الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراسُ آيَتْ وَرَايَنْ

عبد الله خطوري

2023 / 7 / 22
الادب والفن


رغم أن موسم الأعراس في الأوساط الشعبية عادة ما يبدأ في الشهر السابع من الشهور الشمسية، فإن حالة من "الاحتشام" تُلاحظ في السنين القليلة التي خلت في بلدات تاهلا وأهرمومو والجوار، على غرار بقية المعمور المغربي (لعل هذه حكاية تانفوست أخرى تلعب فيها عدة عوامل ذاتية وموضوعية دورا في تراجع منسوب آحتفالات الأعراس، بل ومنسوب الزيجات نفسه مما يطرح أكثر من علامة آستفهام بخصوص هذه الظاهرة الاجتماعية ... )، إذْ يلاحظ أنه لم تنطلق بعد حملات المواكب المتتابعة المعهودة هنا هناك في الأزقة المحفرة والدروب المتشعبة والشعاب الملتوية والمسالك المتربة المتفرقة والموزعة عبر أرجاء المكان بفوضى لم تخضع لهندسة منظمة أو لذوق جمالي مضبوط أو لاتفاق مسبق بين التجمعات السكانية .. كل يغني ليلاه كولشي يلغي بلْغاه (١) في مجال البناء والعمران العشوائي الفوضوي بطريقة تثير النفور والامتعاض والتقزز .. "الشوارع" في أواخر هذا الشهر السابع فارغة لحد كتابة هذه السطور من مؤشرات وعلامات المسمى أعراس، حتى وإن صادفتْ أذنك رائحة ما لإشهار ما، فإنه يكون بطريقة بعيدة عن تقاليد البلد بمراسيم مشوهة لا علاقة لها بأهل الجبال ولا بأمازيغ أي مكان في أي بسيطة .. أصبح من العادة أن تجد مجموعة مراهقين يصخبون بلغط الكلام يُحَرفون الأصوات يجأرون بحناجر لم تستوِ بعدُ نبراتها العرجاء تراهم يهوهوُون يتهارشون في مواكب هجينة المقام والألوان والنظام أقرب إلى مسخرة عبث طردة مراهقي التاسعة إعدادي الذين لم يبلغوا رشدهم ولن يبلغوه ولو بعد حين، في ضرب جماعي سافر لثوابت تراث المنطقة المتوارث عن الأسلاف .. فما علاقة بلدات أهرمومو تاهلا وجواراتها نآيت وراين بطبل وتعاريج وزَمْر غيطة ونفخ دقة ولوازم لغو تصك آلآذان تُقال يتشدق بها الرعاع من صبيان فاشلين في حياتهم الدراسية وغير الدراسية يتندرون بسيئ الحركات يغمزون يلمزون يهمزون يشيرون بالبنان يثيرون المقالب يقرقبون الناب يقهقهون بمناسبة وغير مناسبة وسط جوقة لاغبة من نساء بآسْم العرس ومحفله الخاص آنخرطن في كرنفال حركات مائلة مائعة وقهقهااات لاغطة بما عهدتَ أيها القارئ ولم تعهد في تقليد سافر أعرج أعمى أهوك لما يُرادُ لأغلبيتنا تتبعه وجعله قدوة مما يُعرض على شاشات آسمها للأسف وطنية من مبادئ " لَالَّاهُمْ العروسة " بعماريتها المستوردة وعفاريتها الذين يطوفون بآمرأة رجل زوج _ يا حسراه _ ذات الشمال ذات اليمين والجميع باسط ذراعاته بوصيد سطوح ورحبة قاعات تستنزف عرق المغفلين من أولياء الأمور المغلوبين على أمرهم .. وتصعد العروس يتبعها وَفيُّها وطائعها العتروس (٢) اااه عفوا العريس تعتلي حَرَمه المرتقبة الأدرج مُرَفَّلَةً في تكاشيط نكافة آنتفخت أوداجُها من شدة التكناف والتعياط (٣) وتخمة شَبَعِ أموال يقفو بعضها بعضا في سيل عارم يسيح بإسهال مَرَضي من جيب الموظف المسكين أو العسكري الذي صدق وسلم أمره مرغما أو طواعية لمقولة ادخل سُوقْ جْوَاكْ (٤) أنت لا تعرف شيئا هنا وهذا من شغل النساء فَرَكَنَ عقلَه الخائبَ في جانب ونفْسَه في زاوية مهملة كسيارة 404 مهملة موضعها متلاشيات لافيرايْ المآرب لا المناسبات العامة .. يحدث هذا علنا جهارا آفتخارا إشهارا سُعارا جماعيا يباركه الجميع بالتأييد والتصفيق والتصفير والتصدية والمشاركة والتفاعل الهجين المهجن والرفض الصامت المنكس المتخاذل، للأسف يُسمح فيه ما لا يُسمح عادة في الأزمنة غير العرسية مما يعكس تضاربا في السلوك وآنفصاما في عُرَى شخصيتنا الجماعية المليئة للأسف بالمتناقضات وسخرية "افعل .. لا تفعل .. ".. أين كل هذه الفوضى العارمة من نبرات أمهاتنا التليدات الموشومات بجينات بصمات الأصالة :

فْغَدْ غْرِي فْغَدْ غْرِي
آلالا الحورية
إيلْ تْرُو إيلْ ترو إيلْ تْرُو إيلْ ترو
آلالا الحورية
آلالــي سْييطْ أمَــلَّالْ
آلَالـــي يْضَــوَّى وَمْشَــانْ
آلالِـــي تْفُــوشْتْ تِـيـرَى
تْــزِيــري تْــعَــلَّا
غَـارَشْ آمُـولايْ السلطانْ ...
ليغَنْ دي لَبْعيــدْ
يْخَلْطَـنْ أومَزَنْ
أيـاسْغَـدْ إي يُـوبْـريـدْ
أيَـا فْغَـدْ الشرفَـا
دْكَمَّــاسْ لْـمْـرَاحْ
فَـارْحَمْت آكِيــدِي
أتَـاوْمَتينْ إينُــو
أتينـي يَعْنَـانْ
إيغْ إيسْلانْ إي مَمِّـي
أدْعَـامْتْ أَكِيــدِي
يَــزَاوْرَاسْ الخيرْ
سَـسَّـاعْـدْ نِـيعَـلَّانْ
آلالِـــي تْفُــوشْتْ تِـيـرَى
تْــزِيــري تْــعَــلَّا
غَـارَشْ آمُـولايْ السلطانْ ...
ليغَنْ دي لَبْعيــدْ
يْخَلْطَـنْ أومَزَنْ
أيـاسْغَـدْ إي يُـوبْـريـدْ
أيَـا فْغَـدْ الشرفَـا
دْكَمَّــاسْ لْـمْـرَاحْ
فَـارْحَمْت آكِيــدِي
أتَـاوْمَتينْ إينُــو
أتينـي يَعْنَـانْ
إيغْ إيسْلانْ إي مَمِّـي
أدْعَـامْتْ أَكِيــدِي
يَــزَاوْرَاسْ الخيرْ
سَـسَّـاعْـدْ نِـيعَـلَّانْ (٥)

أهازيج طالما رددتها جداتنا أمهاتنا عماتنا خالاتنا ونساء أخريات من الأعالي ببحات اللوز المر والحلو ونسائم أشتال وصَبَا رياح الزعتر الحريف اليخضبُ كثافة سمك جبن ماعزنا الأرعن .. كانت لَمّة عرسنا إيسلاننا وشاتنا وإمختاننا (٦) تجتمع ملمومة ما بين أصيل ومغيب في حِضن دور الترب من لملاما وفحص فُوَيْقَ أودية الهضاب والتلال والجبال بشباب إيتَرّاسَنْ (٧) في حيااااء يذرعون فجاج الوهدات خفافا كأجنحة طير بهاء يُعِدُّون يستعدون وقد توزعوا بين سَاقٍ على ظهر بغال وبين مَنْ يصعد وهدةً عقبة (تْسَاونتْ) ويهبط مُنْحَدَرا (تاكسارت) ذهابا إياب من بيدر (آنْرَارْ وَخّامْ) (٨) إلى تابْحِيرْتْ نَسْوَادَّا (٩) أو عَرَصَة (لَعْرِي) رسوم أطلال نلخوارب حيث بُستان يانع يافع مترع بأعشاب نعناع وتوابل قصبر معدنوس يرحب بالراغبين والواردين، وبين مَنْ يتفحصُ العتاد والعُدة المُوزعة على إيخَّامَنْ (١٠)، يأتي بكيت وكيت من الحاجات تتطلبها المناسبة في وقتها وزمانها المناسب من سخرة ما طارئة أو غير طارئة .. ولما يأتي موكب عروس (تاسْليتْ) بُعَيْدَ آلعصر بقليل، تقوم قيامة المهللين المرحبين آدْ يَكَّرْ _ وافرحتاه _ "أُوزَارَمْ" زغاريد (سْتِيليلا) سالصلاة خَالنبي النبي، تتعالى التهاليل تختلط نبرات النسوة بحناجر الرجال بصخب الأطفال بلغب جديان صغار هالهم الجو المشحون المتحفزُ، يشرعون يبحثون عن أمهات لهم تالفات هائمات خارج الزرائب بين قطيع وقطيع، بينما تطفق الكلاب تجأر بالنباح تُرَجِّعُ صَدى عواء ذئاب أبناء آوى التي تحاول عبثا أنْ تأويَ خارج مداراتها الحيوية بحثا عن غنائم تجودُ بها ظلماتٌ تسترُ آلخطوَ تُوهِـمُ الأثرَ .. أدواح حور أبليليسْ وآضرضارْ والعرعر وزيتون آزمور وكستناء الأدهمُ الأخضرُ، يكونون هناك في الموعد باسقين منشرحين كعادتهم، ينثنون متدللين وهبات غربية خفيفة تداعب أفنانهم المتعالية السامية المنشرحة أبدا تتمواج ونغمات دقات وقع بنادير لم تُصنعْ (مِيدْ إينْ شِينَا) بل دُعِكَتْ للتو فُركَتْ مُدِّدَتْ صُقِلَتْ شُذِّبَتْ سُوِّيَتْ عُرِكَتْ ثُقِّفَتْ خصيصا للمناسة من لدن فلاح حِرَفي أو راع خبير أو هاو محترف مُبتلى مَبْلي بشغف حضور الأعراس عرّيف فاهم عليم متبصر محنك تتقن يداه ما تفعلان، فإذا بالأرياف تهتز والأكتاف تساير الإيقاع المضبوط الهادئ في ثقله الرصين في رشاقته، لا لجب لا صخب لا نغمة نشاز لا همز لا لمز لا خطل لا خليط من ذاك وذا ... في همة ونشاط يحتفلون يفرحون يضحكون يتندرون يُشهرون بالعلن الجهير يزفون الزوجة لزوجها والزوج لزوجته بحيوية جدية الناضجين قبل الأوان المتبصرين المستبصرين الراشدين المحبين المتحمسين لإنجاح المجمع العائلي القشيب، والعوائل مع بعضعها تتعالق تجدد لقاء التعارف تعطي العهود والمواثيق لمزيد من الانصهار في نسغ واحد يذوب سلسلبيله في عروقنا جميعا .. وهيتَ لك من الكلام عطيني نعطيك طيلة الليل حتى تبزغ الشمس (آلْ يَالي واسْ) ما كانْ لَكْ غير آراتْ القهوة سَوْجْدَتْ آتاي وقُووولْها وضْحَكْ عليها (١١) ... أين كل هذا من هرج بلدات مستحدثة تشبه القرف والفضاعة والمسوخ يحاول حمقها تقليد ما لا يُقلَّدُ فتقع العوائل فريسة الأوهام والسخافات والشعارات الجوفاء والجُمل الجرداء المتشدقة بالتطور والتحديث وما إلى ذلك من زعاف المَدَنية الحديثة التي أثقلت كواهلنا وأرهقت صدورنا وأبعدتنا عن صفاء هوائنا النقي الرائق الذي جعل ينحسر شيئا فشيئا حتى إنك _ ويا للهول _ تجد مَنْ ينفر ويشمئز ويتنصل من سماع ما يذكر بتراثنا الأصيل .. نعم .. يقع هذا في بلدات الجبال .. والأمر يستفحل يوما عن يوم وإنْ لم نعمد إلى آستعادة دمائنا الأصيلة داخل عروقنا، فإن الانحدار الجماعي من سمو الأعالي سيستمر مريرُه في آنجراف هادر لأرواحنا نحو قاع هُوًى لا قرار لها، وعند آصطدامنا في يوم سيأتي قريب بهذا القرار، لن نجد غير أنفسنا بين حُطَمَة البوار وركام وسخ لا نظافة بعده لا لا .. فلنحذرْ جميعا من هذا الطوفان المغري الجارف لمصائرنا الأمازيغية الوراينية الجماعية .. آرَّتْ البالْ آتَاوْمَات آرَّتْ البَالْ .. (١٢)

☆إشارات :
١_كولشي يَلْغي بَلْغَاهْ : الكل يلغو بلغوه
٢_العتروس : ذكر الماعز
٣_التعياط : الصراخ في الأعراس لإشهار العروس
٤_ادخل سُوقْ جواك : اهتم بشؤونك الخاصة لا تتدخل فيما لا يعنيك
٥_فْغَدْ غْرِي آلالا الحورية : اظهري أيتها الحورية الجميلة
_إيلْ تْرُو إيلْ ترو : لا تبك يا حوريتي
_آلالــي سْييطْ أمَــلَّالْ : وافرحتاه بليلتي المنيرة
_آلَالـــي يْضَــوَّى وَمْشَــانْ : وافرحتاه قد سطع نور المكان
_آلالِـــي تْفُــوشْتْ تِـيـرَى : وافرحتاه لقد أشرقت الشمس
_تْــزِيــري تْــعَــلَّا : والقمر منير هناك
_غَـارَشْ آمُـولايْ السلطانْ : في حِضن عريسنا سلطاننا المبجل
_ليغَنْ دي لَبْعيــدْ : كنت بعيدة
يْخَلْطَـنْ أومَزَنْ : عندما جاء البشير
أيـاسْغَـدْ إي يُـوبْـريـدْ : فلبيتُ الدعوة مهرولة في الطريق
أيَـا فْغَـدْ الشرفَـا : ووجدت وجهاء البلد
دْكَمَّــاسْ لْـمْـرَاحْ : وسط الباحة
فَـارْحَمْت آكِيــدِي : فلتشاركنَ فرحتي
أتَـاوْمَتينْ إينُــو : يا أخواتي
أتينـي يَعْنَـانْ : يا من يهمهن أمري
إيغْ إيسْلانْ إي مَمِّـي : هذا عرس ولدي
أدْعَـامْتْ أَكِيــدِي : ادعينَ لي
يَــزَاوْرَاسْ الخيرْ : بالخير
سَـسَّـاعْـدْ نِـيعَـلَّانْ : والسعد العالي
٦_إيسلاننا : العرس الذي يقيمه العريس
_شاتنا : الحفل الذي تقيمه العروس
_إمختاننا : حفل الختان
٧_إيتَرّاسَنْ : الفتية الشباب
٨_آنْرَارْ وَخّامْ : بيدر الدار
٩_تابْحِيرْتْ نَسْوَادَّا : بستان المنحدر
١٠_إيخَّامَنْ : البيوتات
١١_ما كانْ لَكْ غير آراتْ القهوة سَوْجْدَتْ آتاي وقُووولْها وضْحَكْ عليها : ما تسمع في رحبة الحفل سوى هاتوا القهوة احضروا الشاي طيلة الليل حتى بزوغ شمس الصباح
١٢_آرَّتْ البالْ آتَاوْمَات آرَّتْ البَالْ : فلتحذروا أيها الإخوة فلتحذروا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا