الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتاج الذهني كمُشكلة مطروحة في المادية التاريخية

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2023 / 7 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تأليف: الفيلسوف الماركسي السوفييتي فالانتين ايفانوفيتش تولستيخ

ترجمة مالك أبوعليا

ان فكرة الانتاج الذهني (الانتاج الروحي) تأخذُ مكاناً لها في الوقت الحاضر بشكلٍ أكثر الحاحاً في قاموس العلوم والمفردات العامة. لكن في الوقت نفسه، لا يشعر، حتى الفلاسفة المُحترفون بالحاجة الخاصة لهذا المُصطلح عندما يطرحون توصيفات وتصورات مُعينة حول مُجتمعٍ مُعطى أو عند دراستهم لعملية التاريخ الاجتماعي ككل. والسبب في ذلك، هو أنه غالباً ما يُستَخدَم مُصطلح (الانتاج الذهني) مُرادفاً لمقولاتٍ من المادية التاريخية مثل ("الوعي الاجتماعي" أو "النشاط الفكري" أو الحياة الفكرية")، وبالتالي تظهر الشكوك فيما ان كان ذاك المُصطلح يمتلك أهميةً ما أو قيمةً خاصةً به. والأمر ليس مُجرد اعتبارٍ اصطلاحي أو أن استخدام مفهوم "الانتاج الذهني" هو شيء "غريب" يُثير الريبة والشك، ولكن يتعلق الأمر بأن هذا المفهوم ليس مُستوعباً بشكلٍ كافٍ، وبأننا لا زلنا نفتقرُ الى تصورٍ نظريٍ شامل للواقع الذي يُشير اليه ذلك المفهوم.
يعود فضل المُحاولة الأولى في الدراسة المفاهيمية لمسألة الانتاج الذهني (والتي-أي المُحاولة-لم تتلقَّ حتى الآن تقييماً يليق بها ولم تُصبح بعد أساساً لدراساتٍ لاحقة) الى مقالة بوريس شينكمان في الأربعينيات، والتي لم تُنشَر كاملةً حتى يومنا هذا، بعنوان (مُساهمة في مسألة قوانين الاشتراكية والشيوعية)، والتي أُعطِيَ الجُزء المنشور منها عام 1966 عنوان (الانتاج الذهني وما يُميّزه). استعرَضَ فاديم ميخايلوفيتش ميجويف Vadim Mikhailovich Mezhuev تحليلاً نظرياً لفكرة الانتاج الذهني في كتاب المؤلّف جماعياً (الاشتراكية والثقافة-1966)، ثم تم تطبيقه في تفسير الحياة والنشاط الفكريين في ظل ظروف الاشتراكية في العمل الجماعي (المُجتمع الاشتراكي-1975). استُخدِمَ هذا المفهوم بشكلٍ نشطٍ ومُثمر من قِبَل عددٍ من المؤلفين السوفييت في الدراسات المُكرسة لمسائل الخبرة الاجتماعية الراهنة مثل الانتاج الاجتماعي والثقافة والادارة العامة والعلوم والفن، وما الى ذلك(1).
لذلك، يتضح أن كل اولئك الذين يُظهِرون اليوم اهتماماً مُتزايداً بموضوع الانتاج الذهني لم ينطلقوا من "لوح روسّو الأبيض". لكن القارئ اليقظ، سيُلاحظ بالتأكيد، أن هذه الفكرة، التي اكتسبت هذا التوظيف والاستخدام الواسع في تحليل مجموعةٍ كاملةٍ من ظواهر عصرنا الاجتماعية، لا تزال في بداية الدراسة النظرية في كُتُب المادية التاريخية. لم تعد فكرة الانتاج الذهني بحاجة الى "استدخالها" في العلوم الاجتماعية، ولكن في نفس الوقت، لم تختفِ الحاجة بعد الى دراستها والكشف عن طبيعتها العالمية وأهميتها بالنسبة للتحليل المادي التاريخي للمُجتمع.
ان كان صحيحاً أن أي مفهوم نظري في العلوم الاجتماعية يُصبح قائماً فقط عند الحد الذي تتم دراسته من حيث "تاريخية وبالتالي، عمليات نشوءه المنطقية"(2)، فإنه يجب أن نعترف بأننا ما زلنا فقط على عتبة دراسة واحدة من أهم مسائل المادية التاريخية. يبدو أن تفسير المسائل العامة التالية، من بين أُمورٍ أُخرى، يجب أن يصير نُقطة انطلاقٍ لدراستها. ما هي الامكانية النظرية التي تحويها مقولة الانتاج الذهني، وما هي الفُرَص التي تفتحها أمام تفسير العملية التاريخية ودياليكتيك تطور المُجتمع ككل؟ ما هو الحِمل الدلالي التي تحملها مثل هذه المقولة بالمُقارنة مع مقولات المادية التاريخية الأُخرى الراسخة مثل "الوعي الاجتماعي" و"حياة العقل" و"النشاط الذهني" وغيرها؟ ما هي "المصائر" التاريخية للانتاج الذهني في عصرنا الحالي، عصر ظهور النظام الاشتراكي وصراعه مع الرأسمالية؟ ان الاجابة عن هذه الأسئلة، لدن استيعاب التراث النظري لمؤسسي الماركسية، يعني تحديد مكان وأهمية مسألة الانتاج الذهني في سياق التفسير المادي الدياليكتيكي للتاريخ.
تتناول هذه المقالة في المقام الأول، الجانب المنهجي للمسألة وتطرح مهمة تحديد مجال دراسة موضوع الانتاج الذهني من ناحية المادية التاريخية (وليس من ناحية الاقتصاد السياسي أو السوسيولوجيا الامبريقية أو الانثروبولوجيا الخ)(3).

حول مفهوم الانتاج الذهني
يُتيح مفهوم الانتاج الذهني في اطار نظرية الفلسفة الاجتماعية الماركسية إمكانية الكشف عن العلاقة الداخلية بين العوامل المادية والذهنية في حياة المُجتمع، وإظهار طبيعة تعارضهما العابرة تاريخياً كشكلين مُستقلين للنشاط المُجتمعي، بوصفهما "فرعين" من الانتاج الاجتماعي مُتميزين كُلٍ منهما عن الآخر.
يخضع النشاط البشري-المُندمج والضئيل في مُحتواه-، مع تطور المُجتمع، لتمايزٍ مُتزايد. تنقسم أنواع مُختلفة من النشاط وتصير مُتخصصةً أكثر فأكثر. كان لهذه العملية تأثيراً هاماً على الطريقة التي تشكّلَت الانسانية وتطورت فيها، مُجسّدةً تاريخاً ثقافياً. ومع ذلك، حتى لو كنا نُريد مُعالجة حياة المُجتمع كمجالٍ مُنفصل، الا أنه لا يُمكن فهم أي نوع من النشاط الا ضمن اطار النشاط الاجتماعي الكُلّي للبشر. ينطبق هذا تماماً على الانتاجين الذهني والمادي. يبدو أنه ليس من قبيل المُصادفة أن يقوم ماركس في كتابه (رأس المال)، بدراسة الوعي وعملية الحياة الروحية في المُجتمع الرأسمالي ليس بمعزلٍ عن سياق النظرية العامة التي ابتكرها في الاقتصاد السياسي، بل بالتوافق معها وعلى أساسها، وبدون أن يتجاهل تفرّد الانتاج الذهني، يجد فيه سماتٍ مُشتركةٍ مع الانتاج المادي. إن أساس القاسم المُشترك هذا، هو، أولاً، الطبيعة المُتكاملة لنشاط الأفراد داخل المُجتمع، الذي يجعل حضورهم ملموساً بطريقةٍ أو بأُخرى، ويظهرون حتى في ظروف انقسام العمل المُتزايد. ثانياً، نظام العلاقات الاجتماعية العاملة في الواقع، والتي تُحدد، بُنيوياً، كُلّاً من الانتاجين المادي والذهني.
من المُهم مراعاة ما يلي، فيما يتعلق بالموضوع الذي يُهمنا. لم يختزل كارل ماركس، الذي استنَدَ بشكلٍ واضحٍ ومُتسق على المبدأ القائل بأن الانتاج المادي يلعب الدور الحاسم في العملية التاريخية، نقول، لم يختزل هذه العملية الى تاريخ الانتاج المادي، ولم يتعامل مع الانتاج الذهني أبداً على أنه "انعكاس خامل" لتطور عملية الانتاج المادي. يظهر الانتاج الذهني كمُكوّن لا ينفصم عن عملية التاريخ العامة (مع الأخذ بعين الاعتبار طبعاً العامل التاريخي في صعود الانتاج الذهني على النحو). في المُقابل، لا يُمكن فهم ظهور وتطور الانتاج الذهني خارج العملية التاريخية ككل. ان مفهوم "الانتاج الذهني" يُصبح خاملاً وغير مرنٍ وساكنٍ، إن تم فصله عن ظواهر النشاط الاجتماعي الأُخرى، وإن لم يُربَط بـ"الكُلّ"، أي بالنظام الاجتماعي للفترة التاريخية المعنية.
هذه هي المُقدّمة الأولية للمادية التاريخية لكيفية طرح مسألة الانتاج الذهني، الذي تم النظر اليه في سياق الفهم المادي للتاريخ، مُتيحةً الفرصة لمَفهمةٍ أكثر جوهريةً وتقييماً أكثر عُمقاً لأهمية الثورة التي قامت بها الماركسية في فهم حياة المُجتمع. يجب اثبات هذا الاستنتاج العام وتفسيره نظرياً حتى تصبح الأهمية المقولية والخصوصية المُتعلقة بمُصطلح "الانتاج الذهني"، واضحةً تماماً.
لقد بُذِلَت مُحاولاتٍ في أدبياتنا في السابق، لتعريف مفهوم الانتاج الذهني، وكيفية تحديد مكانه في نظام مقولات المادية التاريخية. وهكذا، تم تفسير الانتاج الذهني، في العمل الجماعي الموسوم (الاشتراكية والثقافة)، على أنه انتاجاً للوعي الاجتماعي بأشكاله المُتميزة تاريخياً، أي الديني والسياسي والحقوقي والعلمي والفني والأخلاقي، الخ. يُطوّر الناس، في عملية الانتاج الذهني، نظراتٍ وأفكارٍ ونظرياتٍ وتعاليم مُحددةٍ حول أنفسهم وحولَ العالم من حولهم، ويخلقون قِيَماً روحيةً مُعلنَة، تُشكّل في مُجملها الثروة الفكرية للمُجتمع، أو ثروة ثقافته غير المادية. وبالتالي، لا ينهض الوعي الاجتماعي، وجميع المفاهيم والأفكار والنظريات وكل ما يتضمنه ذلك المُصطلح، أي، لا ينهض ولا يُوجد من تلقاء نفسه، بل يخلقه ويُطوّره البشر الذين يدخلون في علاقاتٍ اجتماعيةٍ مع بعضهم البعض. بهذا المعنى يجب تحديداً فهم اطروحة ماركس بأن "الدين والعائلة والدولة والقانون والأخلاق والعلم والفن الخ، ليست سوى أساليب انتاج خاصة، وتخضع لقانونه العام"(4).
هذه المُقاربة لمفهوم "الانتاج الذهني" الذي ظَهَرَ في أدبياتنا، في حين استوعبت بدقة معناه العام وحددت بالضبط الطبيعة التاريخية الاجتماعية التي يُشير اليها، تحتاج الى مزيدٍ من التطوير والتحديث. على الرغم من أن مجال الانتاج الذهني يرتبط ارتباطاً وثيقاً ومُباشراً بمسائل الوعي، الا أنه لا ينحَلّ الى هذا الأخير ولا يستنفده. ان القرابة التي لا شك فيها بين مفهوميّ الانتاج الذهني والوعي الاجتماعي لا تعني على الاطلاق أنها مُتطابقة، أو يستنسخ أحدهما الآخر. يترتب على ذلك أنه يُمكن للمرء أيضاً أن يتحدّى التأكيد القائل بأن العمل الذهني، عندما انفصل عن النشاط المادي الانتاجي، يستقل "بحياته الخاصة به" في الانتاج الذهني، لأن الانفصال بين العمل الذهني والجسدي لا يعني الانفصال الحرفي والتحدد المُباشر لوجود وتطور انقسامين فرعيين للانتاجين المادي والذهني.
تُركّز نيللي فاسيليفنا ميتروشيلوفا Nelli Vasilievna Motroshilova على عوامل ما يُميّز مفهوم الانتاج الذهني واستقلاله النسبي. تقول، أنه عندما يطرح ماركس مفهوم "الانتاج الذهني"، فإنه لا يضعه مُقابل مفهوم "الوعي الاجتماعي"، ولكنه يضعه في سياق نظرية كاملة حول العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، ويفرز جانباً آخر من جوانب التحليل. تُدرَس الأشكال الذهنية أيضاً كأشكال من النشاط الاجتماعي-التاريخي تنتظم كُلٍ منها بطريقةٍ مُميّزة، وتتمأسس على نطاق المُجتمع بأسره وتُوضَع في اطار كامل منظومة الانتاج الاجتماعي.
تقول ميتروشيلوفا: "يدعو ماركس الى التمييز بين عمليتين: من ناحية، عملية تشكيل المفاهيم والأفكار والجوانب الفكري للتفاعل البشري بقدر ما هي مُكوناتٍ لحياة الأفراد اليومية، ومن ناحيةٍ أُخرى، إنتاج المعرفة والأفكار العلمية على وجه الخصوص، طالما أنها تتغلغل في إطار نشاط المؤسسات الاجتماعية التي تشكّلَت وتطورت، وتنفُذ كذلك الى الأشكال الموضوعية الموجودة التي يتم فيها انتاج الثقافة الذهنية. ان النوع الثاني من النشاط فقط، هو الذي يُطلِقُ ماركس عليه انتاجاً ذهنياً، وبالتالي يؤكّد على اندماجه في منظومة العلاقات الاجتماعية الموضوعية القائمة بشكلٍ مُستقلٍّ عن الفرد، (كونها، كقاعدةٍ عامة، مُتمأسسة)"(5).
هنا تنفرز السمة الأساسية للانتاج الذهني. انها تصف، بدون إحلال مفهوم الوعي الاجتماعي محلها، الأشكال الروحية وعملية الحياة الذهنية للمُجتمع كموضوع ونتاج للنشاط الاجتماعي التاريخي للبشر. لأن عمل "الوعي" أو "العقل"، حسب ماركس، ليس بأي حال انعكاساً سلبياً خاملاً للوجود. على هذا المُستوى أيضاً، كان التفسير المادي (الماركسي اللينيني) لطبيعة الوعي ووظائفه الاجتماعية أحد المُقدمات الضرورية لادخال مفهوم الانتاج الذهني ذاته في الاستخدام الأكاديمي العام. لكن هذه المُقدمة لا تنحَلّ الى حقيقة "تنظيم" و"مأسسة" الأشكال والعمليات الذهنية. ان المأسسة هي بلا شك عامل جوهري وهام، لكنها لا تستنفد المعنى "الوقائعي" والمُحتوى المُتضمّن. هنا يكمن تعقيد مسألة الانتاج الذهني، أي حقيقة أنها تتضمن نفس "عملية تشكّل" الأفكار والنظرات والنظريات، وما الى ذلك، وتتضمن كذلك كيف تسير هذه العملية في الظروف التاريخية لتطور وعمل النشاط الاجتماعي الانساني. دعونا نُعالج هذا بالتفصيل.
يتم استخدام مفهوم الانتاج الذهني أكثر فأكثر في الأدبيات التي تدرس مسألة المثالي Ideal والوعي الاجتماعي والثقافة، في إطارٍ مُقاربةٍ تاريخية لتحليل الوعي كظاهرةٍ اجتماعية. يُنظَر الى الوعي، في هذا الوضع، على أنه شكل ومُنتَج بشري يُميّز الأفراد الاجتماعيين (ذوات الانتاج الاجتماعي). ما يُميّز هذه المُقاربة، أنه عندما يُدرَس الوعي على هذا النحو، يطرح نفسه كعملية موضوعية، أي باعتباره الشرط والمُكوّن الأكثر أهميةً للعملية التي يُنتِج فيها البشر، ويُعيدون انتاج "الظروف" الاجتماعية ووسائل نشاط حياتهم. لسوء الحظ، فإن هذا الجانب بالتحديد من دراسة الجوهر الاجتماعي للوعي ووظائفه، والذي يظهر في أعمال ايفالد اليينكوف وميراب مامارداشفيلي Merab Mamardashvili والكسندر كونستانتينوفيتش أوليدوف Aleksandr Konstantinovich Uledov وفيليكس ميخايلوف وآخرين، هو الذي لا يُستَخدَم بشكلٍ كافٍ في أدبيات المادية التاريخية(6). نعني هنا، الاستهانة أولاً، بالظرف المُتمثّل بأن الوعي، في حين انه انعكاس للوجود الاجتماعي، هو في حد ذاته شرط اجتماعي لنشاط حياة البشر، وثانياً، التقليل من أهمية "الميكانيزم" الذي يُنتَج ويُعاد انتاج الوعي من خلاله. يجب أن نذكر بالتحديد، أن هذا النوع من الاستهانة يعني بشكلٍ أساسي تجاهل مُلاحظة لينين العميقة والهامة للغاية القائلة بأنه "من الخطأ الفادح اللجوء فيما وراء هذه الحدود الى التضاد بين المادة والروح، بين الفيزيائي والنفسي، بوصفه تضاداً مُطلقاً"(7). ألا تُخصص كُتبنا المدرسية حول المادية التاريخية، في واقع الأمر، مساحةً صغيرةً جداً للوعي ومجال العقل بشكلٍ عام، عندما تصف مكانها ودورها في العملية التاريخية وفي تشكيل الشخصية البشرية وتطورها؟
ان حقيقة أن العقل يُصبح، في سياق التطور التاريخي، موضوعاً ونِتاجاً لنشاطٍ مُحدد، حتى نشوءه كـ"مهنة مُتميزة" يُمارسها "فئة خاصة" من الناس (المُنظّرون، الايديولوجيون، الرسامون، الخ)، أي أن نشاط العقل يُنظّم ويتمأسس بشكل مُتمايز، نقول ان هذه الحقيقة كانت معروفةً قبل الماركسية ولا يعترف بها الماركسيون وحدهم اليوم. يكفي أن نستشهد بـ"سوسيولوجيا المعرفة" البرجوازي وظهور "سوسيولوجيات" العلم والدين والفن والمجالات الأُخرى. وقد أظهَرَت الماركسية أن أساس انتاج الوعي هو نشاط حسي ملموس، وأن الأشكال الحقيقية للتفاعل بين الأفراد الذين يدخلون-في أثناء عملية تطوير أفكارهم ومفاهيمهم ونظرياتهم، الخ- في روابط اجتماعية-تاريخية ملموسة، تُحدد وتُنظّم عملية تشكّل الوعي، وحياة المُجتمع الروحية ككل.
وبقدر ما لا تقتصر الماركسية على دراسة الوعي كموضوع ونتاج لنشاط (ذهني) مُعطى، فإنها تذهب أبعد من ذلك بكثير، لتكشف عن جوهر ووظيفة الوعي من خلال تحليل دقيق للانتاج واعادة الانتاج الاجتماعية لمُجمل الحياة المادية والروحية في المُجتمع بترابطها، مما تنشأ الحاجة الى مفاهيم تُحدد وتُمفهم هذه المُقاربة.
يتم تحقيق هذا الوضع من خلال مفهوم الانتاج الذهني (الروحي)، الذي لا يشتمل فقط على أشكال انتاج الثقافة الروحية الموضوعية ونشاط المؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن هذا "الانتاج"، بل يشتمل أيضاً على نفس عملية تشكّل المفاهيم والأفكار والنظريات، الخ، وكذلك المُكونات الذهنية العملية لنشاط البشر الاجتماعي (التواصل، الأنشطة التنظيمية والادارية، الخ). وهنا نصل الى النقطة التي قد تكون الأكثر صعوبةً وأهميةً في الكشف عن تفاصيل مفهوم الانتاج الذهني ووصفه. هذه هي مسألة كيفية نشوء الانتاج الذهني، والتي تجعلنا الاجابة عليه، نتمكن من فهم تفرّد مُحتوى الانتاج الذهني كظاهرة اجتماعية.
ان نُقطة الانطلاق هي الاعتراف بـ"انقسام" النشاط الانساني المُتكامل و"انقسام" الفرد المُندمج الذي حَدَثَ في عملية انقسام العمل الاجتماعي. ان فكرة الانتاج الذهني هي فكرة تاريخية، بمعنى أنها تُحدد "انقسام" الوجود الانساني الموجود في الواقع (يقول انجلز، "جنباً الى جنب مع تقسيم العمل... انقسم الانسان نفسه"(8). لا يُمكن لهذه الفكرة أن تظهر وتحمل أي معنى مهما كان، في ظل الطروف التي يتشكّل فيها النشاط الذهني الذي يتألف من العمل الملموس الذي يُنفذّه "الرأس" في صياغة خطة عمل لـ"الأيدي" ضمن حدود النشاط البشري المُتكامل(9). ولكن عندما "ينقسم" الانسان، أي عندما ينفصل الرأس عن الأيدي وتبدأ مجموعاتٍ مُختلفةٍ من الناس بالقيام بعمليهما كُلٌّ على حدة، ينقلب النشاط البشرط حينها رأساً على عقب. يبدأ الرأس في تخيّل (وبعد ذلك لا يتحيل وحسب، بل ويُركّز على هذا الأمر) أن كل الحضارة تنبع منه، وبالتالي يدفع الى المؤخرة كما يقول انجلز في مقالته (دور العمل في تحول القرد الى انسان) "نتاجات عمل الأيدي، وهي أكثر تواضعاً من نتاجات الرأس الى المرتبة الثانية، وخصوصاً وأن الرأس الذي كان يضع خُطة العمل... كان بإمكانه أن يُنفذ العمل الذي يُقرره بأيدٍ غير يديه. والى الرأس والى تطور الدماغ ونشاطه، نُسِبَت كُل مأثرة سُرعة وتطور الحضارة". يترتب على فُقدان اندماجية "الماضي" أن يُحكَم على "اليد العاملة" في المقام الأول (وفي ظروف مُعينة حصرية) بالنشاط الانتاجي التنفيذي، في حين يتحوّل نشاط العقل الى قسمٍ خاص، فرع من هذا العمل المُقسّم، الى انتاجٍ ذهني، أو بعبارةٍ أُخرى، الى انتاج فكري عام (نظري، ايديولوجي، فني، الخ).
يتجلّى جوهر "انقلاب النشاط البشري رأساً على عقب"، الذي حَدَثَ في ظل ظروف تقسيم العمل المُتطور عفوياً، يتجلّى في انقلاب العلاقات الحقيقية بين الأفراد الانسانيين وجهودهم التعاونية رأساً على عقب، أي ما تُطلِقُ الفلسفة عليه اغتراباً. تنقسم أنماط النشاط المُختلفة (التي كانت مُرتبطةً داخلياً ومُتساوية الأهمية بالنسبة للفرد المُندمج) وتنفصل عن بعضها، وتنتظّم في أشكالٍ خاصة من المؤسسات الاجتماعية تتشكّل كمِهَن وطوائف من نوعٍ خاص، بطقوسٍ مُعينة ولغاتٍ وتقاليد وغيرها من البُنى المُلازمة، غير المُشخّصة. تحدّثَ ايفالد اليينكوف، عند تطويره لهذه الفكرة، عن "مصير" الفكر. ان هذا الفكر يُصبح أيضاً مهنة، مثل العلماء والنظريين. يتحوّل العلم في ظل ظروفٍ مُعينة الى مهنةٍ خاصة. في ظل ظروف الاغتراب الشامل، فقط في هذا المجال من المعرفة (أي داخل فئة المُتعلمين) يصل الفكر الى ذروةٍ ومُستوى من التطور يحتاجه المُجتمع ككل، ويضع نفسه في هذا الشكل في مواجهة غالبية الأفراد. فهي لا يُواجههم فحسب، بل يُملي عليهم ما يجب فعله من وجهة نظر العلم، وكيفية فعله، وما يجب التفكير فيه وما الى ذلك، أي يستقل العلم استقلالاً كبيراً ونسبياً،عن الانتاج الاجتماعي، ويعيش حياته الخاصة به(10).
وهكذا، فإن التقسيم الاجتماعي للعمل هو بالضبط ما يُشكّل أساس ظهور ووجود الانتاج الذهني كمجالٍ خاص ومُستقل للنشاط الاجتماعي في التاريخ. يُمكن اعادة صياغة هذه الفكرة على النحو التالي: يُحدد التقسيم الاجتماعي للعمل حقيقة أن الوعي الاجتماعي يفترض وجود نشاط "مُتخصص" له بُنية خاصة به ووسائل خاصة لـ"تجسيد" ما يُنتجه. يكتسب الانتاج الذهني هذا الشكل المُتطور في الرأسمالية، وهي سمة مُميزة له، تفصل، حسب ماركس "أشكالاً مُختلفةً من العمل عن بعضها البعض، وبالتالي تفصل أيضاً العمل الذهني عن العمل الجسدي-أو تلك الأشكال من العمل التي يسود جانبها هذا أو ذاك-وتوزعها على أُناسٍ مُختلفين"(11). يُنتج أُناس قليلين (عادةً أعضاء من الطبقة المُهيمنة)، في ظل ظروف "انقسام" الانسان ونشاطه، يُنتجون مُنتجاً "عالمياً"، بينما يخلق الطرف الآخر، أي الأغلبية، مُنتجاً خاصاً. يخلق القسم الأول الفكرة، بينما يُنتِج القسم الثاني شذرةً ملموسةً منها فقط. البعض، وهم العمال، ينخرطون في "العمل الضروري" والبعض الآخر، أي من هم في السُلطة، ينخرطون في "الشؤون العامة"، ويُنسَب الابداع الى نوعٍ واحدٍ من العمل، بينما يقتصر النوع الآخر على "التنفيذ". ان الرأسمالية، التي تزداد في ظلها امكانات الانتاج في اتجاهٍ واحد وتتضائل في عديدٍ من الاتجاهات الأُخرى(12)، تأخذ هذا الاتجاه في تطور النشاط الانساني الى أقصى نهايته المنطقية.
يُمكن للمرء، استنتاجاً مما سبق، أن يستخلص التالي: الانتاج الذهني هو نشاط ذهني في شكل اجتماعي مُعيّن مشروط تاريخياً، ظَهَرَ في عملية التقسيم الاجتماعي للعمل الذي تطوّر عفوياً.
ان مفهوم الانتاج الذهني، الذي يصف الطبيعة الاجتماعية لأشكال النشاط الذهني، يُمكننا أيضاً من الكشف عن المُحتوى الحقيقي "الحقائقي" للأخير كنشاط مُتكامل للمُجتمع البشري مطروح في شكل نشاط مجموعة مُتخصصة من الناس. كما يُلاحظ شينكمان بشكلٍ صحيح، فإن النشاط الكامن وراء الانتاج الذهني يأخذ طابع العمل الانتاجي الشامل، والذي، نؤكّد مرةً أُخرى، لا يتطابق مع "العمل الذهني". ولكن، قد يتحوّل النشاط الذهني، في سياق التطور التاريخي، وفي ظل ظروفٍ مُعينة، الى عملٍ غير مُنتج، والعكس. ويُمكن أن تتمظهر طبيعته "المُنتجة" في نشاطٍ ماديٍّ صرف. هذا يجعل أي مُحاولة لإيجاد الاختلافات "الجوهرية" بين النشاطين المادي والذهني غير مُجدية، لأنه لا توجد فروق من هذا النوع، بل يوجد فقط اختلافات بين الأشكال الأولية والعُليا للنشاط الانساني، والتي تترابط وتظهر في كُلٍّ من الانتاجين الذهني والمادي في سياق العملية الحقيقية للعمل المُتصل، ولكن المُقسّم. ان الاختلافات بين الانتاج المادي والذهني نسبية، وتنبع من مُحتوى عملية العمل.
تفقد هذه الاختلافات طبيعتها الغامضة، خارج الشكل الاجتماعي الحقيقي والتاريخي الذي اكتسبه العمل في الظروف الاجتماعي المعنية، لأن كلا النوعين من الانتاج يشتمل على "العمل المُتعايش" ويشتمل على تقسيم طبيعي للمِهَن"(13). ان تصريح ماركس حول السِلَع عندما لا تكون قد اتخذت بعد شكل الفيتيش، ينطبق تماماً على مُنتجات كلا النوعين من الانتاج: "تبدو السلعة للوهلة الأولى، شيئاً مُبتذلاً جداً يُفهَم من ذاته. أما تحليل السلعة فيُبيّن أنها، في واقع الأمر، شيء غريب زاخر بالأحابيل الميتافيزيقية والحذلقات اللاهوتية. والحق، ليس ثمّة في السلعة من شيءٍ غامض، بقدر ما هي قيمة استعمالية، سواءاً نظرنا اليها من ناحية قُدرتها على تلبية حاجات بشرية بفضل ما تمتلكه من خصائص، أم من ناحية كون هذه الخصائص هي نتاج عمل بشري"(14). ما هو مُشترك بينهما، هو حقيقة أن نشاط الذات في كلا مجالي العمل، يتبلور في موضوعٍ يُمثّل تجسيداً لقوى وقُدرات البشر (وبهذا المعنى يُمكن أن نُطلق على الانتاج الذهني "الوعي الاجتماعي المُتجسّد أو المُتبلور مادياً"). كما أنه يتميّز منذ البداية بطابعه النخبوي الذي تظهر نتائجه من خلاله، ويفترض كشرط مُسبق ضروري وجود مجموعة من الأفراد المُبدعين والذين يتوسط نشاطهم العلاقات البشرية في المُنتَج النهائي (شينكمان مُحق في تسمية العمل والفن "المُجتمع المُتبلور مادياً").
لكن هذا يعني أنه لا يصلح تفسير ما يُسمّى بالنشاط الذهني بأي طريقة روحانية، أي انه فعل "روحي" صرف، أو من خلال اختزال هذا النشاط بهذه الطريقة أو تلك، أي تفسيره على أنه جهد عصبي مُتميّز عن النشاط العضلي المادي. هذا الفهم للنشاط الذهني، سواءاً فهماً روحياً أو عصبياً فسيولوجياً، يتجاهل الحقيقة الواضحة والبسيطة القائلة بأن كُل عَمل، أي عَمَل يتطلب طاقةً انسانية عصبية وعضلية، ويتطلب من البشر نشاطاً مُشتركاً للدماغ واليدين والكلام"، كما يقول فريدريك انجلز. يختلف نوعيّ العمل الجسدي والذهني عن بعضهما البعض ليس في التكوين السيكولوجي للعمل، بل بنِسَب الأشكال العُليا والأولية لأشكال النشاط (جهد العمل بواسطة "اليد" و"الدماغ") المُتضمّنة فيهما و(المُتحققة فيهما). بطبيعة الحال، فإن عمل "رأس" مايكل انجيلو ليس هو نفسه عمل "رأس" رجل يشتغل بالمعزقة، وليس كل شخص لديه موهبة التحكم بيديه بنفس طريقة عازف الكمان نيكولا باغانيني Niccolò Paganini أو عازف البيانو السوفييتي سفياتوسلاف ريختر Sviatoslav Richter. بعبارةٍ أُخرى، من الضروري أن نرى الفرق بين "رأس" قادر على خلق وابداع شيء جديد و"رأس" معني فقط بأداء مهمة تنفيذية بشكلٍ أساسي، والتي هي، من بين أُمورٍ أُخرى، هي الطريقة التي يجب على المرء من خلالها تقييم عمل "اليد البشرية"، القادرة، على حد تعبير انجلز، على بلوغ "هذه الدرجة العالية من الاتقان التي استطاعت فيها أن تُفجّر، كقوةٍ سحرية، عجائب لوحات رفائيل وتماثيل تورفالدسن وموسيقى باغانيني"(15).
عند تطبيق مفهوم الانتاج على الوعي (أو الروح)، تنطلق الماركسية من فهمه كشكلٍ مُحددٍ من النشاط البشري، مُطوّراً ومُبدعاً ومُنتجاً نوعاً خاصاً من المُنتجات، مُنتج مثالي Ideal أو ذهني. ان "الذهني"، في هذا الصدد، بمثابة مُرادف لأشكال النشاطات الانسانية العُليا، أي أشكال من النشاط، وليست امتيازاً لرأس مُحدد مُتطور. وهُنا، نحن لا نتجاهل حقيقة أن نتاجات النشاط الذهني الانساني هي أيضاً مُعطاة حسياً ومُتحققة ومُتمظهرة بشكلٍ ملموس في شكل كتاب أو تمثال أو لوحة أو فعل ابداعي تمثيلي أو موسيقي، الخ. كما يجب مُراعاة أن الأفكار والمفاهيم التي تنشأ كنتيجة لنشاط الوعي أو الروح هي ليست مادية بأي حال. ومن ناحية أُخرى، فهي تُصبح حقائق ذات أهمية اجتماعية فقط عندما "تتجسد" مادياً من خلال تأثيرها على أحدٍ ما بهذه الطريقة أو تلك.

الانتاج الذهني، في منظومة الانتاج الاجتماعي
في اطار فهم المُجتمع الذي تنسجه المادية التاريخية، تُقدّم لنا مقولة الانتاج الاجتماعي (بما في ذلك الانتاج المادي والذهني، المُترابطان عُضوياً، باعتبارهما "فرعين خاصين" انفصلا تاريخياً)، تُقدّم لنا مفهوماً لتكامل تطور أساس حياة البشر الاجتماعية، أي وحدة المادي والذهني في النشاط الاجتماعي. يؤمّن هذه الوحدة نشاط الناس في انتاج وإعادة انتاج ظروف وجودهم المادية،. وما يخدم كمعيار للطبيعة الاجتماعية لكُلٍّ من الأجزاء المُكوّنة للانتاجين المادي والذهني، هو طبيعة علاقتهما بانتاج واعادة انتاج الانسان كفرد اجتماعي(16). لا يُمكن طرح مسألة المعنى المُحدد للانتاج الذهني والمادي النابع من الشكل التاريخي والاجتماعي الخاص، سوى في اطار أفكار الانتاج الاجتماعي ككل. وفقط اذا راعى المرء البُنية الاجتماعية للمُجتمع ككل، يُمكنه حينها أن يُصنّف نمط الانتاج المادي والذهني.
يُمكن للمرء أن يستمد نتائج مُهمة من هذه المُقدمة المنهجية العامة في فهم تاريخ الانتاج الذهني نفسه ومكانته ودوره في العملية التاريخية، ودوره الأولي والثانوي، ودياليكتيك تفاعله مع الانتاج المادي في العصر الحاضر.
يجب أن يسبق تحديد التفاصيل والمكانة المُحددة للانتاج الذهني في حياة المُجتمع، تحديداً لما يشترك هذا الانتاج فيه مع الانتاج المادي (خصائصه الوظيفية)، وبذلك علينا أن نُحذّر من الميل الى الذهاب باتجاه الحل السهل للمسألة، أي ضد الانجذاب نحو اضفاء الصفة الرومانسية على الانتاج الذهني، وضد مواجهته بالانتاج المادي باعتباره "نشاطاً ابداعياً" على عكس النشاط "الابداعي المزعوم"، وضد المفاهيهم التي لا زلنا نواجهها في أدبياتنا للأسف، حول أن النشاطين المادي والذهني يُشكلان "غاياتٍ بحد ذاتهما" وبأنهما مجالان للنشاط الانساني قائمان بذتهما"، وضد المُحاولات التي تُبذَل لتصوير الانتاج في المُستقبل الشيوعي على أنه شيء يُشبه "احتكاراً" للانتاج الذهني. يُمكن التغلّب على حلول المُشكلة السهلة من اتخاذ مُقاربة تاريخية مُتسقة للمسألة، ومن خلال فهم أسباب لماذا استقل الانتاج الذهني وصار فرعاً خاصاً من الانتاج الاجتماعي، وفهم خصوصياته، والذي، كما نعلم، لا يشمل فقط موضوع نشاطه، بل والشكل الاجتماعي الذي يتخذه هذا النشاط.
كان اتخاذ ماركس للمُقاربة التاريخية المُطبّقة باتساق على تشخيص الانتاج الاجتماعي والعلاقة الداخلية بين جُزئيه-المادي والذهني- قد قاده الى الاستنتاج الهام التالي. يحدث في عملية تقسيم العمل، بصرف النظر عن أي شيء آخر "اغتراب الذات عن نوع انتاج مُحدد، في شكل العمل، مُتخذاً قيمة استعمالية جديدة..."(17)، والذي يتعلق تماماً بتطور العمل الذهني (يجب الا يغرب هذا الظرف عن اعتبارنا على جميع المُستويات وفي جميع جوانب دراسة جوهر وتطور الانتاج الذهني)، وفي المقام الثاني، يظهر الترابط بين النشاطين المادي والذهني في شكل تاريخي مُحدد(18)، والذي يُحدد الطبيعة المُعقدة، وغير المُباشرة، لتفاعلهما في العملية التاريخية.
وهكذا، عند أخذ الانتاج الذهني كشكلٍ خاص (بالنسبة للانتاج المادي) للنشاط الاجتماعي، اعتبَرَ ماركس ان نقطة انطلاق تحليل طبيعته، هي الكشف عن التفاعل والعلاقة الداخلية بين قسمي الانتاج الاجتماعي، مؤكداً، بالاضافة الى ذلك، على الدور الحاسم للانتاج المادي طالما أنه "يَنبُع من شكلٍ مُعينٍ من أشكال الانتادج المادي، أولاً، بُنية مُعينة للمُجتمع، وثانياً، موقف خاص للناس تجاه الطبيعة، ويتحدد نظام حُكمهم وطريقة تفكيرهم من كليهما. وبالتالي، هذا أيضاً ما يُحدد طبيعة انتاجهم الذهني(19).
لكونه جُزءاً مُكوناً من أجزاء الانتاج الاجتماعي، فإن الانتاج الذهني يتفاعل بشكلٍ مُستمر مع الانتاج المادي، ويكتسب شكلاً في عملية هذا التفاعل ويتخذ بُنيةً مُعينة. ولأنه ظاهرة تتألف من مُستويات مُتعددة وعوامل مُتنوعة، فقد يدخُل الانتاج الذهني لنظامٍ اجتماعيٍّ مُعيّن في علاقاتٍ مُعقدة ومُتناقضة لما أنشأهُ وحدّدَهُ: الانتاج المادي. ان هذا التناقض يؤدي الى أن يصير الشكل الاجتماعي للنشاط المادي والذهني في المُجتمع المُعطى ذو أهميةٍ حاسمة (وهذا ما يُفسّر على سبيل المثال، الحقيقة المعروفة بأن بعض فروع الانتاج الذهني "مُعادية" لنمط الانتاج الرأسمالي).
لا يعني الارتباط الشامل بين قسمي الانتاج الاجتماعي، والاعتمادية الوثيقة للانتاج الذهني على الانتاج المادي، بأن الأول ليس مُستقلاً نسبياً. على العكس من ذلك، فإن تطور الانتاج الذهني، الذي يُنتِجُ نِتاجاتٍ من نوعٍ مُعين، يُخضِعُ نفسه لنمطٍ عام حدده انجلز: "وبقدر ما يكون المجال الخصوصي الذي نستقصيه بعيداً عن المجال الاقتصادي وقريباً من مجال الايديولوجيا المُجردة الخالصة، فإننا نجد أنه يظهر فأكثر المصادفات في تطوره، ويكون مُنحناه أشد تعرجاً"(20). هذا النمط له أساسه في الاختلافات الوظيفية بين نوعي الانتاج الاجتماعي، فيما يبدو أكثر وضوحاً وعادةً ما يُؤخَذ في الاعتبار عند تحليل الترابط والسمات الخاصة. ومع ذلك، من أجل الاجابة على السؤال المُهم للغاية المُتعلق بالطابع الخاص لتطور الانتاج الذهني فيما يتعلق بالتطور الاجتماعي الشامل (أظهَرَ ماركس هذا بشكلٍ مُقنع، باستخدام مثال "الانتاج الفني" في العصور القديمة وفي ظل الرأسمالية)، فمن الضروري الكشف عن دياليكتيك تفاعله من النشاط المادي. دعونا نستعرض ذلك، آخذين العلم والفن أمثلةً على ذلك.
يتحوّل العلم، باعتباره انتاجاً للمعرفة، في ظل ظروف الانقسام المُتعمق باستمرار بين العمل الذهني والعمل الجسدي، الى فرعٍ مُستقلٍّ من الانتاج الذهني، ليُصبحَ شكلاً "نقياً"، خالصاً، لوجود الوعي الاجتماعي وعمله. يُصبح الاكتشاف والاختراع "مهنةً مُتخصصة"، ويستند تطبيق المعرفة العلمية المُكتسبة على عملية الانتاج المادي، على فصل الجوانب الذهني لتلك العملية عن المعرفة والمعلومات وقُدرات عوامل الانتاج المادي(21). هذا هو الشكل الاجتماعي الذي يتخذه تطور العلم في ظل ظروف نمط الانتاج الرأسمالي. ومع ذلك، "ان القول بأساسٍ للحياة وأساسٍ آخر للعلم، هو أُكذوبة"(22)، كما قال ماركس، لذلك، فإن العملية، التي تُميّز الرأسمالية، والتي يكون فيها العلم (مُطبقاً على الانتاج) مفصولاً عن العمل المُباشر، يُقوضها منطق تطور الصناعة الرأسمالية نفسه، الأمر الذي يجعل من الضروري استخدام العلم بطريقةٍ أكثر عقلانيةً. من أجل أن تحدث هذه العملية فعلاً (دون أن يكون هناك عقباتٍ في طريقها) يَلزَمُ وجود شكل اجتماعي (شيوعي) مُختلف لوجود العلم وتطوره. تتمظهر طبيعة العلاقة المُتناقضة بين العلم والتطور الاجتماعي العام، في ظل ظروف المُجتمع الطبقي، في حقيقة أنه (العلم) يطرح نفسه، من ناحية على أنه شكل صرف لانتاج المعرفة، ومن ناحيةٍ أُخرى، كمُجرّد تطبيق لنشاط العالِم المُتخصص على الانتاج المادي من النمط الرأسمالي، وهو نمط يقمع الامكانات الروحية والفكرية والجسدية للمُنتجين المُباشرين.
مثال آخر، هو تطور الفنون، والذي نعرف أنه، على حد تعبير ماركس "أن فتراتٍ مُعيّنةٍ من ازدهارها لا تتناسب اطلاقاً مع التطور العام للمُجتمع، وبالتالي، مع الأساس المادي، الهيكل العظمي لتنظيمها، كالاغريق بالمُقارنة مع المُعاصرين، أو حتى بشكسبير. بل أن من المُعتَرَف به أن أشكالاً مُعينة من الفن، كالملاحم، لا يُمكن انتاجها في شكلها الكلاسيكي ومكانتها العالمية الهائلة ما أن يبدأ انتاج الفن بصورته هذه... من ناحيةٍ أُخرى، هل يُمكن وجود أخيل مع وجود الرصاص والبارود؟ أو الالياذة عند وجود الطباعة، ناهيك عن الطباعة الآلية؟ الا تنتهي الأغاني والحكايات الشعبية والأشعار بالضرورة مع وجود لوحة الطباعة؟"(23).
