الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منى عبد الناصر والإشتراكية على الطريقة الناصرية

رضي السماك

2023 / 7 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من المعروف أن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وعلى عكس نظرائه رؤساء الجمهوريات العربية التي تنافسه في رفع الشعارات القومية، والذين سعوا إلى توريث الحكم لأحد أبنائهم، وغالباً مايكون الأبن الأكبر، لم يسع إلى توريث الحكم طوال حكمه الذي أستمر نحو 18 عاماً، بل حرص أشد الحرص على إبعادهم عن شؤون الحكم وعالم السياسة.وبقدر ما كانت تلك مزبة تُحسب له، إلا أنها قد تكون نابعة من طبيعة وتكوين شخصيته الأستبدادية، ليس في السلطة فحسب، بل حتى داخل البيت كرب اُسرة ، وقد رُزق عبد الناصر وزوجته تحية كاظم بثلاثة أبناء وابنتين: خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم وهدى ومنى. ومع ذلك فقد تباينوا في درجة أهتماماتهم بالسياسة، ومع أن جميعهم كانوا يكنون الود والأحترام لأبيهم، و يدافعون عن سيرته السياسية في الحكم، إلا أنهم أختاروا العمل في عالم "البزنس" والمال، باستثناء الدكتورة هدى التي كرست حياتها لجمع ونشر كل ما يمكنها من أرشيف أبيها الفكري والسياسي. في حين كانت منى أبعدهم عن السياسة،إذ أتسمت تطلعاتها في الحياة بحُب البذخ ، وبأن تعيش مع زوجها المغدور أشرف مروان نمطاً برجوازياً بلا مواربة، مما يناقض نهج والدها الذي تبنى في مطلع الستينيات من القرن الآفل نمطاً إشتراكيا فريداً من نوعه في الأنتقاء والحذف والإضافة من الفكر الماركسي الذي أقتبس منه لتصميم أيديولوجية نظامه الجديد في أوائل ستينيات القرن الماضي . وقد ظهر ذلك التناقض بوجه خاص فيما روته عن تحضيرات ووقائع حفل زفافها إلى أشرف مروان في الحوار الذي أجراه معها الإعلامي عمرو الليثي، حيث تحدثت منى على سجيتها وبأريحية وبشكل صريح عفوي، ما يعكس تطلعاتها البرجوازية الصرفة، لاسيما عند تطرقها إلى ترتيبات حفل زفافها الباذخ، فمع أنها تصف والدها بأنه "صعيدي" ولم يتخلص من رواسبه المحافظة في الألتزام ببروكولات وتقاليد الخطوبة، إلا أن ما حدث ليلة حفل زفافها كان مناقضاً تماما لما نعتت به والدها ، إذا وصفت الحفل بأنه كان كبيراً جداً، وأن مهرها بلغ ألف جنيه، ووصفته بأنه غال جداً بمقاييس ذلك الزمان (1965) حيث كانت مصر حينئذ تعيش في ذروة تطبيق التأميمات "الإشتراكية" التي كان يقوم بها عبد الناصر بحق كبار الملاك الرأسماليين والأقطاعيين، مع أن مروان كان ينحدر من عائلة اُممت أملاكها. وفي الوقت الذي رفض فيه أبوها طلبها بتوظيف زوجها مروان بُعيد تخرجه من الجامعة، فإنها تعترف أن أباها لم يعترض عندما علِم بلجوئها إلى صديقه الحميم فائد الجيش المشير عبد الحكيم عامر(بطل هزيمة يونيو 1967) ليساعدها في الحصول على وظيفة له، حيث عيّنه في وظيفة ملازم أول في الجيش، لكن عبد الناصر لم يرَ في ذلك شكلاً من أشكال الفساد الذي كان -كما يُفترض - أحد الأسباب الذي قامت ثورة يوليو لمحاربته وتطهير جهاز الدولة من شره ، بل كان إن واحدة من نتائج ذلك الفساد الذي كان ينخر في قيادة الجيش-كما نعلم- ليس هزيمته في حرب يونيو/ حزيران 1967 فحسب، بل تحول زوجها الذي عُيّن فيه أعتباطياً بشفاعة من المشير عامر إلى عميل أمين لجهاز الموساد الأسرائيلي، رغم ما اُثير من جدل عنه بأنه كان عميلاً مزدوجاً للمخابرات المصرية والأسرائيلية، وهو ما نفته إسرائيل لاحقاً مراراً وأصرت على أنه جاسوسها المخلص لها وحدها دون غيرها، ناهيك عن أنه كان وفياً للرئيس أنور السادات، الذي مسح كل ما يتعلق بشعارات وانجازات لعبد الناصر وأهال عليها التراب وأستدار نحو اليمين في الداخل ومنفتحاً ومراهناً على الولايات المتحدة والغرب في الخارج !
كما حرصت منى أيضاً بأن يكون حفل زفافها مميزاً بكل المقاييس عن حفلات شقيقتها هدى وأشقائها، فلئن صح أن والدها عُرف بأسلوبه المتسلط داخل اسرته كأمتداد لطبيعة وتكوين شخصيته الأستبدادية في الحكم، فإن مشاعره وعواطفه الأبوية جعلته "ديمقراطيا" لأبعد الحدود في تلبية كل ما تريده ابنته منى من تحضيرات لحفل زفافها، إذ لم تكتفِ بدعوة صديقاتها وزملائها بالجامعة، بل أشترطت على أبيها دعوة الراقصتين الشهيرتين سهير زكي ونجوى فؤاد للمشاركة في أحياء الحفل، كما تمت دعوة السيدة اُم كلثوم وعبد الحليم حافظ لتأدية فقرات غنائية في ذلك الحفل الأسطوري البهرجي الكبير. كما طلبت منى تزيين كل أشجار الكافور في منطقة منشية البكري الواقع فيه منزل الأُسرة بالزينة الضوئية المتعددة الألوان، وقام بهذه المهمة الحرس الجمهوري! أما الوالدة السيدة تحية كاظم التي عُرفت برزانتها وبساطتها طوال حياتها الزوجية، فلم تطلب سوى دعوة فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" الأستعراضية الفكاهية التي اُشتهرت في الستينيات، وكانت مكونة من الممثلين الضيف احمد وسمير غانم وجورج سيدهم، بأن يؤدوا فقرة من المسرحية التي غنوا فيها" دكتور ألحقني المغص جوه في بطني" ، على حد تعبير ابنتها منى نفسها. في حين حرص الوالد على دعوة أصدقائه الأعضاء في مجلس قيادة الثورة وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة والجيش. وبطبيعة الحال لا يُعرف كم وصل المبلغ الكلي لنفقات الحفل، بما في ذلك ما تقاضاه الفنانون من مكافآت مالية، نفحه إياهم رئيس الجمهورية.
والحال أن المتأمل المتمعن جيداً فيما جرى في حفلة زفاف منى عبد الناصر سيستخلص نموذجاً فريداً من نوعه لما كان الحكم الناصري يشوبه من تناقض بين الوفاء لمبادئه الإشتراكية، وبين ما كان يسود داخل جهاز الدولة من غض النظر لأشكال من الفساد وممالئة للفاسدين في الحكم " الإشتراكي"، بل وبمشاركة الرئيس -بوعي منه أو بدون وعي- في بعض أشكال الفساد السياسي، كما وجدنا ذلك في تجهيزات حفل ابنته منى التاريخي، وما اُنفق خلاله من بذخ وإسراف، دون أن يرى في ذلك فساداً !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب


.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما




.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس