الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعاصرة والتراث في رواية -الحلاج يأتي في الليل- عزت الغزاوي

رائد الحواري

2023 / 7 / 16
الادب والفن


المعاصرة والتراث في رواية
"الحلاج يأتي في الليل"
عزت الغزاوي
تقدم مادة تُراثية بقالب معاصر مسألة في غاية الصعوبة، وتحتاج إلى معرفة تاريخية/فكرية، وقدرة أدبية على صياغتها وتقديمها بشكل وأسلوب يتقبله القارئ، الروائي "عزت الغزاوي" يقدمنا من نهج الحلاج وفكره من خلال عمل روائي معاصر، حيث نجد أكثر من راو للأحدث، فغالبية الشخصيات أخذت دورها في الحديث، وهذا ما جعل الرواية حديثة/معاصرة تلائم مزاج القارئ، ولا تجعله أمام مادة تراثية صلدة.
السرد
من هنا نجد السارد الخارجي هو من يفتتح الرواية في فصل "ظهور المؤلف" الذي يبدأ من الصفحة 7 وينتهي صفحة14، ثم ينسحب السارد الخارجي ويترك المجال أمام الشخصيات لتتحدث هي بنفسها ويبدأ "أيوب" بالحديث من صفحة 15 وحتى صفحة36، ثم يعطي زوجته كاترين التي جاءت فقاراتها قصيرة مما يخدم فكرة أنها امرأة غير عربية، وتنتمي بثقافتها إلى الغرب الذي يحبذ الاختصار والتكثيف، على النقيض من العربي الذي يسهب ويعطي تفاصيل وشروح كثيرة، بعدها يأتي "الشيخ عبد المعطي" الذي يدخلنا إلى الماضي مستحضرا الحلاج ليتحدث بنفسه عن فلسفته ورؤيته، وقبل أن يختم السارد الخارجي الرواية يتحدث عن كتابة الرواية وكيفت تمت، وعن الشخصيات التي جاءت فيها، لكن من يختم الرواية هو "أيوب" مكملا (كشف) طبيعة الرواية متحدثا عن حالة الحلول التي يمر بها وكيف كانت الرواية.
هناك كسر لوتيرة السرد بأكثر من موضع، منها: " إذ كيف يستطيع أحد أن ينتقل من صيغة المضارع إلى الماضي إلى المستقبل بهذه السرعة؟
...إذا كانت هذه الحكاية تستحق التحرير، فلا بد من إدخال بعض التعديلات عليها ... كان هناك ضعف في التعامل مع الفانتازيا.. عملت على تحرير هذه الحكاية ـ الرواية ـ بل قدمتها الآن كما هي، وسوف أجري عليها (كثيرا) من التعديلات" ص32و33، مثل هذه الصيغة نجدها في أكثر من موضع في الرواية، وهذا ما أعطاها بعدا معاصرا، وأخرجها من قالب (الجمود) إلى الحيوية والحداثة.
وإذا ما توقفنا عند فكرة ما يطرحه السارد التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها (محاولة) تعريف القارئ بطبيعة الرواية والشكل والأسلوب الذي قدمت به، بمعنى انه يحاول أن (يبين) مفاصل الرواية ولا تكون (مبهمة)، لكن في حقيقة الأمر هذا الأسلوب أعطا الرواية جمالية أدبية/فنية أكثر منه (كشف/تعريف) تركيبة الرواية وما فيها من أحداث وشخصيات.
من هنا يؤكد (المؤلف)/السارد الخارجي هذا الأمر بقوله: "أعترف أنني لم أكتب الحكاية التي أردتها، كان عليّ أن أبقى في "دير الرمان" هذه المنكوبة بأوجاعها قبل أن أهرب إلى الحلاج الذي حل بالشيخ عبد المعطي، لماذا فعلت ذلك؟ ليست لدي إجابة مقنعة لأحد" ص123، ويدخلنا في (متاهة) الربط بين الحكاية التراثية وبين الرواية المعاصرة بقولة: "ما لم يقله أيوب أن والده ترك حكاية أخرى، لكنه اختار واحدة منها، هي الأكثر قربا من فهمه "للرواية" وتلك هي لعبة العلاقة بين المؤلف والمحرر.
..لماذا ترك أيوب الحكاية الأخرى التي كتبها الشيخ عبد المعطي؟ كانت تلك حكاية الأيام الأولى لبناء المستوطنة على قمة الجبل.
(ملاحظة: لم يجرؤ أيوب على القول أن أرض المستوطنة قامت على أراضي الشيخ عبد المعطي التي ورثها عن أجداده)" ص124.
إذن من خلال طريقة السرد توزيعه على أكثر من طرف، إن كانت من خلال المؤلف/السارد الخارجي أم من خلال شخصيات معاصرة في الرواية "أيوب" أم من خلال الحلاج نفسه أستطاع السارد أن يقدم مادة تراثية بقالب معاصر حديث.

الحلاج
ما دام عنوان الرواية متعلق بالجرج، فلا بأس من التوقف عند بعض ما جاء عنه: "ـ ماذا تريد يا حسن؟ يسألني صاحب الفرن، ويبتسم.
ـ أريد الله" ص67، وهذا يقودنا إلى فكر الحلاج المتمثل في الوصول إلى الحلول والتماهي مع الله.
"كل يوم أزداد قناعة أن الله موجود في كل واحد منهم دون أن يشعروا بذلك" ص71، أيضا نجد فكرة الحلاج عن الله وكيف يراه في مخلوقاته.
وكما برأ المسيح الزانة وحررها من الإثم يحررها الحلاج:
" ـ هل كنت في ليلة حب؟
ـ لا، كنت في ليلة من أجل المال، أنا زانية كما ترى.
ـ لكنك لم تصنعي شيئا من الشهوة..
ـ إن الحاجة تسرق الشهوة، يا سيدي.
ـ هل ترين كيف يجري ماء النهر صافيا، كأنك لم تكوني هناك؟ـ لا أرى فيه سوى خطيئتي.
ـ إذا دعيه يلقي بها كيفما يشاء حين يلتقي مع البحر.
ـ والآن، ماذا أفعل؟
ـ لا تجعلي الحاجة تسرق منك شيئا... نحن صنيعة نوايانا يا ابنتي.
ـ كيف؟
ـ ستجدين ذلك ذات يوم.. أما أنا فسوف أمضي.
ـ يا أيها الرجل خذني معك إلى بيت الله.
ـ ليتني أستطيع.. قد تصلين إليه قبلي" ص92، هذا ما يؤكد أن رؤية الحلاج وفلسفته أبعد من الشكل وتتجاوزه، فهو يرى الأحداث/الأشخاص/الله بطريقة أخرى، أبعد وأعمق مما نراه نحن على السطح أو في الظاهر.
وعن الأديان والعبادة ودورها في الوصول إلى الله يقول: "متى وصلوا إلى الطهارة لم تكن بهم حاجة للعبادة، أقول لهم إن الأديان تتساوى في هدفها النهائي" ص97.
وعن العذاب والجحيم يقول: يرون عذاب الله أكثر مما يرون نوره" ص98.
وعندما أرادوا صلبه بحجة كفره وخروجه عن الملة كان هذا الحوار:
"ـ من أنت .. ألا تقول لي؟
ـ أنا من أهوى ومن أهوى أنا
ـ أنت تقول إنك الله؟
ـ أقول إن الله روحنا النقية، إنه موزع فينا، نأخذ منه ما نشاء دون أن ينقص شيئا." ص110، نلاحظ أن السارد يقدم ما هو تاريخي/تراثي من خلال الرواية، وهذا ما جعل نسق الرواية متكامل بين الماضي والحاضر.
ثم ينقل لنا مشهد إعدامه: "ثم قرأ في الثانية فاتحة الكتاب ثم بعدها "كل نفس ذائقة الموت" ومبالغة في إذلاله تقدم السياف ولطمه لطمة هشم بها وجهه وأنفه، ثم ضرب نحوا من ألف سوط، فلما لم يمت قطعت يده ثم رجله ثم رجله الأخرى ثم ضرب عنقه وأحرقت جثته، فلما صار رمادا ألقي في دجلة، كل ذلك دون أن يتأوه" ص121. نلاحظ أن الحلاج أكثر جلدا من المسيح الذي صاح متألما "إلهي، إلهي لماذا تركتي" وهذا يأخذنا إلى أن صاحب العقيدة يبقى ثابتا، لا يتراجع ولا يستعطف أو يستنجد بغير لله.
وإذا ما توقفنا عن طريقة التعذيب والقتل نجد فكر الحلاج في الحلول حاضرا، وبهذا يكون الحلاج قد أقرن القول/الفكرة بالفعل وأكد أنه صاحب نهج جديد يتجاوز ما هو عادي/تقليدي.

الحكم
بما أن موضوع الرواية "الحلاج" وأفكاره النورانية فقد جاءت الحكمة كحالة ملازمة في لأحداث وللشخصيات، من هذه الحكم: "الجمال لا يتشكل دون لغة، إنه يحتاج إلى عاطفة كي يأخذ معناه" ص26، وهذا الأمر له علاقة بفكرة الحلاج، الذي يهتم بالجوهر أكثر من الشكل، وبما أنه تحدث بمقولات تبدو (شكلا) أنها خارج الإيمان، إلا أن جوهرها ومضمونها غارق في الإيمان وأبعد من أن يستوعبه من يفكرون بسطحية.
"إن الواحد منا يواجه ألمه وحيدا" ص36، وهذا يقودنا إلى الحلاج الذي صلب وقطعت جسده إلى أجزاء وبقى ألمه فيه لا يظهر لم يظهره لأحد.
"لا نحكم بالشبهة على أحد.. دعوه يعبد الله كما يشاء" ص66، هذا ما قاله الحلاج عن شخص يرفع يديه أمام النار داعيا الله، فهو لا يهتم بالشكل، ولا يريد أن يحكم على الآخرين بشكل صلاتهم بل بجهورها.
"ويرون عذاب الله أكثر مما يرون نوره.
...لكن نور الله لا يحتاج إلى الغلو، والمعرفة التامة لا تكون إلا بالحب الكبير" ص98، الخروج من ثوب الخوف إلى ثوب المحبة والتماهي والحلول، وهذا أسس فلسفة الحلاج ورؤيته للإيمان ولله.
"كيف نفعل حين نرى أنفسنا غير قادرين على الخطو؟
ـ نستريح قليلا عل الخطو يطاوعنا" ص111، فكرة استمرار "الخطو" السير حتى الوصول للهدف هي الأساس، من هنا تأتي الاستراحة ضمن المسير، وهي مطلوبة وضرورية للوصول.
"الإنسان هو المقصود من الوجود، وبانتفاء الإنسان لا يعود الوجود ضروريا" ص114، إعطاء هذه المكانة للإنسان تؤكد أنه هو المقصود في الحياة، وهو الوسيلة والغاية من الوجود، وفناءه يعني عم وجود قيمة للحياة/للكون.
"كل ما يطير سيطوي جناحيه ذات لحظة" ص117، نهاية كل شيء على الأرض حقيقة راسخة، ولا يمكن تغييرها، فهي متعلقة بالأفراد/بالجماعات/بالدول.
الرمز
رغم تراثية الرواية إلا أن هناك فقرات تأخذنا إلى الرمز، وهذا ما يعطي الرواية جمالية إضافية، من مظاهر الرمز الفقرة الأخير التي تتحدث عن الطير، فيمكن إسقاطها على دولة الاحتلال، فبدا السارد من خلال قول الحلاج، وكأنه ينذر دولة الاحتلال بنهايتها الحتمة القادمة.
ونجد الرمز في هذا القول: "نحن نلبي النداء فقط، ولا ندري كيف سينتهي الطريق" ص49، رغم أن الطريق هنا متعلقة بالحرج، بالحلول، بالله، إلا أنه يمكن أخذه إلى طريق عام، عابرة لزمن ومتجاوزة المكان، ، فيمكن أخذه إلى أي تنظيم/حزب/جمعة تعمل الآن وفي أي مكان في الأرض، وهذا ما أشار إلية السار من خلال هذا الحوار بين الحلاج والزبيري:
"ـ لكنك تسعى إلى النور يا زبيري وتؤمن به! ربما تصل يوما.
ـ إنها سبعون عاما يا حسين! وتقول إنني أصل.
ـ لا بأس... هي لحظة واحدة من النور تكفي. إنك لن تعد السنين كي تقنط" ص72، بالتأكيد هذا الحوار يأخذنا إلى نضال الفلسطيني ضد المحتل، فالسبعين عاما التي ذكرت على لسان الزبيري أيضا يمكن أسقاطها على نضال الفلسطيني وسعيه للوصول إلى الحرية/ إلى النور.
الرواية من منشورات مركز أوغاريت الثقافي للنشر والترجمة، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2003.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب