الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زوجتان في المخيم

رياض ممدوح جمال

2023 / 7 / 18
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد
تأليف : رياض ممدوح جمال

شخصيات المسرحية :
اغراء : امرأة في الاربعين من العمر، موفورة الصحة حسنة الهندام.
نور : امرأة في الاربعين من العمر نحيلة الجسم، متعبة ذات ملابس بسيطة.
سماح : امرأة في الخمسين من العمر، موفورة الصحة، حسنة الهندام.

المكان : خيمة في مخيم للنازحين في مدينة اوربية.
الزمان : يوم من ايام عام 2014.

(خيمة ضمن مخيم، مستلزمات ضرورية وبسيطة، اغراء جالسة على الارض وفي
حضنها طفل رضيع نائم، وعلى باب الخيمة الوحيد ومن داخل الخيمة تجلس نور،
وكأنها تسد الطريق على هروب اغراء، وامامها جلكان مليء بالنفط، ويظهر ظل
امرأة على باب الخيمة من الخارج، عمود في الوسط لرفع الخيمة، وفي زاوية من
الخيمة مدفأة غير موقدة رغم برودة الجو)

اغراء : (بخوف) من انت، وماذا تريدين مني؟
نور : انا! لم تعرفيني اذن.
اغراء : كلا، وما الذي تنوين فعله؟
نور : سأحرق الخيمة بمن فيها، انت وطفلك. فقد حرقتم اعمارنا. ولكن ليس
قبل ان اصفي حسابي معك.
إغراء : (تهم بالنهوض والصراخ، لكن توقفها نور بإشارة من يدها، فتصمت).
نور : لن يسمعك أحد، ولن ينجدك احد، فقد حسبت لكل شيء حسابه. ان
خيمتك هذه في ركن المخيم، والخيم المجاورة لنا، هم من جانبي ومهيؤون لكل
طارئ، أو حركة طائشة تبدر منك.
إغراء : ماذا تريدين مني؟ وانا لم اؤذ احدا، على ما اعتقد.
نور : سنرى، بعد ان نصفي الحساب بيني وبينك.
اغراء : لا اعتقد ان بيني وبينك اي حساب.
نور : طبعا، أحيانا الأقدام لا تعرف على أي زهور وطئت. والنار لا تعرف
معاناة اليد التي تحترق بها. ولا يعرف النهر اي عزيز في جوفه غريق. ولا يعرف
المخرز لماذا صرخ ذلك الذي تلقى الوخزة منه. فالكل عند المحاكمة ابرياء، وعلى
الضحية وحدها ان تدفع الثمن هل تحس الاطلاقة اي روح قتلت حين تخترق الجسد!
وهل تحس سرفة الدبابة حين تسحق اجساد الابرياء! هل تعلم الغازات الكيمياوية
السامة بما تفعله حين تتغلغل إلى رئات الاطفال والنساء والشيوخ، وحتى الحيوانات
والمزروعات! ولا يعرف حوض التيزاب اي من الاجساد ذابت فيه. ولا تعرف
المقابر الجماعية أي من الاجساد دفنت فيها.
اغراء : لم أفهم شيئا مما تقولين.
نور : طبعا، هذا مؤكد، انك لم تفهمي شيئا مما اقول.
اغراء : انا متأكدة انك متوهمة بي، فانا لا اعرفك ابدا.
نور : لكنني اعرفك اكثر من نفسي. لم تغيبي عن فكري ابدا، منذ ان كنا
طالبتين في المرحلة الاعدادي. كنا في صف واحد، ونسكن نفس الحي.
اغراء : وهل بالضرورة أن أعرف جميع من شاركت المدرسة أو الحي
الذي اسكن فيه؟
نور : كلا طبعا، ان الاستاذ لا يذكر جميع طلابه، ولكن جميع طلابه
يذكرونه. والسجان لا يذكر إلا القليل من سجنائه، ولكن احدا من سجنائه لن ينساه.
ومسؤول المعمل لا يذكر جميع عماله، ولكن جميع عماله يذكروه. والظالم لا يذكر
جميع ضحاياه، ولكن لا أحد من الضحايا ينساه.
اغراء : وما علاقتي انا بكل ذلك؟ لم أكن يوما معلمة ولا سجانة ولا مسؤولة
عن معمل، واجزم اني لم أظلم أحدا في يوم من الايام.
نور : بل أنت كل هؤلاء مجتمعين.
اغراء : قلت لي اننا كنا في نفس المدرسة والحي السكني. وما الاشكال في ذلك؟
وما علاقتي انا بالأستاذ، وبمسؤول معمل، والسجان، والظالم؟ وما سبب كل حقدك
هذا علي؟
نور : انت ابنة صاحب المعمل الذي طرد والدي، بحجة انه فائض عن
الحاجة، ثم مات من الحزن وشحة الدواء لمرضه. وبسبب ذلك اضطررت انا إلى
ترك المدرسة، المدرسة التي كنت انا المتفوقة فيها. بينما أنت التي كانت سيارة ابيك
الفارهة تنقلك الى المدرسة، لم تنجحي، ولم تكملي دراستك الجامعية، الا بفضل
اموال ابيك.
اغراء : وما هي جريمتي انا في كل ذلك؟ لم يكن الامر ولا الخيار بيدي في
كل الذي قلته. لا علم ولا سلطة لي على ما كان يجري في المعمل.
نور : (تصرخ) دعيني اكمل كلامي، لتتضح عندك الصورة.
اغراء : اكملي، فكلي أذان صاغية لك.
نور : ولحاجة اهلي لتخفيف الاعباء عنهم، زوجوني إلى أول طارق لبابنا. وكان
رجلا فقير الحال، ولكنه شريف. وكنت سعيدة معه، واصب لدينا بنت حلوة وصبي.
(تخنقها العبرات) ولكن البنت مرضت بمرض لا طاقة لنا لعلاجه. حتى اني
عرضت الصبي للبيع في سوق المدينة لعلاجها، لكن لا أحد يشتري. فماتت، ماتت،
ماتت ومات معها قلبي.
اغراء : صدقيني، انه يؤسفني ان اسمع ذلك.
نور : هل تعلمين في اي يوم ماتت ابنتي؟
اغراء : كلا، ومن أين لي أن اعلم؟
نور : انه في نفس يوم زفافك على عريسك... ضابط الامن. ومع الغام
الموسيقى وقرع طبولكم، كنت في المقبرة ادفن قلبي.

(تبكي بكاء مرا، يقطع الالباب، تحاول اغراء النهوض لمواساتها)

نور : (تصرخ فيها بصوت مرعب) لا تنهضي، اجلسي مكانك، والا احرقتك
فورا، بهذا النفط.
اغراء : اقول لك من كل قلبي، اني اتمزق من داخلي حزنا عليك.
نور : وهل يعيد حزنك ابنتي لي؟
اغراء : اسمحي لي أن أقول لك، انه لا ذنب لي في كل الذي جرى. وهل من
العدل أن ادفع ثمن ذنب اقترفه والدي رحمه الله؟
نور : (تصرخ) لا يستحق الرحمة من تسبب في قتل ابي وفلذة كبدي. ومن
حسن حظه أن الموت أنقذه مني. والا بقيت لأخر العمر اتبعه. كم اتبع الان زوجك،
وسأبقى اتبعه الى اخر نفس أتنفسه في الحياة.
اغراء : (تنصدم) ها، وماذا عن زوجي، وما هو ذنبه؟
نور : بلا، إن نيرانكم لم تتوقف عند هذا الحد.
اغراء : ارجوك اخبريني، ماذا عن زوجي، وما الذي اقترفه، ليستحق كل
هذا منك؟
نور اخبريني اولا اين هو الان؟
اغراء : لا اعرف الان عنه شيئا، فقد اضطر الى الهرب من دوننا.
نور : هل تذكرين الرجل الذي وجد ميتا ومتجمدا من البرد عند باب
داركم في احدى ليالي الشتاءات الماضية؟
اغراء : نعم اذكره. فقد كان مجنونا، يعرفه كل اهل الحي.
نور : (تصرخ) لا تقولي عنه مجنونا. انه زوجي. كان اعقل منك،
وزوجك تسبب في جنونه.
اغراء : ما هذه الأعاجيب التي أسمعها في هذا اليوم العجيب! أما أنني
في حلم. أو أن هذا اليوم هو خارج الزمن. أو أنك قد فقدت عقلك.
نور : لا تستفزيني بكلامك، والا عجلت في حرقك.
اغراء : لا استفزك، اكملي روايتك الغريبة عن زوجي، هيا.
نور : ان شقيق زوجي كان قد هرب من الحرب، والذي ابلغ عنه هو
زوجك. وتسبب ذلك في الحكم عليه بالإعدام، وقد حظر حفل الإعدام زوجي،
زوجي الذي فقد عقله في الحال. ان من جعله مجنونا هو زوجك، لم يكن مجنونا منذ
البدء، كما تتوهمين.
اغراء : يا الهي، ما هذا الكابوس الذي انا فيه الان! يا إلهي، هل
يعقل كل هذا! هل كنا نحن عجلات تسير، دون أن ندري اننا نسحق زهورا يانعات،
وحيوات لبشر آخرين! هل يعقل اننا لم نكن نشعر بكل تلك الالام! هل كنا خيول
محجوبة العينين تسير نحو سحق الآخرين، دون ان تعلم! هل كنا قطارات تحدد
سيرها سكك عمياء! يا إلهي هل كنا مجرمين إلى هذا الحد دون أن ندري!
نور : هل بكلماتك هذه ، تريدين ان تقنعيني بانك، أو بأنكم، ابرياء من دم
يوسف؟
اغراء : ها انت قد قلتيها بنفسك، ”بانك او بانكم”. وشتان بين
العبارتين.. وعليك أن تميزي بيني وبين زوجي، وابي رحمه الله. فهو ابي، ويبقى
ابي، رغم كل شيء.
نور : ان اصبحت انت بريئة وضحية، فاين حقي؟ من يعيد لي
ابي المسكين! من يعيد لي فلذة كبدي التي دفنتها في التراب! يعيد لي زوجي، ويعيد
له عقله الذي فقده! من يعيد لي حياتي وشبابي الذي ضاع! من يعيد الزمان الى
الوراء! لو ان كل كياني الان تحول الى صرخة، لما شفي الغليل.
اغراء : انا الان تحت تصرفك، يا عزيزتي. افعلي بي ما تشائين. فانا الان
شعرت باني لا استحق الحياة، هيا احرقيني. فلا اريد ان استمر في حياتي، وانا احمل
اوزار الاخرين.
نور : انا الان اريد احدا ما، اجعله الدمية التي أفرغ شحنات الغضب التي
تملأ كياني. فإن لم تكوني انت، وزوجك خارج سيطرتي، وابيك قد مات، فأين
حقي؟ وحتى اني لم اقتنع ان يكون حقي عند الله، اريد ان يكون حقي عندي انا الان
وحالا، وليس عند الله.

(تدخل من باب الخيمة، الحارسة ”سماح”، التي كان يظهر طوال
الفترة السابقة، خيالها على جدار الخيمة)

ما الذي ادخلك، يا اختي سماح؟ لم يكن هذا هو اتفاقنا.
سماح : لقد سمعت كل كلمة قلتماها، انتما الاثنتان. ودخلت انا الان، لأني لا
أريدك أن تعالجي الخطأ بالخطأ. فقد لاحظت انك تتوغلين في البعد عن جادة
الصواب.
نور : هل تريدين مني ان اتخلى عن حقي! هل اتخلى عن حق ابيك وابي!
هل اتخلى عن موت ابنتي! نعم معك حق فانت لم تنجبي، لتعرفي قيمة واهمية
الاولاد. ان نصفي الميت، الان في القبر. ونصف ابنتي الحي اعيش به انا الان. اين
حق زوجي الطيب، الذي مات مظلوما، يفوق ظلمه، الظلم الذي تحمله كل الانبياء
والقديسين الذين خلدهم التاريخ؟ وانا اين حقي! فان المسيح صلب وتخلد، ولكن اين
الام مريم من معاناتها بصلبه؟ ان معاناتها تفوق معاناته، ولكنها لم تخلد لذاتها بل
لذات المسيح. فانا اكثر عذابا من ابي الذي ارتاح الان، واكثر عذابا من ابنتي،
وحتى من زوجي الحبيب. المسيح مات وارتاح، وبقيت أمه مع عذابها إلى نهاية
العمر. ليس العذاب للطائر المذبوح أكثر من الحبيب الذي ينظر إليه وهو يذبح.
سماح : يا اختي العزيزة، ان الحقد سم لا يقتل الا صاحبه. وانا اخشى عليك
الان من نفسك.
نور : (تصرخ صرخة هائلة) هل تعتقدين انك بكلماتك هذه، تضعي الثلج على
الجرح؟ كلا فإن الجرح يبق فم مفتوح يصرخ طول الزمان. ولا يسكته الا الثأر.
وهذه هي مهمتي التي اعيش لأجلها بقية حياتي.
اغراء : صدقيني اني الان، وبكامل إرادتي، اقدم نفسي قربانا لك،
احرقيني، أو انتقمي بالطريقة التي تشفي غليلك. فانا لا اريد حياتي بعد الان،
وسأنتحر على يديك انت. لا اريد حياتي.

(تنهض بكل جرأة مقدمة نفسها والطفل الذي تحمله، وتبرك
راكعة عند اقدام نور، مطاطاه راسها)

سماح : حقها الان ليس عندك، يا اختي اغراء.
نور : ( تندهش) عند من اذن؟
سماح : عند زوجها.
نور : واين هو الان؟ لابد انك تعلمين ما لا اعلمه. وانا اتوقع انه قد سبقنا في
الهرب إلى إحدى الدول الأوربية.
سماح : ان بعض الثعالب تنقذ نفسها، تختبئ في عرين الاسد.
نور : لا تتلاعبي في اعصابي اكثر، افصحي عن مكان وجوده وبسرعة.
سماح :(بهدوء) انه يشغل الان مركزا مرموقا في الحكومة الجديدة.
نور : ما الذي تقولينه؟ ما الذي اسمعه؟ لابد انك قد جننت. كيف يحصل ذلك؟
سماح : ها قد حصل وانتهى.
نور : يا الهي، انا التي ساجن. اصبحت لا اعرف من هو العدو. ومن هو
الصديق. كيف ينقلب المجرم بطلا، والبطل مجرما! وكيف ينقلب الظالم مظلوما،
والمـــــــظلوم ظالما! هل يمكن للحمل ان يفترس الاسد! هل يمكن تنصيب الذئب
قاضي في محكمة العدل؟ وما العمل الان؟ هل يتوجب علينا النضال مرة اخرى،
لإزالة الظـــلم الجديد؟ يا الهي، كم مشينا، ولا نزال في بداية المشوار!
اغراء : والان بعد ان وجدتم انتم طريقكم، اين اتجه انا ، التي كنت اظن ان
زوجي سبقني بالهروب، والان اكتشف انه يتمترس بين صفوف الظلام؟ انا عائدة
معكم، لكنس الظلام والظالمين..
سماح : انت اصبحت واحدة منا، واختنا الثالثة.
نور : وسنأخذ ثأرنا وننتقم منهم.
سماح : بالقانون وليس بالأذرع، يا اختي نور.
نور : طبعا، طبعا، يا اختي العزيزة.
اغراء : وانا معكم، ان لم تحرقيني بالنفط، اختي نور.
نور : (تضحك بصوت عال) لقد جلبت النفط معي لتضعيه في المدفأة وتتدفئي
انت وطفلك، فالبرد قارس جدا.

(الثلاثة يتقربن من بعضهن، ويبتسمن، ويحتضن بعضهن)


ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا