الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمارٌ، وحمارٌ جداً

وليد الحلبي

2023 / 7 / 22
كتابات ساخرة


في تدوين الأدب العربي وتدبيجه، درج أدباء العرب وحكماؤهم على عادة رواية الحِكَمِ والأمثال على ألسنة الحيوانات - كما فعل ابن المقفع في كتابه (كليلة ودمنة)، أو الجاحظ في بعض كتاباته ككتاب الحيوان - ربما لأنهم كانوا يخشون سطوة الحاكم، ويخافون سوء العاقبة إن اشتُمَّ مما يكتبون أنهم يقصدون النيل من شخصية سياسية هامة، أو ربما لأنهم كانوا يعتقدون برجاحة عقول الحيوانات على من عداها من عقول بني البشر، أو لكلا السببين. فمن الأمثلة التي ترمز إلى التعلق بأذيال وعد ظاهره صدق وباطنه كذب وخداع، ظهَرَ مثَلُ الحمار والجزرة والعصا، وهو مثل يُضرب في الذي يتعلق بوعد يستحيل تحقيقه، فطالما أن الرجل الذي يمسك بالعصا التي ربطت في نهايتها جزرة يمتطي الحمار، فإن الحمار سوف يستمر راكضاً لاهثاً لقضمها، وأنّى له ذلك. عند هذا الحد تقف الرواية دون أن توضح نهاية قصة الحمار والعصا والجزرة، لكن بعض شهود العيان من الحمير الموثوق بصدقهم، يقولون بأن أخاهم الحمار – وبعد أن سار عدة أمتار – فهم اللعبة التي يمارسها عليه راكبه، وأبت عليه نفسه أن يضحك أحد عليه، حتى لو كان صاحبه، فاستند على قائمتيه الأماميتين، ورفع قائمتيه الخلفيتين في الهواء (في العامية (عنفص)، وألقى براكبه أرضاً، ثم هجم على العصا وقضم الجزرة المعلقة في نهايتها، ومن ثم هرب لا يلوي على شيء، وبذلك أثبت ذلك الحمار بأنه ليس حماراً جداً، بل هو حمار فقط.
من يقرأ التاريخ السياسي للمنطقة العربية منذ نصف قرن ، يدرك بأن ( الحمار جداً ) العربي مازال يركض لاهثاً خلف وعود علقها أمامه أمريكي وصهيوني يمتطيانه منذ منتصف القرن الماضي، وعود مثل : (عقد مؤتمر دولي لبحث القضية – الاعتراف المتبادل – كل شيء قابل للتفاوض – التفاوض دون شروط مسبقة – مكافحة الإرهاب – نبذ العنف – السلام خيار استراتيجي – رخاء شعوب المنطقة) وقائمة طويلة جداً من أسماء المؤتمرات (مؤتمر جنيف – مؤتمر شرم الشيخ – مؤتمر عمان – مؤتمر الرباط – مؤتمر واشنطن) وقائمة أطول من المعاهدات والاتفاقيات (معاهدة كامب ديفيد – معاهدة وادي عربة – اتفاقية فك الارتباط –اتفاقية أوسلو - اتفاقية واي ريفر – اتفاقية شرم الشيخ) وهلم جراً ، و(الحمار جداً) العربي يكِدُّ لاهثاً ليمسك بواحد من تلك الشعارات والمؤتمرات، لكن دون جدوى، إلى درجة أن عَتِب عليه الحمير الأسوياء - أمثال الحمار صاحب العصا والجزرة -، وهددوه بالتبرؤ منه أمام الله والتاريخ لأنه فضحهم، وجعل ألسنة جميع الحيوانات ( الذكية منها والغبية ) تلوك سمعتهم، وتعيُّرُهم بهذا الحمار العربي الغبي الذي يصدق كل ما يُقال له. بعد اجتماع طارئ لحمير العالم، أوصى المؤتمر كبيرَ سحرة الحمير بتحويل (الحمار جداً) العربي إلى ثور، ثم ربطه في ساقية لكي يدور طوال حياته في دائرة مفرغة لا يعرف لها نهاية. وهكذا أنقذ الحمير سمعتهم، وعادت الحيوانات جميعها تحترمهم وتتذكر كيف أن الحمار الغبي العربي لم يستطع أن يفعل – كما فعل حمار الجزرة – فيلقي براكبيه أرضاً وتنتهي المهزلة، فانتهى به الأمر إلى أن أصبح ثوراً يدور طيلة عمره حول ميدان الساقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا