الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغييب العراق في النزاع على حقل غاز آرش/الدرّة يقلل من فرص الدبلوماسية

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2023 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


النزاع على حقل للغاز بين إيران والكويت والسعودية {وتجاهل العراق} يكشف تعقيدات المشهد الجيوسياسي في غرب آسيا، لكنه يوفّر فرصة فريدة لحل نزاع بحري مهم باستقلالية تامة وبعيداً عن التدخلات الخارجية

هناك العديد من حقول الغاز والنفط المشتركة في الخليج الفارسي التي كانت في بعض الحالات موضع نزاع حول ملكيتها أو طريقة الاستخراج المشترك منها، مثل حقل الغاز المشترك بين إيران والكويت والسعودية.

منذ اكتشافه عام 1967، كان حقل غاز الدرّة/آرش مصدر نزاع بين إيران والكويت. أما العراق فلم يتحرك لإثبات حقه رغم أن اتفاقية أعالي البحار تضمن حق العراق في الحقل.
وعلى الرغم من أنه عراقي قبل أن تستحوذ عليه الكويت بقرار دولي جائر ، وأن جزءاً منه يقع بوضوح في المياه الإقليمية الإيرانية، إلا أن الرياض والكويت لا تعتبران أي جزء منه ملكاً لإيران، لكن طهران تطالب بما لا يقل عن 40 بالمئة منه. الخلافات الرئيسية بين الدول الثلاث {وتغييب العراق} دائرة حول عدم ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى.

حقل غاز الدرّة/آرش المشترك

في الظاهر، يعود النزاع حول حقل الدرّة/آرش إلى ستينيات القرن الماضي، عندها منحت كل من إيران والكويت امتيازاً بحرياً، أحدهما لشركة النفط الإنكليزية الإيرانية السابقة لشركة "بريتيش بتروليوم"، والآخر لشركة "شل" الهولندية المَلَكية. وتداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من الحقل، الذي تقدر احتياطياته القابلة للاستخراج بنحو 220 مليار متر مكعب (سبعة تريليونات قدم مكعب).

تفاوضت إيران والكويت على مدى سنوات حول ترسيم الحدود البحرية وكيفية تقسيم هذا الحقل، لكن ذلك لم يحقق نتائج. ويقع نصيب إيران من الحقل إلى الغرب من جزيرة خارك. وقد جرت الجولة الأولى من المفاوضات بين إيران والكويت لوضع حدودهما البحرية عام 1963.
في عام 2001 أرسلت إيران معدات التنقيب البحري إلى هذه المنطقة بهدف تحفيز وتشجيع الكويت والسعودية على التوصل إلى اتفاق حول الاستخراج المشترك، لكنها انسحبت بسبب معارضة الكويت.

التفاوض بين الكويت والسعودية حول هذا الحقل المشترك الذي بسبب حماقة صدام يقع في المنطقة المحايدة بين البلدين، ليس بجدية تفاوضهما مع إيران. وبعد سنوات من المفاوضات منذ مطلع الألفية، توصلت الرياض والكويت أخيراً في عام 2022 إلى اتفاق حول العملية المشتركة في هذا الحقل، وذلك على الرغم من توقف المحادثات مرة واحدة في عام 2013. واحتج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بشدة على الاتفاق الثنائي الذي حصل من دون وجود إيران ووصفه بـ"غير القانوني".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده إن "الخطوة الأخيرة المتخذة من قِبل الكويت والسعودية في إطار وثيقة تعاون تتعارض مع ما تم التفاوض عليه سابقاً، وهي غير قانونية".

الواضح أن الكويت، التي وافقت بالفعل في إطار صفقة سياسية على تطوير حقل الغاز بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، وقعت والمملكة الصفقة التي كانت "سياسية" بغطاء اقتصادي في مارس/آذار 2022 لتطوير حقل الغاز البحري.
وينص الاتفاق على إنتاج مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا و84 ألف برميل يوميًا من المكثفات.
  
وأصرت إيران على أن الصفقة الكويتية السعودية "غير قانونية" وأن تطوير حقل الغاز يجب أن يتم بالتنسيق بين الدول الثلاث متجاهلة العراق.

وتتزايد التساؤلات حول الدولة التي لها أحقية التصرف بحقل الدرة، فالصراع لم يتوقف عن الكويت والسعودية وإيران، بل انضم لهم العراق، على الاقل نتيجة قربه بصورة أو بأخرى من مياهه الإقليمية.

تصاعد النزاع مجدداً حول حقل الدرّة/آرش في أواخر حزيران/يونيو 2023. وخلال مؤتمر صحافي، أعلن رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خوجاستهمهر، أن إيران على استعداد تام لبدء التنقيب في حقل الغاز المشترك في الدرّة/آرش، وقد بحثت في توفير موارد مالية كبيرة لتنفيذ خطة التطوير.

وقبل ذلك، أشار إلى تطوير حقول النفط والغاز المشتركة كواحدة من أولويات شركة النفط الوطنية الإيرانية وأعلن الانتهاء من الدراسات الأولية والمسح الزلزالي لحقل آرش/الدرة.

بعد هذا الخبر، رفض وزير النفط الكويتي سعد البراك مطالبة إيران في حقل غاز آرش/الدرة واعتبرها مخالفة للمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. كما طلب من إيران بدء مفاوضات حول ترسيم حدودها البحرية. وقال مصدر مقرّب من وزارة الخارجية الكويتية إن "المنطقة البحرية التي يقع فيها حقل الدرة البحري هي جزء من المنطقة البحرية لدولة الكويت، والموارد الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية".

وبعد يوم واحد، في 5 تموز/يوليو، أكّدت السعودية مطلب الكويت ودعت إيران إلى ترسيم حدودها البحرية. حقل الدرّة/آرش مملوك بشكل مشترك من "المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما حقوق سيادية كاملة لاستثمار الثروة في تلك المنطقة".

لماذا حقل الغاز هذا مهم؟

من المتوقع أن ينتج حقل غاز الدرّة/آرش المشترك مليار قدم مكعب من الغاز يومياً، أي ما يعادل 84 ألف برميل من الغاز الطبيعي المكثف يومياً. لهذا السبب، يُعد هذا الحقل حالياً بالغ الأهمية بالنسبة للبلدان الثلاث، حتى بالنسبة لإيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي مؤكد في العالم بعد روسيا ولكنها لم تتمكن من استخدام قدرتها بسبب العقوبات الأميركية.

تتوقع إيران استخراجاً كبيراً من حقول الطاقة المشتركة. وعلى الرغم من أن إيران غنية بالغاز، إلا أنها تواجه مشاكل من حيث الاستهلاك المحلي والصادرات، ولم تتمكن من تصدير الغاز إلا إلى دولتين، هما تركيا والعراق. أما بالنسبة لتصدير الغاز إلى باكستان والهند، فعلى الرغم من تنفيذ مشروع خط الأنابيب على حدود باكستان، رفضت إسلام أباد الوفاء بالتزامها بسبب الضغوط الأميركية. كما بقي مشروع تصدير الغاز إلى عُمان مطروحاً.

بالإضافة إلى ذلك، تستورد إيران الغاز من تركمانستان ولم تتمكن من سداد ديونها لها عدة مرات بسبب العقوبات. وتسبب قطع الغاز من عشق أباد في انقطاعه وانخفاض الضغط في المدن الشمالية الشرقية في إيران.

تمتلك إيران حوالي 18 بالمئة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، وتحتل المرتبة الرابعة في استهلاك الغاز الطبيعي في العالم (بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين) وتستهلك حوالي 5,5 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي.

تتزايد هذه الكمية كل عام وتبحث السلطات عن طرق لزيادة الإنتاج. في الشتاء الماضي، واجهت بعض المدن الإيرانية نقصاً في الغاز، مما أدى إلى اعتذار وزير النفط للشعب. بلغ استهلاك إيران من الغاز الطبيعي في كانون الأول/ديسمبر 2021 حوالي 23,329 مليار قدم مكعب يومياً، والذي زاد بأكثر من 60 بالمئة مقارنة بعام 2010 أي 14 مليار قدم مكعب يومياً.

وفي ما يتعلق بإنتاج الغاز، شهدت الكويت ظروفاً أسوأ من تلك التي عرفتها السعودية وإيران. هذا البلد غني بالنفط، لكنه يعتمد على الواردات في استهلاك الغاز. في عام 2021، افتتحت الكويت أول منشأة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بطاقة 22 مليون طن سنوياً. اعتباراً من عام 2020، بلغ إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في الكويت 59,9 تريليون قدم مكعب وكان إنتاجها من الغاز الطبيعي (0,53 تريليون قدم مكعب) أقل من استهلاكها (0,73 تريليون قدم مكعب).

بالنسبة للكويت التي هي منتج رئيسي للنفط والغاز، كان الاعتماد على الغاز المستورد منذ عام 2008 لتلبية الاحتياجات المحلية قراراً صعباً اتخذته الحكومة. وتشير توقعات الطلب على الغاز إلى أن الكويت ستحتاج إلى 4,0 مليار قدم مكعب يومياً بحلول عام 2030 لتلبية الاحتياجات المحلية.

السعودية بحاجة إلى زيادة إنتاج الغاز لسببين هما: الدخول إلى مجموعة الدول المصدرة للغاز واستبدال زيت الوقود الثقيل الملوث والمستخدم في توليد الطاقة، بالغاز.

وتستخدم البلاد حالياً ما لا يقل عن 500 ألف برميل يومياً من زيت الوقود الثقيل لتوليد الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لتقرير صدر في كانون الأول/ديسمبر 2019 عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، من المتوقع أن يزداد الطلب المحلي على الغاز الطبيعي بنسبة 3,7 بالمئة سنوياً من عام 2017 إلى عام 2030. ولكن، وفقاً لعملية التحول الصناعي الواردة في رؤية عام 2030، هناك حاجة إلى زيادة إنتاج الغاز بنسبة تصل إلى 6,6 بالمئة كمعدل وسطي سنوياً في السنوات العشر قبل عام 2030، وذلك من أجل تلبية الطلب المحلي المدفوع بتزايد الطاقة والاحتياجات الصناعية.

ما الخطوة التالية؟

في السنوات الأخيرة، بحثت إيران في خطط جديدة لاستثمار حقول الطاقة المشتركة. تتقاسم إيران 28 حقلاً للنفط والغاز مع الدول المجاورة. وتحتوي هذه الحقول المشتركة على 20 بالمئة من احتياطيات النفط الإيرانية و30 بالمئة من غازها الطبيعي، بما في ذلك حقل بارس الجنوبي/ القبة الشمالية للغاز المكثف الذي تتقاسمه مع قطر.

إيران بلد ثوري، والدول الثورية تضع خطة عقائدية لمواصلة المسار، وفي حال مخالفتها، ستحمّلها شعوبها المسؤولية. إنهم يقدّرون المبادئ أكثر من المنافع المادية. أحد هذه المبادئ هو "الاستقلال". يعتبر الشعب الإيراني أن استقلاله مهدّد لأنه خسر سباق استثمار الغاز في حقل بارس الجنوبي لصالح قطر. وهم يضغطون على مسؤوليهم لكي لا يتخلوا عن موارد الغاز المشتركة. لذلك، يمكن القول إن إيران لن تتخلى عن مصالحها في حقل الدرّة/آرش بهدف الحفاظ على الشرعية الداخلية للحكومة.

قال رئيس مجلس إدارة جمعية شركات التنقيب عن النفط والغاز الإيرانية، هدايت الله خادمي: "لقد دخلت السعودية إلى حقل الدرّة/آرش وما زلنا صامتين. لذلك، يبدو أننا تخلينا عن الحقول المشتركة لصالح جيراننا". ومع ازدياد شعور الناس بالاستقلال في البلاد، من غير المرجح أن تتجاهل إيران مصالحها الوطنية في هذا الحقل، وستطالب بحصتها من السعودية والكويت.

لا يمكن أن تكتفي الرياض والكويت بـ "تصريحات" ضد حصة إيران. في النهاية، ومن أجل تعزيز الدبلوماسية وتخفيف حدة التوترات الإقليمية الذي سعت إليه دول المنطقة في العامين الماضيين، عليهما احترام مساهمة إيران. لا يمكن لمواصلة النزاع وإحالته إلى التحكيم الدولي أن يحلّا المشكلة لأن التحكيم الدولي يتطلب موافقة ثلاثة أطراف وطهران تبحث عن حلّ عملي بدلاً من الإجراءات القانونية التي تستغرق وقتاً طويلاً.

