الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد يونس.. رجل بأمة

فؤاد علي منصور

2006 / 11 / 4
الادارة و الاقتصاد


حينما تأخذ القرارات الاقتصادية الحكومية في بلداننا منحى يعزز غنى الغني ويزيد فقر الفقير، وحينما تعتمد الدراسات الاقتصادية العالمية على رؤوس الأموال في التقدم وبناء الدولة وبناء المجتمع، فترى الدول تقدم القروض والمساعدات والإعفاءات والتسهيلات لأصحاب الثروات لتزيد ثرواتهم.. حينما ترى ذلك تجد أن الخاسر الوحيد في بلادنا هو الفقير..
لشد ما أثار إعجابي واحترامي هذا الرجل ولشد ما تمنيت أن أشد على يديه البيضاوين، ولطالما حلمت برجل أو رجال في وطني يشبهونه أو يسيرون على هداه..
محمد يونس عمل لأجل فقراء وفقيرات بلاده، قدم القروض والمساعدات المصرفية لعشرات آلاف العائلات، قدم يد العون التي تنتشل الفقراء من مستنقع الحاجة والفقر والألم ليقدم الأمل لها..
عمل على إعمار بلاده وإحياء إنسان بلاده بجهد شخصي لا ينتظر شكراً من أحد ولا رد جميل.. هل تعلمون لماذا؟..أحسنتم.. إنه وطني يحب بلاده كما يجب أن يكون الحب، بل أحب بلاده كما الحب في الأساطير وكما في كتب التاريخ..
محمد يونس البروفيسور الاقتصادي البنغالي.. ارتكز في مشروعه على مجموعة من المحاور الأساسية أهمها: تحسين أوضاع الفقراء ليس في بنغلادش وحدها.. بل في كل بقاع العالم..
محمد يونس.. الاقتصادي الأكاديمي لم يبق في برجه العاجي يدرس وينظّر أكاديمياً للحالة الاقتصادية للفقراء ومتوسطي الدخل، ولم ينظر إلى الأغنياء والمتمترسين في ثرواتهم على أنهم الغاية المثلى والوحيدة لعلم الاقتصاد..
محمد يونس رأى فقراء بلاده وأحسّ بهم.. رأى عذاباتهم وشقاءهم.. رأى الأيدي المشققة التي تعمل بلا كلل ولا ملل لسد الرمق فقط.. ترك كرسيه الجامعي واتجه إلى القرى الفقيرة وحاور أهلها واكتشف الفقر.. يقول محمد يونس: لقد كنا -نعم- نحن أساتذة الاقتصاد نتميز بشدة الذكاء، لكننا لم نكن نعرف شيئًا عن الفقر الذي كان يحيط بنا من كل جانب.
أسس البروفيسورمحمـد يونس في أيلول من عام 1983 مصرفاً تحت اسم (مصرف جرامين Grameen Bank) (وتعني بالبنغالية مصرف القرية) ليكون بذلك أول مصرف في العالم يقوم بتوفير رؤوس الأموال للفقراء فقط، في صورة قروض بدون ضمانات مالية؛ ليقوموا بتأسيس مشاريعهم الخاصة المدرّة للدخل، وذلك تأسيسًا على الضمان الجماعي المنتظم في صورة مجموعات مكونة من خمسة أفراد، ومراكز مكونة من ست إلى ثماني مجموعات.
يحكي البروفيسور يونس القصة التي أدت لظهور فكرة المصرف.. يقول:
(في عام 1972 وهو العام التالي لحصول بنغلاديش على استقلالها بدأت بتدريس الاقتصاد في إحدى الجامعات.. وبعد عامين أصيبت البلاد بمجاعة قاسية، وكنت أقوم في الجامعة بتدريس نظريات التنمية المعقدة بينما كان الناس في الخارج يموتون بالمئات، فانتقلت إلى قرى بنغلاديش أكلم الناس الذين كانت حياتهم صراعًا من أجل البقاء، فقابلت امرأة تعمل في صنع مقاعد من البامبو، وكانت تحصل في نهاية كل يوم على ما يكاد فقط يكفي للحصول على وجبتين، واكتشفت أنه كان عليها أن تقترض من تاجر كان يأخذ أغلب ما معها من نقود، وقد تكلمت مع اثنين وأربعين شخصًا آخرين في القرية ممن كانوا واقعين في فخ الفقر، لأنهم يعتمدون على قروض التجار المرابين، وكان كل ما يحتاجونه من ائتمان هو ثلاثين دولاراً فقط. فأقرضتهم هذا المبلغ من مالي الخاص، وفكرت في أنه إذا قامت المؤسسات المصرفية العادية بالشيء نفسه؛ فإن هؤلاء الناس يمكن أن يتخلصوا من الفقر.. إلا أن تلك المؤسسات لا تقرض الفقراء، وبخاصة النساء الريفيات)
وفي عام 1976 بدأ يونس مشروعًا بحثيًا عمليًا لاستكشاف إمكانيات تصميم نظام مصرفي يصلح للفقراء من أهل الريف. وقد توصل إلى أنه إذا توافرت الموارد المالية للفقراء بأساليب وشروط مناسبة فإن ذلك يمكن أن يحقق نهضة تنموية كبيرة. وقد حقق المشروع بالفعل نجاحًا في محافظة شيتاجونج Chittagong في الفترة من 1976 ـ 1979 وفي ذلك العام امتد المشروع بمساعدة مصرف بنغلاديش إلى محافظة تانجيل Tangail، وفي الفترة من 1979ـ 1983 امتد العمل بنجاح إلى محافظات دكا Dhaka ورانجبور Rangpur وباتواخالي Patuakhali وفي أيلول 1983 تحول المشروع إلى مصرف مستقل باسم مصرف غرامين (Grameen Bank ) ساهمت الحكومة فيه بنسبة 60% من رأس المال المدفوع بينما كانت الـ40 % الباقية مملوكة للفقراء من المقترضين. وفي عام 1986 صارت النسبة 25% للحكومة و75 % للمقترضين.
يتميز مشروع مصرف القرية بأنه مشروع اقتصادي ذو أهداف اجتماعية يقوم باستثماراته في مجال إقراض العملاء لتمويل مشروعاتهم الاستثمارية الفردية، ويتعامل مع الفقراء فقط، أي أنه يركز على قضية الفقر على المستوى النظري والتطبيقي، كما يركز أيضاً على النساء كقوة للعمل، حيث تمثل النسوة 94% من عملاء المصرف ولهذا التركيز ما يبرره عند محمد يونس، فالمصرف نظر للمرأة الريفية الفقيرة كمورد اقتصادي غير مستثمر فوجب تصحيح الوضع باستثماره لمصلحة الفقراء، وهؤلاء النسوة تعرضن لقهر اجتماعي مزدوج، أولاً لأنهن فقيرات، وثانياً لأنهن نساء، من ثم يتعرضن لتحمل العبء الأكبر لمشكلة الفقر داخل الأسرة..
وتعتبر هذه التجربة الإبداعية تجربة تدعم الإبداع والتجديد اللذين هما أساس النهضة لأي أمة، ولا ننسى أن المصرف مشروع قائم على الشورى وعلى ضبط شكل العلاقة بين الوحدات وبين الإدارة بما يضمن جودة الأداء وحسن سير العملية من أولها حتى آخرها..
وأهم ما يميز هذا المصرف هو إجراءاته التسلسلية السهلة الواضحة التي لا تأخذ أكثر من أسبوع واحد لإنجازها، وبالتالي فهي تساعد على الإنقاذ السريع للعوائل والمستفيدين منها..
لقد نجح محمد يونس في إحياء أمة.. آلاف وآلاف كانت تتقاذفهم المجاعات والأمراض..استطاع أن يعيد إليهم البسمة والأمل في الحياة..
ليس كثيراً على محمد يونس ومصرفه جائزة نوبل فحسبما أوضحت اللجنة النرويجية السرية المكونة من خمسة أعضاء في بيان إعلان اقتسام يونس وبنك غرامين جائزة نوبل للسلام لعام 2006 مناصفة إنهما منحا الجائزة (عن جهودهما لخلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الطبقات الدنيا) وأضافت اللجنة أن (يونس وغرامين أثبتا أن أفقر الفقراء بوسعهم العمل لتحقيق التنمية).
وأضاف بيان اللجنة أن (السلام الدائم لن يتحقق إلا إذا تمكنت جماعات كبيرة من السكان من كسر قيد الفقر. والقروض الصغيرة من الوسائل التي تحقق ذلك. وتنمية القطاعات الدنيا تخدم في دفع الديمقراطية وحقوق الإنسان قدما)
ما أحوجنا إلى محمد يونس عربي ينظر إلى فقراء أمته وأحوالهم، لعله يستطيع وقف عددهم المتزايد كل يوم بل كل دقيقة..ما أحوجنا إلى المخلصين من أبناء وطننا العربي الكبير..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالإحصائيات.. الاقتصاد الإسرائيلي يتقهقر بسبب المقاطعة الترك


.. كلمة وزير المالية والاقتصاد الوطني خلال ترأس أعمال المجلس ال




.. عامر الشوبكي: أسعار النفط تأخذ مؤشراتها من تطور المفاوضات بي


.. ولي العهد رئيس الوزراء يلتقي الوفود المشاركة في الاجتماعات ا




.. كلمة وزير المالية والاقتصاد الوطني خلال ترأس أعمال المجلس ال