الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لَا .. لَمْ يَكُنْ أَهْلُونَا آنْدِيجِينْ

عبد الله خطوري

2023 / 7 / 20
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


لَمْ يكنْ أهْلُونَا خارجين عن الأعراف والقوانين متمردين " عُصاة عازْيين" بالمفهوم القدحي للكلمة .. كانوا ثائرين ضد واقع قاهر فُرِضَ عليهم وعلى بلداتهم .. لم يرضوا ضيما لم يستسيغوا مهانة لم يقبلوا آحتقار عقولهم ومداركهم لم يطئطئوا آلهامات لعمليات آلاستغلال الدائبة من أجل آستغلالهم وآستغلال ثروات أراضيهم .. رفضوا الانخراط في عمليات التسويات والبيع والشراء التي سارتْ بها الركبان ذاك الزمان الجائر من أجل إخضاع ربوع (آيتْ وَراينْ) التي حاربتْ جغرافيتُها وتضاريسُها الدُّخلاءَ شهرت في وجوههم الصفيقةَ الجُؤارَ تلوَ الجُؤارِ .. فما كان من هذا الدخيل إلا الفرار .. لا .. لم يكنْ أجدادنا " أهالي دِيزَانْدِيجِينْ " .. بل مُواطنين سُلِبَتْ منهم مُواطنتَهم لم يعيشوا منذ عهود خلت فيما يُسمى وطنا كباقي الباقي، ظلوا على الهامش في الحاضر والماضي.
في زمن المعارك .. كل المعارك التي خاضها الوراينيون، خاضوها بشراسة الواثق من كرامة الانتصار، بقوة إرادة المتيقن من إيمانه الراسخ بأحقيته في الوجود دون طوق دون حصار .. كانوا وهم يكرون يفرون في الأودية والجبال والفجاج والسهول والنجود والبطاح والبراري وسُدف أجمات الغابات، كانوا في آنتظارٍ لا يملون أَنْ تنقشعَ شمس الحُرية والكرامة ذات لحظة من لحظات تاريخ عاثر .. وآستمر الوضع كما كان ويكون على الجهة الشمالية المغربية، الأطلس المتوسط والريف .. لا شيء هاديء في أراضي إيمازيغن التي يروم الرأسمال بأشكاله وأصنافه المختلفة سلبها بالبيع بالشراء بالمساومة بالمناورة بالاقتطاع بالحفر بالاجتثاث بالاقتلاع بالكذب بالتزوير بالسرقة الموصوفة وغير الموصوفة بالأوبئة بالأمراض .. لا شيء هادئ البتة "دي تيمورانغ" .. لقد دخلت إسبانيا بداية القرن العشرين في حرب كيماوية أبادتْ شعبا أعزلَ إلا من إيمانه بحريته وكرامته وإنسانيته .. الأمازيغ عانوا لايزالوا يعانون من تبعات تلك الحرب الكيماوية بآئتلاف ألماني إسباني وتواطؤ مصلحي فرنسي .. إنني أعاينُ في هذا التاريخ المتأخر نوعا ما عن تلك الحقبة المتقدمة من القرن العشرين .. أعاينُ الآن هنا مُعاناة لا تنتهي لأمراض سَـرطانية تتوارثها الأجيال في أبدانها وأرواحها، فالوجه البشع للحرب الغربية الأوروبية على مناطقنا لازالت آثاره الوخيمة حاضرة فينا لا تندثر .. ليرجعْ أبناء مازيغ إلى أمازيغيتهم .. ليعُدْ "آيتْ تمورتْ" إلى الآثار التي كنا نعاينها هنا هناك في مناطق مازالت تحمل أطلالها رسوما دوارس من زمن مشؤوم لتاريخ قاهر، فتلك ثكناتهم العسكرية "القشلة" في الأعالي ترنو إلينا تستحثنا لقراءة معالمها وآستقراء وقائعها، فكم مخلفات خراطيش الرصاص بها، كم جماجم فرنسية دُفِنَ أصحابُها كيفما آتفق على عَجل و وَجَلٍ إذْ بوغتَ الأعداءُ برجال (إيركازن) يقدمون من السماوات والأرضين ومن كل حدب وصوب ليُشْهِدُوا الطغاةَ عن حياة الأشاوس في الجبال كيف تكون .. وكم بقايا عدة وعتاد كان يحملها المستعمر على الدواب لوعورة الشعاب صاعدا بها هضباتنا محاولا عبثا أن يقرَّ له قرار في أعلى الروابي الفيحاء تركها وراءه مرغما في آشتباكاته المتكررة، إن الأرض مازالت تطوي في منحدر جهة الوادي حذاء معصرة زيتون قديمة "زْتَاتْ تاسيرتْ تاقديمتْ" بقايا طائرة عسكرية من ذاك العهد أسقطها الرافضون غدتْ مع الأيام أوعية لعلف البهائم والدواب، ولازالت صفائحُها الدارسة وآثار أخرى ذاوية تصهر أرواحنا تغتالُ ماضيَنا الذي يمضي في سبيله _ ويا للأسف _ دون وقفة تأمل تستكشف ذاكرة الأرض الموشومة بالعقوق والجحوذ؛ أما ما جاء بعد ذلك من أحداث ومتغيرات، فإن مرابطو الجبال لم يستفيدوا من إيجابياتها شيئا يذكر، ليظلوا على هامش تفاصيل تاريخ لا يقدر أمثالهم .. هي حكاية من حكايات عابرة تفتق تطمس بصمة أوشامنا الأمازيغية تَسِمُهَا بميسم القهر والتسلط والجبروت فإلى متى هذا الصلف من جهتهم وإلى متى اللامبالاة من ناحيتنا ؟؟ وإلى متى تُمَارَسُ علينا المهانة والإقصاء ويظل التاريخ، تاريخنا حَبيسَ الصدور وذاكرة حيوات شفهية سماعية تنزف مع الزمن .. أجدادنا وآباؤنا يموتون يرحلون تباعا حاملين وإياهم ذاكرة البلدات، ليطمس التاريخ الرسمي تواريخهم، فأين تلك البدايات .. ؟؟ .. ما كانت معالمها .. ؟؟ .. لا نملك الآن هنا إلا حاضرنا الفقير .. لا نعلم شيئا من وقائعنا التي وقعتْ، وحتى أسماء المَواقع بتواريخها وجغرافيتها وهويتها وجيناتها الأصيلة تلوكها ألستنا بعُجْمَة القادم من وراء البحار في زيارة باردة القلب والكبد والطحال .. إلى متى نتعامل مع البلاد، بلادنا تعامل السائح الجوال .. ؟؟ .. في البدء كان التراب .. كان الإنسان، وإنسان الجبال ترابُها وترابُها إنسانُها .. كذلك كانت علاقتنا بأوصال تيمُورانغْ مُذْ عرفتها طفولتنا وأهليها المرتبطة أنساغهم بتربة المكان ورائحته، بخُضرة أفيائه، بشقشقة عناديله بِيمامه البري بوَرَّامِه بوَجِّيقِه وبُومِه وبَازِه وأطياره الصادحة في الظلال ليل نهار، بزيزانه التي تتقد صيفا تعلن ميلاد ثمرات الزيتون ونضج السنابل في كيزانها ثم كدهشة الغياب تغيب دون يدرك أحدٌ من أين أتت ولا إلى أي آتجاه تسير، بصَئِي عقارب الأحراش الصفراء السوداء، بفحيح الأفاعي الرقطاء بجلجلة الجَناديب تُعانقُ تجاعيدَ أشجار معمرة في ضُحَـيَات حصاد قائضة، بخَرير أمواه الجداول والعيون، جميع العيون السابحة في دمانا، جميع البرَكِ والبُحيرات الغارقة فيها مَسَامُنَا .. تامْدا البير القلعْ تابْحيرتْ أومازوزْ تاشراراشتْ تيغرضينْ وحكايات الجَدَّات وخرافات الجنون العالقة في أهداب مَرَدَة وعفاريت و سعالي وغيلان قاطنة في حنايانا لا تبرحُها أبدا .. بالآهات إدْ تَتْرَى في نبرات حُدَاء الرُّعاة ينشدون ترانيم إيزلانْ وتيفارينْ واللَّـغَا في أعراس فائتة وحاضرة قادمة من تاريخ البلدات وجغرافيتها الحافرة في جذور أغوار الأزل .. آه .. لم نعد نملك من كل ذلك وغيره إلا بقايا عواطف يتيمة تجترها حنايانا بمغص يقاوم ما أمكنه قطع شعيرات أخيرة مازالت تربطنا أغلبيتنا بجذور الأعالي .. لَا .. لَمْ يَكُنْ أَهْلُونَا آنْدِيجِينْ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد