الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض قصائد الشاعر التونسي الكبير -د-طاهر مشي..برقيات عاجلة..لمن يهمه الأمر..!

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 21
الادب والفن


تصدير:
*الشعر بالنسبة للشاعر التونسي الكبير-د-طاهر-مشي-شرفة يطلّ منها على العالم بأوجاعه وأشجانه وأفراحه إن وُجدت..

*“نحنُ نجدّد في الشعر،لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد،نحنُ نجدّد لأنَّ الحياةَ بدأت تتجدّد فينا،أو قُل تجدّدنا”(الشاعر اللبناني الراحل يوسف الخال)


يشتبك الشعراء بعيون مفتوحة مع آلام متجددة يوما بعد يوم،الحقيقي الذي يصلنا من الكلمات هو رائحة البرود،مشهد الدم المسفوك هناك،عيون خرجت من مكانها تبحث عنا،أيدي متجمدة معلقة في الهواء بانتظار طوق نجاة.المشهد يعيشه الشاعر العربي من اليمن حتى بغداد مرورا بتونس (بعض قصائد الشاعر التونسي الكبير طاهر مشي نموذجا) وليبيا،مشهد تشظى بالجرح وغياب الضمير الإنساني،ليت الكتابة بإمكانها أن تعيد إلينا ذلك الضمير الذي دهسته الحرب."
تعتبر قصيدة الومضة هى قصيدة التكثيف الشديد والتلميح الأشد،حيث تكون فيها مساحة المُصرَّح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه،وفى هذا النوع من القصائد يحيل الشاعر المتلقي بإعمال فكره واستخدام كل مهاراته الثقافية والأدبية واللغوية لفك طلاسم هذه القصيدة،وقصيدة الومضة تعتبر قصيدة المثقفين ولا يمكن-لأنصاف المثقفين-أن يتعاملوا معها أو حتى يستمتعوا بها.
ويمكن أيضاً أن نقول إنها قصيدة النضج واكتمال المعين الشعري لشاعرها،ويمكن أيضا أن نقول إنها قصيدة الصمت الإيجابى أو الصمت المقروء.
قصيدة الومضة أيضاً هى قصيدة الدهشة فى أنقى معانيها..
ويمكن القول باختصار أنها القصيدة التى تستنفر عقل وفكر المتلقي ليكون على قدر مستواها الفكري والأدبي.