ان مهمة تفسير هذا التناقض، أو "الصعوبة" (بتعبير ماركس) لا زالت قائمةً اليوم، وهي مُمكنة فقط في اطار دراسة دياليكتيكية لتطور الانتاج الاجتماعي ككل، مع مُراعاة ما يخص كل نوع من أنواع العمل التي تمايزت في مجرى التاريخ، أي الذهني والجسدي، ومقارنتها في الخلفية الواسعة للتطور الاجتماعي ككل ووضعها في هذا السياق.
وبالتالي، لا يكفي، من أجل الكشف عن "لُغز" ظهور الانتاج الذهني ووجوده وتطوره، مُجرّد تحديد ما هو العامل الذي يُمثّل "أرضيةً مُشتركةً"، وحتى تحديد الفرق بين قسمي الانتاج الاجتماعي. من الضروري التوغل أكثر من هذا، أي توضيح كيف أن طبيعة الشكل الاجتماعي للانتاج الذهني (لماذا يتخذ هذا الشكل وليس ذاك) مشروط بطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة. وهذا يعني أنه من الضروري معرفة ثراء أو "سطحية" العلاقات الاجتماعية الفعلية التي يعمل الانتاج الذهني على أساسها ويتطور، من أجل الوصول الى جوهر وخصائص الانتاج الذهني التي تكشّفَت في العملية التاريخية الحقيقية. ان رسم "مُنحنى" الانتاج الذهني يعني وضع ظواهر الوعي الاجتماعي في سياق منظومة النشاط الاجتماعي ككل، دون جعل العملية التي نشأت وتطورت فيها تبدو (وهي في الواقع، ليست كذلك طبعاً) وكأنها عمليةً خطيةً، ودون اغفال امكانية وجود أنواع مُختلفة من "التوسطات" و"التعرجات" و"الأحداث العَرَضية".
لا يُمكن فهم اعتمادية الانتاج الذهني على المادي وتفسيره على أنه مُجرّد تابعٍ لهذا الأخير. ان الجانب المادي للنشاط، باعتباره مصدر القوة الدافعة لتطور منظومة العلاقات الاجتماعية ككل، يؤثر على الانتاج الذهني ويُحدد "وجهه التاريخي" بشكلٍ دقيق، ولكن ليس بشكلٍ حرفيٍّ ومُباشر، ولكن في عملية تغير بُنية التفاعلات البشرية ذاتها. لا يُمكن العثور على مصادر الانتاج الذهني سوى في مُجمل العلاقات الاجتماعية الحقيقية، التي يتشكّل أساسها من علاقات الانتاج. والا سيكون من الصعب تفسير سبب سعي الانتاج الذهني لأي عصر (يتجلّى ذلك بشكلٍ واضحٍ في الرأسمالية، حيث يبلغ استقطاب كلا قسمي الانتاج وتعارضهما ذروته القُصوى)، نقول سبب سعي الانتاج الذهني لأي عصر، الى التغلّب على القيود الخاصة التي يُمليها عليه النظام الاجتماعي القائم. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالتزام بعض الدراسات بمفاهيم الانتاج المادي، فإن قيود مثل هذه المُقاربة (أي تطبيق مفاهيم الانتاج المادي على الذهني) تُصبح واضحةً بمجرّد أن نواجه مسائل مُعقدّةٍ، مثل مسألة العلاقة بين مفهومي "الانتاج الذهني" و"الايديولوجيا".
هل العلاقات في مجال الحياة الذهنية (الروحية) مُتطابقة مع العلاقات الايديولوجية؟ هل هي نفسها؟ واذا أردنا التخصيص، هل يُمكن اختزال الشكل الاجتماعي للانتاج الذهني في العلاقات الايديولوجية؟ يجب ايلاء اهتمام خاص لكيفية خضوع العلاقات الاجتماعية المادية الى تحوّل لعلاقات ذهنية (روحية). ألا تتفعّل مُباشرةً في هذه الحالة، رغم أنها تكتسب شكلاً مُتميزاً؟(24). يبدو أن مفهوم "العلاقات الروحية (الذهنية)" أوسع من مفهوم "العلاقات الايديولوجية" لأنه يشمل أيضاً "العلاقات الروحية (الذهنية) المُنظمة". يُشكّل البحث في هذا الأخير ودوره في الانتاج الذهني في نظامٍ اجتماعيٍّ مُعيّن، شرطاً منهاجياً مُهماً لادراك جوهر الانتاج الذهني (يُستَحسَن في هذا المُستوى، استخدام القُدرات العملياتية لمفهوم "الشكل المُحوّل" الذي استدخله ماركس الى الاستعمال الفلسفي).
من الضروري، من أجل التوصّل الى فهم صحيح لطبيعة الانتاج الذهني وتفرّده، تدقيق فهم المرء لتصريح ماركس المعروف جيداً حول العلاقة بين الحُريّة والضرورة في مجال الانتاج الاجتماعي. الى أي مدى يخضع نشاط الأفراد الذهني للضرورة الفائدة الاجتماعية الخارجية، أي عند وضعه في مُقارنةٍ مع العلاقة بين الحرية والضرورة في الانتاج المادي (مُطبقةً على عملية التطور التاريخي للبشر ونشاط حياتهم ككل)؟ هذا السؤال ليس بسيطاً. وتبدو ساذجةً مُحاولة اعطاء جواب عليه من خلال "ألهجوم المُباشر"، أي من خلال تعيين "الحُريّة" للانتاج الذهني و"الضرورة" للانتاج المادي. هذه المحاولات، في المقام الأول، تتجاهل الظروف المُتمثلة بأنه طالما استمر الانفصال بين العمل الذهني والجسدي، فإن كلا قسمي الانتاج الاجتماعي سيظلان محصورين ضمن حدودٍ مُعيّنة، وبالتالي لا أساس لاضفاء الطابع الرومانسي على هذا النمط من الانتاج الذهني وأن نرى فيه تجسيداً لـ"مملكة الحُريّة". ان تصريح ماركس المشهور بأن "مملكة الحريّة لا تبدأ، في الواقع، الا حيث ينتهي العمل الذي تُمليه الحاجة والغايات الخارجية الهادفة، فهي تقع بطبيعة الأشياء خارج نطاق الانتاج المادي الفعلي"(25)، نقول، ان هذا التصريح، لا يتضمن بالطبع ذلك الشكل من العمل (الانتاج) الذهني الذي تطوّر تاريخياً واستند الى الفصل بين "الرأس" و"اليد". يفترض مُصطلح ماركس "الانتاج الذهني الشامل" على وجه التحديد الأخذ بالاعتبار ليس فقط لحقيقة عدم التطابق بين تطور النشاط المادي والذهني في ظل ظروف مُجتمع الطبقات المُتناحرة، بل وأيضاً لمسألة تغيّر العمل كمجال لتنمية القُدرات الانسانية التي هي غاية في حد ذاتها.
وهل من الصحيح، على أي حال، عند تحديد الفرق بين النشاط المادي والذهني، اختزال هذا الاختلاف الى فكرة أن الأول يعتمد كُلياً على الضرورة الخارجية، وأن الأخير يعتمد فقط على أهداف ومجهودات الأفراد الذي قرروا الانخراط في النشاط الابداعي؟ هذه المُقاربة، التي تتجاهل العنصر الابداعي للعمل في مجال الانتاج المادي، من ناحية، وتتجاهل من ناحيةٍ أُخرى (الوسائل المادية) المُستخدمة في الانتاج الذهني، تقف عقبةً أمام التفسير النقدي لكُلٍّ منهما. بالاضافة الى ذلك، من المنطقي طرح السؤال التالي: اليس الأمر أن الانتاج يعتمد ليس فقط على ضرورةٍ خارجيةٍ فحسب، بل وعلى ضرورة اجتماعية "أُخرى" تتمثل في أن التطور الاجتماعي ينعكس في العلم والأخلاق والفن وما شابه ذلك بطرُقٍ مُختلفة، لأنها موجودة (أي الضرورة الأُخرى) في كُلٍّ من أشكال الانتاج الذهني هذه؟
يحتاج الاجابة على هذا السؤال بحثاً مُفصلاً. ولكن من أجل الاجابة عليه من الواضح أنه من الضروري النظر الى الظرف القائل بأن النشاط الذهني، الذي يطرح نفسهُ كإنتاجٍ ذهني، هو أيضاً مُنظم ويستند على قاعدة اجتماعية وبالتالي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجال الضرورة. وبالتالي، فهو خاضعٌ ليس فقط لقوانين الابداع بل ولتلك المبادئ الموضوعية للتنظيم التي "تُقيّد" حريّة الانسان الى هذا الحد أو ذاك وبدرجةٍ تكبُرُ أو تصغُغر. نحن نتفق مع ما طرحه الفيلسوف السوفييتي كارل مويسيليفيتش كانتور Karl Moiselevitch Kantor: ""تُقدّم إمكانات الابداع المُتوسّعة أيضاً مطالب أوسع في المُقابل للسلوك المعياري والمُنظّم حتى في مجال النشاطات التي لم تكن حتى وقتٍ قريب تتسامح مع المعايير... يُشكّل النظام الاجتماعي اليوم (وسيتشكل بدرجةٍ أكبر في المُستقبل) اولئك الأشخاص أنفسهم الذين يُبدعون، والذي يجب أن يكون وعيهم بنفس الدرجة قادراً على السلوك والابداع المُنظمين. ولأن الثورة العلمية التكنيكية تطرح سؤالاً حول الابداع، وليس فقط ابداع النُخبة، بل ابداع الجماهير "الخاملة" التي حُرِمَت في السابق من فُرصة الابداع، فإنها تطرح السؤال في ذات الوقت، بطريقةٍ لا تنفصل عن السؤال السابق، حول التنظيم الاجتماعي الكُلّيّ الشامل"(26).
لقد أظهَرَ مؤلف المقال الذي استشهدنا به للتو بشكلٍ مُقنع، الطابع التأملي لمُحاولات التحريفيين اليوم (خاصةً روجيه غارودي) لتطويع الماركسية بحيث لا تتعارض مع نظراتهم اليمينية للعالم، والتي لا تتوافق مع الماركسية بطبيعة الحال. هذه كما نُلاحظ، حُجّةُ أُخرى لصالح الفكرة التي نؤيديها بأن هناك حاجة ماسّة لمُعالجة مسألة الانتاج الذهني بشكلٍ شامل.

* فالانتين ايفانوفيتش تولستيخ 1929-2019، فيلسوف ماركسي سوفييتي مُتخصص في مجال الفلسفة الاجتماعية وعلم الأخلاق وعلم الجمال، عضو في الحزب الشيوعي السوفييتي منذ عام 1952.
تخرّجَ عام 1952 من كُلية اللغات في جامعة اوديسا الحكومية، وأكمَلَ دراساته العليا في قسم الفلسفة هناك. عَمِلَ كمحاضر في قسم الفلسفة بين عامي 1955-1960. دافَعَ عام 1956 عن أُطروحته لنيل درجة الدكتوراة بعنوان: (مسألة الواقعية النموذجية في علم الجمال).
ترأسَ قسم السيناريو لمعهد أوديسا السينمائي من عام 1985-1960، وبروفيسوراً مُساعداً في معهد موسكو للمنسوجات من عام 1960-1970.
عَمِلَ منذ عام 1970 في قسم علم الأخلاق التابع لمعهد علم القِيَم والفلسفة الانثروبولوجية التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية كباحث رئيسي. دافَعَ عام 1972 عن اطروحته لنيل الدكتوراة في الفلسفة بعنوان: (الفن والأخلاق-حول مسألة الجوهر الاجتماعي والوظيفي للفن).
من مؤلفاته:
(الفن والأخلاق) 1962، (الثقافة والمشاعر) 1968، (العلم والأخلاق) 1969، (الفن والأخلاق-حول الجوهر الاجتماعي والوظيفي للأخلاق) 1973، (نمط المعيشة: المفهوم، الواقع، المشاكل) 1975، (الأخلاق وعالم السينما) 1978، (الانتاج الثقافي) 1981.

1- See L. S. Kogan, "Dukhovnoe proizvodtvo i kul tura," in the symposium Kul tura, tvorchestvo, chelovek, Moscow, 1970 L. S. Kogan and Iu. R. Vishnevskii, Ocherki sotsialisticheskoi kul tury, Sverdlovsk, 1974 A. S. Akhiezer, Nauchno-tekhnicheskaia revoliutsiia i nekotorye sotsial nye problemy proizvodstva i upravleniia, Moscow, 1974 V. I. Belozertsev, Tekhnicheskoe tvo rches tvo (metodologicheskie problemy ), Ulianovsk, 19 7 5 N. V. Motroshilova, Nauka i uchenye v usloviiakh sovremennogo kapitalizma, Moscow, 1976 and others
2- K. Marx and F. Engels., Soch., vol. 25, part 1, p. 16
3- تأخذ هذه المقالة في الاعتبار النتائج الأولية لمناقشات فريق بحثي تابع لقسم مسائل المادية التاريخية الحالية في معهد الفلسفة في أكاديمية العلوم السوفييتية، حول مسألة الانتاج الذهني.
الفريق البحثي هُم: فاديم ميخايلوفيتش ميجويف، فالنتين ايفانوفيتش تولستيخ ولودميلا ايفانوفنا نوفيكوفا Lyudmila Ivanovna Novikova وايرينا نيكولاييفنا سيزمسكايا Irina Nikolaevna Sizemskaya وناتاليا نيكيتيتشنا كوزلوفا Natalya Nikitichna Kozlova.
4- المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، كارل ماركس، ترجمة محمد مستجير مُصطفى، دار الثقافة الجديدة 1974، ص97
5- N. V. Motroshilova, Nauka i uchenye v usloviiakh sovremennogo kapitalizma, p. 103
6- For fuller detail on this, see N. Kozlova, V. Mezhuev, and V. Tolstykh, "Obshchestvennoe soznanie: rezul taty i perspektivy issledovaniia," Voprosy filosofii, 1977, no. 10
7- المادية ومذهب النقد التجريبي، فلاديمير لينين، دار التقدم 1981، ص286
8- K. Marx and F. Engels, Soch., vol. 20, p. 303
9- "ان انتاج الأفكار والتصورات والوعي، مُختلط بادئ الأمر بصورةٍ مُباشرةٍ ووثيقة بالنشاط المادي والتعامل المادي بين البشر، فهو لُغة الحياة الواقعية. ان التصورات والفكر، والتعامل الذهني بين البشر، تبدو هُنا أيضاً على اعتبارها اصداراً مُباشراً لسلوكهم المادي. ينطبق الأمر نفسه على الانتاج الفكري كما يُمثّل في لُغة السياسية، ولُغة القوانين، والأخلاق والدين، والميتافيزياء، الخ، عند شعبٍ بكامله".
الايديولوجيا الألمانية، كارل ماركس وفريدريك انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1964، ص30
10- E. V. Il enkov, Dialekticheskaia logika, Moscow, 1974, p. 167
11- K. Marx and F. Engels, Soch., vol. 26, part I, p. 422
12- Ibid., vol. 23, p. 374
13- See K. Marx and F. Engels, Soch., vol. 26, part 111, pp.278-83
14- رأس المال-المُجلّد الأول، كارل ماركس، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي 2013، ص104
15- مُختارات ماركس وانجلز في أربعة مُجلدات-المُجلّد الثالث، دار التقدم 1975، ص8
16- يقول ماركس وهو يتحدث عن الرأسمالية هُنا: انتاجنا ليس انتاجاً للانسان كإنسان، انه ليس انتاجاً (اجتماعياً)".
K. Marx and F. Engels., E.v,ol . 42, pp. 32-33
17- K. Marx and F. Engels, Soch vol. 46, part 1, p. 386
18- See K. Marx and F. Engels, Soch vol. 26, part I, p. 279
19- Ibid
20- مُراسلات ماركس وانجلز، ترجمة فؤاد ايوب، دار دمشق 1981، ص548
21- See K. Marx and F. Engels, Soch., vol. 47, pp. 555-56
22- مخطوطات ماركس لعام 1844، كارل ماركس، ترجمة محمد مُستجير مُصطفى، دار الثقافة الجديدة، ص103
23- أًسس نقد الاقتصاد السياسي (الغرونديسة)، ترجمة عصام الخفاجي، دار ابن خلدون 1984، ص137، 139
24- لماذا تكون "أفكار الطبقة المُهيمنة في كُل عصر، هي الأفكار المُهيمنة"؟
(K. Marx and F. Engels, -* Soch vol. 3, pp. 45-46)
ان سؤال، بأي طريقة تُصبح الهيمنة في المجال المادي "هيمنةً روحيةً" كذلك، يحتاج الى دراسةٍ خاصة.
25- رأس المال-المُجلد الثالث، كارل ماركس، ترجمة فالح عبد الجبّار، دار الفارابي، ص951
26- K. M. Kantor, "Sootnoshenie sotsial noi organizatsii i individa v usloviiakh nauchno-tekhnicheskoi revoliutsii," Voprosy filosofii, 1971, no. 10, p. 46

ترجمة لمقال:
V. I. Tolstykh (1978) Mental Production as a Problem in Historical Materialism, Soviet Studies in Philosophy, 17:2, 30-56








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانتاج غير المباشر
علي عباس خفيف ( 2023 / 7 / 19 - 23:24 )
يتناول ماركس في جملة مواضيع فائض القيمة موضوع الانتاج ما يدعوه دائرتي الانتاج؛
دائرة الانتاج المباشر؛ التي تتضمن العمل المنتج لانتاج سلعة او خدمة.
ودائرة الانتاج غير المباشر التي يدخل ضمنها اعمال الصيانة والتنظيف والحراسةوالرزم والنقل ،الخ من الاعمال الملحقة بالسلعة لحد اعتبار ابتكار العلامة التجارية والاعلان من ضمن هذا الانتاج غير المباشر حيث يدخل ضمن هذا الوصف، العمل في المختبر لتحسين السلعة المنتجة .مهما كانت طبيعة هذه السلعة

اخر الافلام

.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي


.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط




.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص


.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل




.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري