الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنين بين النكبة والصمود

رضي السماك

2023 / 7 / 17
القضية الفلسطينية


ضمن ردود الفعل الدولية المنددة بالاجتياح الإسرائيلي لجنين، وما خلّفه من أضرار فادحة في الأرواح، فضلاً عن الجرحى والعمران، ثمة موقفان دوليان لافتان لا يخلوان من أهمية: الأول يتمثل في الزيارة التي قام بها إلى مخيم جنين سفين كون فون بورغسدورف، ممثل الأتحاد في فلسطين، برفقة 30 دبلوماسياً أجنبياً، والذي وصف ما شاهدوه بالمروع والصادم،و دعا إلى "زيادة الضغط على إسرائيل لوقف ما تمارسه من عنف" وأن تمتثل للقانون الدولي .أما الموقف الثاني اللافت فيتمثل في التصريح الذي أعرب فيه أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن غضبه الشديد لما حدث في مخيم اللاجئين بجنين، منددداً بالهجوم الإسرائيلي عليه، ومُذكّراً العالم بمظاهر وحشيته: "خلّف أكثر من مئة جريح مدني، وأجبر الآلاف على الفرار وإلحاق أضراراً بالمستشفيات وتعطيل شبكات المياه والكهرباء". كما انتقد غوتيرش إسرائيل لمنعها الجرحى من الحصول على الرعاية الطبية والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى كل محتاج"، مضيفاً أن إسرائيل " بصفتها القوة المحتلة، عليها مسؤولية ضمان حماية السكان المدنيين من جميع أعمال العنف".
لكن رد الفعل الإسرائيلي على تصريح الأمين العام للمنظمة الأُممية التي تتمتع إسرائيل بالعضوية فيها، اتسم بالطابع الاستفزازي؛ لما أنطوى عليه من غطرسة ووقاحة في التعالي وعدم اللباقة البروتوكولية المفترضة تجاه هذه الشخصية الدولية الكبيرة المحترمة،ذلك بأن سفير إسرائيل في الاُمم المتحدة جلعاد إردان لم يفند تصريح غوتيرش أو يدينه، بل طالبه بالتراجع عن تصريحه وما ورد فيه من إدانة لإسرائيل، بمعنى إذلاله وتفريغ تصريحه من مضمونه الأساسي ةكأنه لم يكن! مع العلم أن الأمين العام لم يدلِ بتصريحه أعتباطياً، بل جاء على إثر بيان صادر عن ثلاثة خبراء مستقلين أوفدتهم الاُمم المتحدة إلى مخيم جنين لتقصي حقائق ما حدث فيه من جرائم صهيونية، حيث أكدوا أن ما حدث فيه من ضربات جوية وأعمال برية ترقى إلى أنتهاكات صارخة بالقانون الدولي والمعايير المتعلقة باستخدام القوة وقد تشكل "جريمة حرب". ولا يُخفى على المراقب اللبيب بأن كلمة "قد" دُست من قِبلهم لتفادي أتهامهم بالأنحياز الفاقع للطرف الفلسطيني. لكن رفض الأمين العام للمنظمة الدولية الدولية رفض التراجع عن تصريحه، لأنه يعني بكل بساطة بأن أن يتخلى غوتيرش عن أختصاصاته ومسؤولياته الدولية،أو يمارس دور المحامي عن إسرائيل، أو الصامت إزاء كل انتهاكاتها الصارخة اللاإنسانية المنافية للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان،، علماً بأن تصريح الأمين العام هذا الأخير لم يخلُ تصريحه من الغمز بإدانة الجانب الفلسطيني دون أن يسميه بالاسم.
لكن لماذا تتمادى إسرائيل أمام الملأ الدولي في أزدراء القرارات الدولية والقانون الدولي؟ وكم يبلغ عدد مجلدات نصوص قرارات المنظمة الدولية والمنظمات الأُخرى التي تدين إسرائيل منذ قرار التقسيم1947 الذي لم تمتثل له إسرائيل في حروبها مع الفلسطينيين متجاوزة المساحة المخصصة لها في ذلك القرار؟
والسؤال الذي يرتبط أيضاً بالأسئلة السابقة: إذا كانت نتائج حرب 1948 بين الجيوش العربية وإسرائيل قد شكلت النكبة الكبرى فيما عانى منه الشعب الفلسطيني من خسائر هائلة في أعداد الأرواح والقتلى والجرحى والممتلكات، والأخطر تشريد مئات الألوف من أبنائه، وقضم مساحة كبيرة من وطنه التاريخي، ثم جاءت النكبة الثانية في عام 1967 التي اُصطلح على تسميتها "النكسة" وهي لا تقل خطورةً عن النكبة في نتائجها والتي نجم عنها استكمال احتلال كامل الوطن الفلسطيني بحدوده التاريخية المتعارف عليها دولياً، فكم نكبة مصغرة لنكبتي 1948 و1967 مر بها هذا الشعب وتجرع أهوالها من مذابح واجتياحات تعرضت لها مدنه وقراه خلال سلسلة طويلة من الاعتداءات الوحشية المدمرة والمتواصلة عليها منذ النكبة الكبرى، وعلى وجه الخصوص في أعقاب النكسة وصولاً لنكبة مخيم جنين الأخيرة؟
وإذا كان الأمين العام للمنظمة الدولية قد أدان بوضوح، وبشكل حازم، العدوان الوحشي الأخير على مخيم جنين وما سببه من مآس وفظائع لسكانه المدنيين المسالمين، وإذا كان أيضاً ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين قد دعا بدوره المجتمع الدولي إلى زيادة ضغوطه على إسرائيل من أجل وقف العنف، وهو لم يدعُ لزيادة هذه الضغوط عليها إلا ليقينه التام بأنها تعودت على ألا تمتثل للقرارات والمناشدات الدولية، فألى متى ستظل الأنظمة العربية مكتفيةً بالإدانات أزاء الجرائم الصهيونية؟ وهو ما تفعله أيضاً جامعة الدول العربية التي تخضع لقرارات الدول المنددة ؟ ألم يحن الوقت بعد لتتحمل الدول العربية الحد الأدنى من واجباتها و التزاماتهما القومية تجاه القضية الفلسطينية؟ لماذا ضمائر الدول العربية التي عقدت أتفافيات تطبيعية مع إسرائيل متحجراً وغائباً تماماً؟ وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد بحيث لم تقدم ولو بردشكلي على إسرائيل ، كاستدعاء سفرائها على الأقل أحتجاجاً على الجرائم التي أرتكبتها إسرائيل بحق أشقائها الفلسطينيين في جنين؟ أو ليس من الواجب بأن تتنادي قيادات الدول العربية في قمة عاجلة للتباحث الجاد في سُبل ممارسة ضغوط فعالة وملموسة على إسرائيل بحيث تؤتي اُكلها؟سيما وأن إسرائيل تجاهلت كل المبادرات العربية الشديدة الأعتدال للتوصل إلى إقامة سلام دائم مع الكيان الصهيوني، ناهيك عما قدمته القيادة الفلسطينية من تنازلات فادحة في اتفاقيات اوسلو 1993 ترقى إلى التفريط في الحقوق الثابتة لشعبهم الفلسطيني غير القابلة للتصرف؟ أليس من العار أن يدعو ممثل الأتحاد الأوروبي المجتمع الدولي إلى زيادة ضغوطه على إسرائيل على إثر جريمتها الأخيرة في جنين في الوقت الذي ما زالت أنطمتنا العربية تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار التي تعودت عليها إسرائيل ردحاً طويلا من الزمن دون أن تحملها على تغيير سياساتها العنصرية الأجرامية قيد أنملة؟ صحيح أن أسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها في جنين لكسر إرادة الشعب الفلسطيني الجبارة التي لاتقهر، وصحيح قد حقق هذا الشعب واحدة من أكثر ملاحمه في البطولة والصمود في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة، لكن من الصحيح أيضاً أن ما فعله العدو من جرائم وحشية بحق أهلنا في جنين وعامة فلسطين كان بمثابة واحدة من نكباته التي نُكب، سيما أن جزءاً رئيسيا من أحتجاجاته كانت ضد سرطان الإستيطان الذي ينهش أراضي الضفة، فيما يُترك الشعب الفلسطيني لوحده يتحمل نتائجها بالكامل تبعات تلك النكبات في ظل أسوأ خذلان رسمي عربي فاضح وصريح في تاريخ القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948، اللهم كالعادة إلا حفنة من الدولارات لدعم إعادة الإعمار هذا لئن حدث دعم كهذا، ثم تعيد إسرائيل الكرة مجدداً في تدمير ما قام به هذا الشعب من إعادة إعمار مرات ومرات، ما يذكرنا هنا بصخرة سيزيف التي يتوهم عدوه الصهيوني بقتل إرادة الحياة لهذا الشعب العظيم ويفرضها عليه، لكنه ما كان ليقدم على ذلك إلا لأنه ضمن الأفلات من العقاب الدولي الذي يستحقه حسب المواثيق الدولية، وما ذلك إلا بفضل بيئة عربية رسمية خانعة توازيها بيئة دولية متفرجة أو مشغولة بقضايا تعتبرها أهم من القضية الفلسطينية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية