه للتكوينات المجاورة ضمن سياق من الاستنفار المستجد، الواجب مع الانتقال الاتقلابي العراقي ومايمكن ان يستثيره من ردود فعل من نوعه.
بالمقابل فان الانتقال من "الاستبدالية" الى الاصطراعية وقتها، ترافق بعد مازق واحتداميه ثورة 14 تموز، وما قد نتج عنها، وتولد بسبب انتفاء النطقية من مآل خطر، لم يترك من مجال يذكر على الصعيد العملي اصطراعيا مجتمعيا، غير وجوب النطقية، وهو مامن شانه التوافق والتداخل مع اجمالي متغيرات، ناجمه عن الانتقالية مدار البحث اقليميا، وعلى المستوى العالمي بظل احتمالية انقلابية في التوازنات الاستراتيجية النفطية.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا