الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجديد في كتاب -غسان كنفاني، جذور العبقرية وتجلياتها الإبداعية- الدكتور محمد عبد القادر

رائد الحواري

2023 / 7 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كثيرا ما نقول: إن ما كُتب عن "غسان" يكفي ويزيد، فقد تناوله العديد من الكتاب، بحيث لم يبقوا شيئا ليكتب عنه، لكن ما أن نقرأ عنه، حتى نجد أن هناك ما هو جديد وغير مطروح في السابق، من هنا يأتي كتاب "جذور العبقرية وتجلياتها الإبداعية" ليضيف ما هو جديد عن عالم "غسان" فالكتاب يتكون من بابين، الأول متعلقة بحياة غسان الشخصية وأثر ما به من هجرة الوطن والتشرد في تشكيل شخصيته كرافض لواقعه وكمدافع عن شعبه وعن كيانه: "سوف تكون الحياة سخيفة لحد القرف، وسمجة بلا حدود إذا كان كل ما تعنيه هو أن تخبطني على رأسي كلما أردت أن أتحرك إلى الأمام، في الثانية عشر من عمري عندما بدأت أتحسس معنى الحياة والطبيعة من حولي قذفتني لاجئا مشردا خارج وطني، والآن، الآن عندما أخذت أتحسس طريقي وأصبحت أقضي أكثر ساعات اليوم بشكل مجد يأتي السيد مرض السكري ويريد بكل وقاحة أن يقتلني" ص48، هذه القول يأخذنا إلى مواجهة "غسان" لواقعه كفلسطيني، وكإنسان مصاب بالسكري، ومع هذا استطاع أن يكون، ويكون ذاته كفرد وكشعب، وينقل لنا "محمد عبد القادر" مشاعر "غسان" عندما جاء "فايز" إلى الحياة: "أحسست بأنني مرتبط أكثر بهذه الأرض التي أمشي عليها، كان وقوعه فوق كتفي قد غرسني عميقا في التراب" ص55، نحظ أن "غسان" مرتبط بالأرض/ بالتراب من هنا نجد وجود ابن له جعله أكثر عطاء وطاقة على العمل، وهذه المعادلة (تتناقض) مع تلك القائلة: "كلما كثرة الهموم والأعباء الشخصية على الفرد قل العطاء الاجتماعي/الوطني/القومي.
بعدها ينقلنا الكاتب "محمد عبد القادر" إلى طبيعة الأعمال الإبداعية التي كتبها "غسان" ناقلا عنه: "قد استوحيت كافة أبطال رواياتي من الواقع الذي كان يصدمني بقوة، وليس من الخيال" ص51، اللافت في هذا القول إن الروايات لم تأتي بصورة واقعية، وفيها من الرمز ما يجعلها تتجاوز الواقع كما هو الحال في "رجال في الشمس" وفيها من الفانتازيا ما هو مثير كما جاء في رواية "أم سعد" وفيها من الأفكار والحكم الكثير كما هو الحال في رواية "عائد إلى حيفا" وهنا يكمن الإبداع، تحويل الواقع إلى فن، إلى أدب يخدم قضية وطنية/قومية/إنسانية.
وعن زواجه من "آني" يبين "محمد عبد القادر" لتضحية التي أقدمت عليها بقبولها الزواج منه حيث تقول: "لا وطن، لا مال، ولا جواز سفر، بالإضافة إلى مرض خطير، كل هذا لم يشكل لي أي عقبة، كنت أنت غسان الذي أحببته وأعجبت به، لقد منحتني حوالي أحد عشر عاما هي أسعد فترة في حياتي وأهمهما، والتي سأستطيع منها استلهام القوة للسنوات الطويلة الصعبة القادمة" ص57، اللافت في هذا القول إنه يتجاوز المنطق العادي، ويأخذنا إلى منطق آخر، منطق الانتماء للقضايا العادلة بعيدا وتقديم كل ما يستطيع تقديمه لها، هذا ما فعلته "آني" عندما قررت الاقتران "بغسان كنفاني" فكانت نعمة الزوجة والمناضلة والأم.
تأثير "غسان" كفلسطيني على (الآخرين) لم يقتصر على "آني" فحسب بل طال كل من تعرف على غسان، يقول عنه "محمود درويش" بهذا الخصوص: "فلسطيني حتى أطراف أصابعك، فلسطيني حتى الحماقة، وهذا هو مجدك إذا كان المجد يعنيك، تسلم على السائح فتصيبه عدوى فلسطين، تقبل امرأة فتصير مريم المجدلية، تعانق طفلا فيستكمل طفولته في إحدى قصصك...لو وضعوك في الجنة أو جهنم لأشغلت سكانها بقضية فلسطين" ص58و59، وهذا يؤكد قول "غسان" عندما تحدث عن نفسه: "غرسي في التراب" بهذا الشكل يكون غسان قد اقرن قوله بالفعل، بالعمل.
أما عن مرضه وكيف كان يتعامل معه يقول "أبو علي مصطفى" عن هذا المرض: "يقول لك وأنت جالس معه في مكتبه: "عن أذنك" ويرفع قميصه ويعطي نفسه الحقنة، وهكذا يعود لحيويته العمل بلا مبالاة بالمرض وعوارضه" ص61، من هنا كان "غسان" يعي أنه يعاني من مرض لن يرحمه، وبأنه سيقضي عليه عاجلا أم آجلا، وهذا ما قاله للشاعرة "أمل جراح": "أكتب يا أمل بسرعة لأني سأرحل بسرعة، أكتب أشياء أحسها لأني أخاف من الوقت أن يغدرني ويأكلوني" ص61، نلاحظ أن طريقة تقديم المعلومات/الأحداث/الأقوال/ الاقتباسات كلها متكاملة ومنسجمة ومرتبة، بحيث كل فكرة تكون قاعدة للتي تليها، فبدا الباب الأول وكأنه سيرة (غيرية) لكن بشكل وأسلوب جديد.
وعن أخلاق "غسان" وكيف كان مخلصا لعمله ومحافظا على العاملين معه، ينقل لنا الكاتب "محمد عبد القادر" هذا الموقف: "في عام1971 صدر أمر قضائي ضد "الهدف" بسبب نشرها مقالة مجهولة الكاتب، وكانت تسيء إلى أحد الحكام العرب، لكن غسان رفض الإفصاح عن اسم الكاتب، وتحمل القرار بالسجن نيابة عن الكاتب" ص63، وعن تعاطفه مع زملاءه في العمل: "لا يتردد بين الحين والآخر في أن يسدد ديون الشباب للمطعم على حسابه من دون علمهم" ص64، بهذا تكتمل الشخصية المتألقة إبداعيا مع الشخصية المتألقة أخلاقيا وإنسانيا.
ينقل لنا الكاتب ما قاله الكتاب والمفكرون عن "غسان" منهم "عبد الرحمن منيف": "إن غسان كان عدة حيوات في حياة، وعددا من الكتاب في كاتب" ص71، أما "محمود درويش" فقال: "إنه شبيه بالينبوع الذي لا يتسع مجرى النهر لغزارة مياهه، فيفيض جداول فرعية توهم الناظر إليها بأنها مختلفة، وهي ليست سوى أشكال متعددة لجوهر واحد" ص78، ويضيف عما تعلمه من غسان: "إن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينيا" ص79، وما قاله "درويش" يأخذنا إلى ما قاله "غسان": "غرسني في التراب" أما "غادة السمان" فتقول: " إنه لم يتلوث بالمال ولا بالسلطة ولا بالغرور، وظل يمثل النقاء الثوري الحقيقي" ص98و99، لهذا تقول عن حبه لها: "أفخر بحب رجل كهذا أهدى روحه لوطنه وأنشد لي يوما ما معناه:
"مولاي وروحي في يده إن ضيعها سلمت يده" ص101، هكذا كان "غسان" حتى بالنسبة لامرأة كانت (حورية عصرها) أحبها وتعلق بها العديد من الرجال، لكن "غسان" ترك فيها هذا الأثر بهذا الحب النقي، فكان ابرزهم وأهمهم في حياتها.
وبعد استشهاد "غسان" يُجمل "محمد عبد القادر" أثر هذا الاستشهاد على الآخرين بما قاله "درويش": "لقد وُلدت قبل ذلك، ولكنك أنت الذي أعلن ميلادي، لم أقل لك: شكرا، فقد كنت أحسب العمر أطول" ص256.

والباب الثاني متعلق بإبداع غسان الأدبي، في القصة القصيرة، في الرواية، في السرح، في النقد، في الصحافة، الكاتب "محمد عبد القادر" يوضح عبقرية "غسان" من خلال قدرة نصه على أخذه إلى مناحي متعددة ويمكن قراءته بأكثر من شكل: "أن عبقرية الكاتب تعني إنتاج نص قادر على أن يظل يعطي ويعطي، نحن لن يقرأ كاملا أبدا، نص ينطوي على إمكانية لا متناهية في توليد معانيه، وهذا هو المعنى الذي يشير إليه مفهوم اللازمانية" ص20، هذه الفقرة تكشف ما يحمله العنوان، وتدفع بالقارئ لمعرفة ما أضافه "محمد عبد القادر" في كتابه الذي يتناول فيه كل ما كتبه غسان من أدب، ومتوقفا عند إبداعه كصحفي أيضا.
من هنا يتناول ثلاث روايات مختلفة في الشكل "رجال في الشمس" وفي فيها من رمزية، "عالم ليس لنا" وما فيها من إبداع وفنية روائية، "أم سعد" والواقعة و(بساطة) يؤكد قدرة "غسان" على الكتابة بأكثر من شكل أدبي، لكن تبقى فلسطين هي البوصلة التي تسير أعماله.
أعتقد أن الكتاب أستطاع أن يتناول رواية "عالم ليس لنا" بتحليل جديد يدفع القارئ لإعادة قراءتها ضمن الرؤية التي قدمها: فما جاء في الصفحة 176، يستحق أن ينقل كما هو لأهميته: "إذا فقد استشهد خالد أبو عيشة في عام 1964، وبعملية حسابية بسيطة استنادا إلى الرواية يتضح الآتي:
ـ أن مريم من موالد 1928
ـ وأن حامد من مواليد عام 1938
ـ حامد يتحرك بحثا عن أمه بعد ستة عشر عاما من النكبة (1948)
ـ أي أن حامد يتحرك قاصدا أمه في الأردن في عام 1964، وهو نفس العام الذي استشهد فيه "خالد أبو عيشة" بمعنى أن الإهداء الذي وضعه غسان "لخالد أبو عيشه" جاء ضمن سياق أحداث الرواية، وهذه الفنية تحسب لغسان، وتؤكد قدرته الإبداعية وانتمائه وإخلاصه لرفاقه ولوطنيه ولقضيته.
من هنا نقول أن الكتابة عن "غسان" لم تكتمل بعد ولن تتوقف، فهناك ما هو جديد وممتع فيما يكتب عنه وعن أعماله.
الكتاب من منشورات وازرة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الثانية 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه