الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب من المدينة

عبد السلام الزغيبي

2023 / 7 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


أن تعيش في مدينة أوروبية عصرية مثل اثينا،عليك تحمل الكثير ودفع الثمن من جهدك واعصابك وصحتك، التلوث البصري والسمعي فيها يقودك إلى مشكلات نفسية وجسدية، تبدأ من القلق، والتوتر، والضغط النفسي، لتمتد إلى الجسد وتصيب المرء بأمراض القلب والقولون والسكري.
ويعرف التلوث البصري بأنه كل تشوه يؤذي نظر الإنسان ويسبب له الانزعاج وعدم الراحة، والقلق النفسي على المدى الطويل، بحيث يفقد الحس الجمالي من حوله، وذلك باستبدال المناظر الجميلة بالقبيحة المؤذية.

أثينا التي عرفناها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لم تكن كذلك، عبث الإنسان فيها بالذوق العام، وحول محيطه إلى مكان يعج بالعناصر السلبية، والتي تؤدي إلى اختفاء الصورة الجمالية،وبالتالي بدا المرء فيها يبحث بجدية للهروب من المدينة الاسمنتية الى الضواحي و الريف.

البعض ربما يقول ان الحياة في الريف رتيبة، لانها تفتقد اضواء وضوضاء المدينة التي تغري به في مكان ما ، ويقول أخر وربما يكون محقا، ان الحياة في الريف غير متجددة وانه يرى نفس الأشخاص مرارًا وتكرارًا ويشاهد نفس الأماكن في الشتاء والصيف، لكن ما عشته وخبرته في بلدة نيامكري( 35 كيلو متر من اثينا) يخالف ذلك، فالبلدة كان النشاط فيها متجدد مابين الرحلات للبحر والجبل والريف، ومزاولة رياضات متعددة، وكل لي فيها اصدقاء كثيرين.والناس هناك ودودون، بسيطون وحقيقيون ومشاعرهم صادقة.

أثينا مدينة جميلة ، لكن الحياة هنا مع توسع المدينة والصخب والضجيج الذي يعمها تجعلني أشعر بالتعب ، فهي مدينة بغير شخصية وعلاقات الناس رسمية. فهم مزيفون وعلاقتهم تقوم على مصالح ومنافع وقتية.

في أثينا اليوم ربما تسعدك رؤية أشياء جديدة وتجربتها، لكن اكثر ما يزعجني حركة المرور وغازات العادم ،من السيارات الخاصة والتاكسي، ومن حركة الاتوبيسات والترولي وضياع ساعات طويلة في انتظار الحافلة الى جانب الزحمة وتصرفات وسلوك الاجانب. الذي اصبح بموجه الأثينيين مرتابون للغاية من اي اجنبي او غريب خاصة في السنوات الاخيرة حيث كثر اعداد الاجئين والمهاجرين.

يزعجني أن أخرج إلى الشارع، وأرى المباني السكنية ترتفع أمامي. وأنني أسمع باستمرار ضوضاء من مخزن الاشياء القديمة لباعة بنغلاديش أسفل منزلي. أشعر بضيق شديد من صراخ الطفلة البلغارية التي تاتي بين حين واخر لزيارة جدتها وجدها، من صراخ المولود المصري الجديد في الشقة التي بجانبي، من نباح كلب جاري اليوناني الذي يسكن في شقة في عمارة مقابلي مباشرة, وميكرفون جامع الروبابيكيا، من ازدحام الشوارع بالباعة المتنقلين والمنتشرين في الشوارع الرئيسة والتجارية، ومن انعدام للأمن في بعض مناطق أثينا.

للخروج من هذا كله، يحتاج المرء للبحث عن الهدوء والأماكن المفتوحة وغير المزدحمة مثل الطبيعة لأنها تحفز استقرار الحالة النفسية المفعمة بالآثار الإيجابية والمحفزة على الاسترخاء والراحة النفسية والجسدية.

ربما يكفي الفرار في نهاية الأسبوع والذهاب في إجازات خارج المدينة، لكن أنا متأكد تمامًا من أنه لا توجد طريقة للعيش هنا في المدينة على المدى الطويل ، لأنه في الواقع ، الحياة في الريف اجمل.

اذا اتيحت لي الفرصة سأعود بالتأكيد إلى نيا مكري. أعتقد أنه المكان المثالي للعيش فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