الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقديم الألم في قصيدة -يا شيخ اثًقَلكَ السراب منير إبراهيم

رائد الحواري

2023 / 7 / 14
الادب والفن


تقديم الألم في قصيدة
"يا شيخ اثًقَلكَ السراب
منير إبراهيم
اليوم جاء "
كان لي الم تلفع بالكباسيل الكثيرة
كان يلقيني على إسفلت وجعي
وتنام في الصدر سهام من ضلوا
قد صام دفترنا عن الحبر
وأصبح يرسم الأحرف صمتا في الهواء
وانا أحاولها تَرِف بنا
ربما نحمل وردا في رسائلنا
على مد الجنائز
في ممرات الدمار
ودموعاً من طيورِ الهمس
تقتفينا كي تعود"
الشاعر يكتب ذاته، ما يشعر/ يحس به، وبما أن الشعراء يمتلكون مشاعر مرهفة، تجعلهم يتأثرون/ ينفعلون بأقل الأحداث/الأشياء/ الكلام، فهم كالورقة البيضاء أي غبار/خط تتأثر به، الشاعر "منير إبراهيم" يأخذنا إلى هذه المشاعر الأحاسيس في قصيدة "يا شيخ أثقلك السراب".
نلاحظ أن العنوان طويل، وبما أن هناك حرف نداء ومُنادى "يا شيخ" فهذا يتضمن شرح لما يعانيه "الشيخ" المثقل بهموم ووجع السنين، فالحديث متعلق بشيخ، وبأمل لا يمكن الوصول إليه، "سراب"
إذن الشيخ يعاني من ثقل الزمن، وهذا ما نجده في فاتحة القصيدة: "اليوم جاء" ونلاحظ أن العنوان متعلق بشخص "الشيخ" وليس بالشاعر نفسه، لكن فاتحة القصيدة متعلقة بأنا المُتحدث/المُتكلم، "كان لي" وهذا يستدعي التوقف عنده والبحث في الأسباب التي سنجدها متعلقة بحجم الألم/القهر الذي يعانيه الشاعر، حيث أوجد شخصية خارجية يستطيع من خلالها الخروج من ألم الحديث عن الأنا، إلى الحديث عن شخص خارجي، وهذا يعطيه مساحة ليتحرر ـ ولو شكليا ـ من ألمه، فالحديث عن الألم ألم أضافي، من هنا جاء العنون وأجزاء من القصيدة متعلقة بالشيخ الذي أراد الشاعر من وجوده إن يسقط عليه شيئا من معاناته/ آلامه.
فالشاعر من خلال العنوان "يا شيخ" أعطا لنفسه (استراحة) تقويه على الحديث عما يرد البوح به، من هنا نجده يسهب في الحديث عن الألم الذي نجده في الفكرة وفي الألفاظ القاسية أيضا: "تلفع، إسفلت، وجعي، سهام، ضلوا، صمتا، الجنائز، الدمار، دموعا" فالألم حاضر وبقوة في المقطع، لكن الشاعر يعي هذا الأمر، وهو يهتم بالمتلقي لهذا أوجد مخففات تحد من ذلك الألم التي تتمثل في الصور الشعرية:
كان لي الم تلفع بالكباسيل الكثيرة
كان يلقيني على إسفلت وجعي
وتنام في الصدر سهام من ضلوا
قد صام دفترنا عن الحبر
وأصبح يرسم الأحرف صمتا في الهواء"
أعتقد أن هذه الصورة كافية للقارئ لكي يستمر في الاستماع إلى معاناة الشاعر وبما به من ألم، فقد أخذ مقدرا من الجمال يستطيع به أن يتجاوز (جحيم) في القصيدة وما فيها من نيران وخراب.
وإذا ما توقفنا عند ألفاظ بشكلها المجرد، سنجد أن الشاعر يتحدث عن كونه شاعرا من خلال تناوله للكتابة: "دفاترنا، الحبر، يرسم، الأحرف، رسائلنا" وهذا يأخذنا إلى رهافة المشاعر والأحاسيس عنده، فظهر لنا الشاعر نفسه بكل جلاء من خلال قوله:
قد صام دفترنا عن الحبر"
وأصبح يرسم الأحرف صمتا في الهواء
ربما نحمل وردا في رسائلنا"
لكن نلاحظ أن هذا الظهور لم يأت مباشرة وصريحا، بل وجدناه بين الصورة والألفاظ، وهذا يقودنا إلى (خجل) الشاعر وحياءه من التحدث مباشرة عن ألمه.
ونجد أن هناك وجع شخصي متعلق بالشاعر نفسه: "يلقيني، وجعي" ووجع عام/وطني/قومي: "من ضلوا، دفاترنا، نحمل، الجنائز، تقتفينا، نعود" وهذا يشير إلى اجتماعية الشاعر وعلى أنه جزء من هذا الشعب/الأمة.
بعد هذا اللأم يأخذ الشاعر جرعة أخرى من خلال مناداة الشيخ "يا شيخ أثقلك السراب" فيتحدث بغزارة عن الألم وقتامة الواقع:
" يا شيخ أثقلك السراب
ها نحن وحدنا الكفن
و الفجر في سبطانة الموت يصيح
يوَلِدُ الصبر على جدراننا
كلما هدموا جداراً
يُبّنى بما صرخ العذاب"
نلاحظ أن المقطع قصير نسبيا لكنه غارق في القاتمة: "الكفن، سبطانة، الموت، يصيح/يصرخ، جدراننا/جدارا، هدموا، العذاب" فهناك خراب هائل يدفع بالشاعر ليخرج من كونه شاعر ويتحدث بصورة مباشرة، فحجم الألم كبير ولا يحتمل، من هنا، يظهر لنا هذا الانفعال والخروج عن دوره كالشاعر من خلال: "يصيح/يصرخ" فهل لهذا تبرير، أسباب؟ نجد الإجابة من خلال تشابك وجع/هم الشاعر بالوجع/بالهم العام: "وحدنا، جدراننا" فهو يحمل همين، وجعين، ولم يعد يحتمل المزيد، وما استخدامه للفظ "الصبر" إلا من باب هول الضغط الواقع عليه،:
أيضا يستعيد الشاعر عافيته من جديد: "يا شيخ أثقلك السراب"
" يا شيخ أثقلك السراب
اذهب إليك
وعد بكفيّ السحاب
ها نحن نحلم
إنّا سرقنا تيهنا من أعين الحلم
من صباحات الخنادق
ولم تنفع كباسيل الدواء
كانت حضورا من غياب"
نجد أن حدة السواد بدأت تخبو، من هنا نجد شيئا من البياض كامن في "السحاب، نحلم/الحلم، صباحات" لكن حالة الوجع ما زالت حاضرة أيضا: "سرقنا، تيهنا، الخنادق، غياب" وهذا (التوازن) بين (الألم والفرح) له علاقة باستعادة الشاعر هدوءه/ اتزانه، فقد أفضى ما في نفسه من مشاعر، وأصبح (هادئ) غير مضطرب ولا منفعل، لهذا جاءت خاتمة القصيدة بهذا الشكل:
"هبني أبادلك النهار
أنا أحاول أن الم القوت من لا قوت
لكني وحق الرب
ارفلُ بالرغيف الحاف
على جبيني تضحك الشمس
ويمسي في العروق قمر توضأ بالمساء
صلى امتنانا للالاه
ونام في حضن التراب
ولم تنفع كباسيل الكلام
ولا رسائلنا التي هدت على جسر الحمام
ولا الردود
ولا الوعود
بلا جواب!!!"
نلاحظ حالة من التسليم بما هو حاصل لهذه نجده يكثر من استخدام حروف النفي: "ولم، ولا/بلا (مكرر أربع مرات) وإذا ما توقفنا عن "رسائلنا/الردود/ الوعود وجواب" نصل إلى المكان (الفارغ) الذي اكتشفه الشاعر، وإذا ما توقفنا عند "بلا جواب" نصل إلى حالة يأس وتسليم كامل بالواقع.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في