الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلمة النظام الرأسمالي ... 3

فواز فرحان

2023 / 7 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بعد إنتهاء إقامة القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية في الخليج العربي عام 1993 في كل من الكويت وقطر والبحرين والأردن والسعودية بدأت عملية الإعداد لإقامة قواعد من نوع آخر في المنطقة وتتمثل هذه القواعد في التأثير الإعلامي والفكري في هذه المساحة من جغرافيا المنطقة ، فالتأثير الأكبر لتغيير المجتمعات وقولبتها تبدأ من خلال الإعلام ..
وقبل الخوض في تغلغل الشركات المتعددة الجنسيات في العالم العربي عليّ التوقف أمام تحويل كل من الباكستان وتركيا الى حديقة خلفية لهذه الشركات من خلال إتفاقيات وقعت بينها وبين حكومة بناظير بهتو ، وتم تمرير نفس الإتفاقيات مع تركيا في عهدي تانسو شيلر ومسعود يلماز بين أعوام 1991 الى 1995 وهذا التحوّل مكّن شركة الفواكه المتحدة من نقل الثقل الأكبر لها من البرازيل وكولومبيا الى كل من تركيا والباكستان ، فبدأت كلا الدولتين تغذيان العالمين العربي والإسلامي بالأغذية المعدلة جينياً والتي تنتجها شركة الفواكه المتحدة وتصدرها الى أكثر من 58 دولة منضوية تحت راية منظمة المؤتمر الإسلامي ..
وليس لدول العالم الإسلامي بل لبقية دول اوربا والغرب وانتشرت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي الأسواق التركية الرخيصة في كل المدن الاوربية والغربية والعربية والإسلامية لكن الكثير من الصحفيين منعوا من نشر نص الاتفاقيات التي وقعتها تركيا وباكستان مع الشركات المتعددة الجنسيات والتي حولت جزء كبير من أراضي الدولتين كملكية صرفة لهذه الشركات تصنع الإعلام والأنظمة السياسية التي تلائم تجارتها وتوزيع بضاعتها في طول العالم وعرضه ، هذا المنع لم يؤدي الى قفل الكثير من الصحف في الدولتين بل وصل الى تصفية رئيسة وزراء الباكستان في راولبندي وإبعاد كل من تانسو شيلر ومسعود يلماز عن الساحة السياسية ..
هذه السيطرة الاقتصادية على مجال التغذية والقطن والألبسة سهّل عملية نقل التجربة الى بلدان الخليج وتزويدها بأغذية رخيصة من كلا الدولتين وأدى في البداية الى طفرة إقتصادية تم إعادة أسبابها الرئيسية الى استخراج البترول والاستفادة من موارد الغاز والبتروكيمياويات ، بينما الحقيقة أن عوامل عدّة ساهمت في الطفرة أهمها المخزون الهائل للنفط والغاز والذي يتجاوز في موارده نسبة السكان في الخليج وكذلك استقدام الايدي العاملة الرخيصة من الهند وبنغلادش والفلبين وتشغيلها تحت ظروف قاسية غير إنسانية وبإجور لا تتناسب والعمل الذي تقوم به ..
وعند التركيز على نقطة الثقل الإلعلامي في المنطقة والذي إنطلق مع منتصف تسعينات القرن العشرين بتأسيس فضائيات عربية وإطلاق أقمار صناعية لقطر والإمارات ومصر من أجل بث تلك القنوات التي أُ سند ملفها الى الإعلامي برنارد ليفي والذي يشرف على إدارة أخطبوت إعلامي عربي مؤلف من 88 قناة فضائية في إنتاج وإخراج المواضيع وتمريرها ومناقشتها وإنتاج الأفلام الوثائقية السياسية بما يتلائم والبرنامج الرأسمالي لمنظومة دول المؤتمر الإسلامي ، والأهم من كل ذلك إخراج الشخصيات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة الى السطح وإستقطاب الشخصيات المعارضة للمشروع الغربي وإختبار مدى تعاطف الجمهور العربي مع طروحاتهم والأسس التي تقف خلف تأثيرهم في الجماهير لإعداد برامج تفند تلك الطروحات وتحقّرها وتشوّه معالمها من أجل إبراز ما هو ملائم للبرنامج في كل مرحلة بما تقتضيها الضرورة ..
