الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في الدولة البيروقراطية والديمقراطية

فهد المضحكي

2023 / 7 / 22
الفساد الإداري والمالي


إن الفساد بوصفه انعكاسا لعلاقات القوة غير المتوازنة بين النخبة وبين مختلف شرائح المجتمع، في الدولة البيروقراطية له أنصار يتحدثون عن إيجابياته، وله خصوم كثر ينتقدون سلبياته. واللافت للنظر أن سُبل مكافحة الفساد في الدولة الديموقراطية أنجع وأيسر بما لا يقاس من وسائل مواجهة الفساد في الدولة البيروقراطية، كون الفساد في الحالة الأولى يبقى مقصورا على بعض الارتكابات الفردية بينما الفساد في الحالة الثانية يتحول إلى ظاهرة مزمنة، تكون تكلفة مكافحته باهظة جدًا. ونقلاً عن موقع haramoon، تناول الباحث السورى نبيل العلي هذه الإشكالية متسائلًا، لماذا يتفشى الفساد في الدولة البيروقراطية ليتحول إلى ظاهرة مدمرة للمجتمع؟ بدايةً يعتقد ربما يعود ذلك إلى تدني مستوى الأداء الاقتصادي والسياسي في الدولة البيروقراطية وإلى ضعف الدخول وعدم كفايتها، الأمر الذي يدفع بالبعض لاستغلال موقعهم الوظيفي، فيحللون ما هو محرم ويحرمون ما هو محلل، وربما ترجع ظاهرة الفساد إلى غياب الحريات الديمقراطية في ألدولة البيروقراطية وإلى ضعف مؤسسات المجتمع المدني وعدم فعاليتها، فضلًا عن غياب السلطة التشريعية أو تغيبها، وقد يعود السبب للقصور الذي تعاني منه السلطة القضائية في ظل غياب الشفافية والعلانية والمساءلة، وكذلك فإن الضعف الذي يعتري أداء الأحزاب السياسية قد يسهم بدوره في انتشار ظاهرة الفساد والتي قد تعود للأسباب آنفة الذكر مجتمعة. إن أسباب الفساد تتداخل مع نتائجه ومع حلوله، وعندما تعمد الدولة البيروقراطية إلى تخفيض سقف الرعاية الاجتماعية قد يدفع البعض لتعويض ما فقدوه من خدمات مجانية، وقد يكون هذا البديل الرشاوى، كما أن مركزية الإدارة المفرطة وتضخم الجهاز الإداري البيروقراطي، قد تكون سببًا لانتشار الفساد وتجذره في المجتمع.

لقد عانت الدولة البيروقراطية من الفساد الذي أثقل كاهل السكان وحوّل غالبيتهم إلى ما دون خط الفقر، ويبدو أن الفساد أشبه بالوباء الذي يعم النظم البيروقراطية وغير البيروقراطية ولكن بدرجات متفاوتة تضيق وتتسع تبعا لنجاعة الآليات المستخدمة في مكافحته. ويفترض بالدولة أن تخفف من بيروقراطية القوة التي يستخدمها الموظف للحصول على مقابل ما يعطيه للطرف الآخر من تراخيص وقروض… إلخ، والسبيل إلى تقييد احتكار السلطة من جانب المسؤول الحكومي يتأتى عبر إحداث مكاتب للشكاوى العامة بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى شفافية القوانين والأنظمة النافذة، فضلًا عن تشديد الرقابة على ارتكابات بعض الموظفين غير المشروعة، ولكن من العبث التفكير بأن الدولة البيروقراطية ستقدم على تطبيق مثل هذه الإجراءات المقاومة للفساد. إن زيارة الوعي العام بالمخاطر التي ينطوي عليها الفساد وبتشريع قوانين صارمة ورادعة على المستويات كافة، وبتفعيل آليات المجتمع في ممارسة الرقابة والمساءلة لأجهزة الدولة تعطي إمكانية تضيق رقعة الفساد إلى الحدود الدنيا، الدولة البيروقراطية وإن كان الفساد لاينتهي منها تمامًا. إن الرابطة الإيديولوجية، ولنقل الانتماء الوطني والالتزام بقضايا الجماهير، كفيلة باجتثاث الفساد من جذوره، بيد أن افتقار ألدولة البيروقراطية لهذه القيم جعل من الفساد بعينه الرابطة التي تجمع بين أنصاره ومنتفعيه وهذا ما يجافي المنطق، إذ إن الفساد في الدولة البيروقراطية يوحد بينما الفساد في الدولة الديمقراطية يفرق، أي أن الفساد في ألدولة البيروقراطية يوحد، النظام السياسي ببطانته وأعوانه، وبهذا التحالف غير المقدس يحافظ النظام على نفسه ونفوذه ومكتسباته ولو إلى حين، وبالمقابل يستمر مرتكبو الفساد في ممارساتهم غير المشروعة أيضًا إلى حين. والفساد سواء أكان في الديمقراطية أم في ظل ألدولة البيروقراطية، مرفوض أخلاقيا، لأنه في واقع الأمر انتهكًا صارخًا وعدوانًا آثمًا على منظومة القيم الاجتماعية، والأمل يبقى قائمًا أن تتوالد في أحشاء الفساد حركة إصلاحية تنشد العدالة والمساواة وتقاوم الظلم، وتسعى لتفكيك مرتكزات الدولة البيروقراطية وتحويلها إلى دولة ديموقراطية. وتأسيسًا على ما سبق فإن انتشار ظاهرة الفساد يحد من الحراك الاجتماعي نظرًا لعدم محاسبة مرتكبي الفساد وإدانتهم، وتجد في أوساط المجتمع وهم كثر، من لايبالي بما يحصل في البلاد من فوضى وتسيب ورشوة ويكتفون بمراقبة فضائح الفساد، وكأنه يشاهد مسرحية لا علاقة له بها، إلا في الحدود التي تتأثر بها مصلحته ولا يكترث بما يجري في بيئته المحلية باستثناء ما تؤديه له المؤسسات البيروقراطية من خدمات، حيث يحول الفساد دون تحقيق التنمية المنشودة ودون تحقيق الكفاءة الاقتصادية، بالإضافة إلى كون الفساد يضعف آليات الديمقراطية، فيعزز من سلطة الأغنياء وسطوتهم ويزيد من نسبة المهمشين اقتصاديًا وسياسيًا، ناهيك عن هدر المال الأموال العامة وتبديدها.

ومن أهم ما خلص إليه، ينتشر الفساد في جميع أنواع النظم السياسية وبدرجات متفاوتة وإن كان البعض يقلل من حجم الفساد في الدولة الديمقراطية، ويعظم من شأنه في الدولة البيروقراطية وفي الدول ذات الأنظمة الشمولية. ويكاد لا يختلف اثنان على كون الفساد تحول إلى ظاهرة مزمنة في الدولة البيروقراطية وإلى حالة فردية في الدولة الديمقراطية، لأسباب تتعلق بفساد السياسة أو بسياسة الإفساد. إذا كانت تعني الحرية والمساواة والمشاركة وسيادة الشعب واحترام حقوق وحريات الإنسان وتطبيق النظام العام والفصل بين السلطات وإذا كانت الديمقراطية والفساد علاقة تناحرية، أي طالما إن الديمقراطية تنطوي على منظومة قيمية جمعية، لابد وأن تكون العلاقة بينهما وبين الفساد عكسية، ومنطقيًا كلما اتسعت مساحة الديمقراطية انحسرت مساحة الفساد وإذا كانت الأمور تسير على هذا المنوال فلماذا تعاني الدول العريقة بالديمقراطية من الفساد؟ ولاسيما وأن الديمقراطية تختزن في ذاتها عناصر جديرة بمقاومة الفساد واستئصاله من جذورها ومنها: الانتخابات الحرة، وجود سلطة برلمانية فاعلة ومؤثرة، وجود سلطة تنفيذية قضائية مستنيرة ومستقلة، وجود رأي عام مستنير.

والإشكالية هنا لا تمكن في دلالة الديمقراطية، وإنما في ممارسة الديمقراطية وكيف يعتاد الناس على التعامل مع بعضهم بعضًا وفقًا لاستحقاقاتها، ولكن حين يعتاد الناس على ممارسة الديمقراطية فإن ذلك لن يحصل بين يوم وليلة، وإنما يتطلب مزيدًا من الوقت والجهد لإنجازات التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي غالبًا ما تترافق ببعض مظاهر الفساد والتي تتنوع وتتلون وتضيق وتتسع تبعًا لعمق الإنجازات المحققة، والتي لابد لها تنقل الفساد من حقل الظاهرة إلى حقل الفردية المحدودة. وإذا كانت مساحة الفساد محدودة فإن مواجهته أيسر وكشف أسبابه أسهل، وتصفية آثاره أسرع، أما إذا تفشى الفساد وتحول إلى ظاهرة عامة فإن مواجهته تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين فضلًا عن أن تكاليف القضاء عليه تكون مكلفة جدًا للمجتمع. إن تمسك كل مواطن بحقوقه التي يتفرع عنها كل حق منها أربعة واجبات هي: وعي ومعرفة الحقوق، ممارسة هذه الحقوق، حماية الحقوق والدفاع عنها، مراعاة حقوق الآخرين، وإذا ما أدى كل منا واجباته فإن مسألة الفساد ستنحصر إلى الحدود الدنيا بغض النظر عن طبيعة الدولة ديمقراطية كانت أم بيروقراطية.

إن القوة والسلطة في الدولة الديمقراطية تتمركزان عادة بيد الأجهزة البيروقراطية، حيث البرلمانات ليست هي مراكز السلطة بل تسيطر على «دولة القانون» أجهزة إدارية بيروقراطية وقد وجد نموذج «دولة القانون» مرتسمًا له في الثقافة السياسية للمجتمع الغربي الذي ورث عن الماضي مؤسسات ديمقراطية ليست من صنعه، وإنما فرضت عليه فرضا على الأخص في ألمانيا التي شهدت تحولات سياسية واقتصادية بطيئة ومتدرجة بعيدًا عن الثورات الدراماتيكية التي حصلت في إنكلترا وفرنسا. ومن الملاحظ أن بعض المجتمعات الغربية تستمد قيمتها الديمقراطية من الدولة التي تتوالى في هذه المجتمعات مسؤولية تقديم بعض الخدمات الاجتماعية لجميع الناس دونما تمييز. وإذا ما حصلت بعض الاضطرابات السياسية غالبًا ما يرجعها الرأي العام للسياسيين، إلى الأفراد وليس إلى المؤسسات التي طالما تبحث عن الحلول الوسط. إن «دولة القانون» أو دولة المؤسسات هي التعبير الأمثل للديمقراطية، بل حققت سبقا على مفهوم الديمقراطية نفسه علمًا بأن الفساد يتناسب طردًا واتساع تدخل الدولة في الشأن العام، الأمر الذي يضعف الحكم، فعندما تتسع خدمات الدولة وتكثر مشاريعها العامة لابد وأن يترافق ذلك ببعض مظاهر الفساد، ولهذا يقترح بعض خبراء الإدارة إعطاء حوافز تشجيعية للقطاعين العام والخاص من جهة والحد من برامج الرعاية الاجتماعية من جهة أخرى. وبذلك يمكن تخفيض سقف الفساد في الدولة الديمقراطية ولكن عندما تتخلى الدولة عن الرعاية الاجتماعية قد يدفع ذلك بالناس للبحث عن بديل لتوفير الخدمات الاجتماعية وقد يكون هذا البديل هو تقديم الرشاوى وقبولها. وهكذا يبدو أن الفساد أشبه بالوباء الذي يعم النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، إلا أن مساحة الفساد في الدولة الديمقراطية تضيق بتأثير الإعلام الحر الذي يسهم في الكشف عنه وفضحه. في حين تتسع مساحة الفساد في النظم الاستبدادية نتيجة عدم احترام القوانين، ناهيك عن الرقابة على السلطة الرابعة «الصحافة»، الأمر الذي يجعل من الفساد ظاهرة مزمنة يتضرر منها عموم الناس الذين يصابون باليأس والإحباط، فيعزفون عن المشاركة في الانتخابات العامة التي يتقدّم لها مرشحون هاجسهم الوحيد منافع شخصية بطرق غير مشروعة. وهكذا حيث تسود حرية التعبير وحيث تنتشر الانتخابات الحرة والنزيهة وحيث تأخذ دورها مؤسسات المجتمع المدني فإن مساحة الفساد تضيق إلى الحدود الدنيا، ورغم أن هناك بعض بلدان العالم الثالث فيها ديمقراطية كالهند مثلًا ولم تتخلص من الفساد رغم وجود المؤسسات الديمقراطية فيها، إلا أن العلاقة بين المؤسسات الديمقراطية والفساد تعتمد إلى حد كبير على طبيعة الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي يمكن أن تسمح بهامش معين من الفساد، أو أن تسهم في تصفيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة