الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الشعر النسائي التونسي-: سريالية مدجنة،ورؤيا شجاعة مميزة وحديثة..(الشاعرة التونسية القديرة د-سعيدة الفرشيشي نموذجا)

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 15
الادب والفن


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن مصطلح "الكتابة النسائية" أو "الإبداع النسائي" لا يعبر عن نظرة تجزيئية للأدب،بل الطموح المنهجي للكشف عن الجرح الأنثوي الذي يسكن الكتابة النسائية وعن قواعد لعبة الانتماء من خلال فعل الكتابة عند أقلية فاعلة داخل مشهدنا الثقافي العربي.
في هذا السياق،أؤكّد أن الشعر جاء ليعيد مد الجسور،فأعلنت الشاعرة عن نفسها بقوة، وبدرجة عالية من الإحساس،لتحرير نفسها من حبال الخوف والتردد،مهما اشتدت قساوة الآخر.
وإذن؟
الشعر يولد،إذا من الروح والارواح متشابهة،واذا كانت الروح نقية وشفافة ومعطاء،جاء الشعر على هيئتها وجوهرها والعكس كذلك.
وهنا أشير إلى أنّ الحركة الشعرية النسائية التي انطلقت منذ عقود ساهمت،كحافز وكمحرض، في قيام انطلاقة شعرية جديدة كانت تجمع شعر الجمالية الحديثة والتراثية ضمن تعبير غنائي موزون شبيه بالشعر الفرنسي في القرن التاسع عشر،ولقد قامت على سبيل المثال رشا عمران من سوريا وفاطمة ناعوت من مصر وجمانة حداد من لبنان ومليكة العاصمي من المغرب،بنفح الأدب العربي النسائي بسيريالية مدجنة ورؤيا شجاعة مميزة وحديثة.
ولعل العلامة الأكثر بروزاً في هذا الشعر كانت نوعاً من الرمزية الجامحة والاستحضار اللازمني اللذين جعلا هذا الشعر صعب المنال بالنسبة الى الجمهور الواسع ،ومع مرور الوقت أصبح هذا الشعر اكثر صفاء واكتسب عمقاً وبساطة وتميزاً في المضمون وفي التعبير..
خلاصة القول أقول : كلّ قصيدة هي أسطورة عشق..يضعها شاعر أو تضعها شاعرة لخلق العالم من جديد..وإن لم تكن كذلك فهي لا شيء..
والشاعر/الشاعرة لا يستعيد أسطورة أو يستلهمها فقط،بل يكتب أسطورته،ليضع نفسه ويضعنا أبدا أمام ذواتنا في بداياتها..
بداياتها المتجدّدة التي لا تنتهي..وأعظم تصوّر لهذه البدايات أن نكون ..أن يكون وجودنا أسطورة خلق..أسطورة عشق،في ترابط عضوي بين الحبّ والخلق،علّة وغاية،فعلا وقصدا..
إنَّ القراءةَ المتأنية للقصيدة التالية التي تحمل إمضاء الشاعرة التونسية المتميزة د-سعيدة الفرشيشي تظهر بشكلٍ جلي أنَّ عاطفةَ الحب الصادق المقرونة بمسحة الجمال تشكل أبرز الينابيع التي أثارت قريحة الشاعرة-سعيدة-الإبداعية،وحفزتها على البوح شعراً،إلى جانب تجسيد عواطفها رسما بالكلمات..
وقد أضفت-سعيدة-بجهد ملحوظ على الإبداع النسائي مسحة من الجمال،زاد أدبنا رقة،عنفوانا،وتميّزا خلاّقا..
ومن لا يجيد الرقص على إيقاع الكلمات أدعوه..الآن..وهنا..-بعفوية مطلقة-إلى الإستمتاع بالنغمات الشعرية التالية،وحتما سيحصل التناغم،بين الشاعرة والمتلقي..

..وحديث في الحب : تمهل حبيبي

إذا سرت في الدرب خفف خطاك
حبيبي تمهل ودعني أراك
تمر ببيتي كنوز الصباح
ايا طائري يا طليق الجناح
ألم ترني خلف باب الحديقة
انفد باقة زهر أنيقة
ويلعب بي الشك بعد الحقيقة
ومنذ غدوك حتى الرواح
تحاول عيني اقتباس ضياك
ولم تدر أن عيوني فداك
أنا منك لا أستطيع الهروب
وفي كل يوم فؤادي يذوب
لأني عشقتك من الضياع
على اليم أبحرت دون شراع

د-سعيدة الفرشيشي

نمضي العمر ضجراً نبحث عن نصفنا الحيّ،فإذا اكتمل القلب،إتّزن النبض.هكذا هو الحب-كما جسدته الشاعرة د-سعيدة الفريشي في قصيدتها العذبة،ندور في مداره دون كلل وملل.
نفرح لعذابه،نتباهى بلوعته ونغرف منه قصائدنا.
هكذا هو الحب،نصطبر على مشاغباته نثور ونهدأ وكلّما أقسمنا اعتزاله عاد قلبنا إليه طواعية. أوَمَنْ أصدق من الشاعر حين يحكي مفاهيم الحبّ ويحاكي الحبيب؟
إن ما يَلفت النظر في هذه القصيدة هو الإيقاعية التي انبنت عليها،فلم تركب الشاعرة مركب المتقشّف في هذا الجانب،وقد فعلت هذا بتفرد ظاهر،فقصيدتها«تمهل حبيبي» متحررة من ضغط الإيقاع المفتعل،إنه إيقاع أتى عفو الخاطر والقلب،ولم تتقصده الشاعرة قصدا.
هو إيقاع داخلي يأسر أذن السامع،إيقاع ينبني على تكرار الحروف والبنيات اللغوية،وينتج عن ما ينشأ بين الكلمات من علاقات عن طريق التجاور.
الشعر شعور،الشعر مشاعر،الشعر ترجمة فنية وجمالية لأحاسيس ليست بالضرورة كلها تهم الشاعر أو الشاعرة.فالشاعر(ة) لسان قومه ونبضه،فضلا عن كونه لسان حاله وذاته.
ألم تكن الخلفية التي أطرت تحرر الشعر من البحور الخليلية،هي توسيع مساحة التعبير الشعري،بدون تقيد أو ارتهان لروي أو قافية،مما رفع من منسوب دقته وصدقيته؟
إن من يطلع على تجربة الشاعرة التونسية الفذة د-سعيدة الفرشيشي في بعدها الجمالي يدرك أن معيار الصورة والإثارة متحققة في قصائدها وفي نسقها الشعري (قصيدتها : تمهل حبيبي نموذجا)؛ولعل الملمح المهم في شعرية قصائدها مؤسسة على صورة رؤيوية مؤثرة لتحقيق البعد الجمالي ,صور متنوعة عن حالة الشاعرة وقلقلها،وإحساسها العاطفي المتقد صبابة وإثارة.
وختاما نقول،تتجسد الصورة الشعرية المبهرة في قصائد الشاعرة د-سعيدة الفرشيشي بلغة بسيطة وسهلة خالية من التعقيد اللغوي ,تنم عن خبرة عميقة وتجربة واسعة وراسخة للشاعرة بمنطوق الكلام المنساب الذي يُكْسِبُ اللغة اليومية شعريتها،من حسن التركيب وتدفق اللغة الهادئة .
هدوء الروح وساكنة سكون النفس التواقة للحب الدائم والطهر والنقاء،لغة حية بمدلولاتها ومعانيها الغزيرة التي لا تنضب والمنسجمة مع بنية قصيدة النثر الحديثة..
هذا انطباع أولي على قصيدة: "تمهل حبيبي” للشاعرة -سعيدة-وهو إطلالة سريعة عليها. أرجو أن أكون قد وفقت في ملامستها شيئا ما ولو من بعيد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان


.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان




.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز


.. تشييع جثمان والدة الفنان كريم عبد العزيز.. وتعديل موعد العزا




.. ما اقدرش اتخيل البيت من غير أمى.. كلمات حزينة من الفنان كريم