بدأت عملية تأسيس ودعم وإنشاء منظمات إسلامية متطرفة في حرب أفغانستان أثناء الإجتياح السوفيتي حيث كانت تلك المنظمات الإرهابية تحظى بدعم لا محدود من بلدان الناتو بالأسلحة وتحظى بدعم مالي مباشر من السعودية وقطر والإمارات والباكستان وكانت هذه الدول تزود عبر مطاراتها الإرهابيين الأفغان بالعنصر البشري المتطوع القادم من بلدان العالم العربي وكانوا يقوموا بنقلهم عبر القواعد الامريكية في المنطقة الى ساحات القتال ضد السوفيت في أفغانستان ..
وأسست الولايات المتحدة على أراضيها منظمة القاعدة الإرهابية وأسندت إدارتها الى أحد التجار الذين يتقاسمون أسهم بعض الشركات النفطية مع أسرة جورج بوش وهذا التاجر كان أسامة بن لادن والذي تمكن من تجنيد الكثير من قادة الإخوان المسلمين من الذين كانت تدعمهم المخابرات الأمريكية للحرب في أفغانستان لتكون ساحة حقيقية لحرب بالوكالة ضد السوفيت ..
كانت هذه البداية لإخراج العناصر الإرهابية من العالمين العربي والإسلامي وزجها في الحرب للتخلص منها ، ومهمة الإعلام الذي أسسته في قطر والإمارات في الخطوة الثانية كانت إخراج المتعاطفين مع القاعدة والإسلام السياسي الى السطح من خلال شاشات الفضائيات تلك والخطوة الثالثة تمثلت في الطلب من أنظمة مصر وتركيا وباكستان والمغرب وتونس والأردن بغضّ النظر عن النشاط الذي تقوم به الجماعات الإسلامية على المسرح السياسي الوطني في كل بلد سواء أكان بالسر أو بالعلن إلاّ في حالة الضرورة القصوى ..
أمثلة ..
تعرّض حسني مبارك لأكثر من عملية إغتيال على يد جماعات إسلامية ونجا منها ..
وتعرضت بناظير بوتو للقتل في راولبندي على يد الجماعات الإسلامية المتشددة بحجة بيعها لاراضي البلاد وتوقيعها اتفاقيات رهنت باكستان للشركات الغربية ..
وفي كل بلد من البلدان التي ذكرتها كانت احداث التسعينيات مسرحاً لعمل إرهابي تقوم به تلك الجماعات وتتصدى الفضائيات لتغطيته بطريقة كانت في النهاية تصب في اخراج قوة تأثيرها الى السطح ..
ولم تسلم تركيا وباكستان من تلك الجماعات وتحركاتها في المشهد السياسي ، فبعد توقيع الاتفاق الجمركي بين تانسو شيلر والاتحاد الأوربي فسّر المسلون الأتراك توقيع تانسو شيلر على الاتفاق على انه صفقة شركة الفواكه المتحدة التي سيطرت على تركيا مع بلدان خارج تركيا ، وكذلك حدث الأمر مع بناظير بهتو التي كانت تضع أراضي باكستان تحت التجربة المباشرة لشركة الفواكه المتحدة وإستقطبت أغلب مراكز الأبحاث الأمريكية لدراسة كيفية إنشاء منظومة رأسمالية منتظمة في باكستان بطريقة مباشرة .
ولعب تأسيس قناة الجزيرة في الأول من نوفمبر عام 1996 في إنطلاق التأثير الإعلامي وقولبته لمصلحة البرنامج الرأسمالي الدور الأكبر في التأثير وتبعه تأسيس قناة شبكة الأخبار العربية ( أي إن إن ) في عام 1997 والى أن أصبحنا نشاهد مئات القنوات الإعلامية التي تحكمت في قولبة الرأي العام والمشاعر والعاطفة السياسية بطريقة تصب في خدمة النزعة الإستهلاكية وفي خدمة تسطيح وتحقير المبادئ المهمة عند الإنسان العربي ..
والثقل الأكبر الذي وجهته العولمة التي إنتشرت في طول العالم وعرضه وحولته الى قرية صغيرة كانت المنطقة العربية وإمتداداتها الإسلامية أي منظمة المؤتمر الإسلامي ، فكانت الإستفادة في نقل التجربة الرأسمالية من خزين النمور الآسيوية ( ماليزيا وأندنوسيا ) كبيراً وخاصة من خزين الشركات البريطانية في هاتين الدولتين والتي كانت تحمل أسماء ماليزية وأندنوسية أثناء الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي ..
وتغلغل هذه الشركات تحت الأسماء المذكورة في دول الخليج ومصر كان سهلاً للغاية ولم تكن عواقب في نقل أغلب مراكز ثقل تلك الشركات الى دبي ، ومراكز ثقل البنوك الى الدوحة بينما بقي مراكز إدارة أمن الشركات في المنامة والمراكز الرئيسية لمراقبة عمل كل هذه المنظومة في مسقط ..
وبدأت عملية تأسيس مراكز إعلامية كبرى في هذه المنطقة لترفد المشروع بالأفكار والقوانين اللازمة التي تسهل عملية توطينها في المنطقة بطريقة تدريجية ، كما أنها كانت تمهد لجعل العولمة جزء من حياة الإنسان العربي والمسلم بالدرجة الأولى ، شركة سكاي أسست أغلب القنوات ووضعت أغلب مراكز التحكم بهذه المؤسسات الإعلامية في باريس ولندن وحتى الشخصيات الإعلامية في العالم العربي كان يتم إنتقاءها وفق أسس تخدم المشروع في النهاية ، هذه المؤسسات الإعلامية تدعو لللبرالية الغربية بشكل واضح على الرغم من أن بعضها أعطي له ملف تأييد الحركات الإسلامية والشخصيات الإسلامية المتطرفة في العالم العربي وتأليف أفلام وثائقية تجعلهم أبطال في نظر الجماهير ..
والقسم الآخر أعطي له ملف يخترق خصوصية العالم العربي بكل تفاصيله كي تمهد لقبول العولمة بين أبناء المنطقة ، هذه العملية في جوهرها كانت تهدف الى إخراج كل الحركات الإسلامية السياسية الى السطح ليس ذلك فحسب بل كانت تهدف الى إخراج كل المتعاطفين معها في الواقع العربي لقياس عمق تأثيرها في الجماهير وبالتالي التحكم في حركات الإسلام السياسي بما يخدم أسلمة المشروع الرأسمالي وإستقراره في المنطقة ..
فلو تم تسليط الضوء على البلدان التي مثلت رأس حربة للمشروع الرأسمالي في المنطقة وهي بلدان الخليج نرى أنها منظومة بدوية عشائرية تحكمها عشائر ( آل سعود ، آل صباح ، آل حمد ، آل نهيان ، آل قابوس ، آل خليفة ) وعملية السيطرة على هذه المنظومة العشائرية لم يكن صعباً بل عبارة عن إستخدام فعلي لمندوبين وضعتهم المنظومة البريطانية في المنطقة بما يخدم عملية توطين الشركات في المنطقة ومحاولة إعطاء نموذج برّاق للرأسمالية واللبرالية الغربية ..
لهذا لم يضرب الربيع العربي هذه المنظومة العشائرية بل ضرب بلدان كانت ترفض بوعي التغلغل الرأسمالي والغربي في مجتمعاتها مثل العراق والجزائر وتونس ومصر وسوريا ليبيا والتي تعمّق فيها الإسلام السياسي بفعل المنظومة الإعلامية الغربية الناطقة بالعربية في الخليج مثل الجزيرة والعربية وباقي قنوات برنارد ليفي في الخليج ، فأعطي الضوء الأخضر للأنظمة العسكرية الحاكمة لبلدان الشمال الأفريقي من الدول العربية بالسماح لأحزاب الإسلام السياسي بالخروج الى السطح والمشاركة في العملية السياسية وفي المقابل وضعها تحت المراقبة الصارمة وقياس نبضها في المجتمعات ولعبت المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية الدور الأكبر في دعم العسكر ( الأنظمة العسكرية في المغرب العربي ) بكل قوة وفي نفس الوقت خلق بيئة جديدة للحياة السياسية تنتقل تدريجياً الى لبرالية غربية بصبغة إسلامية ..
تداخل فكرة العولمة مع النموذج الإسلامي بلا أدنى شك سيخلق لبرالية عربية لها سمات غربية وعربية مشتركة لكنها في النهاية تصب في خدمة تغيير المجتمعات بما يتلائم والمشروع الرأسمالي لتوطين التكنولوجيا في هذه البلدان حتى لو كانت تحت تسميات عربية ، والتجربة الأقرب لما كان الغرب ينوي فعله في العالم العربي كانت التجربة الباكستانية في عهد ضياء الحق الذي جاء للسلطة بملفين أحدهما تسليم باكستان للشركات الغربية والثانية التقرّب الى الحركات الإسلامية وتنشيطها في المجتمع الإسلامي ودعم الإسلام السياسي بكل أشكاله في دول منظمة المؤتمر الإسلامي ، فكان دعمه للعناصر الإرهابية في أفغانستان علنياً ولعب دوراً في تغيير معادلة الحرب الأفغانية وأدت عملية الدعم تلك الى نهايته نهاية مأساوية مع السفير الأمريكي في باكستان على يد السوفيت ..
وقبل نشر أو استنساخ شيء من التجربة الباكستانية في العالم العربي إتجهت الولايات المتحدة لتطبيقها بشيء من التدرّج في تركيا الطورانية العلمانية من خلال تشكيل حزب إسلامي سياسي وتنشيط حركة الإسلام العثماني منذ عهد نجم الدين اربكان وحزبه السياسي الذي أراد تدمير العلمانية في تركيا واحلال الشريعة الإسلامية محلها كقانون أساسي وضعي للدولة التركية ، وعملت على هذا المشروع بكل ثقلها فوظّفت لهُ المليارات من أموالها في سبيل إخراج نظام إسلامي معتدل يتناسب وطبيعة المشروع الرأسمالي في الشرق الأوسط ..
وإعتمدت الولايات المتحدة وبريطانيا على ثلاثة شخصيات لقيادة تركيا الى منحى آخر يجمع بين علمانية سطحية ونظام إسلامي يُخرج كل أمراض المجتمع التركي من خلاله الى السطح وهذه الشخصيات هي ( نجم الدين أربكان وفتح الله كَولن ورجب طيّب أردوغان ) ألأول وضع الأساس والثاني يكون الحجة لمحاربة كل معارض للثالث من علمانيين ويساريين في المجتمع التركي ، ونجحت الى حد كبير في مشروعها التركي لا سيما وإن الحكومات العلمانية اللبرالية سلمت أغلب أراضي تركيا للشركات المتعددة الجنسيات منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ..
إن المشروع الرأسمالي الذي ينقل حقائبه الى العالمين العربي والإسلامي بعد أن وصل الى طريق مسدود في أكثر بلدان العالم تقدماً يعمل على تغيير جلده بالإستفادة من الأديان التقليدية في خلق النزعة الإستهلاكية التي تجعل ماكناته تعمل بإستمرارية لا تتوقف حتى لو تم طلاء هذه الماكنات بألوان مختلفة المهم جوهر مشروعها في نهب مقدرات الشعوب والإستحواذ على أراضيها وفرض النظام الذي تريده على المدى البعيد ..
لذلك عملت منذ السبعينات على خلق دعامات كبرى للمشروع في كل من باكستان وتركيا وأندنوسيا وماليزيا ، وتغلغلت في المجتمعات الأكثر ضعفاً في العالم العربي والتي كانت مجتمعات تعيش على الرعي ونظام إقتصادي فيه الكثير من المشاعة البدائية ، لكن هدفها الأساسي لم يكن الخليج بعد الإستحواذ على البلدان الكبرى في العالم الإسلامي بل كان هدفها المجتمعات الأكثر تقدماً في العالم العربي ( العراق وسوريا ومصر وليبيا والجزائر وتونس والسودان والصومال واليمن ) في فترة السبعينات كانت هذه البلدان أقرب في طبيعة مجتمعاتها وفي منظومة التقاليد السياسية الى الإشتراكية من الرأسمالية ..
وعملوا على خلق أنظمة عسكرية فيها تقوم بالتمهيد لتدمير البُنية الفكرية والإجتماعية لدى هذه المجتمعات وتمهد الطريق لتنشيط الإسلام السياسي أو إعطاء المجال لهُ حتى من خلال غضّ النظر عن التنظيمات السرية في هذه المجتمعات ..
وتحققت الكثير من الأهداف التي أرادت الولايات المتحدة فرضها على واقع هذه البلدان من خلال الإعلام ومن خلال تدمير النسيج الاجتماعي لهذه البلدان وخلف الفتنة السياسية فيها من خلال برامج وثائقية أغلبها لا تستند الى حقائق مادية موضوعية ، وساهمت شركة الفواكه المتحدة الموجودة في كل من تركيا والباكستان وفتحت لها كبرى المخازن في الخليج في تدمير إقتصاديات البلدان العربية من خلال تدمير سياسة الإكتفاء الذاتي التي كانت أغلب بلدان العالم العربي تمارسها من خلال السياسة الزراعية والغذائية السليمة في ستينات وسبعينات القرن الماضي ..
كما ساهمت العولمة في تشويه وتحقير الكثير من القيم السامية والنبيلة في هذه المجتمعات تارة من خلال العقلية اللبرالية الغربية وتارة من خلال الإستناد الى الخزين الديني الإسلامي والإعتماد على رجال دين خلقتهم المنظومة الرأسمالية في المنطقة وزرعتهم لمحاربة كل ما هو تقدمي يهدف الى التحرر من قيود هذه الشركات ..
وعبر الكثير من البرامج التي أخفت نفسها تحت عباءة برامج إنسانية أسست الشركات المتعددة الجنسيات قاعدة كبرى لنشر مفاهيم العولمة في العالم العربي وسهلت ماكنتها الإعلامية هذه الحملة من خلال دعمها وتشجيعها ، فجوهر التغلغل الرأسمالي في المنطقة استند الى تدمير المنظومة الأخلاقية والإجتماعية ، فالمجتمعات العراقية والمصرية والجزائرية والسورية ومجموعة البلدان التي ذكرتها والتي كانت محور عمل الشركات المتعددة الجنسيات بعد قطعها شوطاً من االتطور في السبعينات بدأت تخطو نحو تدمير المنظومات العشائرية والرجعية في بلدانها وأعطت المرأة حقوقها من خلال العمل على منع تعدد الزوجات وزج المرأة في العملين السياسي والإجتماعي والعلمي بقوة لكن تحرر المرأة بطريقة تقدمية وثورية يمثل عائقاً أمام عمل هذه الشركات على المدى البعيد لهذا عملت على إعادت المجتمعات الى الخلف من خلال دعم أفكار الإسلام السياسي وتحييد المرأة عن العمل بالطريقة القديمة ونيل حريتها..
فالعقلية الاشتراكية تغذي فكرة الإسرة المتماسكة والتي تسير على خطى التقدم بطريقة علمية بحيث تكون كل إسرة فرداً واحداً نافعاً وخيّراً ، لكن هذه العقلية لا تخدم الشركات وطبيعة عملها في العالم العربي ، لهذا عملت على تدمير النسيج الاجتماعي وتفسيخ المجتمعات ونشر العقلية الأنانية واللبرالية التي تجعل الفرد سطحياً لا يهتم سوى بنفسه ..
فجهاز تلفزيون واحد يكفي الاسرة حتى لو كانت مؤلفة من عشرة أفراد وكذلك باقي الأجهزة المنزلية ، لكن تفسيخ هذه الأسرة سيخلق الحاجة لعشرة شقق او بيوت وفي كل بيت جهاز تلفزيون ومكيف وغيرها من الأجهزة والحاجة تطول الى المزيد والمزيد من عمل هذه الشركات في كل المجالات ..
والحقيقة أنه كان هناك الكثير من المجتمعات المقفلة لا تتمكن هذه الشركات من التغلغل فيها مثل العراق والجزائر وسوريا وليبيا وبعض بلدان الخليج التي كانت تتوجس من بيع كل شيء لهذه الشركات لا سيما وأنها لم تكن تمتلك العقول التي تؤهلها لفهم الكثير من البنود القانونية لهذه الإتفاقيات ، لهذا عوّلت الشركات المتعدة الجنسيات على الإسلام السياسي كرأس حربة لمشروعها في إختراق هذه المجتمعات المقفلة وإعتمدت في جانب آخر على المنظومة الإعلامية ومجموعة من الإعلاميين المرتزقة الذي لا يفهمون عمق تأثير ما يقومون به طالما أنهم يحلمون بسطحية الشهرة الفضفاضة والمال ، وحتى لا أظلم فئة كبيرة من الإعلاميين إنسحب أغلبهم بعد أن أدركوا أنهم بنادق لمشروع يهدف الى تركيع المنطقة وتسليمها على المدى البعيد لهذه الشركات ..
نعم لعب الإسلام السياسي والإعلام الذي أسسته بريطانيا والولايات المتحدة في كل من السعودية والإمارات ولبنان دوراً كبيراً في تقدم المشروع الرأسمالي الى الأمام وتحقيق أهدافه ..
عملياً قسّمت الشركات المتعددة الجنسيات بلدان الخليج الى إحداثيات وتقاسمت أراضيها فيما بينها ولا يدرك سكان الخليج أنه على المدى البعيد لن تكون الأرض ولا الثروات ملكهم بل ملكاً صرفاً لهذه الشركات وهي من تضع المنظومة السياسية لكل بلد وفي كل فترة بما يتلائم وخدمة مشروعها ، وعند بداية المشروع تخلق هذه الشركات نوعاً من الرفاهية المؤقتة والكاذبة التي تقود على أغذية معدلة جينياً وعلى مشاريع سياحية وترفيهية تجعل العالم يبدو جميلاً أمام الشعوب قبل أن تسحب منهم كل شيء في لحظة من اللحظات بحجج مختلفة ( إنهيارات اقتصادية وتضخم وغيرها ) والتجربة الأوربية يجب أن تكون مثالاً حياً لطبيعة ما سيحدث في العالم العربي على المدى البعيد ، فأوربا المديونة والفقيرة والعاجزة اليوم ليست أوربا السبعينات ممن القرن الماضي ..
يتبع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عاشت ايدك رفيقنا العزيز
حسين علوان حسين ( 2023 / 7 / 14 - 12:15 )
الرفيق العزيز الاستاذ فواز فرحان المحترم
وصف بانورامي مذهل ؛ أهنئك عليه
بقي موضوع الأسلمة في اندونيسيا وماليزيا وبنغلادش وجمهوريات تركستان السوفيتية سابقا: اذربيجان وقرغيزستان واوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان ، وكذلك جزر القمر وبروناي والمغرب وليبيا وتشاد والحبل على الجرار؛ ولا تنسى العراق وسوريا.
كل الحب والتقدير والاعتزاز


2 - ليبيا مختبر الغرب للرسملة والأسلمة 1
محمد بن زكري ( 2023 / 7 / 15 - 18:35 )
شكرا للكاتب على المعلومات بالغة الأهمية والدلالة ، عن رسملة أنظمة الدول المتأسلمة ، واستتباعها للغرب اقتصاديا وثقافيا وسياسيا بواسطة الإسلاميين .
وسأضرب مثلا لذلك بليبيا ..
ففي ليبيا ، بعد أن ابتزوا نظام القذافي فدفّعوه مبلغ 2,7 مليار دولار ، تعويضا عن ضحايا لوكربي (بواقع 10 ملايين دولار عن كل ضحية) . وبعد أن سلم لأميركا كل معدات ومواد برنامجه النووي ، زائدا مخزونه من الصواريخ البالستية (مجانا وبلا مقابل) بما قيمته نحو 7 مليارات دولار . كما سلم لبريطانيا كل معدات مصنع الأدوية الوحيد (بلا مقابل) ، تحت طائلة الاتهام بتصنيع أسلحة كيماوية ؛ عملت إدارة جورج بوش الصغير على إعادة تأهيل النظام (نيوليبراليّاً) ، فأسسوا لسيف الإسلام القذافي (ولي العهد) ما عُرف باسم (مشروع ليبيا الغد) ، وتم الشروع في رسملة الاقتصاد الليبي (تحت إشراف سيف) ، فطُرحت أكثر من 400 شركة عامة للخصخصة ، وألغيت مؤسسة السلع التموينية ، وفُككت الأسواق المجمعة العامة ، وتم تغيير القانون التجاري لمصلحة التجارة الحرة وتحرير الأسعار ، وتمت تصفية كل مشروعات التنمية الصناعية والزراعية .. التي كلفت الخزانة العامة مئات المليارات


3 - ليبيا مختبر الغرب للرسملة والأسلمة 2
محمد بن زكري ( 2023 / 7 / 15 - 18:37 )
وفي ولاية باراك أوباما ، كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ، تستقبل أبناء معمر القذافي (سيف الإسلام و المعتصم بالله) في مقر وزارة الخارجية ، لإجراء المباحثات والتقاط الصور التذكارية .
وعمل سيف الإسلام القذافي على استقطاب - والتحالف مع - تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة . وأعلن العقيد القذافي نفسه إماما للمسلمين في العالم .
لكن ما أن انطلقت مظاهرات فبراير 2017 (على خلفية إسلاموية) في سياق هوجة الربيع العربي الشعبوية ، حتى ركبها الغرب (حلف الناتو) وتنظيمات الإسلام السياسي ، فحولوها إلى تمرد مسلح . وكان لتدخل الناتو الدور الحاسم في الإطاحة بالنظام . وتم تكليف زعيم الجماعة الليبية المقاتلة (فرع القاعدة) الذي حارب بأفغانستان ، رئيساً للمجلس العسكري بالعاصمة طرابلس ، ونُصِّيب نائبه وكيلا لوزارة الدفاع (والاثنان أصبحا من كبار أصحاب الملايين ويعيشان في تركيا) . وجيءَ من أميركا وبريطانيا وألمانيا وكندا ، بالإسلاميين الليبيين (المتجنسين بجنسيات تلك الدول) ، فمكنوهم من رئاسة الحكومة والوزارات ورئاسة الدولة وعضوية البرلمان والسفارات ؛ تفعيلا لفكرة (الفوضى الخلاقة)


4 - ليبيا مختبر الغرب للرسملة والأسلمة 3
محمد بن زكري ( 2023 / 7 / 15 - 18:40 )
والآن ، ومنذ 12 عاما (بعد ’’ ثورة الربيع العربي ‘‘) ، ليبيا تحت السيطرة التامة لأحزاب و جماعات الإسلام السياسي ، و تدار فيها الحكومة والسلطة التشريعية وكل مؤسسات الدولة بواسطة الكومبرادور (الوكلاء التجاريون) ، وتم تقسيم ليبيا (فعليا) إلى دولتين ، ليبيا الشرقية (برقة) وليبيا الغربية (طرابلس) ، وفي كلتي الدولتين يسيطر تيار السلفية المدخلية سيطرة تامة على المؤسسة الدينية (الهيئة العامة للشؤون الإسلامية) التي تدير الجوامع ، و يسيطر الإخوان المسلمون على المؤسسات التعليمية ، ويسيطر التجار على كل مفاصل الاقتصاد الوطني (كما طرحتُ في أكثر من مقال هنا على موقع الحوار المتمدن) . فليبيا اليوم دولة راسمالية (إسلامية) ، تخضع - سياسيا - بالكامل لسلطة الكومبرادور (لصوص المال العام) من الليبراليين والإسلاميين ، بدعم كامل من المؤسسة الدينية (الهيئة العامة للشؤون الإسلامية ودار الإفتاء) وبالشراكة معها . وآخر إنجازاتهم - بطرابلس - صدور قرار بإنشاء شرطة دينية ، باسم : حماة الفضيلة ! سبقه إنشاء جهاز بوليس مماثل - في بنغازي - باسم : جهاز مكافحة الظواهر الهدامة ! والنتيجة دولة غنية منهوبة ، وشعب فقير جائع.


5 - تصويب الخطأ في ت 3
محمد بن زكري ( 2023 / 7 / 15 - 23:16 )
الصحيح هو أن مظاهرات فبراير ، التي تحولت إلى (’’ ثورة ‘‘ 17 فبراير) ، وقعت سنة 2011 كما يعرف الجميع ، لا سنة 2017 كما ورد سهوا في ت 3 . لذا وجب التصويب . و أعتذر عن الخطأ .


6 - رد الى الرفيق والأستاذ حسين علوان حسين
فواز فرحان ( 2023 / 7 / 16 - 09:45 )

أشكرك من القلب على تقييمك وملاحظاتك الدقيقة للغاية والتي ترشدني في كتاباتي بطريقة أفضل .. أتفق معك في موضوع أسلمة البلدان التي ذكرتها ولا بد من التوقف عندها طويلاً خاصة النموذج البنغلادشي الذي حقق طفرة إقتصادية منذ عام 2009 والذي يعتبر الخزين المستقبلي للايدي العاملة الرخيصة للشركات في تركيا والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان التي سيتم نشر النموذج الراسمالي فيها ..
ملاحظاتك تنورني دائماً وتمنياتي لك بدوام التوفيق .. تحياتي


7 - رد الى الأستاذ محمد بن زكري
فواز فرحان ( 2023 / 7 / 16 - 09:51 )

أشكرك من القلب على الإضافات المتميّزة التي أغنت البحث بالكثير من المعلومات حول النموذج الليبي وأتفق معك تماماً فيها لا سيما وأن ليبيا ستمثل الثقل الأكبر في المشروع الرأسمالي في المنطقة العربية بسبب مواردها الضخمة وعدد سكانها القليل نسبة الى المساحة ..
أكرر شكري الجزيل لك وتمنياتي لك بدوام التوفيق .. تحياتي


8 - سذاجة بل حماقة الغرب والأسلاميين
Magdi ( 2023 / 7 / 16 - 10:24 )
سبق أن كتبت عدة تعليقات تحت العناوين التالية ( وثائق دعم كلينتون فى حكم أوباما لداعش 1 & 2 + المواطن الصالح وليس المصالح وحدها ياإدارة أمريكية + أمريكا ليست حليفة السعودية ..) .أنظر تعليقاتى تحت مقال المرحوم طلعت رضوان :
ماذا بعد هدوء العاصفة ?
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=547742
-----
أضف اليوم : الغرب يتحالف مع الأسلاميين ولا يتصور أنه سوف يسقط فى مستنقعهم كما تدل على ذلك جرائم
التدمير والحرق التى أرتكبت فى فرنسا فى يونيو 2023..شكرا للعملاق محمد بن زكرى على مداخلاته .تألمت جدا للمآسى التى أصابت الشعب الليبى والتى أمتدت فى الشرق تحت ستار الدين.
تحياتى .مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