الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغة الشاعر في ديوان -منازل أهلي- حبيب الزيودي

رائد الحواري

2023 / 7 / 15
الادب والفن


لغة الشاعر في ديوان
"منازل أهلي"
حبيب الزيودي
من جمالية الشعر تحقيق المتعة للقاري، وهذا ينتج عن اللغة الشعرية وطريقة تقديم القصيدة، والفكرة/المضمون الذي يقدمه الشاعر، في "منازل أهلي" نجد جمالية متعددة الأوجه، فهناك ما هو متعلق بالفكرة كما هو الحال في قصيدة "نشيد الشنفري" حيث ينتقد الشاعر الواقع الاجتماعي والمتمثل:
"قبائل ما تزال على عمرها وما زال الرقيق بها الرقيقا
وظل يصيح بالدنيا أفيقي وظل يهزها حتى تفيقا
تبسم وهو يذوي مطمئنا وأشعل في ضمائرنا الحريقا" ص16و17.
فكرة المقطع واضحة، لكن اللافت هو الألفاظ التي استخدمها الشاعر، فمعضلة فكر (القبيلة) التي تؤرقه نجدها في ألفاظ "الرقيق/الرقيقا، أفيقي/تفيقا، الحريقا" وكأن الشاعر من خلال هذه الألفاظ يريد من المتلقي أن يبقى متعلقا بفكرة المقطع وما تسببه (القبيلة) من مشاكل له كفرد وكشعب وكأمة، من خلال تركيزه على حرف القاف وما يحدثه من (صدى) في أذن المتلقي.
في البيت الأول نجد حرف القاف مستخدم خمس مرات، وقد أقرن بحالة متخلفة/ رجعية "الرقيق/الرقيقا" وهذا ما يجعل فكرة ونهج القبيلة ملازم لعصر العبودية، وبعيدا جدا عن زمن المدنية والحداثة.
وفي البيت الثاني نجد القول "يصيح" ملازم للفعل "يهزها"، بمعنى أن هناك أفكار وأفعال تدعو القبيلة للتحرر من ذاتها والتقدم من المجتمع المدني، لكنها لا "تفيقا"
وفي البيت الثالث نلاحظ أن الشاعر يستخدم ضمير نحن "ضمائرنا" وهذا يمثل إشراك القارئ في تبنيه لفكرة المقطع والمتمثلة بمعارضة لنهج القبيلة.
الشعراء يتعلقون بالمكان ويعطونه مكانة خاصة، وهذا ينم عن إخلاصهم ووفائهم/ في قصيدة "سلاما على وطن الطيبين سلاما" نجد علاقة استثنائية بين الشاعر والمكان وساكنيه:
"لياليك من بعد حوران منذورة للأسى والرتابة
إذن ساهر النجم واكتب أعن غير حوران تزهو الكتابة
وأعرف سوف تمر أغانيك فيها مرور السحابة
...
يا وطنا من غناء
يطاوعنا القلب حين نغني هواه
ويعصي إذا ما أردنا عتابه
.. سنكتب عن أهلنا الطيبين
وعن وطن فيه نبدأ أشعارنا
ونتمم فيه الكلاما" ص25-27.
الكتابة/ القصيدة أهم وسيلة بالنسبة للشاعر، بها يحقق ذاته كشاعر، ودونها يسمي شخص عادي، من هنا "حبيب الزيودي" يركز على القصيدة وما تحمله من معاني وفرح: "اكتب/الكتابة/سنكتب، أغانيك/غناء/نغني، أشعارنا، الكلاما" هذه الهندسة الثلاثية تأخذنا إلى أن الشاعر لا يكتب القصيدة، بل القصيدة هي ن تكتب الشاعر، فهو يقرن الكتابة بالغناء، وهذا كافي لجعل القصيدة بيضاء، تأخذ القارئ إلى عالم الطيبة والسلام الذي أكده الشاعر عدة مرات، حتى بدا للمتلقي وكأنه (أسير) للعنوان من خلال: "سلاما، الطيبين"
ونلاحظ حضور المكان بأكثر من صفة: "حوران، وطنا/وطن" وغياب المرأة، أحد عناصر الفرح/التخفيف، وهذا يعود إلى تماهي الشاعر مع المكان الذي أراده أن يكون مقرون بالكتابة/بالقصيدة/بالغناء الذي يقودنا إلى الازدهار والتقدم.
"سلاما على حقلنا وعلى الطرقات البعيدة
على شارع السلط وهو يفيض ظباء
على أصدقائي تعذبهم في الأماسي
عيون مطاوعة وخصور عنيدة
... سلاما على عاشقين بزاوية من زوايا الفينيق
على "سندويش" الإذاعة صبحا وشاي الجريدة
على صاحبي يترنح بين عناد حبيبته وعناد القصيدة
سلاما على الراح حتى وإن خان عهدي الندامى
على قمر كلما نلتقي في العشيات
ذوبني عتبا وملاما
سلاما،
على وطن الطيبين،
سلاما..." ص28-29.
في هذه المقاطع يأخذنا الشاعر إلى تفاصيل المكان وعلاقته به، فنجد الأصدقاء/الأهل والناس الطيبين: "أصدقائي، عاشقين، صاحبي، حبيبته، الرح" وهذا يشير إلى أن الشاعر لا يتحدث عن مكان مجرد لا حياة فيه، بل مكان يضج بالحياة والحركة والحيوية، من هنا نجد "شارع/ضباء، زوايا الفينيق، سندويش الإذاعة، شاي الجريدة، عناد حبيبته/القصيدة، قمر العشيات" وإذا ما توقفنا عند ها المقطع سنجد اللغة البسيطة السهلة التي تتماثل مع بساطة الناس وطيبتهم، فالشاعر أوصل فكرته من خلال المعنى الذي تحمله القصيدة ومن خلال اللغة التي استخدمها، ومن خلال تركيزه على ألفاظ بعينها: "سلاما، الطيبين"
قصيدة العنوان "منازل أهلي" يحدثنا الشاعر عن مشاعره تجاه ألأهله، متحدثا عن أكثر من جانب:
"كلما دندن العود رجعني لمنازل أهلي
ورجع سربا من الذكريات
تحوم مثل حساسين حولي
أبي في المضافة
والقهوة البكر مع طلعة الفجر عابقة بالمحبة
وهي على طرف النار تغلي
وصوت أبي الرحب يملأ قلبي طمأنينة
وهو يضرع لله حين يصلي" ص ص35.
يستوقفنا لفظ "دندن" الذي يتكرر فيه حرفي الدال والنون، وما فيهما من غناء ولارتباطهما بالعود، فبدا "دندن" وكأنها مقدمة للحديث عن "منازل أهلي" وللغناء المهذب والمتزن والجميل.
وهذا ما انعكس على تشكيل القصيدة، حيث نجدها ناعمة وجميلة: "تحوم مثل الحساسين، القهوة البكر، طلعة الفجر، عابقة بالمحبة، صوت أبي يملأ قلبي، يضرع لله" فالشاعر يتناول حياة أسرته، ويقدم لنا صورة عن حيوية المكان، فعندما جعل القهوة مقرونة بالمحبة، وأبي مُوجد للطمأنينة، أكد على أنه لا يتحدث عن ناس عاديين، بل عن ناس لهم أثرهم وحضورهم فيه.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة سنجدها بمجملها بياض وناعمة، وهذا ما يجعل القصيدة مطلقة البياض، حيث تجتمع الفكرة والألفاظ في خدمة المعنى/المضمون.
"كلما دندن العود أيقظ فيّ تعاليلهم بعد طول رقود
وذرذرها في ضميري
وعاد أبي وهو يفرش قريتنا هيبة
وإخوانه من حواليه سرب صقور
وجوه إذا عتم العمر ظلوا
على عتمة العمر مثل البذور
لماذا إذن أيها الموت غيبتهم
وتركت الربابة تعجن روحي أسى بعدهم
وتشب على جمرها في فؤادي الكسير
أما كنت تعرف أن أبي كان سيفي
وكان ردائي
...
فكيف أخذت أبي أيها الموت
كيف
وخلفتني في الهجير" ص38و39.
اللافت في هذا المقطع يكمن في "دندن، ذرذرها" حيث نجد الفرح في "دندن" وتفاصيل عن حياته وحياة أسرته (نثرها/ذرذرها) بمعنى وجود فرح وألم، الفرح نجده في"هيبة، حواليه، سرب، وجوه، بذور، الربابة" والألم في: "الموت (مكرر) غيبتهم، أسى، جمرها، الكسير، خلفتني، الهجير" وإذا ما توقفنا عند المقطع سنجد بدايته البيضاء، وخاتمته السوداء، وهذا مرتبط ب"دندن، ذرذرها".
الشاعر يعي أن الألم مُوجع له كما هو مُوجع للمتلقي، من هنا نجده يستخدم الصور الشعرية ليخفف شيئا من تلك القسوة، وما الصورة:
"وتركت الربابة تعجن روحي أسى بعدهم
وتشب على جمرها في فؤادي الكسير"
إلا من باب التخفيف، كما أن الأسئلة التي وضعها، وصيغة المنادي لما هو غير حي "الموت" الذي يحدث الدهشة للقارئ ما وجدت إلا لإخراج المتلقي من حالة الألم إلى حالة التفكير والتساؤل.
الشاعر يعطينا تفصيل عن علاقة بأبيه وأسرته بالحياة وصعوبتها، فهناك علاقة حميمة بين الأسرة تتمثل في "سرب صقور، كالبذور" وما الصورة الشعرية في
"وجوه إذا عتم العمر ظلوا
على عتمة العمر مثل البذور"
إلا تأكيد لهذه اللحمة والتآلف بين الأسرة، واللافت في هذه الصورة أن صيغة السواد جاءت بمذكر ومؤنثة "عتم/عتمة" بمعنى أن هناك تغيرات تجري وصعوبات وشدائد تحصل، إلا أن هناك ثبات/"ظلوا، مثل البذور" بهذا الشكل اللافت أستطاع الشاعر أن يقدم فكرته عن مواجهة الشدائد الحياة وصعوباتها.
أما عن علاقة الشاعر بأبيه فنجدها في هذا المقطع
"أبي الماء الفرات سقى الروابي وإن طلب الحسام هو الحسام
أحاديث رويت القلب طفلا بهن وما له عنها فطام
عن القدس القديمة والنشامى على الأسوار كالعقبان حاموا
نزفت على مشارفها غلاما وشخت فلم يشخ فيك الغلام
أقول أبي فيسعفني حنين لوجه أبي ويخذلني الكلام" ص42و43.
تمجيد الأب بهذه الصورة تنم على حب الشاعر واحترامه لوالده، فالأب هنا صورة مُثلى، يعطي الأرض جهده بزراعتها "سقى الروابي" ويحميها ويعطيها دمه "القدس نزفت" فالعلاقة بينه وبين الأرض استثنائية وتأخذ أكثر من وجه، وبما أنه بدأت بالحديث عن الزراعة "سقى الروابي" وهذا يأخذنا إلى مهنته كفلاح يهتم بالأرض ويعشقها، لهذا كان من الطبيعي أن يدافع عنها مستبسلا "كالعقبان" وبقى متعلقا بها رغم الشيخوخة:
"وشخت فلم يشخ فيك الغلام" وهذا ما جعل الابن/الشاعر يُحب الأب ويحترمه: " أحاديث رويت القلب طفلا/ فيسعفني حنين لوجه أبي" فهو يفسر للمتلقي سبب تعقله به، حيث هناك أب فلاح يعمر الأرض، وشجاع يدافع عنها، ويتحدث/يتكلم بالفضائل والشجاعة والنبل.
في قصيدة قصية يقدم الشاعر نظرته للحياة كيف ينظر إلى الأشياء/الكائنات/الأحداث، يقول في قصيدة "أنوثة":
قال الراعي ـ وهو يعد إناث البرية:
الشجرة أنثى
الشبابة أنثى
عين الماء،
الزهرة، والدرب إلى المراعي..
والشمس
لا يوجد ذكر في البرية باستثناء التيس" ص56.
اللافت في هذا المقطع بساطته، فقد جاء على لسان الراعي وليس الشاعر، من هنا نجد المقطع بسيط/عادي/سهل، لكنه يوصل فكرة عن مكانة وأهمية ودور الأنثى فكا ما هو جميل ومفيد متعلق بها، بينما يقدم المذكر بلفظ واحد "التيس" وكأنه به يقول أنه لا يحب هذا المذكر لما يسببه من ألم، فأقتصر الحديث عنه بكلمة واحدة تُجمل نظرة الشاعر ورؤيته لواقع الحياة.
وفي "رفرف قلبي" يتناول فترة (المراهقة) وكيف ينظر الراعية:
"أتذكر صاحبتي أيام الرعي
وكيف تخدر قلبي وهي تضفر
بالمنديل شلايا الخروب
أتذكر رفرف قلبي
وهي تفك الثوب..
لكي يتنفس زوج يمام لاذ بها لما اشتد "الشوب"" ص59.
بساطة اللغة والصورة تعكس الفترة الزمنة التي جر في الحدث، ما تكرار الشاعر "أتذكر" إلا من باب التأكيد لزمن الحدث، فهو لا يريد أن يتحدث/يتكلم بكونه شاعرا مرموقا، فقد أراد أيصال الحدث/المشهد كما رآه في السابق، من هنا تجنب التصور الشعري، وحتى أنه استخدم لفظ شعبي "الشوب" وهذا يحسب له، فهو لا يريد أن يقدم صورة (زائفة) مُجملة لما شاهده، فكانت الألفاظ والمشهد خارجة من ذلك المراهق الذي كان، وليس الشاعر الآن.
في قصيدة "الشاعر" يتحدث عن دور الشاعر ومهمته في الحياة:
كل الذي يريده الشاعر
أن تضاء في الليل شبابيك البنات بالقصائد
أن يبنى العشاق من أبياته بيتا
وأن يصير حزنه مآذنا
وهو يموت دائما ولا يريد غير أن تنشره الريح
لكي تشم دمه البيداء
بيد أن الريح دائما تعاند" ص66.
نلاحظ أن عطاء الشاعر ومهامه بمجملها بيضاء: "تضاء،، يبني، مآذنا، تشم" إن كان حيا أو بعد مماته يبقى يعطي الخير والجمال للآخرين، ونلاحظ أنه يقدم عطاءه بصورة جمالية أدبية: "تضاء شبابيك" وعطاء يجمع ما هو روحي/الأدبي بالمادي "بيتا، مآذنا" ونجد أن هذا العطاء رغم أنه سماوي (تنشره الريح) إلا أنه مرتبط بالأرض "البيداء" هكذا يرى "حبيب الزيودي" دور الشاعر، فهو كالأنبياء سماوي في رسالته، وأرضي في مهامه.
وفي قصيدة "خصر" يقدم لنا صورة عن قصيدة الومضة:
"وحين
وصل
النحات
عند
خصرها..
تمرد الإزميل" ص103.
اللافت في هذه الومضة قدرة الشاعر على التخيل، فقد جعل الجماد/"الإزميل يتمرد ولا يبقى ساكنا/جامدا أمام خصرها، فما بالنا بالناس الذين يتأثرون وينفعلون!.
الديوان من منشورات مكتبة الأسرة، وزارة الثقافة الأردنية، *-طبعة 2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا