الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الذاكرة بين الجزائر وفرنسا

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2023 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


انتصرنا على فرنسا الاستعمارية في ثورتنا التحريرية، لتبدأ حرب الذاكرة بيننا وبينها، يقال عندما تضع الحرب اوزارها تعلن الذاكرة بداية الحرب.
لا أحد يستطيع ان ينكر بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر من أطول وأبشع واحوش أنواع الاستعمار في تاريخنا المعاصر، استمر أكثر من قرن واثنتين وثلاثين سنة (1830-1962)، وارتكب عساكره طيلتها أفظع الجرائم ضد الإنسان والبيئة، وانتهجت سياسة الإبادة الجماعية، والتَّهجير القسري الجماعي والفردي، والقتل، والتَّعذيب، والاغتصاب، والتَّجويع، وحرق الأراضي حيث تم تطبيق سياسة الأرض المحروقة التي اعلنها الجنرال المجرم بيجوضد الأمير عبد القادر وبقيت تلك السياسة مطبقة في الجزائر الى غاية استرجاع الدولة سيادتها سنة 1962 ، كما قامت بتفجيرات نووية وكيمياوية غير محصنة في الصَّحراء الجزائرية، تسببت في كوارث بشرية وبيئية تمتدُّ آثارها للمستقبل البعيد.
جاءت فرنسا إلى الجزائر بنية البقاء فيها وإلى الأبد، بنية خلق أمريكا جديدة، ويقول في ذلك كوزيل: «يلزم أن نصنع أمريكا جديدة هنا بالجزائر، بإبادة سكانها الأصليين، كالهنود الحمر في العالم الجديد حتى يسود الجنس الأوروبي عدديًّا ويصبح الاستعمار استيطانًا دائمًا"
يظهر هذا الإصرار في القضاء على الكيان الجزائري في قول عالم الاجتماع شارل فوريCharles Forey « إن هجرة الأوروبيين إلى الجزائر يجب أن تكون عارمة جارفة، يجب أن نبعث جحافل دهماء من الأوروبيين، إن في استطاعة فرنسا أن تبعث دون أن تنهك قواها أو ترهق نفسها أربعة ملايين نسمة ثم تبعث أوروبا ما تبقى». وهو يتوافق مع الخط العسكري حيث قال الجنرال بيجو في جانفي 1840: «نحن في حاجة إلى جحافل دهماء من المعمرين الفرنسيين والأوروبيين ولكي تجلبوهم عليكم أن تعطوهم أراضي خصبة لا يطير غرابها… حتى يصبحوا أصحابها وأربابها ويصير أربابها الأولون نسيًا منسيًّا"
وصلت وحشية الممارسات المطبقة على الشعب الجزائري الأعزل إلى درجة اقتراف جرائم إبادة بهدف التسلية والترفيه عن النفس، كما يخبرنا به العقيد ديمونتنياك Demonitagnac الذي يقول بأنه قد يقطع الرؤوس لطرد الخواطر المحزنة التي تساوره أحيانًا ، كما قال الجنرال شانغارنييه Général Changarnier في حديثه عن جنوده: «لقد وجدوا خير تسلية لهم في الغارات التي كنت أشنها في الشتاء ضد القبائل المناهضة لنا فيما بين الحراش وبوركيكة». وهي مناطق من الجزائر العاصمة.
استمرت تلك الجرائم الفظيعة، طيلة الاحتلال لمدة 132 سنة ، وقد سجل التاريخ وحشية منقطعة النظير، يمكن أن نضرب مثلًا عنها بمجازر 8 ماي 1945 في مناطق سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وجيجل وسوق أهراس، فقد خرج الشعب الجزائري للاحتفال بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ومطالبة فرنسا بالالتزام بوعودها ومنحهم الاستقلال، لكنها استعملتهم في حربها ضد أعدائها، كدروع بشرية، ثم أخلفت وعدها وقابلت مطالبهم السلمية بالقمع والتقتيل الجماعي، ودمرت قرى ومداشر بأكملها في منطقة خراطة وقرية لعشاش ببني ياجيس بجيجل واغراق 11 جزائريا في البحر بزيامة المنصورية بجيجل ، أبادت أكثر من خمسة وأربعين ألف 45.000) جزائري مدني >، ولم تقم بتسجيلهم في سجلات الوفيات، للتغطية وطمس جريمتها .
الخطير هو أن تلك الجرائم الفظيعة كانت تُعد أمجادًا عسكرية يرتقون بها درجات السلم الاجتماعي، وجاء على لسان شال أندري جوليان Charles- André Julien: «جنرالات جيش أفريقيا لا يحرقون البلاد خفية، إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدًا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين"
واعترف ألكسيس دو طوكوفيل Tocqueville Alexis de: « بقوله : "إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم… لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيًّا فهزموهم بالتدمير والجوع». ، وصرح وزير الحرب جيرار Étienne Maurice Gérard أنه: «لا بد من إبادة جميع السكان العرب، إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا"
إن إبادة الجزائريين المسلمين كانت في حقيقتها سياسة الدولة الفرنسية، ويقول ألكسي دو طوكفيل عام 1841: «لقد سمعت أحيانًا في فرنسا أناسًا أحترمهم يقولون إنه من السيئ أن تُحرق المحاصيل، وأن تُفرغ مطامير القمح وأن يُلقى القبض على الرجال غير المسلحين، وأيضًا على النساء والأطفال، وأنا لا أوافق هؤلاء السادة على مثل هذا الكلام، وأرى أن مثل هذه الأعمال المؤسفة ضرورية لشعب يرغب في شنِّ حرب ضد العرب بهدف جبرهم على الرضوخ له"
كلنا نعرف أن فرنسا لم تكن تعتبر الجزائر مستعمرة لها، ولكنها اعتبرتها قطعة من أراضيها في شمال افريقيا وذلك منذ المرسوم الملكي الذي أصدره الملك لويس فيليب يوم 22 جويلية 1834 ودستور الجمهورية الثانية الفرنسية. لسنة 1848 كلهما اعتبرا التراب الجزائري تابعا لفرنسا، وعلى هذا الأساس تم التعامل مع الجزائريين كأنهم أجانب في ارضهم، يجوز قتلهم ومصادرة أراضيهم واستغلالهم أسوأ استغلال والزج بشبابهم في حروب منذ حرب القرم 1852 وما تلاها من حروب في اسيا وشمال القارة الامريكية وأوروبا وذلك إلى غاية استقلال الجزائر.
إن بشاعة الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي في حق الشعب الجزائري، خلَّفت خزَّانًا من الجراح التي لم تلتئم بعد، وأخرى لا تزال تنزف بقوة، بل ومفتوحة على آلام متفاقمة، لا سيما بسبب ملفات الذاكرة المشتركة العالقة بين البلدين، التي لا تزال تداعياتها تُلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
على الرغم من بعض الخطوات والتصريحات السياسية التي يطلقها بين الحين والآخر الطرف الفرنسي، لم تقم فرنسا بالاعتراف بجرائمها أثناء الاحتلال والاعتذار عنها، وهو ما تعتبره الجزائر مطلبًا أساسيًّا من أجل تجاوز الماضي، وقد تباينت تصريحات الرؤساء الفرنسيين عن ذلك حسب الوضعيات والمواعيد السياسية.
صرح الرئيس فرنسوا ميتران François Mitterrand في نوفمبر 1981، لدى زيارة رسمية إلى الجزائر أن: «فرنسا والجزائر قادرتان على التغلب على خلافات الماضي وتجاوزها». ووقع الرئيس جاك شيراك في مارس 2003، في الجزائر العاصمة، مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «إعلان الجزائر»، الذي نصَّ على «شراكة استثنائية» من أجل تجاوز «ماضٍ لا يزال مؤلمًا… ينبغي عدم نسيانه أو إنكاره».
واستمرت الفكرة قائمة إلى غاية صدور قانون حول «الدور الإيجابي للاستعمار» بتاريخ 23 فبراير/ فيفري 2005، فقد اعتبر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن هذا القانون يكشف عن «عمى عقلي يكاد يصل إلى الإنكار وتحريف التاريخ». وعلى الرغم من إلغاء القسم المثير للجدل من هذا القانون بعد عام من صدوره، لا سيما المادة 4 منه التي تُعتبر تمجيدًا للاستعمار، استمرت تبعاته السياسية على العلاقات بين البلدين.
ندد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي Nicolas Sarkozy في نهاية 2007، أثناء زيارته إلى الجزائر، بالنظام الاستعماري من دون أن يعتذر ودعا الجزائر إلى «التطلع إلى المستقبل»، وكذلك صرح الرئيس فرنسوا هولاند François Hollande، في نهاية 2012، بـ«المعاناة التي ألحقها الاستعمار الفرنسي بالشعب الجزائري»
اتفق الطرفان الجزائري والفرنسي في سنة 2020 على اتخاذ خطوة من أجل تسوية ملف الذاكرة، وكُلِّف كل من المستشار برئاسة الجمهورية الجزائرية عبد المجيد شيخي، والمؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا بتقديم اقتراحات بهذا الشأن، فرفع بنيامين ستورا تقريرًا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron يوصي فيه باتخاذ خطوات رمزية تجاه الذاكرة الجزائرية من دون الاعتذار. ولحد الآن لم نر تقرير عبد المجيد شيخي ولا اللجنة التي كونها الرئيس تبون فيما بعد ، المهم نحن ننتظر ماذا سيقول تقرير اللجنة التاريخية الجزائرية .
جاء عقب ذلك بيان الرئاسة الفرنسية الصادر في يناير 2021 أن: «فرنسا مستعدة لتقديم خطوات رمزية لمعالجة ملف استعمار وحرب الجزائر، لكنها لن تعبر عن أي ندم أو اعتذار».
لقي تقرير بنيامين ستورا Benjamin Stora رفضًا من جهات عدة جزائرية قالت إنه «يسوي بين الضحية والجلاد»، ووصفته بغير الموضوعي.
في ظل تجاهل الطرف الفرنسي لحقوق الضحايا الجزائريين، قام الرئيس ماكرون مؤخرًا بتكريم «الحركى»، وأعلن عن صدور قانون «الاعتراف والتعويض» الخاص بهم، وهو ما أثار الجدل حول إرادته في تصفية ملفات الذاكرة المشتركة، خاصة مع حساسية الموضوع بالنسبة للجزائريين، الذين يعتبرونهم أحد أسباب معاناتهم أثناء الاستعمار .
أعلنت الجزائر في عام 2017 أن فرنسا ما زالت تحتجز 98 بالمائة من أرشيف البلاد المهرَّب إلى فرنسا، وهي تطالبها باستعادته كاملًا، بما فيه الأرشيف الذي يعود إلى الحقبة العثمانية (1518 – 1830).
وتجدر الإشارة، بهذا الصدد، إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد سمح برفع السرية، لفائدة الباحثين الجامعيين، عن أرشيف كان مشمولًا بقانون سرية الدفاع الوطني، ومعه وثائق ومستندات فرنسية حول حرب التحرير الجزائرية التي أفضت إلى إنهاء الاستعمار الفرنسي. غير أن الكثير من الباحثين الجامعيين لم يجدوا في هذه الخطوة تسهيلًا لعملهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل طالبنا فرنسا رسميا بتعويض إبادة آلاف العزل خلال انتفاضة 8 ماي 1945؟ والجرائم التي ارتكبتها منذ 14 جوان 1830 إلى غاية توقيف القتال في 19 مارس 1962 هذا إذا استثنيا جرائم O.A.S باعتبارها جرائم إرهابية خارجة عن نطاق الدولة الفرنسية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف