الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2023 / 7 / 14
الادب والفن


حينما بلغ ( علي ) السادسة من عمره ، واجهته أول حيرة في حياته .. لقد ألهبت خياله رؤيته لأبيه ، وهو يصلي مُسبل اليدين ، وأمه تصلي ، وهي متكتفة .. رغم أن الحركات والهمهمات واحدة ، وأدهشه أيضاً أن أمه تصلي خمس مرات في اليوم .. بينما أبيه ثلاث ، ورغم ملاحظته لهذه الفوارق وغيرها ، إلا أنه صعب عليه فهم مفارقاتها وأسبابها .. !
خطى نحو غرفة والديه .. فتح الباب بهدوء ، وأطل منه بوجهه الصغير .. رأى أمه مستغرقة في الصلاة .. دخل على أطراف أصابعه وجلس ، ثم أخذ يتأملها ساهماً .. منتظراً بفارغ الصبر متى تنتهي من صلاتها، وعندما رآها تسلم يميناً وشمالاً ، قام فرحاً وعانقها .. قبّلها على رأسها .. تنسم منها نفحةً من ريح طيبة .. رفعت نظرها نحوه مندهشة كأنها تقول ما الذي جاء بك في هذا الوقت .. استقبل نظرتها بابتسامة عذبة .. مدت يدها تستدعيه اليها .. القى بنفسه في حضنها .. قبلته ومسّدت على رأسه بيدها الحنون :
— ماما ..
— نعم حبيبي ..
وبعد تردد قال :
— لماذا تصلين ، وأنت تضعين يداً فوق يد ( ينهض واقفا ويقلد حركة أمه ) بينما بابا يصلي هكذا ( ينزل يديه .. ) ؟
تحيطه بنظرة تفيض حناناً ، وتستجيب لسؤاله مبتسمة :
— ليس هناك فرق حبيبي .. نحن الاثنين مسلمين ..
— وهل بابا مسلم مثلكِ .. ؟
— طبعا بني ، وأنت أيضا مسلم مثلنا أنا وبابا ..
يقاطعها ، وهو يزداد الحاحاً :
— وأخي عمر ، وأختي أسماء .. ؟
— نحن جميعا مسلمون ، حبيبي .. ربنا واحد ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم واحد ، وعندما تكبر لك الحرية في الطريقة التي تريد أن تصلي بها .. مثلي أم مثل بابا .. لا يهم ..
— كيف لا يهم ماما ، وانت تصلين أكثر من بابا .. هل لأنه بابا ، ومشغول في العمل يصلي أقل منكِ .. ؟
— لا تشغل بالك بمثل هذه الامور الآن .. عندما تكبر ستفهم كل شيء .. لا تستعجل ..
يصمت قليلا ، ثم كأنه وجد حلاً :
— عندما أكبر سأصلي نص مثل بابا ، ونص مثلكِ ماما .. هل يتقبلها الله ، أم يغضب مني .. ؟
— لا أدري بني .. حيرتني .. !
— بابا يقول صلى الله عليه وآله .. لماذا لا تقولين أنتِ وآله ؟
— ما تفرق .. سواء أقلتها أم لم أقلها سيتقبلها الله في الحالتين ..
— مادام يتقبلها قوليها مثل بابا ، أو قولي لبابا أن لا يقولها مثلكِ .. لكن عمتي هدى ، وجدتي لا تصليان مثلكِ .. تصليان مثل بابا ، وتقولان وآله مثل بابا .. !
صمت قليلا ، وهو يتخبط في بحر حيرته .. ثم عاد كأن هذا لم يكن كافٍ لتهدئته ، فقال مسلطاً عليها نظراته الشاردة :
— ماما .. لماذا لا تضعين ( التربة ) على السجادة مثل بابا ، وعمتي هدى وجدتي .. ؟
تجاهلت سؤاله ، وبسطت يديها ، ورفعت رأسها ، وأخذت تتلو همساً غير مسموع شيئا من الأدعية ، ثم قامت ، ورفعت سجادتها وطوتها ، وهي تواصل التمتمة .. ساوت من هيئتها ، وغادرت الغرفة كأنها تتعجل الهروب من الحاحه ، لكنها أجابته جواباً محايداً دون أن تفقد هدوئها :
— قلت لك ، يا بني ستفهم عندما تكبر ..
— ولماذا ليس الآن .. ؟
— لانك لا تزال صغيراً .. عندما تدخل المدرسة وتنجح ، وتكبر ستفهم كل شيء ..
— ماما .. خالي عبد القادر يقول أنتم روافض .. ما معنى روافض ؟
ولما لم يجد منها رداً .. يكمل :
— لماذا لا يزورنا خالي عبدالقادر هل انتم زعلانين مع بعض .. ؟
قالت وهي ساهمة كأنها بدأت تتوه :
— تعال لأريك الجنطه ، والقرطاسية التي اشتراها لك بابا .. حان وقت ذهابك الى المدرسة حبيبي .. لم يتبقى سوى أيام قليلة ..
— ما معنى قرطاسية .. ؟
— يعني الاشياء التي تحتاجها في المدرسة .. الاقلام والمسطرة والممحاة والقطاطة .. تعال تعال ..
تركته يعبث بالجنطة ومحتوياتها ، وحولت عينيها عنه ، ثم أطلقت آهة ، وانحدرت من عينيها دمعة .. عادت بها ذاكرتها الى أيامها مع حسين قبل الزواج ، وكيف أحبها وبادلته الحب بالحب .. عاشا قصة حب عنيفة طاهرة ، وعندما تقدم لخطبتها رفض أهلها رفضا صادماً ، وكان شقيقها عبد القادر أشد أعضاء الاسرة معارضةً لهذا الزواج .. لكنها بذكائها وتضرعها ودموعها وتهديدها بالانتحار استطاعت أن تقنع والدها ، وتم الزواج على ضرس الأهل .. لكن علاقتهم ظلت باردة شبه مقطوعة .. عاشت في بداية زواجها مع أهل زوجها غريبة متباعدة كالشاة السوداء ، إلا انها استطاعت بصبرها ، وطيبتها ، وبمؤازرة زوجها أن تكسب الجميع ..
تنادي على زوجها :
— حسين .. حسين .. تعال أغثني ، وخلصني من علاوي ..
يأتي ( أبو علي ) ، وعلى شفتيه ابتسامة واسعة .. يحتضن ابنه ويقبله ..
— ما له علاوي .. ( ضاحكاً .. ) هل بدأ تحقيقه معكِ ؟ تعال لأريك ما اشتريته لك من ملابس حلوة للمدرسة ..
يتهلل وجه الطفل بفرحة رائقة ، وهو يعانق أبيه بلهفة ، ويطوق عنقه ، ويبادله القبل كأنه نسي الصلاة ، وفوارقها .. لكنها سرعان ما تعود تلح على ذهنه فيسأل أبوه :
— بابا سأصلي معك .. ناديني عندما يأتي وقتها ..
يرد الأب مستسلما :
— حاضر بني .. والان هيا بنا نقيس الملابس الجديدة عليك .. هيا هيا ..
ومضت السنين مسرعةً ..
وكبر علي ، وأصبح شاباً .. تعلم وقرأ الكثير ، وتكشفت له الحقائق التي حيرته ، وهو طفل .. سأله أبوه يوماً :
— علي ابني .. لا أراك تصلي مثل أخوك عمر ، وأختك أسماء ..
— لا أدري بابا .. أرجوك أن لا تلح علي .. اتركني أختار طريقي بنفسي ..
يقول الاب متوجساً :
— أرجو أن لا تصدقْ الاشاعة التي وصلتني بأنك أصبحت علمانياً .. لا أعرف ، وربما ملحداً .. أعوذ بالله .. أصدقني القول بني ، وريحني ؟!
— من فضلك بابا .. لا أريد أن أتناقش في مثل هذه المواضيع .. لم أعد صغيراً دعني أعيش حياتي بطريقتي ، أرجوك ..
غادر الأب حزيناً ، وهو يضرب كفاً بكف .. !
تساؤلات عدة بقيت مستيقظة في ذهن ( علي ) طوال حياته لم تغادره ، ولم يجد لها جواباً ، ولا تفسيراً لحد اللحظة :
هل يمكن أن يختلف الطريق الى الله بسبب هذه التفاصيل التافهه ، والتي لا قيمة لها في نظره .. هو العبد المسكين ، فكيف بها في نظر الله .. خالق الأكوان ، والكلي القدرة .. ؟
معقول .. ؟!
لِم اذن هذا التفاوت في التفكير ، والاختلاف في التصنيف والمواقف مادمنا كلنا مسلمين .. إلهنا واحد ، ونبينا واحد .. عجباً .. هل جاءت كل هذه الاختلافات من الله ، أم أن للبشر يد فيها .. ؟! هذا هو السؤال .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