ولعل أهم أسباب الإنتقال إلى القصيدة الومضة أو التوقيعة انتقال الشعر من المباشرة والخطابية إلى الإيحاء،أو الانتقال من الشعر الذي يُلقى أمام متلقين في مهرجانات شعرية لغاية التوعية،والتنوير،إلى الدعوة إلى قصيدة تقرأ في جو خاص.وقد شهد عصرنا تواتراً في الأحداث الساخنة التي لم تعد تسمح بنظم القصائد الطوال،الأمر الذي أدى إلى وجود سمة الانفعالية والتعبير المقتضب والموحي.فظهرت قصيدة الومضة وهي ذات مجموعة من التوقيعات النفسية المؤتلفة في صورة كلية واحدة،وهو أمر يعني أن للصورة أهمية استثنائية في قصيدة التوقيعة.
ويتطلب هذا الشعر ذو اللحظة الانفعالية،والدفقة الشعورية،ذكاءً نافذا من الشاعر،ونباهة عالية من المتلقي،أو القارئ،لأن القصيدة المدونة مبنية على صورة واحدة تحمل فكرة واحدة، وانطباعاً واحدا بتكثيف شديد لا يخل ببنيتها الشعرية البلاغية،الا أنها تفتح آفاقا واسعة في المعاني والمدلولات.
وقصيدة الومضة،أو التوقيعة،تحدث عند متلقيها،قارئا أو سامعا،فجوة توتر شعري،وهي سمة شعرية تصاحب القصيدة الناضجة،هذه السمة يمكن من خلال قارئ نوعي حصيف للشعر أن تولّد عنده سمة أخرى ومهمة هي سمة الإنفجارية،إن كانت تلك الإنفجارية في الإيحاء،أو التأمل،أو الدلالة،إنها حالة الدهشة المتولدة من ذلك الإنفجار،ومن ثم تنتج متعة القراءة أو السماع،فيتم التبادل المبدع والمثمر بين الشاعر ومتلقيه.
شعرية التوقيعة في”أرض..متعطشة-”للشاعر التونسي -د-طاهر مشي
قد لا أجانب الصواب إذ قلت أنّ الشاعرالتونسي -د-طاهر مشي- يعد من أبرز الشعراء التونسيين الذين أبدعو في صياغة قصائد شعرية تداعب الذائقة الفنية للمتلقي..إلا أنه فأجأنا -بقصيدته المتميزة المعنون ب”أرض متعطشة” فقد اتكأ-في-هذه القصيد-على حقول دلالية محددة أبرزها : الوجود،والزمن..الأمة..الألم،والثنائيات الضدية..وقد سميت توقيعة،لأن الشكل الشعري يشبه التوقيع في الرغبة في الإيجاز،وكثافة العبارة،وعمق المعنى،فيحوّل عبر التوقيعة شعريته إلى خطاب اتصاليّ يثير انفعالات المتلقي،ويجعله يشاركه مشاعره،فتثير التوقيعة لدى المتلقي الدهشة،وتدخله إلى عالم الشاعر،وتنجم شعريتها عن موقف انفعالي،وقد تأتي في خاتمة المقطع أو القصيدة،وقد تكون القصيدةُ قصيدةَ توقيعة/ ومضة.
يقول شاعرنا الفذ-د-طاهر مشي :
زمجر الرعد في كبد السماء
نشق أديم الأرض مبتسمًا
مخاض
تأوهت الأمة من شدة الألم
صرخ الصغير في المهد وفاء
ذهب للغزو؛ فقد نبض قلبه

يقول جورج أورويل* “كل نكتة هي ثورة صغيرة”،حتَّى تلك النّكتة الَّتي تنقل شيئًا عن الحرب هي بشكل ما انقلاب على الحرب،رفض لبشاعتها وأساليب إبادتها. أسوق ذلك القول لأنَّ الشّعر أيضًا أحد أكثر أساليب السّخرية جديًّة وأنا بمواجهة سؤال مثل: ما الَّذي يفترض أنْ يكتبهُ الشَّاعر في زمن الحروب الشدائد والمحن؟
تقوم توقيعة-طاهر مشي-على فهم الحياة،وتحديد موقف منها.وهو ما يبدو واضحاً من الرؤيا التي يقدمها،ومن العتبة النصية “أرض متعطشة” وما تحيل إليه -الأرض-من معان تنضوي على رؤية تدخل في علاقة ضدية مع رؤياها.ومهما كانت نتيجة موقفها،فإنه محصلة العلاقة بين الشعر والحياة،وما يحكم هذه العلاقة من ملابسات.فالموقف من المجتمع والحياة يؤكد إنسانيتها،ودرجة توقدها.وفي-أرض متعطشة-تتضخم الأنا الشاعرة مقابل زيف الواقع،فتتمرد تمرداً شعرياً،لكي يشكّل الشاعر في النهاية نصه الشعري وفق رؤياها.
لا تقوم التوقيعة أو الومضة على شعرية الجملة الواحدة بل على شعرية الرؤيا في إطارها البنيوي.فيترتقي الشاعر(طاهر مشي) باللغة مشكّللا كلمات يرتفع مستواها الدلالي،وحين يتمكّن المتلقي من القبض على جوهر النص تحدث المتعة الفنية..
إن الشاعر التونسي–د-طاهر مشي–يسعى إلى البحث عن فضاء خاص،ومدار للحب،للأرض، للخصوبة، للعطاء،وبناء معبد بعيد عن معابد الآخرين معتمدا على التنافر بين عناصر الصورة،فيبدو للمتلقي أن طرفي الصورة متضادان من جهة الأثر الفني.وهذا التضاد من أهم العناصر المولدة لدينامية الصورة، لأنه يولّد الحيوية،ويجسّد التعارض بين القوى البشرية والواقع.كما أن صور التقابل والتنافر والتضاد يميزها الصراع بين نزعتين في الإنسانية.وقد ركز -الطاهر-على العناصر الشعورية والنفسية للتضاد،لتظهِر نقائض الذات في جدلها مع الواقع والزمن،ولتعبر عن توترها النفسي الحاد.
تمثل التوقيعة في قصائد الشاعر التونسي الألمعي طاهر مشي مفارقة شعرية.فكل توقيعة قصيدة قصيرة،لكن ليست كل قصيدة قصيرة توقيعة،لأن هذه القصيدة أشبه بالبرقية،تقدّم صورة واحدة،أو انطباعاً واحداً بإقتضاب شديد، يهدف الشاعر من خلاله إلى إحداث تأثير جمالي لدى المتلقي،وتقدّم لقطة سينمائية درامية تهتم بالإيقاع الموسيقي في التشكيل الفني.
لقد جسّدت توقيعته نسيجَها التهكّمي،وقد حوته واقعية المضمون الشعرية حتى أمكن للرؤيا أن تشع رؤياوياً،فتتخذ الومضة صورتين متقابلتين متضادتين بين الرؤية والرؤيا،الوهم والحقيقة،الحرية والأرض في بعدها الجمالي-مهد الإنسانية-..وحين تدرك الذات واقعها يغمرها شعور الإنفصال والإغتراب.فالتصادم والتوتر في الخطاب ناجمان عن التصادم بين الوحدة الدلالية التي تمثل اليأس،والوحدة الدلالية التي تمثل الإنتفاض.وتأتي التوقيعة في النهاية بؤرة شاعريةٍ وتوترٍ،تمثل محور الألم والوجَع وقطب التنامي،وتجسّد الإنفصال بين الذات الفاعلة والموضوع.
” تأوهت الأمة من شدة الألم..”
ركّز- الطاهر-على جمالية السياق،ليكون لخطابه-البرقي-وظيفة انفعالية تولّد وظيفة تنبيهية لدى المتلقين،يصل بعد السرد الشعري إلى لحظة الإدهاش.ولعل أجمل ما في شعرية التوقيعة أنها تولي أهمية كبرى للمتلقي،فتظهر الشاعر درجة من الذكاء تتطلب بالمقابل من المتلقي أن يكون على درجة عالية من النباهة،ليستوعب التوقيعة المتضمنة رمزاً وسخرية،والمولدة غير المُنتظر بالمنتظر على حد تعبير جاكبسون**-.
وأهم ما يميز التوقيعة السابقة نهايتها الخاطفة التي تبلغ عندها ذروة الختام،وهي متعالقة بشدة مع البداية،ونتيجة لها،لأنها تبلور الرؤيا الشعرية،وتجعلها في حال تنام داخلي إلى أن تصل إلى النهاية.وذلك كله بفضل الإنزياحات والإستعمال غير العادي للغة،فتأتي النهاية غير عادية،وهي” طرفة أسلوبية” يعتمدها الشاعر لتوليد اللامنتظر من المنتظر،فإذا بالكلمات القوية تتلاحم،والألفاظ المتنافرة تتماسك،ونصل إلى التوقيعة التي تثبت أن النظام اللغوي يجسّد النظام المعنوي لدى الشاعر.
ما يميز قصيدة الومضة الخيال المتأجج،والنأي عن الزيادات والحشو الذي لا طائل شعريا منه،والتركيز على الجمل القصيرة ذات الكثافة العالية،و المفاجأة التي ترافقها الدهشة،والوحدة العضوية القادرة على ايصال المعنى.
إن الومضة الشعرية هذه،أو التوقيعة-التي أبدع-د-الطاهر مشي- في صياغتها-،لا تنهض في الشعر الا على الرؤية،والرؤية البنيوية،حيث يختار الشاعر لغة تنسجم في مستواها الدلالي والرؤيوي التي يقدمها في ومضته أو توقيعته.
وسيميائية الومضة حاضرة بقوة في تجربة -د-طاهر مشي-،فهي إيقاع لأوجه مختلفة توصل كلها إلى قيمة واحدة،هي معادل سيميائي للقصيدة،الومضة..الأرض..الوطن..الوجود..الإغتراب..إلخ عبّر من خلالها عن رغبة في الحياة بطريقة أفضل.فالتوقيعة/ الومضة حاضرة بقوة،تمثل بؤرة الشعرية،ومبعث الألم الذي تعانيه،لأنها حافلة بالشحنات المنفعلة،والملتئمة بما هو جوهري وعام.ومن ثم تضفي على جماليات التشكيل الفني دفقاته الشعرية الكثيفة،فتحول الشاعر شعريته إلى خطاب اتصالي،ويثير بالتالي انفعالات المتلقي،ويجعله يشارك الشاعرفي فضائها الشعري حين يتفنّن في حسن الإختيار،وجودة التأليف،لتفجّر لغة شعرية عذبة،وومضة شعرية مدهشة.
أخيرا : القصيدة الشعرية “أرض متعطشة ”للشاعر التونسي-الفذ–د-طاهر مشي،جاءت لتلبي طموح الشاعر في قول ما يريد قوله بأقصر الطرق،وكذلك ليثري المكتبة الشعرية بقصائد الومضة التي بدأت تتسيّد المشهد الشعري في بلدان عربية كثيرة،لا نستثني تونس منها،لما لزماننا من تأثير كبير على ذائقة الشاعر والمتلقي…
ختاما،الشعر بالنسبة -للطاهر مشي-شرفة أطلّ منها على العالم بأوجاعه وأشجانه وأفراحه إن وُجدت، فكلّ قصيدة في-أشعره العذبة- كُتبت وانتهت حسبما شاءت.أي إنّه ليس وصيّا على القصائد إن وردت مميّزة بتكثيفها أم بتقصير في طولها،فالقصيدة تكتب نفسها وذاك هو الشعر.
سألته ذات لقاء خاطف عن قصيدة الومضة التي أبدع في-رسمها بفرشاة الإبداع-فأكتفى بالقول:"-قصيدتي الصغيرة -لا تملك إلا التمني وتسعى لعقد مصالحة مع قسوة ممتدة على مدى سنين طوال.."
*دمتَ-يا الطاهر-لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة..


*إريك آرثر بلير ‏ هو الاسم الحقيقي لجورج أورويل ‏ وهو الإسم المستعار له والذي اشتهر به. هو صحافي وروائي بريطاني. عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء وخفة الدم، والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية.
**رومان أوسيبوفيتش جاكوبسون،هو عالم لغوي،وناقد أدبي روسي (11 تشرين الأول 1896-18 تموز 1982) من رواد المدرسة الشكلية الروسية.وقد كان أحد أهم علماء اللغة في القرن العشرين وذلك لجهوده الرائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة والشعر والفن.


السيرة الذاتيى و الأدبية للشاعر التونسي طاهر مشي – آفاق حرة ...
الشاعر التونسي د-طاهر مشي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان


.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز




.. تشييع جثمان والدة الفنان كريم عبد العزيز.. وتعديل موعد العزا


.. ما اقدرش اتخيل البيت من غير أمى.. كلمات حزينة من الفنان كريم




.. الفنان كريم عبد العزيز يمنع التصوير منعاً باتاً في جنازة وال