سافر وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خندوزي إلى السعودية في 11 أيار/مايو، وطالب خلال اجتماع مع مسؤولين سعوديين بالمراجعة والتفاوض بشأن هذا الحقل المشترك، لكن مسؤولين سعوديين زعموا أن الرياض ليس لديها حقل مشترك مع إيران لمناقشته. وهذا ما دفع إيران إلى الإعلان عن خططها المستقلة لعمليات التنقيب في الجزء الإيراني من الحقل المشترك.

ومن غير المرجح التوصل إلى استعراض اتفاق لترسيم الحدود البحرية في المستقبل. في الخليج الفارسي، يُعتبر ترسيم الحدود البحرية سياسياً أكثر منه تقنياً وقانونياً. من الصعب التوصل إلى اتفاق مشترك بشأن ترسيم الحدود البحرية بسبب انعدام الثقة وإمكانية تشكيل تحالفات عسكرية وسياسية جديدة متعارضة واكتشاف مصادر جديدة للطاقة في المستقبل والانخراط والتواجد السياسيين والعسكريين لدول من خارج المنطقة. بالطبع، هذا ليس مستحيلاً، إذ حددت السعودية وإيران حدودهما البحرية في عام 1698، ولكن من غير المرجح أن يحدث الأمر على المدى القريب وفقط من أجل حقل غاز الدرّة/آرش.

الحل الأسهل والأكثر انفتاحاً هو التوصل إلى اتفاق مشترك وتسوية ثلاثية للاستثمار المشترك من دون ترسيم الحدود، وعلى أساس الأنماط الدولية القائمة. في مطلع شهر آذار/مارس 2022، قال نائب وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية أحمد أسد زاده: "حتى لو لم يتم ترسيم الحدود، يمكن تطوير الحقل بشكل مشترك من خلال نماذج متّبعة دولياً".

ويمكن أن تتمثل هذه التسوية في الاتفاق على كيفية تقاسم التكاليف والإيرادات دون المساس بالسيادة الإقليمية، على غرار الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بين لبنان و"إسرائيل" بشأن التنقيب عن الغاز في حقل قانا. وفي بعض الحالات، كانت "مناطق التطوير المشتركة" هذه حلولاً قابلة للتطبيق في المناطق البحرية الأخرى الغنية بالنفط المتنازع عليه، لا سيما في جزر جنوب شرق آسيا.

ومن المرجح أن ترحّب الكويت بشكل خاص بهذه التسوية، نظراً إلى حاجتها الكبرى لموارد الغاز. بالنسبة للكويت، فإن حقل آرش/الدرّة هو بشكل رئيسي متعلق باتفاق حول استثمار موارد الطاقة، لأنها اتبعت على مدى عقود، سياسة محايدة تجاه إيران في منظومة الخليج الفارسي الفرعية، لكن السعودية تعتبره نزاعاً إقليمياً وتشكيلاً لأسس سياسية مستقبلية.

قد تشجع الكويت الرياض على التعاون مع طهران من أجل الحفاظ على التقارب الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية في آذار/مارس.

يشكّل حقل غاز آرش/الدرّة اختباراً لحلّ النزاعات الإقليمية من قبل دول المنطقة. أوضح هذا الخلاف أنه على الرغم من المصالحة بين إيران والسعودية، لا تزال هناك بعض القضايا الخلافية، لكن تغييب العراق يقلل من فرص اعتماد الدول الثلاث لموقف منطقي بإمكانه إثبات أن دول المنطقة تستطيع حل مشاكلها دون تدخل دول خارجية .
القانون البحري واتفاقية قانون البحار تؤكدان حقل الدرة بأكمله يعود إلى العراق وليس الكويت وليس السعودية.ومن مصلحة الدول الثلاث التفاوض مع العراق. إن محاولة عزل العراق عن الاتفاقيات المبرمة لاستغلال الحقل يجب أن تواجه بإجراءات حكومية لضمان الحقوق العراقية.
لحقل "آرش/الدرّة " أهمية استراتيجية كبيرة، ليس على المستوى الاقتصادي بحسب، بل كذلك على المستوى السياسي وبناء تحالفات اقليمية واستقطابات… والعاقل يفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال