الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصدار النقدي الأول ونشأة المصارف السورية

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2023 / 7 / 16
الادارة و الاقتصاد


الليرة السورية هي العملة الرسمية للجمهورية العربية السورية. بدأ العمل بها عام 1948، نتيجة انفصال مصرف سوريا عن مصرف سوريا ولبنان الذي كان يصدر الليرة السورية – اللبنانية. على أثر الانفصال النقدي بين سورية ولبنان، بالرغم من أن سورية كانت ترغب بالمحافظة على الوحدة النقدية مع لبنان. وتنقسم الليرة السورية إلى 100 قرش سوري.
للعملة السورية المتداولة حالياً تاريخاً قديماً منذ فترة الاحتلال العثماني الى الوقت الحاضر، كانت العملة السورية المتداولة خلال فترة الحكم العثماني مرتبطة بالحكم العثماني في ذلك الوقت ولم تكن ذات ارتباط بالدولة السورية، وكانت القاعدة المعمول بها في الدولة العثمانية ما قبل عام 1888 تستند إلى قاعدة المعدنين الثمينين الذهب والفضة، وهو نظام نقدي يتمثل بالتداول بالعملة المسبوكة من هذين المعدنين، تحمل النقش العثماني المتعارف به في الدولة العثمانية. وكانت العملة تسمى في ذلك الوقت بالليرة العثمانية الذهبية أو الفضية، إبان تلك الفترة صدر عن الدولة العثمانية عملات ورقية نقدية عثمانية تم تغطيتها بسندات خزينة المانية ونمساوية بنسبة 20%، إلا أنها لم تكن تمتاز بالحماية بالعلامات المائية وكانت حينها نادرة الاصدار ولم يتم التداول بها في سورية. [1]
وتم تداول العملة السورية ضمن التعاملات مع الليرة الذهبية العثمانية إضافة الى الليرة الذهبية الانكليزية والفرنسية.

تاريخ النقود والمصارف في سورية:
ظهرت المصارف والعمليات المصرفية في سورية خلال العهد العثماني حين تم إنشاء المصرف الإمبراطوري العثماني في عام 1856 بمصالح بريطانية. وحصل هذا المصرف على امتياز حصري للإصدار النقدي في سورية الذي امتد حتى عام 1925، ثم جزئياً حتى عام 1935 خلال الانتداب الفرنسي، بالإضافة إلى العمليات التجارية التي يقوم بها المصرف عادة.
بعد عام 1918 حيث تم جلاء المستعمر العثماني بنتيجة قيام الثورة العربية الكبرى، ظهرت الليرة السورية ولم تعد العملة الورقية العثمانية قابلة للتداول أو ذات قيمة، إذ حل مكانها الجنيه المصري الذي تمت طباعته في بريطانيا، وجرى وقتها التعامل به في سورية لغاية عام 1923، مع بقاء التعامل بالليرة الذهبية والفضية والجنيه الإسترليني، من هنا أتت كلمة مصاري بدلاً من كلمة نقود في بعض المناطق السورية نتيجة التعامل بالجنيه المصري. [2]
بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، أنشئ في عام 1919 مصرف سورية برعاية المصرف الإمبراطوري العثماني (أنشئ مصرف سورية كمصرف فرنسي أعيدت تسميته عام 1924، ليصبح مصرف سورية ولبنان الكبير).[3]
وهذا يعني استمرار امتيازات المصرف الإمبراطوري العثماني “تحت اسم فرنسي” في البلاد التي ستخضع للانتداب الفرنسي. ومع بداية الانتداب، أنشئت مصارف فرنسية أخرى في سورية مثل المصرف الفرنسي في عام (1919) تملكه الشركة المصرفية العامة Société Générale، ومصرف التسليف العقاري، بالإضافة إلى مصارف تسليف زراعية صغيرة مخصصة لتمويل النشاطات الزراعية، حيث استفادت هذه الأخيرة بشكل جزئي من الإيرادات المحصلة من ضرائب العشر الموروثة من النظام العثماني. أنشأ السوريون خلال هذه الفترة منشآت مصرفية صغيرة منها مصرف مرقدة ومصرف سارة في دمشق، ومصرف الأسود ومصرف صفرا في حلب، كما أنشأوا عدداً من مكاتب للصرافة. وظل المصرف الإمبراطوري العثماني مسيطراً على العمليات النقدية والمصرفية في سورية لمدة مائة عام (1856-1956).

الإصدار النقدي الأول:
لم يستطع المصرف الإمبراطوري العثماني خلال العصر العثماني، فرض العملة الورقية على نطاق واسع في سورية. حيث استمرت المعاملات الرئيسة تتم باستخدام النقود المعدنية (الذهب أو الفضة أو معادن أخرى) العثمانية، الفرنسية والإنكليزية. فاضطرّت الإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية الحديثة أن تشتريا لوازمهما من سورية خلال الحرب الأولى بالنقود الذهبية وبالسعر المرتفع.
خلال الفترة بين الحربين العالميتين دخلت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، كانت ولادة الليرة السورية واللبنانية للمرة الأولى في عام 1920 وقام بإصدارها البنك الفرنسي في سورية الذي كان قد نال حينذاك امتياز إصدار النقد في سورية ولبنان بموجب قرار أصدره المفوض السامي الفرنسي تم بموجبه ربط الليرة السورية بالفرنك الفرنسي وكانت كل ليرة تساوي 20 فرنكاً فرنسياً وسميت أجزاء الليرة السورية قروشاً (كل ليرة تساوي 100 قرشاً). وكان سعر صرف الليرة مرتبط بسعر صرف الفرنك الفرنسي، ولم يكن مقبولاً صدور قرار النقد من الاحتلال الفرنسي، لذلك جرت مفاوضات مع الحكومة المحلية عام 1924 نتج عنها منح قرار امتياز إصدار الليرة المصرف السوري بإصدار هذه لليرة ولمدة 15 سنة. عند حلول موعد تجديد الاتفاقية كانت المفاوضات مع الحكومة اللبنانية أسرع منها من الحكومة السورية الامر الذي أدى الى انفصال الليرة اللبنانية عن الليرة السورية في عام 1939 إلا أن كلا العملتين كانتا قابلتين للتداول في كلا البلدين. [4]
حاولت قوات الانتداب الفرنسي، حين وصولها إلى سورية، فرض الجنيه المصري المرتبط بالجنيه الإسترليني. حيث كان الجنيه المصري عملة تمويل جيوش الحلفاء في المنطقة، وأهمها القوات الإنكليزية القادمة من مصر. فاستبدلته بسرعة القوات الفرنسية، المكلفة بالانتداب على سورية ولبنان عام 1920، بليرة سورية مرتبطة مباشرة بالفرنك الفرنسي ومصدرة باسم مصرف سورية. وهكذا ولدت الليرة السورية. [5]
(ولم تكن هذه الليرة السورية في الحقيقة إلاّ فرنك فرنسي متنكّر، مخصص لدفع نفقات جيوش الانتداب. وقد حرر على هذه الليرة السورية تعهّد مصرف فرنسا بدفع عشرين فرنك فرنسي مقابلها. وقد خلقت الصلة مع الفرنك، مشكلة أساسية للاقتصاد السوري منذ البداية، … بسبب عدم استقرار قيمة هذا الفرنك والانخفاضات الكبيرة المتتابعة التي لحقت به (عام 1924 ثم عند الأزمة العالمية عام 1927). واستمرت التجارة السورية في تفضيل الاعتماد على الذهب ” الليرة الذهبية التركية: العصملية ” وعلى الليرة الاسترلينية، التي كانت أقوى وأكثر ثباتاً من الفرنك الفرنسي. وبالفعل، فقد اضطرت سلطات الانتداب، عند أزمة 1927 إلى سحب نصف الليرات السورية المتداولة لتثبيت السعر).[6]

الانتداب النقدي الفرنسي على سورية:
رافق الانتداب السياسي والعسكري الفرنسي على سورية ولبنان انتداب اقتصادي ونقدي. حيث جرى توقيع اتفاق نقدي بين فرنسا وسورية في كانون الثاني 1924 (وسط أزمة سقوط قيمة الفرنك) تم بموجبه منح فرنسا امتياز الإصدار، وامتدت مدة امتياز الإصدار الممنوح حسب هذا الاتفاق حتى عام 1946. ولم يتبع الاتفاق أي اتفاق أخر حول أشكال تغطية الليرة السورية إلاّ في عام 1938. وأقرت شروط الاتفاق الأخير (سندات على صندوق النقد الفرنسي أو فرنكات فرنسية مستثمرة في فرنسا) الانتداب النقدي الفرنسي على سورية. وقد تم “توقيع اتفاق ثالث” عشية الحرب العالمية الثانية حول مراقبة القطع، واضعاً حداً للحرية النقدية النسبية التي كانت سائدة في سورية. خلال هذه المرحلة، أسس رفض سورية الارتباط بالفرنك الفرنسي أحد المواضيع الأكثر أهمية في النضال من أجل الاستقلال.
(فيما بعد، أدّت الحرب العالمية الثانية والمنافسة بين سلطات الجنرال دوغول والإنكليز إلى حدوث أول تغيير في هذا الأمر عبر الاتفاق الموقع في كانون الثاني لعام 1944 بين سورية ولبنان وفرنسا وبريطانيا العظمى (وهو بالحقيقة ناتج عن اتفاق معادلة مماثل بين الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني، وقعه الجنرال دوغول مع بريطانيا العظمى أثناء الحرب في آذار عام 1941): أصبحت الليرة السورية اللبنانية مرتبطة بموجب الاتفاق الجديد، بالجنيه الإسترليني). [7]
وقبيل جلاء القوات الفرنسية عن سورية أي بتاريخ 15 آذار 1945، ألغت فرنسا من طرف واحد المعادلة مع الجنيه الإسترليني. وعادت الليرة السورية اللبنانية لترتبط بالفرنك الفرنسي وتقلباته. وقامت سلطات الحكومة السورية الحديثة الاستقلال بالانتساب إلى صندوق النقد الدولي منذ نيسان 1947، من أجل إقامة تغطية الليرة السورية بالذهب والدولار الأمريكي (وفقاً لنصوص اتفاقية بريتون وودز) مما أزعج الحكومة الفرنسية، وكذلك مصرف سورية ولبنان الذي قام بتجميد الودائع السورية الموضوعة في فرنسا لتغطية لليرة السورية. فدخلت كل الأطراف في مفاوضات، وفي غمرة المحادثات الثلاثية السورية، اللبنانية، الفرنسية، وبعد أن كانت الحكومتان السورية واللبنانية قد اتفقتا على اتخاذ موقف مشترك في هذه المفاوضات قامت الحكومة اللبنانية بتوقيع اتفاق نقدي، من جانب واحد، مع فرنسا عام 1948، راضية الارتباط مع الفرنك الفرنسي. وهذا ما أدى إلى الانفصال النقدي بين سورية ولبنان، بالرغم من أن سورية كانت ترغب بالمحافظة على الوحدة النقدية مع لبنان.
قانون النقد السوري:
وفي عام 1948 تم إنشاء مكتب سوري لمراقبة القطع، غير المكتب السوري -اللبناني الموروث من الانتداب، الذي كان قد أنشئ عشية الحرب العالمية الثانية، وكانت إدارته موكولة إلى مصرف سورية ولبنان. [8]
في تلك الفترة دخلت سورية لأول مرة رسمياً مرحلة أسعار الصرافة المتعددة وهي:
سعر رسمي للمعاملات الحكومية كل 1 دولار يعادل 2,2 ليرة سورية؛
سعر حر للاستيراد والتصدير كل 1 دولار يعادل 3,65 ليرة سورية؛
سعر مزدوج فئة أ للقطع غير الناتج عن التصدير كل 1 دولار يعادل 3,48 ليرة سورية،
سعر مزدوج فئة ب للشركات النفطية في سورية كل 1 دولار يعادل2,5 ليرة سورية.
وحقق السعر الأخير إيرادات مهمة لسورية ولبنان من عبور النفط القادم من العراق (Irak Petroleum Co) والسعودية (TAPLINE). كما ظهر لأول مرة في سورية “سوق لقطع التصدير”. واستمرت ازدواجية أسعار الصرف وسوق قطع التصدير سائدة في سورية حتى عام 1999.
لم توقع اتفاقية تصفية الخلاف النقدي بين سورية وفرنسا إلا في عام 1949. وصدر قانون النقد السوري في آذار عام 1950. وبموجب هذا القانون، أخذت الحكومة السورية رسمياً امتياز إصدار النقد السوري (تأسيس مؤسسة إصدار النقد السوري التي طبعت الليرة السورية منذئذ باسمها) وتم تثبيت نظم التغطية النقدية مع التركيز على التغطية بالذهب.
وبقيت أسعار صرف الليرة السورية والليرة اللبنانية حرة لفترة قريبة جداً من بعضها، وبقيت العملتان متداولتين فعلياً في البلدين، حتى بعد الانفصال النقدي عام 1948. ثم بدأت العملة السورية بتتبّع دورتها بالانفصال عن الليرة اللبنانية، حيث أصبح ارتباطها بالنشاط الأساسي للبلاد وهو الزراعة، أما الليرة اللبنانية فكانت أقل حساسية لهذه التقلبات.
ولم يظهر الانفصال بشكل نهائي وفعلي بين الليرة السورية والليرة اللبنانية إلا بعد الانفصال الجمركي بين البلدين في آذار عام 1950. مع بقاء مصرف سورية ولبنان، وهو مصرف تجاري أساساً تابع للقانون الفرنسي، يقوم بدور المصرف المركزي فيما يتعلق بإصدار العملة في البلدين حتى تأسيس المصرف المركزي في سورية والافتتاح الفعلي لمصرف سورية المركزي في آب عام 1956. بقي الانتداب الفرنسي فيما يتعلق بالتغطية النقدية، من خلال دور مصرف سورية ولبنان، ممتداً على سورية حتى عام 1953 وعلى لبنان حتى عام 1964.

أسعار الصرف المتعددة:
في منتصف القرن العشرين دخلت سورية لأول مرة رسمياً مرحلة أسعار الصرف المتعددة وهي:
سعر رسمي للمعاملات الحكومية (1 دولار = 2,2 ليرة سورية)؛
سعر حر للاستيراد والتصدير (1 دولار = 3,65 ليرة سورية)؛
سعر مزدوج فئة أ للقطع غير الناتج عن التصدير (1 دولار = 3,48 ليرة سورية)،
سعر مزدوج فئة ب للشركات النفطية في سورية (1 دولار =2,5 ليرة سورية).
وحقق السعر الأخير إيرادات مهمة لسورية ولبنان من عبور النفط القادم من العراق (Iraq Petroleum Co) والسعودية (TAPLINE)، للتصدير من الموانئ السورية واللبنانية. كما ظهر لأول مرة في سورية “سوق لقطع التصدير”. واستمرت ازدواجية أسعار الصرف وسوق قطع التصدير سائدة في سورية حتى عام 1999.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق



جدول رقم (1) تطور الودائع والقروض المصرفية (مليون ل س)

خلال الفترة 1957 – 1961

1961 1960 1959 1958 1957 السنة
355 430 360 226 200 مجموع الودائع المصرفية
799 818 633 505 530 مجموع القروض المصرفية
المصدر: فارس منصور، القطاع المصرفي في سوريا التاريخ والأبعاد، أيار 1999.



جدول رقم (2) تطور سعر صرف الليرة السورية

1970 – 2017

كل دولار واحد يعادل بالليرة السورية السنة
3.90 ليرة 1970
4.10 ليرة 1980
12 ليرة 1986
48 ليرة 1990
52 ليرة 1995
52 ليرة 1999
65 ليرة 2005
46 ليرة 2010
300 ليرة 2013
510 ليرة 2017
[1] – أنظر، هبة العطار، الليرة السورية على مر الزمان،
https://www.almrsal.com/post/453465
[2] – المصدر السابق.
[3] – فارس منصور، القطاع المصرفي في سوريا التاريخ والأبعاد، أيار 1999.
[4] – أنظر، هبة العطار، مرجع سابق.
[5] – كذلك ولدت الليرة اللبنانية بالوقت نفسه.
[6] – فارس منصور، القطاع المصرفي في سوريا التاريخ والأبعاد، أيار 1999.
[7] – المصدر السابق.
[8] – أنظر، المصدر السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي