الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وارث الريح

أمل زاهد

2006 / 11 / 4
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لم أملك وأنا اقرأ مسرحية (وارث الريح) لجيروم لورنس وروبرت لي ، والتي نقلها إلى العربية الأستاذ حمد العيسى بلغة سلسلة وتدفق عذب إلا أن استحضر كل اولئك الذين اضطهدوا وعُذبوا وحُكموا ونُفوا وحرّقت كتبهم وصودرت أفكارهم وألجمت أصواتهم وكممت أفواههم عن التعبير ، فمثلوا أمامي وهم يحملون افكارهم و ارواحهم فوق أكفهم يتطلعون إلى الحرية ويجأرون بالرغبة في اطلاق سراح أفكار كل خطيئتها تكمن في اختلافها عن المألوف وعما اعتاد الناس أن يسمعوه ويقرأوه ويسلموا تسليما قاطعا بصحته، أوفي رفضها للتطويع والاندماج تحت لواء السلطة سواء كانت دينية أوسياسية ، والتي تريد اخضاع العارف والسيطرة عليه حتى تتمكن بواسطته وتحت قيادته من السيطرة على العامة وتدجينهم والهيمنة عليهم . قدموا أمامي وهم يدافعون عن حقهم في التفكيروالتحليق في سماءالاختلاف وفي إثارة الأسئلة وفي رؤية وقراءة الواقع بمنظور وفهم جديدين لا يرومان إلا مصلحة ومنفعة الإنسان الذي سخرالله سبحانه وتعالى هذا الكون له وكلفه بأن يكون خليفته على الأرض ، فالفكرة هي التي تخدم الإنسان وتسعى لتحقيق منفعته ولا يمكن أن يصيرالانسان خادما لها وعبدا خاضعا في مملكتها .
فالمسرحية تتحدث عن محاكمة (سكوبس) وهو مدرس علم احياء في الرابعة والعشرين من عمره قام بتدريس طلبته في مدينة صغيرة بأمريكا نظرية دارون مع أن المجلس التشريعي في ولاية (تنسي) كان قد اصدر قانونا يمنع تدريس نظرية التطور والارتقاء لتشارلز دارون في المدارس الحكومية في مارس عام 1925م ، مما حدا بالمدعي العام لرفع قضية ضد المعلم لخرقه ذلك القانون في شهر مايو من نفس العام . وقد اكتسبت تلك القضية شهرتها كونها رمزا للصراع بين المحافظين والليبراليين ، بين الاصرار على تكبيل العقل والحجرعلى حريته في التفكير وبين الرغبة في الانطلاق في آفاق رحبة تقودها الرغبة في امتطاء أجنحة المعرفة والبحث والتجربة واحتمالية الخطأ والصواب التي تستلقي دائما بين ثنايا النظريات العلمية فتدحض النظريات نفسها عندما يُكشف النقاب عما يثبت خطأها. فجوهر هذه القضية كما يقول المترجم ليس حول صحة نظرية داروين أو خطأها وبالتالي تعارض العلم مع الدين ، كما يتبادر لذهن بعض القراء ، ولكنه الحق في حرية التفكير . تلك الحرية التي تحرك دوما الأفكار الراكدة في تلافيف العقول وتدفع بالإبداع قدما وبالعقول مسافات شاسعة إلى الأمام كي تسبر أغوار الكون وتقدم كل ما ينفع الإنسان .
وعندما تقرأ مسرحية وارث الريح لا بد أن تتمثل لك في مدينة ( هيلزبورو ) الأمريكية الصغيرة ، ملامح وقسمات أي مدينة في انحاء العالم تعاني من ورم الأحادية ومن داء التعصب واقصاء أي صوت ينطق بما يختلف عن السائد ، ولابد أن تشاهد في شخوصها ملامح شخصيات تقابلها في حياتك اليومية ، تسارع إلى إطلاق الأحكام الجاهزة دون أن تكلف نفسها معرفة حقيقة ما تصدر عليه حكمها . فحين سئل الطلبة الذين تظاهروا في القاهرة من عدة سنوات عن رواية ( وليمة لأعشاب البحر ) على سبيل المثال ، صرح كثير منهم أنهم لم يقرأوا الرواية ولم يعرفوا ماجاء فيها وأنهم بنوا رأيهم على أحكام مسبقة قيلت لهم وقاموا بناء عليها بالتظاهر، وقس على ذلك كثير من الأحكام التي يصدرها الناس وهم بحيثياتها وتشعباتها جاهلين . فالتعصب وأحادية الرؤية لهما ملامح وسمات محددة يشترك فيها كل المعتصبين مهما تباينت عقيدتهم ومهما اختلفت مشاربهم الفكرية . ومن خلال المسرحية تستطيع أيضا أن ترى كيف يتم استخدام الدين لاغراض سياسية ولمقاصد ايدلوجية ، فقد قام المحامي والسياسي المحافظ ( ويليام جينجيزبريان ) بالتطوع لقيادة فريق الادعاء ، وكان يعد في ذلك الوقت أعظم خطيب سياسي في أمريكا ، وقد رشحه الحزب الديموقراطي ثلاث مرات للرئاسة الأمريكية ولكنه لم يوفق ، فتولى القضية حتى يجد منبرا يستغله لمطامحه السياسية ، ويتمكن من خلاله تأجيج العاطفة الدينية والمزايدة عليها حتى يتم له الاستحواذ على لب الناس والسيطرة على مشاعرهم .
واليوم ومع عودة الأصولية ومدها الكاسح الذي يجتاح العالم بأسره في وقتنا الحالي ، يعود الصراع في أمريكا حول نظرية دارون إلى سابق اشتعاله فقد صرح( فيليب بيتز) عميد جامعة (ستانفورد) أن هناك قوى تعادي العلم وذلك في خطاب بثه على موقع الجامعة على الانترنت "من اهم هذه القوى المد المتصاعد للمشاعر المعادية للعلم والذي يبدو انه يتركز في واشنطن ولكنه يمتد لجميع انحاء الامة ، ويقول (رولنجز) رئيس جامعة (كورنل ): ان الجدل يؤدي لاتساع هوة الخلافات السياسية والاجتماعية والدينية والفلسفية في المجتمع الاميركي واضاف "حين يحل الانقسام الايديولوجي محل تبادل المعلومات الموثقة تكون النتيجة افكارا جامدة ويتأثر التعليم. فدون شك ليس هناك عدوا للتعليم بضرواة وشراسة جمود الأفكار وتحجر الرؤى وبقاءها تراوح مكانها في عالم يهتز ويصطخب بجدة الأفكار وعنفوانها .
يأتي اسم وارث الريح كرمز للعبث الكامن تحت لواء أي خصومة لا تقود إلا إلى هلاك أحد أطرافها ، فوارث الريح لا يحصد إلا زوابعها ودوامتها التي تهلك كل شيء ولا تخلف بعدها إلا الدمار والهلاك . وهي مأخوذة من عبارة يقولها المدعي العام على مسامع قس المدينة وأهلها عندما يلمس أنه يذهب بعيدا في حقده على المعلم طالبا من أهل المدينة أن يلعونه وأن يسألوا الله أن يسومه سوء العذاب، فيخبره ان اخلاصه قد يكون فوق المطلوب وقد يحطم كل شيء يريد إنقاذه ويذكره بحكمة سليمان المذكورة في سفرالأمثال والقائلة ( من يكدر حياة أهل بيته يرث الريح ) . فلابد أن يخرج من تحت أعطاف أية خصومة وريث للريح تصفر في جنبات بيته بهديرها وزوابعها ولا تخلف فيه إلا خرابها ، وحينها يستوي النصر والهزيمة والمهزوم والمنتصر ولا يبقى إلا صوت الريح !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو