الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نَحْو إستراتيجية ناجعةٍ في الحِوارِ الوطنيِ الاقتصاديِّ

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 7 / 18
الادب والفن


اصطلاح (الحوار الوطني) من التعابير الشائعة في الخطاب السياسي في كل دولة ديمقراطية مُتَحضِّرة مُتَنَوِّرة، وهو مركب وصفي، مكون من: لفظة(الحوار)، مصدر الفعل (حاوَرَ)، الذي يقتضي طرفين: مُرسِل ومُستقبِل، وعبر الخطاب بينهما تُنتَج رِسالة، هي الفكرة المُتَغيَّاة، والرؤية المنشودة، وفيها نفع للجميع. ولفظة(الوطني) التي تشير إلى أن (الوطن) هو مكان الحوار، وهو غايته؛ فالحوار داخل(الوطن)، وليس مفروضا عليه من الخارج، والحوار يكون (لـلوطن)، ويكون بين أطياف (الوطن) وفئاته وتياراته، وعناصره البشرية المتنوعة، والمتناغمة؛ مما يحقق الانتماء الصادق للوطن، في ظل سلوك المواطنة النبيل والمستنير، الجامع والشامل للكل، والبعيد عن المصالح الطبقية الخاصة أو الفئوية الضيقة!
وهذا (الحوار الوطني) بين ممثلي الشعب، يحل مشكلة الاختلاف بينهم، الذي قد يكون شرًّا وبيلاً بتحوله إلى فوضى أو صراع! لا خلاص منه إلا بالخروج إلى رأيٍ توافقيٍّ يُحقّق نظرةَ الجميع وطموحهم في حدود الظروف المتاحة، والإمكانيات الماثلة، وما نراه حولنا في محيطنا العربي دال على هذه الحقيقة؛ فكل صراع شعبي، الآن في منطقتنا، راجع إلى انعدام ذلك الحوار البنًّاء بين أفراد الشعب، فالحوار الوطني سبب كل وحدة واستقرار...
ومفهوم (الحوار الوطني) يدور حول تبادل الآراء الواقعية العَمَلِية، ومناقشة المبادرات الإيجابية الهادفة إلى حل كثير من مشكلات الوطن الراهنة وأزماته الآنية، سواء منها المُزمنة أو الطارئة، وتحديَاتِه المستقبلية، في مجالات حياتية مختلفة: سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، لا سيما في ظل هذه الأجواء المشحونة بسيول من الشائعات والأكاذيب المغرضة، وأعاصير من المعوقات الخارجية والداخلية، والتي نُبتَلى بها عبر عدة طرق، أبرزُها وأخطرُها طريق وسائل التواصل الاجتماعي والتقني الكثيرة والمتنوعة، والتي استحوذت على المواطنين، ووصلت إليهم في كل مكان: في الحقل، والمصنع، والمتجر، والشركة، والمصلحة الحكومية، والمدارس والمعاهد، والجامعات، ومراكز البحث، ودور العبادة، في كل مكان، وإلى كل إنسان: كبيرًا كان أو صغيرًا، عاميًّا أو مثقفًا، ذكرًا أو أنثى، داخل الوطن أو خارجه! و(الحوار الوطني) أداة من أدوات صنع القرار الوطني، وسبب في تحقيق المصالح الوطنية العامة، ومُقوِّم من المقوِّمات الحضارية لكل وطن، ولذا وجدنا السيد رئيس الجمهورية الثالثة يقول في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني سنة 2022م: "الحوار الوطني يرسم ملامح الجمهورية الجديدة، والأحلام والآمال تفرض التوافقَ لا الاختلافَ"؛ فالحوار الوطني يؤدي إلى تحقيق الاستقرار الوطني، والأمن الداخلي والخارجي، وتجنيب الوطن فوضى التمردات السياسيّة والقلاقل الحزبيّة، والقضاء على مخططات ذوي الأجندات والارتباطات الخارجيَّة، والطامعين في تحقيق مآربهم العدائية وأهدافهم الشيطانية القذرة...
وعندما يُوصَف هذا الحِوار الوطني بنعت(الاقتصادي) يكون مقصودًا منه بحث المشكلات والمعوقات والتحديات الموجودة في هذا المجال الحياتي والحيوي، والتي تمسُّ كل مواطن، كل لحظة، وفي كل حال ومكان؛ فـ(الحوار الوطني الاقتصادي) حوار في عصب الحياة في كل وطن، وحوار حول مجال من أهم مجالات الحياة التي تفرض نفسها علينا الآن؛ فما من مواطن مصري إلا يتحدث عن معاناته في كل مكان، في ظل حالة اقتصادية عالمية صعبة، فيها تراجع للصادرات، وتراجع للسياحة، وتراجع لمعدل النمو، وارتفاع لمعدل التضخم، وارتفاع للدين الخارجي والداخلي، وارتفاع لعجز الموازنة، وانعدام للاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسة، وارتفاع لسعر العملة الأجنبية وانخفاض سعر العملة الوطنية أمامها؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وقلة الدخول، وارتفاع معدل البطالة، مما يؤثر على توجهنا المحمود نحو التنمية الشاملة المستدامة... وهنا مكمن الخطورة! وأساس هشاشة كل اقتصاد.
ومقالي هذا ينطلق من عدة أسئلة تفرض نفسها على كل مصري ومصرية، مفادها:
-كيف نواجه-حكومةً وشعبًا- هذه الأزمة الاقتصادية العالمية؟
-كيف نجعل-حكومةً وشعبًا- الأسعار طبيعية في متناول محدودي الدخل؟
-كيف نعتمد-حكومةً وشعبًا- على أنفسنا في توفير متطلبات الحياة الضرورية؟
-كيف نطور أنفسنا وحياتنا اقتصاديًّا، فنتحول من حالة الاستيراد والاستهلاك إلى حالة الإنتاج والتصدير؟
-كيف نُصَفِّر ديونَنا ومشاكلنَا؟
ومثل هذه الأسئلة تستدعي تكاتف الجميع-حكومةً وشعبًا- للتخفيف من معاناة عامة المواطنين؛ ففى المرحلة الراهنة تتصدر الأزمة الاقتصادية المشهد، وما يرتبط بها من رغبة عامة حكومية وشعبية في ضبط الأسعار، وتحسين الأحوال المعيشية للطبقة الوسطى، والطبقات الأكثر فقرًا، حتى يكون اقتصادنا قادرًا على الوفاء بالتزامات البلاد داخليًّا وخارجيًّا، وهو قادر على ذلك الآن، ومستقبلاً، إن شاء الله.
نعم نستطيع أن نحل مشاكلنا.
نعم نستطيع أن ننتج متطلباتنا من غذاء ودواء وسلاح نعم نستطيع أن نستقل عن الآخرين.
نعم نستطيع أن نكون دولة صِفْرية الديون، صِفْرية المشاكل، بقوة الله وإرادته عز وجل...
وتلك القدرة الاقتصادية تتحقق-بإذن الله تعالى وقدرته-عن طريق اقتراح خارطة طريق يسيرة وسريعة وفورية وعَمَلية، فيها إصلاحات جذرية، وتضحيات حقيقية؛ للخروج من هذه المشكلات الاقتصادية، واستغلال الحالة الوطنية الإيجابية المتمثلة في الإرادة السياسية الصادقة، والشجاعة الإدارية الحقيقية في تطوير السياسات الاقتصادية السابقة.
وقد بحثت في كيفية هذه الخارطة من خلال النصوص الإسلامية الوسطية المستنيرة لكيفية التعامل مع المال كسبًا وإنفاقًا واستثمارًا وادخارًا، ومن خلال تدبُّر واقعنا المُعاش، ومن خلال ما قاله الخُبَراء في حل مشاكلنا الآنية، فرأيتها تتمثل في إجراءات فورية عاجلة على كل مصري ومصرية، وهي:
1- التخطيط العلمي للاكتفاء الذاتي السريع من السلع الإستراتيجية الضرورية، والمطلوبة حياتيًّا، مثل الحبوب، والزيوت، والثروة الحيوانية، والتي يؤدي الاكتفاء منها إلى توفير عشرات الملايين من فرص العمل للمواطنين، وتوفير مليارات من العملة الأجنبية الصعبة، فتحفظ البلاد من المخاطر والتقلبات الاقتصادية...
2- عدم اللجوء في العلاج الاقتصادي إلى المسكنات الاقتصادية الضارة، مثل: زيادة الضرائب والرسوم، وزيادة معدلات الاقتراض، وبيع الأصول الوطنية العامة!
3-محاربة أسباب الفقر، والبطالة، والعمل على عدالة توزيع الدخل القومي على كل المواطنين، بما يكفل حياة كريمة للجميع، بتعديل هيكلة المرتبات والأجور، والعمل على تحقيق العدالة الضريبية، باعتماد نظام ضرائب تصاعدي يساعد في خفض الضرائب إلى الحد الأدنى على كل أسرة محدودة الدخل؛ مع تخفيف الرسوم المستحدثة والضرائب الجزافية، والقضاء على الصناديق الخاصة، وضمها إلى الموازنة العامة للدولة.
4- فرض حالة من التقشف على جميع المواطنين، بتقليص الإنفاق الحكومي بشكل فوري وعاجل، ومحاربة الإنفاق الترفي على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية وإنفاق مئات المليارات من العملة الأجنبية على استيراد سلع ترفيهية تعود بالنفع على فئة مسرفة مبذرة، قليلة ومحدودة جدًّا من السكان، ويمكننا إنتاجها وطنيًّا، بطرق محلية قدر المُتاح والمُمكن. فنحن قوم وسط معتدلون في مصروفاتنا، نكتفي ذاتيًّا بما عندنا، فلا نُسرف ولا نقتر، بل نحافظ على مكتسباتنا ونعمل على تطويرها، فالإسراف يؤدي إلى خراب اقتصادي وفساد خلقي، وهذا ما نراه متحققًا عند طبقة المترفين المسرفين المبذرين إخوان الشياطين، والتقتير يؤدي إلى تضييع للنفس والجسد والذرية.
إن استقرار أي دولة أو أسرة أو مجتمع يكون بالاقتصاد والاعتدال في المعيشة والمعاملات المالية عن طريق قيادة العقلاء لا السفهاء في كل أسرة ومجتمع للمعاملات المالية من بيع وشراء وتجارة وشراكات ومضاربات؛ مما يجعل الميزانيات والدخول تستقر ولا تختل أو تتعرض للتضييع والإهدار، فنضطر إلى الاستدانة من الآخرين أو البنوك! وإن سعادة أي أسرة أو عائلة ليست بكثرة الممتلكات، ولا بغلاء المفروشات، ولا بكثرة الشقق والفيلات والشاليهات والعمارات والمباني، وإنما سعادتهم نابعة من قلوبهم المؤمنة، ونفوسهم المطمئنة، وشخصياتهم الراضية المتزنة والمعتدلة والمنتجة المعمرة. وهذا لا يعني أن يعيش الإنسان حالة دائمة من الشحّ والبخل والتقتير، وإنّما في حالة من الاعتدال والاستقامة والترشيد.
وتوجد إجراءات عامة وطويلة المدى تتمثل في الآتي:
١الاستثمار الحقيقي والعام للموقع الجغرافي لمصرنا وما به من ثروات طبيعية، بعيدًا عن المصالح الشخصية والفِئَوِية؛ فهو ملك الشعب كله، فيكون نتاجه للشعب كله، عندما يُستَثمر، بعلم وبصدق وإرادة مستقلة.
٢ توظيف الثروة البشرية والشبابية التي يتمتع وطننا بها توظيفًا شموليًّا عامًّا، وإلزاميًّا، يتحول فيه كل فرد، وكل أسرة، وكل فئة، إلى العمل والإنتاج والتعمير، لا التواكل والاستهلاك والتبذير! فنريد من الحكومة أن تجعل المواطنين حلاًّ لمشاكلنا الاقتصادية بدل أن تتركهم مشكلة، أو أن ترضى بأن يكونوا مشكلة! عن طريق التفكير في مشاريع ومصانع تحقق ذلك مثل دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم الصناعات الصغيرة، والحِرف المنزلية، والمشاريع العائلية، والمِهَن اليدوية، وتمويل خطط تنموية قصيرة محدودة، وتيسير التعامل البنكي أو التمويل البنكي، أمام عامة الشعب؛ لجذب كل المواطنين نحو التجارة والاستثمار والتصدير، بدل حالة الركود هذه؛ فقاطرة التنمية تحتاج لجهود شعبية عامة مشتركة، وليست طبقية مستعلية أو فئوية نفعية!
3-العمل إعلاميًّا ودعويًّا وتثقيفيًّا على غرس ثقافة (التربية الاقتصادية) في نفوس جميع أفراد الشعب وعقولهم وقلوبهم... تلك التي تناول بعض جوانبها فقهاء الإسلام تحت مسمى المعاملات، وعرض لمجملها الوُعاظ والخُطباء والدعاة تحت مسمى قيمة العمل والإنتاج والتعمير... ويقصد بالتربية الاقتصادية: تعليم الناس سلوكيات عَمَلية في تسيير أمورهم في الحياة، بممارسة تدبير شئون البيت وتوفير المال ومتطلبات الحياة، والاستخدام الأمثل للموارد المادّية وغير المادّية، من خلال منظومة القيم الدينيّة والتشريعات الإلهيّة المعتبرة، مع تأهيلهم بمهارات وسلوكيات تحقق ذلك، منها الاعتماد على النفس، وتحمُّل المسئولية، والصبر على شظَف العيش، والقدرة على مواجهة تقلبات الحياة واضطرابات الواقع، وفقه الواقع، وفقه الأولويات، والخبرة في التعامل مع الناس، وشغل وقت الفراغ واغتنامه بالمفيد النافع، والاستثمار الأمثل لتكنولوجيا التواصل ومستجدات العلوم في خدمة النفس والأسرة والمجتمع، والأخذ بأسباب توفير متطلبات الحياة الكريم، من عمل شريف، وإنتاج وتعمير وتطوير. إضافة إلى التكافل الاجتماعيّ والموازنة بين الملكيّة الخاصّة والملكيّة العامّة، والحفاظ عليهما، وأنواع المعاملات المالية الربحية الحلال كالشراكة والمضاربة، والسلم والكفالة والوكالة والإجارة والرهن والقرض الحسن، وأنواع المعاملات الماليةالإحسانية والتبرُّعيَّة كالهبة والوقف والعتق والوصايا، مع التذكير بوجوب تجنُّب المعاملات المالية المُحرَّمة التي فيها إسراف، وتبذير، واتباع للهوى والمزاج الشخصي، وظلم للناس كالربا والاحتكار والغصب والسرقة والتزوير... وغير ذلك من مظاهر أكل أموال الناس بالباطل.
5-التخطيط للتنمية الشاملة المستدامة زراعيًّا وصناعيًّا وتكنولوجيًّا وتعليميًّا وصحيًّا وسياحيًّا، والاستثمار العلمي في مجالات القوى الناعمة لمصرنا المتمثلة في البحث العلمي، والثقافة والفنون والآثار، والدعوة الدينية الوسطية المستنيرة...وتوفير الفرص للإبداع في جوانب الحياة المختلفة في الوطن، بطريقة تؤدي إلى جذب الاستثمار الوطني والأجنبي معًا جذبًا حقيقيًّا واعيًا؛ مما يؤدي إلى زيادة الصادرات، وتقليل الواردات، وإصلاح الخلل الهيكلي في ميزان المدفوعات؛ فلا دولة مستقرة وآمنة بدون تخطيط علمي منهجي، وتنمية شاملة مستدامة، في القطاعين العام والخاص معًا، وعن طريق الجميع حكوميين وشعبيين.
6- الحفاظ على القطاع العام، والشركات والمصانع الوطنية وما فيها من عِمالة وضمان عدم تسريحها، والعمل على دعمها باستثمار سلعها ومنتجاتها داخل السوق المحلي، مع التفكير العملي في أسواق خارجية لكل سلعة ومنتج، مع العمل على توسيع مكانة القطاع الخاص وإزالة العقبات أمامه؛ فالقطاع الخاص مُحرِّك رئيس لكل اقتصاد، ومُعزِّز قويّ لكل نمو وازدهار ورخاء، وهذا يقتضي العمل العلمي على تشجيع الاستثمار الوطني أو الأجنبي المباشر في الأرض المصرية والأصول المصرية، والذي يأتي فيه المستثمر لإنشاء شركات ومصانع ومزارع وشركات، وتوظيف عمالة وطنية، وضخ رأسمال أجنبي؛ مما يدعم الاقتصاد الوطني ويجعله مستقرًّا آمنًا مستقلاًّ.
وبخارطة الطريق هذه، المكونة من إجراءات أربعة عاجلة، وإجراءات ستة عامة، وطويلة المدى، نكون قد حققنا-حكوميًّا وشعبيًّا- الاعتماد على النفس المصرية والثقة فيها، والإحساس بقيمة العمل، وقيمة غِنَى النفس والقناعة والرضا بالمُقَدَّر والمُتاح، والتسلح بالصبر والجلَد وتحمُّل شظَفِ العيش وصُعوبات الحياة وتقلُّباتها، وما يُسمَى التضخم الاقتصادي، وعدم الوقوع فريسة للعَطالة والبَطالة والتواكُل واليأس والقنوط... وغيرها من السلبيات السلوكية المُشينة والقبيحة، والضارة فرديًّا واجتماعيًّا! ونكون قد دخلنا بمصرنا في الجمهورية الثالثة الجديدة، مصرنا المتحدة المستقرة المستقلة القوية، إن شاء الله تعالى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد