الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشباح راقصة فوق سكة القطار

كاظم فنجان الحمامي

2023 / 7 / 16
سيرة ذاتية


في ليلة من ليالي عام 2015 كان القطار يتحرك بأقصى سرعته بين محطتي سوق الشيوخ والكرماشية. لم يكترث بهجمات الصغار الذين كانوا يرجمونه بالحجارة. فهم يرجمونه كل يوم من دون ان يعرف السبب. كان يخشى ان يطلق زعيق صافراته حتى لا يزعجهم. ومع ذلك كانوا يسددون له الضربات الموجعة كلما مرَّ بهم. .
قطع بعد منتصف الليل مسافة كبيرة. ومرَّ بمحطات يلفها السكون وتغطيها السحب، كان يجري بسرعة محسوبة وثابتة كي يصل إلى وجهته بالوقت المحدد. .
للقطارات مصابيح قوية وكبيرة مثبتة فوق رؤوس عرباتها الأمامية، تنير بها حلكة الظلام، وتستكشف بها المسارات الآمنة. .
كان سائق القطار (علي الشمري) يقف وراء زجاج النوافذ الأمامية، ينظر بحذر إلى الطريق المعتم. يتفحص السكة من خلال الزجاج الذي شوهته الحشرات الملتصقة وشظايا الحصى المتطاير. .
تواصل المؤثرات الصوتية عزف سمفونيتها الميكانيكية على وتيرة واحدة. بإيقاع متكرر تنتجه محركات الديزل ومولدات الطاقة. صوت ألفته الآذان لدقات قلب القاطرة ونبضات شرايينها الفولاذية. .
بين أكواخ القرى الريفية. كان لفيف من الشباب يتضاحكون ويتشاتمون بعد جلسة طويلة شربوا فيها ثمالة الكؤوس. ثم فجأة قال لهم كبيرهم: هيا بنا نمرح قليلاً. سوف نحمل معنا جريد السعف الأخضر، نغرسه في منتصف سكة القطار، ثم نغطي الجريد المرن بدشداشة بالية. نصنع فزّاعة كبيرة تتراقص مع الريح ونربط يد الفزّاعة بمصباح صغير. لنرى ردود أفعال سائق القطار. .ضحكوا وصفقوا وتقافزوا مرحاً، ثم حملوا أدوات لعبتهم الشريرة وساروا باتجاة السكة الحديدية. .
واصل القطار سيره الحثيث. حتى وصل إلى نقطة مظلمة بين الكيلو 414 والكيلو 415، حيث شاهد (علي) شبحاً يتلوى ويتراقص فوق السكة، ويطلق اشارات ضوئية غير مفهومة. صاح مذهولاً. يا الله ما هذا. يا رب دخيلك. .
أطلّ برأسه من الكوة الجانبية ليمعن النظر. لم يغير العفريت رقصته ولم تتوقف إشاراته. كاد (علي) ان يسقط مغشيا عليه من شدة الخوف والذهول. وكان يدرك خطورة التوقف الفوري المفاجئ، فالوزن الثقيل للقطار والعربات التي يجرها خلفه لا تساعده على التوقف بسهولة. .
كان القطار يقترب من الشبح المتراقص. بينما وقف طاقم القطار مذعوراً مندهشاً من تحركات الشبح الراقص، انخفضت سرعة القطار تدريجياً. حتى صارت القاطرة قريبة تماماً من الفزّاعة النابتة بين قضبان السكة الحديدية. كان المشهد يذهل العقول، ولا يخطر على بال الجن الأزرق . .
ترجل (علي) من قمرة القيادة، ثم انتزع الفزّاعة من جذورها، وسلمها إلى الجهة المعنية. .
لا شك انها كانت مزحة. لكنها مزحة من العيار الثقيل. كانت ليلة لن تنساها مديرية السكك في القاطع الجنوبي. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار